قصاص النفس (درس9)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 9 التاريخ : 2008/12/20 قصاص النفس (درس9) بسم الله الرحمن الرحيم مسألة 11: لو ألقاه في البحر ونحوه فعجز عن الخروج حتى مات, أو منعه عنه حتى مات, قُتل به، ومع عدم خروجه عمداً وتخاذلاً أو الشك في ذلك فحكمه كالمسألة السابقة. ولو اعتقد أنَّه قادر على الخروج لكونه من أهل فن السباحة فألقاه, ثمّ تبيَّن الخلاف ولم يقدر الملقي على نجاته, لم يكن عمداً. مسألة 12: لو فصده ومنعه عن شدِّه فنزف الدم ومات فعليه القَوَد, ولو فصده وتركه؛ فإن كان قادراً على الشدِّ فتركة تعمداً وتخاذلاً حتى مات فلا قود ولا دية النفس، وعليه دية الفصد. ولو لم يكن قادراً؛ فإنْ علم الجاني ذلك فعليه القَوَد، ولو لم يعلم؛ فإنْ فصده بقصد القتل ولو رجاءً فمات فعليه القَوَد ظاهراً، وإنْ لم يقصده بل فصده برجاء شَدِّه فليس عليه القَوَد، وعليه دية شبه العمد). كون القَوَد على الفصَّاد مطلقاً مع منعه من الشدِّ واضح، مع كون الفعل ممّا يُقتل به غالباً, فقصد القتل وعدمه في القصاص به سيّان، وأمّا لو فصده فترك المفصود شدّه حتى مات؛ ففي (الشرائع)[1] وعن (التحرير)[2] و(الإرشاد)[3] و(التلخيص)[4] نفي القصاص والدية، وفي (القواعد)[5] الإشكال فيه؛ من استناد الموت إلى تفريطه، وكون الفصد غير مهلك عادة، وعدم وجوب الشدّ على الفصَّاد. ومن استناده إلى سراية الجرح، فهو كغيره من الجراحات التي يهمل المجروح مداواتها. والتحقيق في المسألة أنّ الفصد قد يكون عدواناً, وقد يكون علاجاً، ففي الأوّل إنْ كان بقصد القتل أو كان المتعارفُ في الفصد من دون الشدِّ الموتَ، فهما عمدٌ كما لا يخفى، ومحض عدم شدِّ المفصود وإنْ كان بقصد نزف الدم وموته فغير موجب لخروج الآلة عن الآليّة, ولا لمنع قصد القتل من كونه عمداً, حيث إنَّ الفصّاد أوجد السبب لذلك، وإيجاد المفصود المانع وإنْ كان واجباً له إلاّ أنَّه غير رافع للصدق عرفاً. وأمَّا الثاني: فحكمه حكم الطبيب إنْ كان حاذقاً, فهو مع التقصير ضامن، ومع عدمه غير ضامن، بل مع التقصير بترك الشدّ مع لزوم الشدّ عليه يكون حكمه حكم العدوان في القصاص؛ لما ذُكر من الآليّة، كما أنَّه على ضمان الطبيب ضامن أيضاً ولو مع عدم التقصير. هذا كلّه فيما لم يكن بأمر الطبيب, وإلاّ فالسبب القوي هو الطبيب. وأمَّا احتمال الفرق بين الفصد وترك المفصود الشدّ وترك المداواة في الجرح الساري, في ضمان الثاني دون الأوّل, باعتبار أنَّ الفصد بنفسه غير قاتل, وإنما الذي قتله خروج الدم, فهو كاللبث في النار في استناد الموت إلى أمر لم يكن من فعل الجاني ولا من آثاره، بخلاف سراية الجرح نفسه التي هي من آثار الجرح وإنْ ترك المداواة آثماً. ففيه ما لا يخفى: فإنَّ الموت في الجرح كالفصد مستند أيضاً إلى تركه المداواة، فإنَّ سبب الموت لم يكن نفس الجرح بل السراية الحادثة القابلة للدفع بالمداواة, كما هو كذلك في النزف والفصد, فتدبّر جيّداً. (مسألة 13: لو ألقى نفسه من علو على إنسان عمداً، فإنْ كان ذلك ممّا يُقتل به غالباً ـ ولو لضعف الملقى عليه لكبرٍ أو صغرٍ أو مرضٍ ـ فعليه القَوَد، وإلاّ فإنْ قصد القتل به ولو رجاءً فكذلك هو عمد عليه القَوَد، وإنْ لم يقصد فهو شبه عمد, وفي جميع التقادير دم الجاني هدر. لو عثر فوقع على غيره فمات فلا شيء عليه لا ديةً ولا قوداً، وكذا لا شيء على الذي وقع عليه). تفصيل المسألة: أنّه لو أوقع نفسه من علو مثلاً على إنسان فقتله, وكان الإيقاع قصداً, وكان يقتل مثله غالباً ولو لضعف الملقى عليه لكبرٍ أو صغرٍ أو مرض، أو كان يقتله نادراً مع قصد القتل, فهو عمد, ولو لم يقصد في النادر منه القتل فهو عمد الخطأ. ودم الجاني على جميع التقادير هدر; لكونه قاتلاً لنفسه. ولو وقع لا عن عمد, مثل أنْ يعثر فيقع على غيره فيموت, فلا شيء عليه لا ديةً ولا قوداً؛ لكون القتل من نفسه. وكذا لا شيء على الذي وقع عليه؛ لعدم نسبة القتل إليه, كما هو أوضح من الشمس وأبين من الأمس. وهذا كلّه بيان ما في المتن. وأمّا لو عثر فوقع على غيره فمات الغير الواقع عليه، فلا شيء على العاثر; لعدم القصد إلى الفعل فضلاً عن القتل, فلا نسبة للقتل إليه أصلاً، وللأخبار التالية: صحيح عبيدة بن زرارة, قال: سألتأبا عبد اللّه ـ عليه السلام ـ عن رجل وقع على رجل فقتله، فقال: ((ليس عليه شيء))[6]. وصحيح ابن مسلم عن أحدهما, قال في الرجل يسقط على الرجل فيقتله، فقال: ((لا شيء عليه)). وقال: ((من قتله القصاص فلا دية له))[7]. وخبر عبيد بن زرارة, قال: سألت أبا عبد اللّه ـ عليه السلام ـ عن الرجل وقع على رجل من فوق البيت فمات أحدهما، قال: ((ليس على الأعلى شيء, ولا على الأسفل شيء))[8]. هذا في العثر من دون اختيار، وأمّا العثر معه, مثل من يعلم أنّ في سيره وفعله غير اللازم الذي له مندوحة يعثر غالباً, والغالب في أمثال ذلك العثر القتل، فإنْ عثر كذلك ومات المعثور عليه فالقصاص غير بعيد، لأنَّه مقتول ظلماً، والنفس بالنفس. هذا مع جواز الفعل والسير، وأمّا مع المنع والحرمة فالقصاص أوضح, فإنَّ القتل قتل عمد عرفاً; لكفاية سبق الاحتمال والفعل برجاء القتل, فتدبر جيّداً. ولو ألقاه غيره قاصداً للأسفل أن يقتله قِيدَ الدافع به وبالواقع إنْ كان الوقوع مما يقتل الواقع غالباً أو قصد قتله أيضاً، ولو قصد قتله بالدفع أو كان الوقوع مما يقتل غالباً ولم يقصد إيقاعه على الأسفل ضَمِن ديته, وقِيدَ بالواقع قضاءً للقواعد. ولكن في صحيح ابن رئاب وعبد اللّه بن سنان عنالامام الصادق عليه السلام, في رجل دفع رجلاً على رجل فقتله، قال: ((الدية على الذي دفع ـ وفي نسخة: وقع ـ على الرجل فقتله لأولياء المقتول ـ قال: ـ ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه ـ قال: ـ وإنْ أصاب المدفوع شيء فهو على الدافع أيضاً))[9]. الظاهر في كون الضمان على الواقع والاستقرار على الدافع، وذلك مخالف للقواعد; لعدم التقصير والدخالة له في ذلك، فإنَّه كالحجر الملقى لقتل الغير عمداً شبه الخطأ. فالفرق بين المقام وبين تعاقب الأيادي واضح, فللأيادي دخالة ولو بجعل اليد، فإنّه موجب لضمان اليد وإن كان استقرار الضمان على الأخير. وفي (كشف اللثام): (هو محمول على أنَّه لم يعلم إلاّ وقوعه، ولو يعلم تعمّده ولا دفع غيره له). ولكنَّه كما ترى، ضرورة صراحة الخبر في خلافه أوّلاً، وعدم وجوب الدية على الوجه المزبور بعد التسليم ثانياً, خصوصاً بعدما سمعته منه من عدم شيء عليه مع الوقوع لا عن عمد، وهذا منه لأنَّ الفرض كونه مدفوعاً للغير. فالوجه الرجوع بالدية على الدافع, خصوصاً بعد معلوميّة مثل ذلك في المال، بل ذكروا في كتاب الغصب أنّ الضمان من أوّل وهلة على المكرِه دون المكرَه ـ بالفتح ـ وإنْ كان قد أتلف هو المال ولكن بالإكراه، وليس هو كقاعدة الغرر، فلاحظ وتأمّل. اللهم إلاّ أنْ يقال: إنَّ ذلك هنا كذلك تعبُّداً. (مسألة 14: لو سحره فقُتل وعلم سببية سحره له فهو عمد إنْ أراد بذلك قتله، وإلاَّ فليس بعمد بل شبهه، من غير فرق بين القول بأنَّ للسحر واقعية أولا. ولو كان مثل هذا السحر قاتلاً نوعاً يكون عمداً ولو لم يقصد القتل به). اختلف الفقهاء في أنَّ السحر له حقيقة مؤثّرة في المسحور بحيث يموت منه ويتأثّر به فيما يقصده الساحر, أم هو مجرّد كلام ولا تأثير له أصلاً، فذهب بعضهم إلى الأوّل، وآخرون إلى الثاني. استدلّ القائلون بالأوّل بقوله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أحَد إلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ...)[10]. أسند القرآن التفريق إليه وذمّهم على تعلُّم ما يفرّقون به بين المرء وزوجه، فلو لم يكن له تأثير لم يتوجَّه إليهم الذمّ. ولأنَّ تأثيره أمر وجداني شائع بين الخلق كثيراً قديماً وحديثاً، وفي الأخبار ما يدلُّ على وقوعه في زمن النبي صلى الله عليه وآله, حتى قيل: إنّه سُحِرَ حتى كان يُخيَّلُ إليه أنَّه فعل شيئاً ولم يفعله، وفيه نزلت المعوذتان. والقائلون بالثاني استدلّوا بقوله تعالى: (يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أنَّهَا تَسْعَى)[11]. أسند إليه مجرد التخيل. وقوله تعالى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّين بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ...)[12]. وجه الدلالة: أنَّ تأثيره لو كان بالإضرار فلابدَّ من إذنه ـ تعالى ـ وفقاً للآية، وإذنه ـ تعالى ـ ممتنع؛ لاستلزامه القبيح. هذا، وأقوى القولين بل الحق منهما هو الأوّل; لما عرفت من الأدلّة وغيرها ممّا يظهر لمن يراجع (البحار)[13]. وما استدلّ به للثاني، مضافاً إلى أنّ الأوّل منه على الخلاف أدل, بل دليل عليه من جهة الظهور في تأثير السحر في الخيال, أنّ الإذن إذن تكويني لازم في جميع الأعمال والأفعال، فإنَّه لا مؤثّر في الوجود إلاَّ اللّه, فيكون محققاً في السحر, ولا قبح فيه من جهة الاختيار في الفعل كجميع المعاصي, فإنَّ تأثيرها وتحقّقها ليس إلاَّ بإذن اللّه ـ تعالى ـ فإنَّه مسبِّب الأسباب، وعدم القبح في إذنه ـ تعالى ـ كذلك يكون من جهة ما في المعاصي من الاختيار. هذا كلّه في أصل الثبوت. ولا يخفى عليك أنَّه لو سحره فمات لم يوجب قصاصاً ولا ديةً على القول الثاني؛ لعدم إمكانه، ولا فرق في ذلك بين قيام البينة عليه أو الإقرار به; لأنَّهما على أمر محال غير قابل للتحقق على ذلك القول. وأمَّا على القول الأوّل فالكلام يقع في إثباته، ونقول: كما أنَّ الإقرار مثبت له فكذلك البيّنة; لما في السحر من أعمال وأسباب وجوديّة قابلة للعلم كبقيّة الأسباب. وبالجملة، على القول بتحققّه قيام البينة عليه واضح حتَّى على الخيالي منه فضلاً عن الخارجي؛ لكونه مسبّباً عن العمل والسبب ولو مثل الشعبذة، فلا فرق بين البيّنة والإقرار في الإثبات إلاَّ في كفاية الإمكان في الثاني دون الأوّل, فلابد فيه من الوقوع كما لا يخفى. ثمّ إنَّه كما أصل القتل به قابل للإثبات بهما فكذلك أنواعه من العمد والخطأ, فإنْ أقرّ مع القتل بأنَّ سحره ممّا يقتل به غالباً فقد أقرَّ بالعمد، وإنْ قال: نادراً, استُفسر، فإنْ أضاف إليه قصد قتله فهو عمد أيضاً، وإلاّ فهو شبيه العمد، وإنْ قال: أخطأت من اسم غيره إلى اسمه, فهو إقرار بالخطأ، فيلزمه حكم ما أقرَّ به، ولكن في صورة الخطأ لا يلزم إقراره العاقلة, بل تجب الدية في ماله قضاءً للدية في الخطأ. نعم، لو صدقوه أخذناهم بإقرارهم. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - شرائع الإسلام: 261. [2] - تحرير الأحكام 2: 241. [3] - إرشاد الأذهان (ضمن الينابيع الفقهيّة) 3: 428، كتاب القصاص والديات. [4] - تلخيص المرام (ضمن الينابيع الفقهية) 3: 467، كتاب القصاص والديات. [5] - قواعد الأحكام 2: 279. [6] - وسائل الشيعة 29: 56، أبواب القصاص في النفس، ب20، ح1. [7] - وسائل الشيعة 29: 56، أبواب القصاص في النفس، ب20، ح2. [8] - وسائل الشيعة 29: 57، أبواب القصاص في النفس، ب20، ح3. [9] - وسائل الشيعة 29: 57، أبواب القصاص في النفس، ب21، ح1. [10] - سورة البقرة: 102. [11] - سورة طه: 66. [12] - سورة البقرة: 102. [13] - بحار الأنوار 63: 21.
|