أدلة القصاص (درس2)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 2 التاريخ : 2008/12/20 أدلة القصاص (درس2) بسم الله الرحمن الرحيم والأصل في القصاص ـ قبل الإجماع والسنّة المتواترة ـ هو الكتاب، وآياته على قسمين: أحدهما: الدالة عليه بالخصوص, كقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بالحُرِّ والعَبْدُ بِالعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ فاتِّبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ وَأدَاءٌ إلَيْهِ بإحْسَان ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِيمٌ)[1]. وقوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيـاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[2]. وقوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفسِ وَالعَيْنَ بالعَيْنِ والأَنْفَ بِالأَنْفِ والأُذُنَ بالأُذُنِ والسِّنَّ بالسِّنِّ والجُرُوحَ قِصَاصٌ...)[3]. وقوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللّهُ إلاَّ بِالحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَـلاَ يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إنَّهُ كَانَ مَنْصُورَاً)[4]. وثانيهما: الدالة عليه بالعموم, كقوله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَى وَأصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ إنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)[5]. وقوله تعالى: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبيل)[6]. وقوله تعالى: (وَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ للصّابرينَ)[7]. وقوله تعالى: (الشَّهرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ والحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أنَّ اللّهَ مَعَ المُتَّقِينَ)[8]. مقتضى إطلاق الآيات المؤيَّدة بمذاق الشرع ولسان الكتاب والسنّة كون القصاص في مطلق الجناية على الإنسان, من دون فرق بين الذكر والأنثى, والحرّ والعبد, والمسلم والكافر, في الجاني والمجني عليه، كما لا فرق فيه بين مثل الأسود من الإنسان وأبيضه. لكن لا يخفى أنَّ الآيات المتضمّنة للقصاص, بل آية الانتصار بنفسها غير تامّة؛ لاحتمال الفرق في القصاص والمماثلة عرفاً, لاسيّما في زمان النزول وعصر الجاهلية الذي كانت تحكمه الموازين الاجتماعيّة والطولية الباطلة والخرافيّة الناشئة عن الكبر والغرور والرذائل الأخلاقية، وألفاظ تلك الآيات كغيرها محوّل إلى العرف. وصدق القصاص في المقام من باب التطبيق لا المفهوم والمستعمل فيه، وإنْ كان الاحتمال موجوداً معه أيضاً. وبالجملة، الإطلاق فرع الصدق كما هو واضح، والصدق مع الاحتمال غير ثابت. نعم، الصدق والظهور في بقيّة الآيات لاسيّما مثل قوله تعالى: (جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا... ) ممّا لا كلام ولا إشكال فيه أصلاً، إلاَّ أنَّ ذلك الاحتمال مع ابتنائه على الباطل ـ عرفاً وكتاباً وسنّة ـ غير مضرّ أوّلاً، وذلك حيث إنَّ العرف بفطرته الأصليّة معتقد بالمماثلة وعدم الفرق بين أبناء البشر من حيث الدم والخلقة، ومع أنّ العرف في زماننا حيث بلغ العلم والإدراك والفهم مرتبة عالية نسبياً بحيث أصبح يطالب بالحكومة الموحَّدة التي وعدها اللّه تعالى بقوله: ( هُوَ الّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ )[9]. وذلك حاكم بصدق القصاص والمماثلة على الإطلاق والشمول وعدم التفاوت في الأفراد من تلك الجهة. والأحكام ثابتة على العناوين, والمعيار فيها الصدق وإنْ كان المصداق في الزمان المتأخر عن النزول مخالفاً لذلك الزمان، وهذا بخلاف الحكم على المصداق؛ فإنّ المتَّبع هو المصداق في زمان صدور الحكم كما لا يخفى، ومن المعلوم في المقام أنّ الحكم على العنوان لا المصداق. وحيث إنّ تلك الموازين باطلة ومردوعة بالآيات والأخبار الكثيرة الدالة على التساوي وعدم التفاوت بين أبناء البشر في الحقوق الاجتماعية والإنسانية والبشريّة ثانياً. أمّا الآيات فهي من قبيل قوله تعالى: (يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى وجَعَلْنَاكُمْ شَعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا... )[10]. وقوله تعالى: (يَا أيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَخَلقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُما رِجَالاً كَثيراً ونِساءً...)[11]. أمَّا الأخبار, فكقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ في حديث: ((أيُّها النّاس، إنّ ربّكم واحد وإنّ أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب, إنَّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم، وليس لعربيٍّ على أعجميّ فضل إلاَّ بالتقوى…))[12]. وهناك غيرها من الآيات والأخبار الظاهرة في أنّ التفاوت بالتقوى التي هي الفعلية الكاملة عند اللّه فقط لا عند الحقوق والشرع والقانون, بل عدم التفّاوت بين الأبناء من تلك الجهة من الأمور الرفيعة الظاهرة في الإسلام، بل ومن البديهيّات فيه وممّا يفتخر به المسلمون ويجعلونه دليلاً على حقيقة الإسلام ومطابقته للفطرة والخلوّ عن العلوّ والاستبعاد. فدلالة الآيات كلّها تامّه, والإشكال فيها بما ذُكر غير وارد جدّاً ومذبوب قطعاً. نعم، في الآية الأولى من القسم الأوّل إشكال يخصُّها؛ حيث إنَّها تدّل على التفاوت والاختلاف وأنَّ الحرّ والعبد والأنثى لا يُقتلون إلاّ في قتل المماثل لا المخالف، فلا يُقتل الحرّ بالعبد ولا الرجل بالأنثى. وهذا كما ترى حجّة على التفضيل وعدم المساواة بين الأبناء من جهة الدم والحياة، ومخالفة لجميع الآيات المستدل بها على المساواة. لكنّه مدفوع بأنَّه لعلّ المراد من الآية ومن تخصيص الثلاثة بالذكر بيان المساواة وردّ التفاوت والاختلاف, وأنَّهم مساوون للآخرين, وأنَّ القصاص غير واقع إلاَّ على القاتل كائناً من كان, وكذا المقتول. وذلك بأنْ يقال: الآية ناظرة إلى أنَّ القصاص لابدّ من وقوعه على القاتل لا على غيره، وأنَّ الحرّ إذا كان قاتلاً للحرّ فالقصاص له ـ والحرّ بالحرّ ـ لا لغيره كعبده, بناءً على التصوّر الذي يرى المقتول دون شأن القاتل له, أو على المقتول من جهة الغنى أو الطائفة التي ينتمي إليها, أو غيرها من الأمور الموجبة للوجاهة الاجتماعية، فلا يجوز قتله به، بل لابدّ من قتل عبده مثلاً بذلك الحرّ المقتول. وأنّ العبد إذا كان قاتلاً للعبد فلابدّ من قصاصه لا قصاص حرّ غير قاتل; للقول بأنّ العبد المقتول لارتباطه بمن له طَول أفضل من العبد القاتل المرتبط بمن ليس له ذلك الطَول, فلابدّ إلاَّ من قتل الحرّ غير القاتل من المرتبطين بمولى القاتل. وأنّ الأنثى إذا كانت قاتلة لمثلها فلابدّ لأولياءِ الدم من قتل الرجل غير القاتل عوضاً عن القاتلة, وفقاً للرؤية الباطلة المبتنية على أنّ لبعض النساء فضيلة على البعض الآخر، وأنّ تلك الفضيلة موجبة للتفاوت في الدم, فلابدّ من قتل الرجل في مقابل قتل ذلك البعض من النساء المفضَّلات لما في الرجال عموماً من الفضيلة على النساءِ، فتكون تلك الفضيلة موجبة للمساواة مع الفضيلة الخاصّة للمرأة المقتولة. وعلى هذا، ففي الآية احتمالان متقابلان، فبأحدهما يثبت التفاوت, وبالآخر التساوي، لكنّ الأظهر بل الظاهر منهما هو الثاني; وذلك لمخالفة الآية على الأوّل مع مذاق الشرع وسياق بقية الآيات، ولاستلزامه التقييد في الإطلاقات الكثيرة, وألسنتها آبية عنه كما لا يخفى. هذا مع موافقة الثاني لشأن النزول، ففي (مجمع البيان): (نزلت هذه الآية في حييّن من العرب لأحدهما طَول على الآخر، وكانوا يُزوِّجون نساءهم بغير مهور, وأقسموا: لنقتلنّ بالعبدِ منا الحرَّ منهم, وبالمرأةِ منا الرجلَ منهم، وبالرجلِ منا الرجلين منهم. وجعلوا جراحاتهم على الضعف من جراح أولئك، حتى جاء الإسلام فأنزل اللّه هذه الآية)[13]. وإنْ أبيت عن ذلك واعتقدت عدم الظهور في الثاني فلابدّ من احتماله، فالآية ذات احتمالين، وإطلاق بقيّة الآيات محكَّم. هذا ما في الكتاب. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - البقرة: 178. [2] - البقرة: 179. [3] - المائدة: 45. [4] - الإسراء: 33. [5] - الشورى: 40. [6] - الشورى: 41. [7] - النّحل: 126. [8] - البقرة: 194. [9] - التوبة: 33. [10] - الحجرات: 13. [11] - النساء: 1. [12] - بحار الأنوار 76: 350, ب 67، ح 13. تحف العقول:24. [13] - مجمع البيان 1: 264, ذيل الآية 178 من سورة البقرة.
|