قصاص النفس (درس10)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 10 التاريخ : 2008/12/19 قصاص النفس (درس10) بسم الله الرحمن الرحيم (مسألة 15: لو جنى عليه عمداً فسرت فمات؛ فإنْ كانت الجناية مما تسري غالباً فهو عمد، أو قصد بها الموت فسرت فمات فكذلك، وأما لو كانت مما لا تسري و لا تقتل غالباً ولم يقصد الجاني القتل ففيه إشكال، بل الأقرب عدم القتل بها وثبوت دية شبه العمد). وفي (اللثام): (لو سرت جناية العمد على طرف إلى النفس ثبت القصاص في النفس اتفاقاً كما هو الظاهر، وإطلاقهم يشمل كلّ جراحة, قصد بها القتل أم لا، كانت مما يسري غالباً أو لا. فلو قطع إصبعه عمداً لا بقصد القتل فسرت إلى نفسه قُتل الجارح, ولكن فيه نظر)[1]. وفي (المسالك): (قوله: (السراية عن جناية العمد)..إلى آخره، ظاهره عدم الفرق في إيجاب السراية القصاص ـ إذا كان أصل الجناية عمداً ـ بين كونها مما يوجبها غالباً أو يوجب القتل كذلك وعدمه, ولا بين أنْ يقصد بذلك القتل وعدمه, وبهذا المفهوم صرّح العـلاّمة في (القواعد)[2] و(التحرير)[3]. وتمشية هذا الإطلاق على قاعدة العمد السابقة لا يخلو من إشكال)[4]. ووجه الإشكال ظاهر؛ لعدم القصد إلى القتل ولا غلبة الجناية في السراية أو القتل، بل وليس المقتول كذلك مظلوماً فكيف القَوَد والقصاص. نعم, ثبوت الدية كما في المتن؛ لكون الجاني ضامناً للجرح ابتداءً وسرايةً والموت منتسب إليه وإلى جرحه, هو الأقرب. نعم، على القول بالقَوَد في الموت بما يُقتل به نادراً من دون قصد القتل ـ على ما مرّ في تفصيل الأقسام للعمد في المسألة الأولى ـ لابدّ من القول بالقَوَد هنا أيضاً؛ فإنّه من موارده وأفراده. وعليه، فالإطلاق في مثل (الشرائع)[5] في المسألة موجَّه, لكنَّ الشأن في تماميّة ذلك المبنى، وقد عرفت عدم التماميّة وأنّ الأشهر بل المشهور أنّه ليس بعمد, بل عن (الغنية) الإجماع عليه. وفي (الجواهر) ـ بعد نقل عبارة (المسالك) من قوله (قلت: قد مضى ما يُستفاد منه ذلك وإنْ كان الإنصاف عدم خلوه عن النظر أيضاً)[6], فما مضى منه هو ما ذكره وجهاً للقصاص وتحقق العمد مع عدم القصد إلى القتل وعدم الغلبة للآلة فيه ـ يقول: (ولولا ذلك لكان المتّجه فيه القصاص; لصدق القتل عمداً)[7] إلى آخره. ونظره فيه راجع إلى ما ذكره ـ رحمه الله ـ بأنَّ العمدة في تنزيل إطلاق النصوص المزبورة على ذلك الشهرة المحقّقة.. إلى آخره. (مسألة 16: لو قدَّم له طعاماً مسموماً بما يقتل مثله غالباً أو قصد قتله به؛ فلو لم يعلم الحال فأكل ومات فعليه القَوَد، ولا أثر لمباشرة المجني عليه، وكذا الحال لو كان المجني عليه غير مميّز، سواء خلطه بطعام نفسه وقدَّم إليه, أو أهداه, أو خلطه بطعام الآكل. مسألة 17: لو قدَّم إليه طعاماً مسموماً مع علم الآكل بأنّ فيه سمّاً قاتلاً فأكل متعمداً وعن اختيار فلا قود ولا دية، ولو قال كذباً: إنّ فيه سمّاً غير قاتل وفيه علاج لكذا, فأكله فمات فعليه القَوَد، ولو قال: فيه سمٌّ, وأطلق فأكله فلا قود ولا دية. مسألة 18: لو قدَّم إليه طعاماً ما فيه سمٌّ غير قاتل غالباً؛ فإنْ قصد قتله ولو رجاءً فهو عمد لو جهل الآكل، ولو لم يقصد القتل فلا قَوَد. مسألة 19: لو قدَّم إليه المسموم بتخيُّل أنَّه مهدور الدم فبان الخلاف لم يكن قتل عمد ولا قَوَد فيه. مسألة 20: لو جعل السم في طعام صاحب المنزل فأكله صاحب المنزل من غير علم به فمات فعليه القَوَد لو كان ذلك بقصد قتل صاحب المنزل، وأمّا لو جعله بقصد قتل كلب مثلاً فأكله صاحب المنزل فلا قَوَد بل الظاهر أنّه لا دية أيضاً، ولو علم أنَّ صاحب المنزل يأكل منه فالظاهر أنَّ عليه القَوَد). كل ما في المسائل السابقة إلى هنا من مسائل التسبيب كان من انفراد الجاني بالتسبيب, ومن هذه المسألة ( السادسة عشرة) إلى ( الثالثة والثلاثين) يكون في اشتراك الجاني كذلك مع المجنيّ عليه, كما أنّ ما في الرابعة والعشرين إلى الحادية والثلاثين مربوط باشتراكه مع الحيوان، والمسألة الثانية والثلاثين وكذا الثالثة والثلاثين من مسائل اشتراك الجاني كذلك, أي بالتسبيب مع إنسان آخر. للجاني بالتسبيب أقسام أربعة ذكرها صاحب (القواعد) في مطالب أربعة. نعم، ما في المتن يخالفه في ترتيب الأقسام، والأمر في التقسيم والترتيب وغيرهما من الأمور الفنية وأُمور الفهرسة سهلة المؤونة في الفقه، إنما المهّم نفس المسائل والأحكام. إذا عرفت هذا فنقول: إنَّ المقدِّم ـ بالكسر ـ للطعام المسموم وإنْ كان له السببيّة في الجملة، لكنَّ المقتول شريكه في القتل، وينبغي في البحث عن هذه المسألة وما يتلوها إلى المسألة الحادية والعشرين اتّباع صاحبي (اللثام) و(الجواهر) قدّس سرّهما؛ حيث جعلا الكلام في مسألة التقديم في التقديم والمناولة تارة، وفي الوضع والجعل أُخرى، وفي حكم الاختلاف ثالثة، وفي الخطأ رابعة. فالكلام يتمُّ في مسائل أربع، وبه يظهر حال مسائل المتن. أحدها: لو قدَّم إليه طعاماً مسموماً بما يقتل مثله غالباً أو قصد القتل به في الأكل؛ فإنْ علم الآكل بالسمّ وكان مميَّزاً فلا قَوَد ولا دية بلا خلاف ولا إشكال; لكونه هو القاتل نفسه بمباشرته عالماً بالحال لا المقدِّم. وتقديمه وإنْ كان مؤثّراً في الجملة لكنَّ تأثيره شرطيّة, كمناولته السكّين لمن ذبح نفسه بها عاقلاً. وما وقع من مثل الإمام الحسن والإمام الرضا ـ عليهما الصلاة والسلام ـ من الإقدام على الطعام المسموم فمن المحتمل كون دخالة العلم في النهي عن الإلقاء في التهلكة وفي قتل النفس على نحو الموضوعيّة, وخروج العلم من الغيب عن الموضوع واختصاصه بالعلم العادي، فإنّ اختيار الموضوع بيد الشارع, فلا حرمة على ذلك أصلاً. وهذا الاحتمال وإنْ كان مخالفاً لظاهر الأدلة واقتضائه الطريقيّة للعلم كسائر الموارد المثبتة للحكم على ذات الموضوع, إلاَّ أنَّ العصمة في الإمام ـ عليه الصلاة والسلام ـ قرينة على ذلك الاحتمال؛ دفعاً لما ينافي العصمة, وفي محض الاحتمال ثبوتاً كفاية كما لا يخفى. ومن المحتمل كون الإقدام منهما لمصلحة الإسلام والمسلمين, كالشهادة والجهاد أو غيرهما من الوجوه المذكورة في محلّها. وإنْ لم يعلم الآكل بالحال فأكل فمات فللوليّ القَوَد عندنا; لأنَّ المباشرة هنا ضعفت بالغرور، وينسب القتل إليه كما لو قتله بالسيف مثلاً, حيث إنَّه عرَّضه لأكل الطعام ولم يُعلمه بكون الطعام مسموماً, ألا ترى أنَّه لو أعلمه أنّ فيه السم لم يختر شربه ولا أكله؟! ولا فرق في ذلك بين ما لو خلطه بطعام نفسه وقدّمه إليه, أو أهداه إليه, أو خلطه بطعام الآكل ولم يعلم، أو بطعام أجنبيٍّ وندبه إليه من غير شعور أحد من الآكل والأجنبي، ولو علم الأجنبي وشارك في التقديم كان شريكاً في الجناية. فما عن الشافعي من قوله بنفي القَوَد مع عدم العلم؛ ترجيحاً للمباشرة التي عرفت سقوطها بالغرور, واضح الضعف. هذا، وفي (مجمع الفائدة والبرهان): (لو قدّم شخص إلى غيره طعاماً مسموماً فأكله ذلك الغير عالماً بالسمّ وكونه قاتلاً لا شيء على المقدِّم من القصاص والدية; لأنَّه السبب القوي بل المباشر، فهو القاتل لنفسه لا غير، وإنْ جهل أحدهما يكون المقدِّم قاتل عمد، فعليه القصاص مع علمه بهما، والدية عليه مع جهله بأحدهما)[8]. وفي (الجواهر)الإيراد عليه بقوله: (منع كون المقدِّم قاتل عمد مع فرض علم المتناول بأنَّ في الطعام شيئاً قاتلاً ولكن لم يعلم أنَّه سم؛ ضرورة عدم مدخليّة جهله بالسمّ في إقدامه على قتل نفسه، بل قد يشك في ذلك لو علم بأنَّ فيه سمّاً خاصّة، حيث إنَّه أقدم على ما يحتمل فيه القتل)[9]. وما ذكره ـ رحمه الله ـ من المنع في محلّه، اللّهمَّ إلاّ أنْ يقال: الجهالة بالسمّ مستلزمة عادة للجهل بأنَّ في الطعام شيئاً قاتلاً, فإنّه الغالب في الطعام القاتل, وأمّا غيره فنادر جدّاً، فكلامه منصرف إلى الغالب, فلا منع ولا نقض كما لا يخفى. وبذلك يظهر ضعف ما في (الجواهر) من الإشكال في إطلاق ثبوت الدية على المقدِّم مع جهله بأحدهما، إذ من أفراده ما لو علم بكونه قاتلاً ولكن لم يعلم بأنَّه سمٌّ, فإنَّ المتَّجه فيه القصاص لا الدية. ووجه الضعف ما مرّ في عكسه من خروج ذلك الفرد من إطلاق كلامه وانصرافه إلى غيره؛ لندرته إنْ لم نقل بعدم تحقّقه، فالكلام منصرف إلى المتعارف, فالجهالة بالسمّ مع العلم بأنَّ الطعام قاتل كعكسه من الجهالة بأنَّه قاتل مع العلم بأنَّ فيه السمّ, كلاهما خارجان عن إطلاق كلامه بانصراف الكلام إلى الغالب. وأمّا ما أورده عليه قبل ذلك بمنع ثبوت الدية على المقدِّم الجاهل فيما لو كان واضع السمّ غيره؛ للأصل وأولويّة المباشرة مع التساوي, وبعد ذلك بثبوت القصاص على المقدِّم مع كونه عالماً بالسمّ دون كونه قاتلاً فيما قصد القتل به, أو أعقب مرضاً أدّى إلى ذلك. ففيه: أنّهما خارجان عن محلّ البحث; لأنَّ الظاهر كون السبب في جهل المقدِّم ما هو السبب في جهل الآكل, وهو الجهل من حيث السمّ في الطعام لا من جهة الواضع ولا غيرها من الجهات حتى يرد النقض بما ذكره ـ رحمه الله ـ من المنع، ولأنَّ الجهل المبحوث عنه ما هو السبب لعدم العمد بما هو جهل, ففرضه مع شيء يوجب العمد كقصد القتل. والنقض بثبوت القصاص معه خروج عن محل البحث أيضاً. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - كشف اللثام 2: 261. [2] - قواعد الأحكام 2: 279. [3] - تحرير الأحكام 2: 241. [4] - مسالك الأفهام 2: 362. [5] - شرائع الإسلام: 361. [6] - جواهر الكلام 42: 29. [7] - جواهر الكلام 42: 17. [8] - مجمع الفائدة والبرهان 13: 385. [9] - جواهر الكلام 42: 36.
|