Loading...
error_text
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: کتابخانه عربی
اندازه قلم
۱  ۲  ۳ 
بارگزاری مجدد   
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: المقدمة

المقدمة

جاء في الحديث: «إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال».[1]

لقد دعا اللّه سبحانه وتعالى الإنسان إلى التدبّر فيما يحيط به من بديع الخلق وجميل الصنع. ذلک أنّ منشأ هذا الإبداع والجمال وهذا الصنع والنظم هو اللّه عزّوجل، فهو تعالى مظهر الجمال وصاحب الجمال بل ذاته.

إنّ الميول السامية من وجهة نظر المختصّين والخبراء في علم النفس، على أربعة أنواع: والنوع
الثاني منها، عبارة عن: حبّ الجمال. فالإنسان بطبعه وفطرته ينجذب إلى الجمال، وتهتزّ عاطفته لإدراک كلّ ما هو جميل، فيحدث لديه انشراح وابتهاج خاصّ بتأثير من شعوره بالجمال. كما تثبت التنقيبات الأثرية التي قام بها علماء الآثار أنّ حبّ الجمال لدى الإنسان ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، وما قبل التاريخ أيضآ.

يقول الأستاذ الشهيد مرتضى المطهري :

«إنّ الذي يحتاج إلى بحث مُلِحٍّ أكثر من أيّ شيءٍ آخر، هو ما إذا كان الإسلام قد اهتمّ بالبُعد الرابع من وجود الإنسان، ونعني بذلک استعداد الإنسان الفطري وحبّه للفن وانجذابه للجمال، أم لا؟ هناک من يذهب به التصوّر إلى الاعتقاد بأنّ الإسلام جاف وشديد الجمود والتخشّب من هذه الناحية، وبعبارة أخرى: إنّ الإسلام يُميت الذائقة، ويقتل الشعور! وبطبيعة الحال فإنّ مستند الذين يذهب بهم التصوّر إلى إصدار مثل هذه الدعوى، هو أنّ الإسلام لم يتفاعل مع الموسيقى، ومنع من توظيف الأنثى والعنصر النسوي والرقص والنحت وما إلى ذلک.

بيد أن إصدار الأحكام على هذه الشاكلة لا يبدو صائبآ. وعلينا أن ندقق النظر في الأمور التي وقف الإسلام ضدّها وحاربها، لنرى ما إذا كان موقف الإسلام السلبي منها يعود إلى جمالها، أو لاقترانها بأمور أخرى تخالف الفطرة الفردية أو الاجتماعية للإنسان؟ ولنرى أيضآ ما إذا كان الإسلام ـ في غير هذه الموارد ـ قد عارض أو حارب فنآ من الفنون الأخرى؟[2]

وقال في موضع آخر :

«إنّ الفنّ منبثق عن فطرة الإنسان في حبّ الجمال. فالإنسان منجذب بطبعه نحو الجمال، سواء على مستوى الانجذاب فقط، أو العمل على إبداع الجمال الذي نطلق عليه تسمية (الفن)».[3]

إنّ التعاليم السماوية تتلاءم مع الخصائص الجسدية والروحية للإنسان، وإنّ حبّ الجمال ـبشهادة علماء النفس ـ يعدّ واحدآ من الأبعاد الروحية الأربعة المودعة في الإنسان. واللّه الذي هو مظهر الجمال يحبّ الجمال. وهو الخالق لكلّ ما هو جميل، قد أودع في وجودنا حبّ الجمال لنستدلّ به عليه. قال سبحانه وتعالى: ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ).[4] وعليه فقد كان الإنسان يشاهد الجمال

ويلاحظ حبّ هذا الجمال منذ بدء الخليقة، وكان يبدي ردّة فعل تلقائية بما يتناسب والجمال الذي يمثل أمامه في أيّ مكان أو زمان أو موضوع. وبطبيعة الحال فإنّ حبّ الجمال ومعرفته من المشاعر الفطرية التي لا تقبل الإنكار، وهي التي أودعها اللّه في وجود الإنسان كي ينمّي عنده الشعور بالنزوع إلى التكامل.

من هنا، يعدّ الاهتمام الخاص الذي يوليه أبناء البشر تجاه الجمال، بما يتناسب وطبيعتهم الفطرية، وتوظيفهم للجمال بوصفه مظهرآ من مظاهر جمال اللّه.. يُعدّ من الاحتياجات الأولية والفطرية لكلّ
إنسان، والهدف منه إشباع الرغبة إلى الكمال، وهي رغبة مودعة في جبلّة كلّ فرد منّا.

إنّ «الغناء والموسيقى» هما من أبرز مصاديق الجمال ومظاهره وأكملهما، بحيث إنک تجد تأثيرهما العميق على كلّ إنسان أيآ كان انتماؤه أو عقيدته، وأيآ كان سنّه وثقافته وجنسه، وبشكل لا يمكن إنكاره أو توصيفه.

فمهما كان الوضع المادي للإنسان ـ ثريآ أو فقيرآ أو من الطبقة المتوسّطة ـ فهو يتعاطى مع «الغناء والموسيقى» بنحوٍ من الأنحاء (خلافآ للتصوّر السائد)، فالاستفادة منهما غير مقصورة على طبقة السلاطين والملوک والأمراء والخلفاء فقط، وإن كان المرح والقصف والصخب والمتعة والاستفادة من الغناء والموسيقى تبلغ ذروتها في إطار تحقيق أهداف الدول والسلاطين.

ونظرآ للوضع السائد حاليآ في العالم المعاصر، ومع الأخذ بعين الاعتبار الإقبال الكبير من قبل مختلف طبقات المجتمعات، وخاصة طبقة العامة على الغناء والموسيقى، فإنّهما باتا يعدّان من أهمّ وسائل استثمار السلطات لبلوغ أهدافها التي تقف إلى الضدّ من القيَم الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.

واليوم يتمّ إنفاق الجزء الأكبر ـ أو جزء كبير في الحدّ الأدنى ـ من الدخل أو الوقت على هذا الموضوع. كما تعمد الدول إلى تخصيص جزء من نشاطها ووقتها وميزانيتها لتأسيس المنظمات والمؤسّسات في هذا السياق، من أجل الوصول إلى أهدافها المنشودة.

وكما تقدّم، فقد كان «الغناء والموسيقى» منتشرين منذ بدء الخليقة وبين جميع القبائل والأمم بنحو من الأنحاء، غاية ما هنالک أن الاختلاف يكمن في مقدار تأثيرهما. ونحن في هذا المقال لا نسعى إلى البحث عن الجذور والمسار التاريخي لهما، كما أنّ هذا الجانب لا يحتوي على كبير أهمية بالنسبة إلى بحثنا.[5] نعم، تعاطي الإسلام ـمنذ

ظهوره وانتشاره وبعد ذلک في عصر الأئمة المعصومين : ـ مع هذه المقولة، فله تأثير كبير في استنباط الحكم الشرعي.

أما الروايات الواردة في مصادرنا، فإنّ عددآ ليس بالقليل منها يحث على تلاوة القرآن بصوت حسن. عبر الإشارة إلى قراءة المعصومين : للقرآن الكريم بصوت حسن وجميل.[6] بل إنّ بعض

الروايات فيها حث مباشر للمسلمين على قراءة القرآن بصوت جميل.[7]

وعلى الرغم من ذلک، فإنّ سلاطين بني أمية وبني العباس في عصر الأئمة :، قد عمدوا إلى توظيف «الغناء والموسيقى» في إطار اللّه‌و ومجالس الخمور والفحشاء والفساد والهوى. إنّ هؤلاء السلاطين كانوا ينفقون في بعض الأحيان أموالا طائلة على الموسيقيين والمطربين، وكانت مجالسهم يصحبها في الغالب شربٌ للخمور وغير ذلک من المحرمات والموبقات. وهذا ما يذكره الكثير من المؤرخين في كتبهم، وخاصة أبوالفرج الإصفهاني في كتاب «الأغاني»، الذي يعدّ كتابآ خاصّآ
بموضوع الغناء والعازفين والشعر والأدب، وقد تعرّض للكثير من القصص التي تعكس هذه الحقيقة.[8] حتى أنّ بعض الروايات الواردة عن

المعصومين في هذا المجال تشير بوضوح إلى هذه المجالس. وعلى كلّ حال فإنّ الغناء وإن أسيء استغلاله على هذا النحو من قبل هؤلاء الأمراء والسلاطين، إلا أنّ توظيفه لم يكن مقصورآ على هذا الصنف من السلاطين وهذا النوع من المجالس.

وفي العصر الراهن ـ كما في العصور الغابرة ـ يتمّ التعاطي مع مقولة الموسيقى والغناء بمختلف الأشكال والأهداف، وبالتناسب مع هذه الأهداف والدوافع يتمّ عرض وانتاج الكثير من أنواعهما، وتقديمها إلى المخاطبين.

إنّ هذه الأنواع المختلفة تؤدّي أحيانآ إلى تخدير روح الإنسان وجميع أعضائه وجوارحه، وتعمل على توظيفها واستخدامها في الأهواء والشهوات، والتشجيع على العنف، والدعوة إلى العنصرية والكراهية وما إلى ذلک، بينما يعمل البعض الآخر على العكس من ذلک تمامآ، حيث يدعو المخاطبين إلى المحبة والتعاطف مع الإنسانية، والحثّ على الشجاعة، ومقارعة الظلم، ونصرة المظلومين، ومحاربة الظالمين، وتعزيز روح التضحية والاستشهاد، والإيثار، بل والدعوة إلى التوحيد، وإشاعة الأحكام وما إلى ذلک.[9]

إنّ هذا التشتت والاختلاف في الأنواع المذكورة، يترک المكلف في حيرة من أمره. أجل .. يعلم الجميع جيدآ ودون أدنى تردّد بأنّ بعض أنواع الغناء والموسيقى هو بالوجدان من مصاديق «الغناء والموسيقى» المحرّمة من الناحية الشرعية والتي تستوجب لذلک سخط الربّ، ولكن في الوقت نفسه هناک أنواع أخرى من الموسيقى والغناء ذات طابع مختلف تمام الاختلاف عن القسم الأول، بل إنها ذات أهداف هي غاية في النبل والرفعة، وعليه لايمكن أن تدخل فيما يوجب سخط الشارع المقدس وغضبه.

حصيلة ما تقدّم: «إنّ الغناء والموسيقى» مثل سائر المقولات الأخرى ـ من قبيل: الحاسب الآلي، والراديو، والتلفاز، والأقمار الصناعية، وشبكة الإنترنت ـ لهما أبعاد وحدود مختلفة ومتعدّدة. فيمكن توظيفهما في إطار الأهداف الهدامة والمضلّة، وتسفيه الأحلام، وإهدار الطاقات الشابة والفاعلة في المجتمع، كما يمكن الاستفادة منهما في بلوغ الأهداف السامية، من قبيل: ترويج العلم والفكر، وخلق الحوافز والدوافع الروحية والعاطفية في المسار الصحيح، والتعريف بالمعصومين : وسجاياهم ومناقبهم ومكارم أخلاقهم.

ويبدو في هذه اللحظة الراهنة ـ التي شمّر فيها أعداء الإسلام عن سواعدهم من أجل تشويه الدين الإسلامي الحنيف، وإظهار الإسلام المحمّدي الأصيل والناصع بوصفه دينآ رجعيآ يخالف مظاهر الجمال ـ أنّ الواجب يدعونا إلى تقحّم الاحتياط، والنظر إلى النصوص والمصادر الدينية برؤية جديدة، وبذل جهود مضاعفة ودقيقة لاستنباط الأحكام الشرعية المتناسبة وحاجة المجتمعات المعاصرة، يتمّ فيها تجنّب ما يستجلب سخط اللّه على نحو القطع واليقين؛ إذ من غير المنطقي أن ندعو إلى نبذ ذلک القسم من «الموسيقى والغناء» الذي لايشتمل على أيّ أثر من الضلال والفساد، بل تترتب عليه أهداف سامية من قبيل الدعوة إلى الصلاح، والابتعاد عن القبائح؛ لمجرّد الشک والشبهة في حليتها وإباحتها.

والأهم من ذلک أنّ هذه هي الوسيلة التي يعمد أعداؤنا إلى توظيفها ضدنا، وعليه يتعيّن علينا محاربتهم بنفس السلاح، وتوجيه الجانب الإيجابي منه إلى ذات المخاطبين، وبذلک نردّ كيد الأعداء إلى نحورهم.

واليوم، حيث ترتبط حياة جميع الناس بشكل لا إرادي بالأدوات والأجهزة الحديثة، ووسائل الإعلام والتواصل ارتباطآ وثيقآ، فتطرح تساؤلات وشبهات متعدّدة من قبل العدو والصديق، وبشكل مقصود أو عفوي، يجدر بنا من خلال نظرة واعية ومتعمّقة تتناسب وحاجة العصر والمجتمع أن نعمل على رفع الكثير من الغموض، والعثور على حلول جذرية للمشاكل الدينية المستعصية من خلال الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة الشريفة، وتقديم إجابات مناسبة وواضحة وعلمية عن هذا النوع من التساؤلات، بحيث تقنع المكلفين والمتشرّعة فيما يتعلق بهذا النوع من الشبهات. وإننا نجد نماذج من هذه الأسئلة من خلال نظرة عابرة نلقيها على ركام الاستفتاءات المرفوعة إلى العلماء الأعلام (حفظهم اللّه) بشأن «الموسيقى والغناء». وهي أسئلة من قبيل :

1ـ ما هو مفهوم الغناء؟

2ـ ما هو مفهوم الموسيقى؟

3ـ ما هي نقاط الاشتراک والاختلاف بين الموسيقى والغناء؟

4ـ هل يمكن توظيف الغناء في تجويد القرآن الكريم، ورثاء الإمام الحسين (ع) وسائر الأئمة من أهل البيت :؟

5ـ هل الغناء حرام بقولٍ مطلق؟

6ـ إذا لم يكن الغناء حرامآ بقولٍ مطلق، فما هي حدود المحرّم منه؟

7ـ ما هو الحكم عند الشک في مصاديق الحرمة ومواردها؟

8ـ إذا كان الملاک في حرمة «الموسيقى والغناء» هو اشتمالهما على اللّه‌و واللعب والضلال، فما هو حكم الغناء الذي لا يشتمل على شيء من ذلک؟

9ـ ما هو حكم الاستماع إلى الابتهالات والتواشيح والمراثي والقصائد الجميلة التي تقال في التوحيد ومناقب وفضائل النبي الأكرم وأهل بيته :؟

10ـ ما هو حكم الكثير من البرامج التعليمية على جميع المستويات ـ الأعم من الصغار واليافعين والشباب، وحتى كبار السن ـ حيث تدخل «الموسيقى والغناء» فيها بدافع رفع المستوى الكيفي في عملية التعليم؟

11ـ هل يمكن لما يتمّ بثه من الإذاعة والتلفزة المحسوبة على الجمهورية الإسلامية أن يكون مناطآ وملاكآ لحلية وإباحة هذا النوع من «الموسيقى والغناء» أم لا؟

وحيث إننا نجد الإجابة عن المسائل المستحدثة والمشاكل المعقدة التي تشغل بال المتدينين والمتشرّعين، من أهمّ الواجبات الملقاة على عاتق الحوزة العلمية، نسعى في هذه السلسلة إلى العثور على إجابات متقنة ومستدلّة عن هذه التساؤلات والشبهات المطروحة.

وفي هذا الإطار، فإنّ الأمر الواضح الذي لا يمكن إنكاره هو الحاجة الماسّة في الرجوع إلى مصادر الاستنباط الفقهي من القرآن الكريم والسنة المطهّرة، والنظر فيها نظرة مغايرة عن النظرة السابقة، والحصول على استنباطات عصرية مستندة إلى آراء السلف الصالح في إطار الحفاظ على الفقه الجعفري وصيانته.

من هنا، فإننا نسعى في هذا المقال إلى دراسة موضوع «الموسيقى والغناء» بالنظر إلى هذه الحاجة، ومن زاوية الآراء الفقهية القيّمة لسماحة آية اللّه العظمى الشيخ يوسف الصانعي (مدّظله العالي).

جديرٌ بالذكر أننا رغم اعتبارنا المبالغة في الاحتياط والجمود على الآراء المتقدّمة منافيآ للتفقّه الحقيقي، وعلى الرغم من قولنا بأنّ الخشية من الجهر بالآراء الجديدة تؤدّي إلى الإحباط والظن بعدم إمكان تطبيق الدين الإسلامي الحنيف على جميع الأزمنة والأمكنة، لا نسعى أبدآ إلى تبرير ما يوجب وهن الدين ورموزه.

والحمد للّه رب العالمين

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . الكافي، ج6، ص438، باب: التجمّل وإظهار النعمة، ح 1؛وسائل الشيعة، ج5، ص5، باب: استحباب التجمّل، ح 2.

[2] . تعليم وتربيت در اسلام (التربية والتعليم في الإسلام)، ص70.

[3] . فطرت (الفطرة)، ص80.

[4] . سورة الحجر، آلاية 29.

[5] . لمزيد من الاطلاع، انظر: كتاب ميراث فقهي 1 (التراث الفقهي1)، فصل الغناء والموسيقى.

[6] . الكافي، ج2، ص615، باب: ترتيل القرآن بالصوت الحسن، ح4، و ص616، ح 11؛ وسائل الشيعة، ج6، ص211، باب :تحريم الغناء في القرآن واستحباب تحسين الصوت به، ح 2 و4.

[7] . وسائل الشيعة، ج6، ص211، باب: تحريم الغناء في القرآنواستحباب تحسين الصوت به، ح 3و 5 و 6.

[8] . مروج الذهب، ج3، ص361؛ البداية والنهاية، ج10، ص188،الأغاني، ج3، ص50، و ج4، ص280، و ج5، ص 49 و 113و 115 و 148.

[9] . ومن ذلک: التواشيح، والابتهالات، والمدائح النبوية، والأشعارالدينية في مدح المعصومين : وذكر مناقبهم، وكذلکالمراثي ومراسم التعزية لسيّد الشهداء 7 وسائر المعصومين.

عنوان بعدی




کلیه حقوق این اثر متعلق به پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی می باشد.
منبع: http://saanei.org