نعلم أنّ لشهر رمضان أهمية خاصة، حيث يحلّ المؤمن ضيفاً على البارىء تعالى، والداعي هو رسول الله (ص). وزمان الدعوة هو شهر رمضان المبارك. "قد أقبل إليكم شهر الله". كلنا ضيوف على الله، وتلطّف علينا الله بدعوته إيّانا، ومن لطفه كذلك أن فرض علينا الصوم، لكي يكون تمريناً لترك الذنوب وما ينبغي لنا عدم القيام به. بعبارة أخرى: يتحصّل لدينا فيه وثوق بالنفس وتتكوّن عندنا شخصية، ونشعر بقيمة لأنفسنا. ومن ألطافه أن أوجب علينا الصوم ولم يجعله مستحباً. وجعل فيه حتّى التنفّس والنوم عبادة... وكثير من الأمور التي وردت في الخطبة الشعبانية لرسول الله (ص).
لشهر رمضان المبارك امتيازات كثيرة. لكن لماذا هذه الامتيازات وضعت لهذا الشهر؟ هل هي لأجل نزول القرآن فيه، وهو امتياز بحدّ ذاته؟ يقول الله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) وهذا ممّا يضفي أهمية قصوى لهذا الشهر.
لكن نزول القرآن ليس الأمر الوحيد الذي يمنح هذا شهر رمضان قيمة خاصة، والعامل الأساس لأهمية هذا الشهر هو ما ورد في العبارة اللاحقة للآية: (انزل فيه القرآن هدى للناس). فهداية البشرية هي التي تمنح القرآن أهمية قصوى وتمنح شهر رمضان أهمية خاصة. فالقرآن مصدر هداية البشرية، وهذه الهداية من القيم العليا للقرآن، وقد ركّز عليها القرآن. وكما تعلمون وكما ورد في الروايات نقلاً عن رسول الله (ص) بأنّ الرسول كان يرجّح هداية انسان واحد على الدنيا بأكملها.
للهداية معنى عام. إنّكم تدعون الناس للعدالة، وهذا قيمة بالنسبة إليكم، سواء كنتم مسلمين أو غير مسلمين، وسواء كنتم غافلين أو غير مسلمين قاصرين. أو أنكم تدعون الناس للحفاظ على الأمانة أو إلى الحرية أو إلى الفضائل، هذه كلّها هداية.
وهناك قسم آخر للهداية، الهداية للتوحيد والنبوة والمعاد، وهذا هو أساس الهداية. واعلموا أنّ الدعوة لكلّ شيء يرتضيه العقل، ويعدّه العقلاء حسناً، على أي مذهب وفكر كنتم، وهداية المجتمع نحو هذه الأمور يعدّ حسنة. باب الهداية أصبح مفتوحاً اليوم للجميع، لكن قيمة أنواع الهداية تختلف.
سعى الميرزا الشيرازي الكبير (قدس سره) طوال عمره لهداية المجتمع نحو الفقه، وهذا أمر له قيمته الخاصة، لكنّ له عبارة تحظى بقيمة أرفع، حيث قال: "اليوم شرب الدخانيات بمنزلة محاربة إمام الزمان سلام الله عليه". كما أنّ امام الأمّة كتب ودرّس الفقه والاصول والفلسفة والعرفان. وهذه هداية. لكن الهداية التي تجلّت في نضاله طوال عمره تحظى بأهمية عالية وأعلى من تلك الهداية، وهناك فرق بين هداية الامام بفقهه واصوله وفلسفته وهدايته التي تجلّت في نضاله.
ثمّ أشار آية الله العظمى إلى حوادث العراق وقال:
هذه الفرقة التي نشأت في العراق لا تحارب السنة ولا الشيعة ولا تحارب العراق الموحّد بل تحارب الإنسانية، وتعادي البشرية. ولذلك نجدهم يعذبون ويذبحون المسيحيين، ويخربون الكنائس كما يخربون الحسينيات، ويذبحون الجنود الذين يأسرونهم بنحو فضيع، وفي كلمة واحدة: إنّهم يرتكبون أبشع الجرائم.
بالطبع، هناك جرائم غير قليلة في الدنيا لكن ليس بهذا المستوى من الوحشية والعمومية، يقطعون الرؤوس ويضعونها فوق صدور المذبوحين، ويأخذون صوراً تذكارية مع قرابينهم! وينشرونها لكي ينتصروا من خلال هيمنة الرعب. وهؤلاء هم الذين فجّروا برجاً كبيراً في امريكا وقتلوا الكثير فيه، وهم الذين ارتكبوا آلاف الجرائم عندما حكموا افغانستان، بحيث كانوا يعاقبون من يحلق لحيته! واذا انكشفت شعرتان من المرأة عاقبوها بأشد ما يمكن العقاب به. هدف هذه الفرق هو جرّ الاسلام نحو الرجعية من خلال إحلال الرعب والخوف لدى الناس. وانا بصفتي طالب علوم دينية منذ سنوات وشبت على دراسة الفقه الإسلامي وقيمه أعلن بصراحة أن لا شيء من تصرّفات هذه الفرق القبيحة والعنيفة تمتّ بالاسلام، ولا تنسجم مع قداسة الإسلام وحامل الشريعة أي رسول الرحمة (ص) لكن استغلوا الإسلام لتبرير أعمالهم.
واستمرّ مرجع التقليد قائلاً:
مقام مرجعية عالم التشيع في العراق اليوم سماحة آية الله العظمى السيستاني (حفظه الله وأدام الله ظله على رؤوس المسلمين) أدرك جيدا أوضاع العالم الإسلامي، وأقدم بنحو محسوب على هداية الناس والحكّام، وقيمة هداياته عالية جداً. إنّه يعمل على إنقاذ البشرية لا العراق. فليدع الجميع في شهر رمضان هذا لأن يعمل الناس وفق هداياته، إنّه يريد تطبيق القوانين، إنّه لا يخرم القوانين، إنّه يريد تطبيق الإسلام، إنّه لا يخالف الإسلام، إنّه يتطلّع إلى الحرية، إنّه لا يخالف الحرية، إنّه لا يريد للمشاق التي تحمّلها الشعب العراقي في نضاله ضدّ صدام أن تذهب سدى. إنّه من الذين نال قسطاً من الضرر، فكيف يمكنه أن يسمح بأن تذهب المتاعب سدى؟ من الخداع أن يقال بأنّ قلبه لا يحترق للعراق والعالم الإسلامي، بل رضا المسلمين والإسلام العزيز هو على رأس قائمة أهداف المرجعية العليا في العراق. نأمل من الشعب العراقي في الدرجة الأولى والشعوب الأخرى بالدرجة الثانية أن تطبّق هدايات هذه الشخصية وإرشاداتها، وهو في مثل هذه القضايا له تسلّط على الحكم وتسلّط على الموضوع، والتسلّط على الحكم والموضوع أمر مهم.
التاريخ : 2014/07/05