Loading...
error_text
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: کتابخانه عربی
اندازه قلم
۱  ۲  ۳ 
بارگزاری مجدد   
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: الخصوصيّات العلميّة والأخلاقيّة للطوسي

الخصوصيّات العلميّة والأخلاقيّة للطوسي

لا يمكننا أن نعتبر المحقّق الطوسي بمثابة عالم مختصّ في مجال الكتابة والتدوين، حيث لم يختصر حياته في عالم المفاهيم والعبارات فقط، بل حيثما وُجدت الأخلاق والكرامة الإنسانيّة نرى له قدماً، وكان يعمل على ترجيح القيم الإلهيّة والإنسانيّة على جميع الاعتبارات الأخرى. لذا يعدّ المحقّق الطوسي ممّن تحرّر من سجن النفس والأنانية; إذ لا يمكن أن يتحرّر الإنسان من السجن بالعلم والمعرفة فقط، بل لا بدّ كي يتحرّر الإنسان من ذلك من توفّر الإيمان باللّه تعالى فيه والتقوى والعمل الصالح. لذا، نرى أنّه بعد مرور سبعة قرون على عصر المحقّق الطوسي، لا يزال كلام هذا الرجل العظيم وفعله وعلمه حديث المحافل العلميّة، ومحرّك مجالس أهل العلم والحكمة والأخلاق.

نرى من المناسب هنا أن ننقل كلام العلاّمة والمحدّث الشهير الشيخ عباس القمي في رثاء المحقّق نصير الدين الطوسي، والتي تكشف عن عظمة مقامه وجلالة قدره، حيث يقول:

«حجّة الفرقة الناجية، الفيلسوف المحقّق أُستاذ البشر، وأعلم أهل البدو والحضر محمّد بن محمّد بن الحسن الطوسي الجهرودي، سلطان العلماء والمحقّقين وأفضل الحكماء والمتكلّمين، ممدوح أكابر الآفاق ومجمع مكارم الأخلاق، الذي لا يحتاج إلى التعريف; لغاية شهرته، مع أنّ كلّ ما يقال فهو دون رتبته».([1])

كما نقل العلاّمة القاضي نور اللّه الشوشتري (التستري) في كتاب مجالس المؤمنين كلاماً مشابهاً لهذا الكلام، حيث يصف درجات المحقّق الطوسي العلميّة بالشكل التالي:

«سلطان الحكماء والمتكلّمين، الحكيم النحرير نصير الملّة والدين محمّد بن محمّد الطوسي (طيّب اللّه مشهده)، الحكيم الذي جعل رأيُه القويم صورةَ الشريعة بمثابة الهيولى، والعليم الذي يعدّ نظره الصائب ناظراً في جميع الأحوال على العلّة الأولى، وصاحب الهمّة الذي ينهلّ أهل اليقين من بحر علمه، والنحرير الذي جعل تحريره الأسياد أرقاء، وتجريده نقلٌ لمحصّل أفكار الكبار من العلماء، الفيلسوف الذي تفتخر به أرواح أفلاطون وأرسطو، ويشكر مساعيه الجميلة لسان ابن سينا. العقل الفعال في إشراقه بمثابة الطفل الصغير أمامه، ومشكلات أرباب الكمال متوقّفة على نظرة منه.([2])

وقال في حقّه الفاضل النقّاد قطب الدين الإشكوري اللاهيجي في كتاب محبوب القلوب:

«كان فاضلا محقّقاً، ذلّت رقاب الأفاضل من المخالف والمؤالف في خدمته; لدرك المطالب المعقولة والمنقولة، وخضعت جباه الفحول في عتبته لأخذ المسائل الفروعية والأصولية، وصنّف كتباً ورسائل نافعة نفيسة في فنون العلم، خصوصاً قد بذل مجهوده لهدم بنيان الشبهات الفخرية في شرحه للإشارات:

تا طلسم سحرهاى شبهه را باطل كند***از عصاى كلك او آثار ثعبان آمده

ليبطل سحر الشبهات، ظهر من قلمه آثار الثعبان ».([3])

ومع غضّ النظر عن كون المحقّق الطوسي حكيماً وعالماً، كان يتمتّع بصفات جميلة وأخلاق حسنة، حتّى أنّ جميع المعاصرين له كانوا ينعتونه بأنّه يتحلّى بأفضل الأخلاق.

يكتب العلاّمة الحلّي الذي كان من تلامذة الخواجة نصير الدين الطوسي في المعقولات، وينقل ضمن إجازة بني زهرة عن أخلاق أستاذه العبارة التالية:

«وكان هذا الشيخ أفضل أهل عصره في العلوم العقليّة والنقليّة، وله مصنّفات كثيرة في العلوم الحكمية والشرعيّة على مذهب الإماميّة، وكان أشرف من شاهدناه في الأخلاق، نوّر اللّه ضريحه، قرأت عليه إلهيّات الشفاء لأبي علىّ ابن سينا، التذكرة في الهيئة تصنيفه، ثمّ أدركه المحتوم قدّس اللّه روحه».([4])

كما ينقل ابن شاكر في كتاب فوات الوفيات في وصف أخلاقه الكلام التالي:

«وكان حسن الصورة سمحاً كريماً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضل... وهذا غاية في الدهاء».([5])

وكذلك ينقل ابن شاكر قصّة غضب هولاكو على عطاملك الجويني، وتفكير المحقّق الطوسي بخطّة لتخليصه منه، وبعد ذلك يذكر أنّ هذا دليل على سياسته وحنكته، وأمّا حول حلم المحقّق الطوسي ينقل القصّة التالية:

«وممّا وقف له عليه، أنّ ورقة حضرت إليه من شخص، من جملة ما فيها: يا كلب يا ابن الكلب! فكان الجواب: أمّا قوله يا كذا! فليس بصحيح; لأنّ الكلب من ذوات الأربع، وهو نابح طويل الأظفار، وأمّا أنا فمنتصب القامة بادي البشرة عريض الأظفار ناطق ضاحك، فهذه الفصول والخواصّ غير تلك الفصول والخواصّ، وأطال في نقض كلّ ما قاله. هكذا ردّ عليه بحسن طويّة وتأنّ غير منزعج، ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة».([6])

كما ينقل الصفدي في كتاب الوافي بالوفيات مطالب ابن شاكر حول أخلاق المحقّق الطوسي وحلمه وذكائه.([7])

وينقل السيّد الأمين في أعيان الشيعة:

ويحسن هنا أن نذكر ما كتبه العالم الدمشقي مؤيّد الدين العرضي في مقدّمة رسالته التي أنشأها في شرح آلات مرصد مراغة وأدواته، والعرضي هذا أحد العلماء العرب الذين لبّوا دعوة رسول الطوسي، فترك دمشق ومضى إلى مراغة عاملا تحت لواء الطوسي في الميدان العلمي الواسع. وإليك ما كتبه في مقدّمة رسالته:

« ... وذلك كلّه بإشارة مولانا المعظّم والإمام الأعظم، العالم الفاضل المحقّق الكامل، قدوة العلماء وسيّد الحكماء، أفضل علماء الإسلاميّين بل المتقدّمين، وهو من جمع اللّه سبحانه فيه ما تفرّق في كافّة أهل زماننا من الفضائل والمناقب الحميدة، وحسن السيرة وغزارة الحلم وجزالة الرأي، وجودة البديهة والإحاطة بسائر العلوم، فجمع العلماء إليه وضمّ شملهم بوافر عطائه، وكان بهم أرأف من الوالد على ولده، فكنّا في ظلّه آمنين وبرؤيته فرحين، كما قيل:

نميل على جوانبه كأنا * نميل إذا نميل على أبينا

ونغضبه لنخبر حالتيه * فنلقى منهما كرماً ولينا

وهو المولى نصير الملّة والدين محمّد بن محمّد الطوسي أدام اللّه أيّامه، ولقد كنت:

واستكبر الأخبار قبل لقائه * فلمّا التقينا صغّر الخبر الخبر

فللّه أيّام جمعتنا بخدمته وأبهجتنا بفوائده، وإن كانت قد أبعدتنا عن الأوطان والعشيرة والولدان، فإنّ في وجوده عوضاً عن غيره، ومن وجده فما فاته شيء، ومن فاته فقد عدم كلّ شيء، فلا أخلانا اللّه منه وأمتعنا بطول بقائه».([8])

وكان ابن الفوطي من تلاميذ الخواجة الطوسي، حيث تتلمذّ على يديه سنوات عديدة، يكتب حول أخلاقه في كتاب الحوادث الجامعة:

«كان الخواجة الطوسي رجلا فاضلا، كريم الأخلاق، حسن السيرة متواضعاً. ولم يحصل أن آذى أحداً أو ردّ محتاجاً، وكان مع ذلك يتعامل مع الجميع بوجه بشوش».([9])

ومهما يكن من أمر، بالإضافة إلى النشاطات العمليّة التي قام بها المحقّق الطوسي، كان له تأثير كبير في مجال العلم والمعرفة أيضاً. وقد يعتقد البعض بأنّ الكتب التي دوّنها المحقّق الطوسي في الفترة التي كان فيها مقيماً في قلاع الإسماعيليّين; من قبيل: كتاب أخلاق ناصري وأوصاف الأشراف وأخلاق محتشمي، والحال أنّه ـ كما تمّت الإشارة إليه ـ أضاف إلى كتاب أخلاق ناصري فصلين من الحكمة العمليّة. وألّف هذا الكتاب بشكل مستقلّ، وإن كان قد استفاد من كتاب ابن مسكويه وآخرين عند تأليفه.

وقد يُتصوّر بأنّ ما ذكره المحقّق الطوسي من مطالب سياسيّة وبالأخص ما أورده في كتاب أخلاق ناصري، إنّما كان بشكل نظري ومثالي، دون أن يكون لديه اهتمام كبير في الحاجات الواقعيّة التي يقتضيها زمانه. لكن هذا التصوّر خلاف الواقع، إذ يمكن القول بأنّ السبب الذي جعل المحقّق الطوسي يضيف على ترجمة كتاب «طهارة الأعراق» لابن مسكويه الرازي فصلين; بعنوان سياسة المدن وتدبير المنزل، وأكمل بذلك ذكر الحكمة العمليّة، بالإضافة إلى إعطائه صبغة معنوية للقسم الأوّل من هذا الكتاب، وإخراجه إيّاه عن كونه مجرّد قشور وحاشية على الفلسفة اليونانية.([10]) هي الحاجة الملحّة التي كان المحقّق الطوسي يراها في ضرورة الإجابة على مستلزمات عصره. ومن الواضح أنّ هذا لم يكن بعيداً عن اهتمامه بسياسة زمانه. بل إنّه ذكر في مقدّمة هذا الكتاب « أخلاق ناصري » بأنّه إنّما شرع بتدوين هذا الكتاب، لتجديد الحكمتين العمليّة والنظريّة، واللتين اندرستا مع مرور الزمان. ومن الواضح أنّ مقصود المحقّق الطوسي من ذلك هو أن لا تضمحلّ وتتلاشى الحكمة العمليّة والمباحث الغنية التي جاء بها الفلاسفة السابقون، جراء الاضطراب الذي سببه غزو المغول.

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي، ج 3، ص 208.

[2] . مجالس المؤمنين (فارسي)، القاضي نور اللّه الشوشتري، ج 2، ص 201.

[3] . محبوب القلوب، ص 414 ـ 415.

[4] . بحار الأنوار، ج 107، ص 62.

[5] . فوات الوفيات، ج 2، ص 252.

[6] . فوات الوفيات، ج 2، ص 253.

[7] . الوافي بالوفيات، ج 1، ص 149.

[8] . رسالة في شرح آلات مرصد مراغة وأدواته، نقلا عن أعيان الشيعة، ج 14، ص 247.

[9] . أحوال و آثار نصير الدين، محمد تقي مدرس رضوي، ص 78، نقلا عن الحوادث الجامعة لابن الفوطي.

[10] . يعتقد الدكتور ديناني بأن السبب الذي جعل المحقّق الطوسي يرفض طلب محتشم قهستان بترجمة كتاب ابن مسكويه في البداية، هو أن مجرّد الترجمة ونقل الأفكار، دون إضافة أو إعمال نظر من قبل المحقّق الطوسي ليس من شأنه، لكنّه قام بعد ذلك بهذا الأمر، وذلك عندما أتيح له إضافة بعض المطالب من عنده. (راجع: غلام حسين ابراهيمي ديناني، نصير الدين طوسي فيلسوف گفتگو (فارسي)، ص 504.

عنوان بعدیعنوان قبلی




کلیه حقوق این اثر متعلق به پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی می باشد.
منبع: http://saanei.org