|
المبحث الأول: أدلة شهادة النساء في الدَّين والأمور المالية
بيان الموضوع مسألة الدَّين من الموضوعات التي قبل الفقهاء فيها بشهادة النساء وأفتوا على وفقها، ورغم أن الآية 282 من سورة البقرة ـ وهي أحد أدلة الفقهاء ـ مرتبطة بالدَّين بمعناه الأخص، وهو القرض،(85) إلا أن كلمات الفقهاء اتخذت الدَّين هنا بمعناه العام، فالنراقي صاحب مستند الشيعة يفسّر الدين بمعناه العام ويقول: «المراد من الدين، وأنه مال متعلّق بالذمة لغةً وعرفاً، بأي سبب كان، وهو الدين بالمعنى العام».(86) وقد عنون الفقهاء العظام هذا البحث بعناوين مختلفة، فذكر بعضهم، مثل العلامة الحلي في «إرشاد الأذهان»: «وأما الديون والأموال».(87) وفي بعض الكلمات الأخرى جاء: «ما يكون مالاً»،(88) فيما جعل بعضهم العنوان هو جملة «ما يكون ديناً»،(89) إلا أن أكثر الفقهاء عبروا: «ما يكون مالاً أو المقصود منه مالاً»،(90) وذكروا موضوعات مختلفة تحت هذه القاعدة، وحكموا بقبول شهادة المرأتين المنضمة إلى الرجل الواحد. أحد الفقهاء الذين جعلوا تمام الموارد مشمولةً لقاعدة «ما يكون مالاً أو المقصود منه المال» وذكروها بشكل كامل، كان المحقق أحمد الأردبيلي حيث يقول: «وهو في بعض العبارات ما يكون مالاً، وبعضها ما يكون ديناً، وفي الأكثر ما يكون مالاً أو المقصود منه مالاً... كالأعيان المغصوبة، والوديعة، والديون الثابتة في الذمم، قرضاً أو غيره، والعقود المالية مثل البيع والإقالة والردّ بالعيب والرهن والحوالة والضمان والصلح والقراض والشفعة والإجارة، والمزارعة والسبق والرماية والهبة والإبراء والوصية بالمال والإقرار به، والمهر في النكاح، والوطء بالشبهة والزنا، وإتلاف الأموال والجنايات الموجبة للمال كقتل الخطأ، وجنايات الصبيان، والمجانين، وقتل الحرّ العبد والمسلم الذمي والوالد الولد،(91) والسرقة لأخذ المال خاصة دون القطع، وكذلك الأمور المتعلّقة بالعقود والأموال كالخيار، والشرائط المتعلّقة بها مثل الأجل، والحلول ونحو ذلك... فتأمل في الأمثلة وضبطها».(92) ورغم أن المقدس الأردبيلي قد أمر بالتأمل في هذه الأمور وأنها مصداق لتلك الضابطة، وأمره بالتأمل فيها إشارة إلى عدم الدليل عليها من نصّ وإجماع على هذه القاعدة، كما أشار في موضع آخر: «فإن كانت هذه القاعدة منصوصة أو مجمعاً عليها يجب العمل بها، وإلا فلا، ولا أعرف شيئاً منهما».(93) الآراء والنظريات لا اختلاف بين الفقهاء في قبول شهادة النساء في الجملة في باب الديون، بل قد صرّح بعضهم بعدم الاختلاف في ذلك، وهم ابن ادريس الحلي في السرائر،(94) والسبزواري في الكفاية،(95) وصاحب الرياض،(96) بل إن بعض الفقهاء من أمثال ابن زهرة،(97)والعلامة الحلي في «مختلف الشيعة»،(98) وابن إدريس في موضع من السرائر، كما ينقل صاحب الرياض،(99)ادعوا الإجماع على قبول شهادة النساء في الديون والأموال. أدلة مساواة شهادة المرأتين للرجل الواحد في الديون والأموال استدلّ ـ لإثبات هذه النظرية ـ بأربعة وجوه هي: أ ـ الكتاب العزيز: قال تعالى: (... إِذَا تَدَايَنتُم بدَيْن... وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)(100) ب ـ الأصل والقاعدة: أي الأصل والقاعدة القائمان على بناء العقلاء وإلغاء الخصوصية عن باب الشهادات، وإلغاء الخصوصية هنا يؤيَّد بعموم رواية عبد الكريم(101)وعمومات أدلّة الشهادة،(102) إلا أن المستدلين لم يحدّدوا مرادهم هنا بعمومات الأدلّة، لذا يحتمل في مقصودهم أربعة احتمالات هي: 1 ـ عموم الآية الكريمة: (وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ)(103) 2 ـ عموم ما دلّ على لزوم أخذ الشاهد في باب القضاء. 3 ـ عموم أدلة حرمة كتمان الشهادة. 4 ـ عموم أدلّة وجوب الإظهار. ج ـ السنّة (الروايات) 1 ـ رواية داوود بن الحصين عن أبي عبد الله(عليه السلام): فقلت: فأنى ذكر الله تعالى قوله: (فرجل وامرأتان) فقال: «ذلك في الدين، إذا لم يكن رجلان، فرجل وامرأتان، ورجل واحد ويمين المدّعي، إذا لم يكن امرأتان، قضى بذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين بعده عندكم»(104) 2 ـ مرسلة يونس، قال:«استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان...».(105) 3 ـ موثقة منصور بن حازم، قال: حدثني الثقة، عن أبي الحسن(عليه السلام)قال: «إذا شهد لصاحب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز».(106) كيفية الاستدلال حيث كانت شهادة الرجل الواحد مثبتةً للحقّ إذا انضمّت إليها يمين المدّعي، فإن وضع كلمة «امرأتان» مكان الرجل الواحد سوف يعني أن شهادة المرأتين تساوي شهادة الرجل الواحد. روايات باب الحدود،(107) والوصية،(108) والإرث،(109) والديات(110) لقد أوضحنا هذه المجموعة من الروايات وتحدّثنا عنها مفصلاً لدى التعرّض للأدلّة العامة لشهادة النساء; لذا نصرف النظر عن تكرار الحديث هنا.د ـ الاجماع نقل الإجماع من بعض الفقهاء، مثل ابن ادريس،(111) وابن زهرة،(112) لكن مع الأخذ بعين الاعتبار أن المسألة ورد فيها آية شريفة وروايات، لم يعد يمكن عدّ الإجماع دليلاً مستقلاً. دراسة الأدلّة الدالة على عدم تساوي شهادة المرأة والرجل في الديون والأموال نبحث الآن في تعداد الموارد التي يحتاج فيها إلى المرأة الشاهد في الأمور المالية، لنرى هل يمكن بالنظر إلى الآيات والروايات الواردة أن نقول بتساوي شهادة المرأة والرجل من حيث العدد في هذه الأمور أم لابدّ من ذكر تفسير آخر؟ أ ـ الكتاب الكريم قال تعالى: (... وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الاُْخْرَى ...)(113) 1 ـ كيفية الاستدلال عندما يريد الرجال أن يقدّموا شهادةً في الشؤون المالية فإنه يكفي ـ طبقاً لنصّ القرآن ـ أن يكونا رجلين، أما إذا أرادت النسوة تقديم شهادتهنّ مع شهادة الرجال فإنه يحسب مكان كلّ رجل امرأتان، فلا تكفي شهادة المرأة الواحدة، ولا يفوتنا أنّ صراحة الآية وإلغاء الخصوصية فيها بالنسبة إلى الرجال، والفهم العرفي لها، مع الرواية (114) الدالة على أن شهادة النساء نافذة في الأمور المالية فقط...ذلك كلّه يستفاد منه أنه لو أرادت النسوة الشهادة على الأمور المالية دون وجود رجال أساساً فإنه يلزم أن يكنّ أربع نسوة مكان الرجلين. وبناء عليه، فشهادة المرأتين من وجهة نظر القرآن الذي هو الأصل في الاستدلال، مكان رجل واحد نافذةٌ في القضايا المالية، وهناك روايات كثيرة في الأبواب المختلفة تشير إلى ذلك أيضاً، كما أنّ إجماع الفقهاء قائم على ذلك، ولا مناقشة ولا كلام فيه، إلا أن مفاد الآية يمكن أن يقع محلاً للبحث من زاوية أخرى وهي: هل أن عدم التساوي في الأمور المالية والديون حكم كلي عام مطلق دائم لم يتعرّض للتقييد، وأن شهادة المرأتين مكان الرجل الواحد إنما كانت لكون المرأة امرأةً أم أن الآية دلّت على حكم مقيّد تابع لعلّة يدور مدارها، وليست هي أنثوية المرأة؟ 2 ـ نقد الاستدلال بالآية الكريمة مع الأخذ بعين الاعتبار أن حكم عدم التساوي مربوط بوجود علّة ـ وهي النسيان ـ نستفيد أنّ الحكم الوارد فيها ليس مرتبطاً بأنثوية المرأة، وإنما بغلبة النسيان في النساء في الشؤون المالية، الأمر الذي كان له وجود زمان نزول الآية وإلى أزمنة طويلة بعد ذلك، بل في بعض القرى والأرياف في عصرنا الحاضر أيضاً، وشاهد ذلك أن الفقهاء(115) ذكروا في باب استئناس الرشد في الصبيان: «فالذكور على ضربين: ضرب يبذلون في الأسواق ويخالطون الناس بالبيع والشراء، وضرب يصانون عن الأسواق، فالذين يخالطون الناس فإنه يعرف اختبارهم بأن يأمرهم الولي أن يذهب إلى السوق ويساوم في السلع ويقاول فيها، ولا يعقد العقد.. وأما الإناث... فإن غزلن واستغزلن ونسجن واستنسجن ولم يبذّرن، سلّم المال إليهنّ...» فمع الأخذ بنظر الاعتبار كلام الفقهاء هذا، والظروف الزمانية لمجتمع عصر نزول الآية، والعلّة المذكورة فيها (أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الاُْخْرَى)، يثبت أنه عندما يأتي زمان تزول فيه غلبة النسيان في النساء ويحرز أن احتمال النسيان فيهنّ يساويه في الرجال، ولا يزيد عنه مما هو خارج عن الطبيعة الإنسانية وعن الأصل العقلائي المعتبر الحاكم بعدم النسيان.. يحكم بقانون «العلة تخصّص كما أنها تعمّم» عند ذلك لا حاجة لجعل الشاهدتين مكان الشاهد الواحد أو العكس، فإذا أحرزنا في عصر ما أن غلبة النسيان في الرجال مما هو خارج عن الحد المتعارف قد حصلت في أمر ما فإن قاعدة «العلة تعمّم كما أنها تخصّص»، تفرض علينا الحكم بشاهدين في الرجال مكان الشاهد الواحد. أولاً: شبهة في شمول الآية لأداء الشهادة ونقدها أشكل بعضهم على الاستدلال بشمول الآية لمقام أداء الشهادة، وقالوا: إن الآية مربوطة بالاستشهاد، أما أنه يلزم على النساء الحضور في مقام أداء الشهادة في المحكمة فهي ساكتة عن ذلك، بل هي لا تدل على عدم التساوي في مقام أداء الشهادة. إلاّ أن هذا الإشكال غير وارد، وذلك: أولاً: إنّ العرف لا يفهم من الآية فرقاً بين مقام الاستشهاد ومقام أداء الشهادة، بل إنه يدرك بالملازمة العقلية أنه حيث إن جَعلَ الشارع المرأتين مكان الرجل الواحد في الاستشهاد جاء لإحقاق الحقّ في المحكمة، وأنّ هذا الاستشهاد إنما هو لأداء الشهادة وإحقاق الحق، وإلا لزم أن يكون الشارع قد أمر باللغو، إذ مجرد استحضار شاهدين من النساء عند إجراء العقد المالي مثلاً لا معنى له إذا لم يكن له دور في أداء الشهادة في المحكمة. ثانياً: إذا كان حكم الآية مربوطاً بمقام طلب الشهادة منهنّ وتحمّلها، لا في مقام أدائها، يلزم من ذلك أن تكون تكملة الآية قاضيةً بلزوم شهادة امرأة واحدة في مقام الأداء، وإذا نسيت ذكرتها الثانية، وهو ما لا وجود له في الآية، بل إن الفهم العقلائي يدفعنا إلى استنتاج أن شهادة المرأتين يعطي اطمئناناً أكثر حتى لو لم تنسَ المرأتان حال الشهادة، وهو ما يقلّ في المرأة الواحدة. ثانياً: شبهة أخرى قد يُشكل ويقال: رغم أن قاعدة «العلة تخصّص كما أنها تعمم» قاعدة عقلية ثابتة في مواضع كثيرة في الفقه، إلا أننا في هذه الآية لا نقبل أن يكون النسيان هو علّة عدم تساوي الرجل والمرأة في الشهادة. وتوضيح ذلك أن التذكير من امرأة لأخرى جاء في الآية بصورة الترديد والشرط (أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الاُْخْرَى); وعليه فنص الآية دال على أنه حتى لو كان الشاهدان امرأتين لم تنسيا ما تشهدان فيه يجب أن تشهدا معاً، وهذا التصريح دالّ بنفسه على عدم العلية; ذلك أن المعلول لا يمكنه أن يتخلّف عن علّته، كما أنه محال بدونها، وعليه فتكون الآية نافيةً لخصوصية النسيان بوصفها علّةً للتعدد في المرأة، فعندما يأتي زمان أو مورد يرتفع فيهما احتمال النسيان في المرأة، فلابد أيضاً من تعدد المرأة الشاهد مكان الرجل الواحد، ولا يمكن لهذه الآية أن تستند إلى قاعدة «العلة تخصص» ولا أن نجعل الحكم دائراً مدار العلة التي نفتها الآية نفسها، إذ: «ثبت العرش ثم انقش» نقد الشبهة البحث هنا بحث عن العلية، وجملة «أن تضل» ظاهرة ظهوراً واضحاً في العلية، وأن العلّة هي احتمال النسيان; ذلك أنه عندما يكون احتمال النسيان غالباً موجوداً في إحدى المرأتين بشكل غير معيّن فإن ضرب احتمال النسيان فيهما سوف يخفضه إلى درجة قليلة جداً، فاحتمال النسيان بين النساء يجري فيهما معاً، لكن حيث إن النسيان الخارج عن المتعارف لا يجري فيه أصل العدم، ولهذا كنا بحاجة إلى أخذ معدل نسيان المرأتين معاً وجبر الكسر الموجود، لذا حكم الشارع بعدم التساوي، وعليه ففي الزمان أو الموضع الذي لا وجود لهذا الاحتمال ولا لهذه الغلبة فيهما أصلاً، ولا يكون هناك تفاوت بين شهادة الرجل والمرأة في العدد، هل يفترض الحكم بالتساوي بينهما بحكم العلية؟! ب ـ السنّة والروايات ونقد الاستدلال بها استعرضنا لدى دراسة الأدلّة العامة للشهادة في القسم الأول من الفصل الثالث كيفية الاستدلال بالروايات، ونقده والتعليق عليه، طبقاً لنظرية عدم التساوي في الشهادة بين الرجل والمرأة، من هنا نتجنّب التكرار والإطالة. استنتاج الموقف مع الأخذ بعين الاعتبار ما أثبتناه من أن علّة عدم تساوي شهادة الرجل والمرأة في العدد في الديون والأموال، هي احتمال النسيان الزائد على المقدار المتعارف عرفاً، وعدم جريان أصالة عدم النسيان فيه، نستنتج أن الحكم بعدم التساوي دائر مدار العلة المذكورة في الآية، فعندما لا يعود هناك وجود لهذه العلة في أمور أو مواضع أو أزمنة، فإنه لابد ـ بحكم العلّية ـ من الكفّ عن الحكم بعدم التساوي حينئذ، كما أنه إذا جاءنا مورد أو زمان كان فيه هذا الاحتمال في النسيان الخارج عن المتعارف جارياً في الرجال، فإنه ـ وبحكم العلّية أيضاً ـ لابد من الحكم بأن شهادة الرجلين تساوي شهادة الشاهد الواحد. وانطلاقاً من ذلك، يثبت أنه في الحالات التي تحتاج إلى القَسَم من المدّعي لإثبات دعواه، إذا كانت الدعوى ماليةً فإنها تحتاج إلى شاهدين من النساء مع قَسَم المدّعي، بحيث تكون المرأتان في موضع الشاهد فيما يكون قَسَم المدعي في موضع الشاهد الآخر; ذلك أنه لا خصوصية في شهادة المرأتين أن تكونا مع رجل، وإنما الموضوع عام وكلّي في الديون والأموال بحيث تقبل شهادة المرأتين مكان الرجل الواحد، سواء جاء الشاهد الآخر أم كان مكانه قَسَم المدّعي. إن إلغاء خصوصية انضمام النساء إلى الرجال في الشهادة قائمٌ على الفهم العرفي للعلّة المذكورة في الآية، ذلك أن الملاك في الشهادة ـ مع النظر إلى الآية الشريفة ـ هو معدّل الاطمئنان ورؤية المشهود به، لا خصوصية الرجولية والأنوثية. __________________________________________________________ (85) دانه يدينه ديناً: أعطاه مالاً إلى أجل وأقرضه (أقرب الموارد 1: 362) وإن الدين لغةً هو القرض (مجمع البحرين 6: 250، ذيل مادة دين). (86) مستند الشيعة 18: 297. (87) إرشاد الأذهان 2: 159. (88) مجمع الفائدة والبرهان 12: 429. (89) المصدر نفسه. (90) المصدر نفسه. (91) يرى آية الله العظمى الصانعي ـ دام ظله ـ ثبوت القصاص في قتل الحر للعبد والمسلم للذمي، وقد بحث هذا الموضوع في الكتاب الثاني من مجموعة «الفقه والحياة» حيث تعرّض لمباني القصاص في حق المسلم القاتل للذمي، أما في المورد الثالث فقد ذهب إلى التفصيل، ونذكر هنا نص الاستفتاء الذي أجاب عنه سماحته، نظراً لما فيه من مطالب علمية مفيدة، تصلح جواباً عن الشبهة الواردة في المقام. وهذا نصّ الاستفتاء وجوابه. «بسمه تعالى السؤال: إذا قتل والد ولده عمداً لأغراض شخصية غير إنسانية، فهل يلحقه القصاص كغيره أم تلزمه الدية فقط لورثة المقتول؟ ج ـ من وجهة نظري، يختصّ الاستثناء من الأصل الكلّي في باب القصاص، في مورد قتل الوالد ولده ـ طبقاً لما جاء في الروايات الصحيحة والمعتبرة ـ بما إذا كان القتل عن عاطفة وبسبب تخلّف الولد عن الأخذ بنصائح والده الخيّرة، لا في سائر موارد القتل التي تحصل بدوافع أخرى مما هو موجود في سائر أفراد القتل والتي يثبت فيها المبدأ العام للقصاص، وبعبارة أخرى: إن عدم قصاص الوالد يختص بحالة امتلاء روح الأب بكل ما هناك من عواطف ونصائح وإرادة الخير لولده مع تخلّف الولد، وتقريباً ـ إن لم نقل: تحقيقاً ـ يقدم الوالد على ما فعله بسبب النصائح والعصيان وذلك عن غير اختيار، لا في حالة ما إذا كانت الدوافع التي انطلق منها كما ينطلق سائر القتلة في قتلهم، أي القتل لأغراض شخصية أو عدائية أو لطمع في المال والمنصب والرئاسة أو لعدم إفشاء الخيانة وأمثال ذلك، ذلك أنه في مثل هذا النوع من القتل لا دخل للوالدية والولدية التي جاءت في لسان الروايات. وأدلةُ الاستثناء ـ ولأجل هذه الدلالة ـ إما ظاهرة منحصرة في القسم الأول أو أنها منصرفة عن القسم الثاني، وعلى أية حال، فشمول دليل الاستثناء إنما كان لإطلاق الدليل، وهذا الإطلاق منصرف عن القتل الذي نتكلم عنه (القسم الأول) وهو ـ نتيجة الإشعار الذي قلناه ومناسبات الحكم والموضوع ـ منصرف عن أنواع القتل النابعة من أغراض غير إنسانية (القسم الثاني)، وهذا معناه الانصراف إلى القسم الأول أو أن دخالة عنوان الوالدية والولدية في القتل، والفهم العقلائي ـ أي عدم إرادة المقنّن أن تذهب الجناية بلا قصاص ومناسبات الحكم والموضوع.. ذلك كلّه يشكل سبباً لانعقاد ظهور لفظي عبرها يوجب الاختصاص بالقسم الأول. إضافة إلى ذلك إذا قبلنا ـ فرضاً ـ أن للدليل إطلاقاً شاملاً لكل أنواع قتل الولد من جانب الوالد، لابد من القول بالاختصاص أيضاً; لأن إطلاق الروايات مخالف للقرآن (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، ذلك أنه مع هذا الاستثناء وعدم الخوف من القصاص سوف تتعرض حياة الأولاد والمجتمع للخطر. ولا يفوتنا أن آية (ولكم في القصاص..) ذات لسان آب عن التخصيص. وهذا معناه أن إطلاق تلك الأدلة مخالف لها ولابد من ضربه عرض الجدار، أما استثناء المقاصّة في مورد القتل العاطفي للولد من جانب الوالد فذلك لأنه لا يضرّ بحياة المجتمع; لأن قتل الأب لا يكون لمنع الآباء عن القتل في تلك الحال الخاص. وبالغض عن مجمل ما تقدّم، لعلّه يمكن القول بأن أدلّة قصاص النفس مختصّة بدعاوى الأفراد من تلك الجوانب والسبل العدائية والحيوانية غير الإنسانية فهي لم ولا تشمل من الأوّل حالات القتل العاطفي، ولابد من الالتفات ـ بصرف النظر عما تقدّم ـ إلى احتمال الاختصاص في أدلّة الاستثناء والذي يشكل مانعاً عن الاستناد إلى الإطلاق، فلابد من الاقتصار على القدر المتيقّن، وهو القتل العاطفي للأب». وتجدر الإشارة إلى أن النص المتقدم هو جواب فقهي شرعي عن سؤال الاستفتاء رقم: 11998 / 101، بتاريخ 6 / 12 / 83 ش (2004 م). (92) مجمع الفائدة 12: 429. (93) المصدر نفسه: 423. (94) السرائر 2: 138. (95) كفاية الأحكام: 285. (96) رياض المسائل 2: 444. (97) غنية النزوع 1: 439. (98) مختلف الشيعة 8: 493. (99) رياض المسائل 2: 444. (100) البقرة: 282. (101) وسائل الشيعة 27: 398، كتاب الشهادات، باب 41، ح20. (102) استند بعض الفقهاء كثيراً ـ سيما المحقق الأردبيلي ـ إلى عموم أدلة الشهادة، وهذه بعض الموارد فانظر: مجمع الفائدة والبرهان 12: 425، 430، 432، 436. (103) البقرة: 282. (104) وسائل الشيعة 27: 360، كتاب الشهادات، باب 41، ح35. (105) المصدر نفسه: 271، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، باب 15، ح2. (106) المصدر نفسه: 359، كتاب الشهادات، باب 24، ح31. (107) المصدر نفسه، كتاب الشهادات، باب 41، ح4، 5، 7، 10، 11. (108) المصدر نفسه: 355، ح15. (109) المصدر نفسه: 364، ح45. (110) المصدر نفسه: 359، ح33. (111) السرائر 2: 138. (112) غنية النزوع: 439. (113) البقرة: 282. (114) عن الحلبي، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: «إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أجاز شهادة النساء في الدين، وليس معهنّ رجل». انظر: وسائل الشيعة 27: 356، كتاب الشهادات، باب 24، ح20. (115) جواهر الكلام 26: 49، 110، كتاب الحجر.
|