المشتق (درس38)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 38 التاريخ : 2008/12/22 بسم الله الرحمن الرحيم رأينا في المسألة هو أنّ المشتق حقيقة في المتلبّس، وللاستدلال على ذلك نبحث المسألة هنا في مقامين، هما: مقام الثبوت ومقام الإثبات. مقام الثبوت إذا أردنا وضع لفظ مشترك للأعم فلابدّ من أن يكون بواحدٍ من هذه الطرق والاحتمالات؛ إمّا بنحو الاشتراك اللفظي، أو بنحو الاشتراك المعنوي، أو بنحو الوضع والموضوع له الخاص، ولا طريق رابع. الطريق الأوّل والثالث باطلان قطعاً ولم يذهب إلى ذلك أحد من الاُصوليين؛ لكونه مخالفاً لظاهر العنوان، إذن لابدّ من أن الطريق هنا هو الاشتراك المعنوي، وهو بحاجة إلى قدرٍ جامع، ولا يوجد قدر جامع بين الصحيح والفاسد وبين المتلبّس والمنقضي عنه، بل الجامع هنا محال؛ لأنّه يستلزم اجتماع النقيضين. بعبارة اُخرى: القدر الجامع إمّا أن يكون حقيقياً أو يكون انتزاعياً، ولا يخرج عن هذين الحالين، وإذا كان القدر الجامع حقيقياً فذلك يعني احتواءه على الوصف وعدم احتوائه على الوصف، وهذا محال؛ لأنّه لا يكون إلاّ جمعاً بين النقيضين. أمّا إذا كان القدر الجامع انتزاعياً، أي أنّه وضع للمتلبّس بالمبدأ لزم أن يكون المشتق حقيقة حتى بالنسبة إلى من يتلبّس في المستقبل؛ لأنّه متلبّس لكن في زمن متأخر ومستقبلي. للمتلبّس ثلاثة أفراد هي: المتلبّس في الحال، والمتلبّس في الماضي، والمتلبّس في المستقبل، فإذا قيل بأنّه موضوع للمتلبس في الحال والماضي كان ذلك يعني الوضع لاثنين لا لواحد، وهذا عبارة اُخرى عن الاشتراك وتعدد الموضوع له، وإذا قيل بأنه وضع للتلبّس في الجملة والخارج عن وصف العدم إلى وصف الوجود في الحال، أو الذات الذي يأتيه الوصف من العدم، لكن هذا سوف لا يكون شاملاً للمتلبس في المستقبل؛ لأنّه لم يظهر فيه التلبّس ولم يأتيه من العدم ولم يبلغ مستوى الفعلية. هذا، مضافاً إلى ما سيأتي من أن المشتق مفهوم بسيط، وقد جُعل مفهومه هنا مركباً. ونسأل: الذات المأخوذة هنا هي مفهوم الذات أو مصداقه؟ فإذا كان المأخوذ هوالمفهوم فبطلانه واضح؛ لأنّه لا ترتسم صورة للذات من مفهوم ضارب وناصر، وشأن ذلك شأن المضاف والمضاف إليه؛ فلا نتصوّر مفهومين منهما، بل مفهوماً واحداً. إذن، لابدّ أنَّ الذات المأخوذة هنا هو المصداق، أي أنّه وضع لمصداق الذات لا لمفهومه، لكن هذا يُعدُّ رجوعاً إلى أوّل الكلام، وأنّه يلزم أن يكون الوضع هنا عاماً والموضوع له خاصاًُ وهو باطل، كما مرّ ذلك في بحث الوضع في أسماء الإشارة. إنَّ بساطة مفهوم المشتق بمعنى اتحاد الذات والمبدأ كما ذهب إلى ذلك فاضل التوني، أو بمعنى كون مفهوم المشتق صورة مبهمة مادتها في الخارج، والفرق بين المفهوم والمبدأ اعتباري، وبناءً على كلا التفسيرين والمبنيين للاتحاد ينبغي القول بأن المشتق حقيقة في ما تلبّس. أمّا بناءً على المبنى الأوّل الذي اعتبر بساطة المشتق بمعنى اتحاد المبدأ والذات، فإن ذلك يعني أن المبدأ إذا انقضى انقضى الذات ولا ذات عندئذٍ؛ لاتحادهما، وذلك لا يأتي البحث في أن المشتق لازال صادقاً أم لا. وإذا قلت: إنّ صدق الصفات المتقابلة يعتبر تضاداً مع غض النظر عن المعنى. قلنا: مع غض النظر عن المعنى فالألفاظ غير متضادة، فصدق لفظ معين لا يتضاد مع صدق أي لفظ آخر، فصدق الأسود لا يضاد صدق لفظ الأبيض مع غض النظر عن معناهما. دليل آخر من الوجوه التي استدل بها على كون اسم المشتق حقيقة في المتلبّس هو: أنّ التلبّس لو لم يشترط لزم صدق كلّ عنوان على كلّ ذات، فيقال للأمي مثلاً أعلم على الإطلاق، وهذا الشيء يُخرم قواعد المحاورة وضوابطها، وبطلان هذا من الواضحات؛ لكونه يستلزم الهرج في المحاورات، عكس ما لو قلنا بأنّه حقيقة في المتلبّس بالمبدأ فحسب، وذلك هو الطريق الوحيد لحلّ المشكلة. لكنَّ هذا الدليل غير تام؛ لأنّ الطريق لحل المشكلة ليس منحصراً في الوضع للمتلبّس، بل هناك طريق آخر لحلها، وهو القول بأنّه موضوع لمن تلبّس بالمبدأ آناً ما، ولا يحصل من جرّاء ذلك أي هرج ومرج مزعوم. ثمّ لا يخفى أنّه لا فرق في التبادر بين أنواع المشتق بكونه من صنف المحكوم عليه أو غير المحكوم عليه، ومن صنف اللازم أو المتعدي، كما أنّه لا فرق بين كون مبدأ المشتق مأخوذاً على نحو الفعلية أو غير الفعلية من باقي الأنحاء مثل القابلية والصناعة والحرفة والمهنة. إنّ القول بالتفصيل في باب المشتق وهمٌ، ناشئ عن أمرين: أحدهما: أخذ الحال حال النطق أو اعتبار المبدأ غير فعلي، ولذلك ادّعي أن المجتهد أعم ممّا انقضى ومَن تلبّس؛ لأجل أنّه يصدق على من يقوم بعملية الاجتهاد حالياً وعلى من لا يقوم بذلك حالياً. ثانيهما: اعتبار المبادئ غير الفعلية بمنزلة الفعلية. هذا إذا ما قلنا بالتفصيل والتفريق بين الحالات، أمّا إذا قلنا بعدم تأثير اختلاف المبادئ في محل النزاع، وأنّ تلبّس كلّ مبدأ بحسبه وانقضاء كلّ مبدأ بحسبه، وأنّ الحال هنا هو حال النسبة، أدّى ذلك إلى عدم التفريق بين أنواع المشتق، غاية الأمر رجوع التلبّس بالمبدأ في حال الأمر والجري إلى أمر واحد. يبدو لنا أن المتبادر من التلبّس كون المنظور في التلبس هو حال النسبة لا حال النطق، فالذي تقطع يده يكون سارقاً في وقت ما، لا الذي يكون متلبساً بالسرقة عند القطع. ينبغي القول بأن البحث في المشتق والنزاع فيه يُعدُّ لفظياً، وإلاّ فأي عاقل يطلق مفردة (عالم) على من كان عالماً في الأمس وهو اُمّي اليوم؟ التبادر من الوجوه التي استدل بها على الوضع للأعم هي التبادر، لكنك قد عرفت أن المتبادر هنا هو المتلبّس، مع أن التبادر ليس من البرهانيات حتى يحصل النزاع فيه، بل هو من الاُمور الوجدانية، فالعهدة على المدّعي، ولذلك لا يجدي هذا الوجه أو الدليل نفعاً. عدم صحة السلب ومن الوجوه التي استدل بها على الأعم كذلك هو عدم صحة السلب، فمثل: مضروب، ومقتول، ومكتوب، يُطلق عمّا انقضى عنه المبدأ كما يطلق على المتلبّس بالمبدأ، فيقال: مضروب لمن كان قد ضُرِب، ويقال: مكتوب لما كان مكتوباً سابقاً. وفيه: مضافاً إلى أنّ الدليل أخصّ من المدّعى؛ لأنّ بعض الموارد المتقدمة حقيقة لا جميعها، ولذلك يصح السلب في بعض تلك الموارد . هذا، وقد ظهر بطلان ذلك ممّا مرّ بأنّ هذه الإطلاقات آتية من التصرّف في المبدأ، والمراد من القتل والضرب في الموارد السابقة هو حاصل المصدر لا المصدر نفسه.
|