Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: المبحث الثاني : في تحقّق الفضيلة باستعمال الأقلّ والأكثر من المقدّر

المبحث الثاني : في تحقّق الفضيلة باستعمال الأقلّ والأكثر من المقدّر

لا ريب في عدم إدراك الفضيلة باستعمال ما دون المدّ في الوضوء والأقلّ من الصاع في الغسل ؛ لعدم موافقيّة الأمر باستعمال المقدّر ، كما يستفاد من حديث المروزي[1] ، وكذا فعل النبيّ المنقول في المعتبرة المتقدّمة[2] ، فلا يحصل به التأسّي .

وهل يتحقّق باستعمال الزائد عن المقدّر كما يحصل به ، فيه وجهان :

أصحّهما العدم ؛ إذ لا يكون الوضوء بالمدّ ـ مثلا ـ مع الزيادة عليه ، كما لا يكون به مع النقصان عنه ؛ لأنّ المدّ مقدار محدود في طرفي النقصان والزيادة معاً ، فلا يحصل الامتثال بما خرج عن حدّيه مطلقاً ، سواء في ذلك الناقص والزائد .

ولورود النهي عن الإسراف في الوضوء ، ففي الحديث : «إنّ لله مَلَكاً يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه »[3] ، خرج عن ذلك مقدار المدّ بالنصوص ، فيبقى الزائد تحت إطلاق النهي .

وقد يقال : إنّ إخراج المدّ عن إطلاق المنع يقتضي انصرافه إلى القدر الزائد دون المجموع ، أعني الزائد والمزيد عليه ، كما هو المطلوب .

والوجه الآخر : أنّ الفضيلة تدرك بالزائد ؛ لاشتماله على ما يحصل به الامتثال ، غاية الأمر أ نّه مشتمل على شيء زائد على المقدّر ، وذلك لا يقدح في حصول الامتثال بالنظر إليه نفسه .

ولأنّ الحكمة في التقدير بالمدّ والصاع هو استظهار المكلّف في وصول الماء إلى ما يجب غسله من الأعضاء ، وحصول كمال الجريان المزيل للشبهة ، وذلك موجود في صورة استعمال الزائد على الوجه الأكمل .

ولموثّقة سماعة المتقدّمة[4] ؛ فإنّه سُئل عن القدر الذي يجزئ من الماء في الغسل ، وقوله (عليه السلام) : « كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)يغتسل بصاع » جواباً عن هذا السؤال يعطي أنّ الصاع يجزئ في الغسل ، وكذا المدّ في الوضوء ؛ لاقترانه مع الصاع ، والإجزاء إنّما يستعمل في الأقلّ .

ولصحيحة محمّد الحلبي عن الصادق (عليه السلام)قال : « أسبغ الوضوء إن وجدت ماءً ، وإلاّ فيكفيك القليل »[5] ؛ فإنّه يدلّ على أولويّة الكثير من الماء لو وجد ، والكثير أعمّ من المدّ .

ويتوجّه على الأوّل : أنّ اشتمال الزائد على المقدّر عليه إنّما يقتضي استعمال المقدّر في الطهارة لا حصولها بالمقدّر وتحقّقها به ؛ لبقاء شيء من أجزاء الوضوء بعد استعماله على هذا الفرض ، والمستفاد من النصوص كون الطهارة بأسرها حاصلة باستعمال المقدّر ؛ لأ نّ الظاهر من السببيّة إنّما هي السببيّة التامّة دون الناقصة .

لا يقال : قد يتّفق حصول الوضوء بمقدار المدّ خاصّة ، مع كون الماء المستعمل زائداً على المدّ ، وذلك إذا كانت الزيادة مصروفة في خصوص المستحبّات ؛ فإنّ الوضوء بجميع أجزائه المعتبرة في ماهيّته قد حصل حينئذ بمقدار المدّ ، وما حصل بغيره أمر زائد على حقيقة الوضوء وطبيعته ؛ لحصولها بدونه .

نعم ، يمتنع ذلك فيما إذا بقي شيء من الأجزاء المفروضة بعد استعماله ؛ لعدم حصول الوضوء بكماله حينئذ بمقدار المدّ ، فلا يستقيم الحكم بفوات الفضيلة باستعمال الزائد مطلقاً ، بل ينبغي التفصيل في المسألة .

لأنّا نقول : الوضوء ليس اسماً لخصوص الأفعال الواجبة ، وكذا الصلاة والحجّ وغيرهما من ألفاظ العبادات ؛ للقطع بأنّ أجزاء العبادة ينقسم إلى واجب ومندوب ، بل هي موضوعة للطبائع الكلّية المتحقّقة بتحقّق الأجزاء الواجبة خاصّة ، وبتحقّقها مع المندوبة كلاّ أو بعضاً ، فمجموع الأجزاء الواجبة والمندوبة فرد للعبادة ومصداق لها ، والأجزاء الواجبة وحدها فرد آخر ، فهي من حيث الانفراد حكمها حكم الأفراد ، ومن حيث الانضمام مع الأجزاء المندوبة حكمها حكم الأجزاء . وقد علم بذلك أ نّ مجموع الأفعال الواجبة من الوضوء والمندوبة فرد من الوضوء ومصداق له ، والمفروض حصول الأجزاء الواجبة منه وحدها باستعمال المدّ ، فلا يكون هذا الفرد بمجموعه حاصلا به ، وما حصل باستعماله جزء منه في هذا الفرض وإن كان فرداً في فرض آخر .

والحاصل : أنّ ما فعله المكلّف ـ وهو المجموع ـ لم يكن بالمدّ ، وما يكون بالمدّ ـ وهو الواجب ـ خاصّة لم يفعله المكلّف ، فما ذكرناه من الإطلاق صحيح .

وعلى الثاني : أنّ ما ذكر من الحكمة إنّما يكون علّة للتقدير بالمدّ والصاع لو كان التحديد بهما معتبراً في جانب القلّة خاصّةً ، كما يقول به المستدلّ ، وأمّا على تقدير اعتباره في الطرفين معاً بحيث يكون الفضيلة مقصورة على المقدّر لا يحصل بالناقص ولا بالزائد ـ كما اخترناه ـ فلا يكون ما ذكر علّة تامّة للتقدير ، فلو بني المقصود ـ أعني كون التحديد للقلّة ـ على الحكمة المذكورة لزم الدور .

وعلى الثالث : بأ نّه مبنيّ على أن يكون السؤال عن القدر المجزئ سؤالا عن أقلّ ما يتحقّق به الإجزاء حتّى يكون الجواب بأ نّه صاع ـ مثلا ـ نافياً للناقص عنه مثبتاً له وللزائد عليه ، وهو ممنوع ؛ لاحتمال أن يكون السؤال عن المقدار الذي لا يحصل الإجزاء في تحصيل الفضيلة إلاّ به ، فيكون الجواب إثباتاً للمقدّر ونفياً لكلّ من الزائد والناقص ، وأن يكون عن المقدار الذي لا يحصل الإجزاء بما دونه ليكون الجواب إثباتاً للمقدّر ونفياً للناقص من غير تعرّض لحكم الزائد .

وعلى الرابع : بأنّ المراد رجحان الكثير الذي يحصل به الإسباغ لا مطلق الكثير ؛ لورود النهي عن الإسراف بالوضوء ، وهو ما يزيد على الكفاية ، خرج عنه المقدّر فيبقى الباقي ؛ لمنافاته التحديد بالمدّ والصاع ، كما بيّنّاه مفصّلا .

وقد ظهر بما ذكرنا أنّ التحديد بالمدّ والصاع لم يكن معتبراً في جانب القلّة خاصّة حتّى يكون المقدّر أقلّ ما يدرك به الفضيلة ، ويكون التقدير نفياً للناقص وإثباتاً للمقدّر والزائد ، ولا في جانب الكثرة كذلك حتّى يكون المقدّر أكثر ما يدرك به الفضيلة ويكون التقدير نفياً للزائد وإثباتاً للمقدّر والناقص ، بل هو معتبر في طرفي القلّة والكثرة معاً بحيث يكون الفضيلة مقصورة على المقدّر ولا تدرك بالناقص ولا بالزائد ، ويكون التقدير إثباتاً للمقدّر ونفياً لما عداه مطلقاً ، ناقصاً كان أو زائداً . وحينئذ نقول : إن اُريد بالأقلّ والأكثر في القضيّة المنفصلة الواقعة في السؤال أقلّ ما يدرك به الفضيلة وأكثر ما يدرك ـ كما هو الظاهر ـ كانت المنفصلة مانعة الجمع ، وكان الجواب باختيار شقّ ثالث ، وهو أنّ التحديد لبيان ما لا يحصل إدراك الفضيلة إلاّ به ، وليس للأقلّ ولا للأكثر ؛ لاقتضاء كلّ منهما حصولها بغيره ، فعلى الأوّل في الزائد وعلى الثاني في الناقص ، وقد سبق بطلانه .

وإن اُريد بهما ما لا يحصل إدراك الفضيلة الغائيّة المقدّر بما نقص عنه أو زاد عليه ، كانت المنفصلة مانعة الخلوّ ، وكان الجواب باختيار الشقّين معاً مجتمعين ؛ فإنّ المقدّر الشرعي على ما ذكرنا مقدار لا يدرك فضيلة الطهارة بما نقص عنه ولا بما زاد عليه ، فيكون التحديد للأقلّ والأكثر معاً .

--------------------------------------------------------------------------------

[1]. تقدّم ذكره في الصفحة 174 .

[2]. تقدّم ذكرها في الصفحة 174 .

[3]. الكافي 3 : 22 ، باب مقدار الماء الذي يجزئ للوضوء ... ، الحديث 9 ، وسائل الشيعة 1 : 485 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 52 ، الحديث 2 .

[4]. تقدّمت في الصفحة 174 .

[5]. التهذيب 1 : 145 / 388 ، باب حكم الجنابة ، الحديث 79 ، وفيه : « وإلاّ فإنّه يكفيك اليسير » ، وسائل الشيعة 1 : 485 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 52 ، الحديث 4 .

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org