Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الوجه الرابع : روايات تحريم ما يحصل من الكرم إذا غلى قبل ذهاب ثلثيه

الوجه الرابع : روايات تحريم ما يحصل من الكرم إذا غلى قبل ذهاب ثلثيه

الوجه الرابع :

الروايات الدالّة على تحريم ما يحصل من الكرم إذا غلى ما لم يذهب ثلثاه . وإنّ الغلبة في ذلك ما وقع بين آدم أو نوح (عليهما السلام) وبين إبليس لعنه الله من المنازعة ، إلى أن استقرّ الأمر على الثلثين . فمن ذلك ما رواه ثقة الإسلام الكليني ـ طاب ثراه ـ في الكافي ، في الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : « لمّـا هبط نوح (عليه السلام)من السفينة غرس غرساً فكان فيما غرس الحبلة ، ثمّ رجع إلى أهله ، فجاء إبليس فقلعها ، ثمّ إنّ نوحاً عاد إلى غرسه فوجده على حاله ، ووجد الحبلة قد قلعت ، ووجد إبليس عندها ، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فأخبره أنّ إبليس قلعها ، فقال نوح(عليه السلام)لإبليس : ما دعاك إلى قلعها ، فوالله ما غرست غرساً أحبّ إليَّ منها ، ووالله لا أدعها حتّى أغرسها . فقال إبليس : أنا والله لا أدعها حتّى أقلعها ، فقال له : اجعل لي منها نصيباً ، فجعل له منها الثلث ، فأبى أن يرضى ، فجعل له النصف ، فأبى أن يرضى ، فأبى نوح إلاّ أن يزيده ، فقال جبرئيل (عليه السلام)لنوح (عليه السلام) : يا رسول الله أحسن ، فإنّ منك الإحسان ، فعلم نوح أ نّه قد جعل له عليها سلطاناً ، فجعل نوح له الثلثين . قال أبو جعفر(عليه السلام) : إذا أخذت عصير فاطبخه حتّى يذهب الثلثان ، وكل واشرب حينئذ ، فذاك نصيب الشيطان »[1] .

وعن سعيد بن يسار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : « إنّ إبليس نازع نوحاً (عليه السلام)في الكرم ، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال : له حقاً فأعطه ، فأعطاه الثلث فلم يرضَ إبليس لعنه الله ، فأعطاه النصف فلم يرضَ ، فطرح جبرئيل ناراً فأحرقت الثلثين وبقي الثلث ، فقال : ما أحرقت النار فهو نصيبه ، وما بقي فهو لك يا نوح »[2] .

وما رواه الصدوق (رحمه الله) في كتاب علل الشرائع والأحكام ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : « كان أبي يقول : إنّ نوحاً حين اُمر بالغرس كان إبليس إلى جانبه ، فلمّـا أراد أن يغرس العنب قال : هذه الشجرة لي ،[3] فقال إبليس : فما لي منها ؟ فقال نوح : لك الثلثان ، فمن هناك طاب الطلاء على الثلث »[4] .

وعن وهب بن منبّه ، قال : لمّـا خرج نوح من السفينة غرس قضباناً كانت معه في السفينة[5] من النخل والأعناب وسائر الثمار ، فأطعمت من ساعتها ، وكانت معه حبلة العنب ، وكانت آخر شيء أخرج حبلة العنب ، فلم يجدها نوح (عليه السلام) ، وكان إبليس قد أخذها فخباها ، فنهض نوح (عليه السلام) ليدخل السفينة فيلتمسها ، فقال له الملك الذي معه : إجلس يا نبيّ الله ستؤتى بها ، فجلس نوح (عليه السلام) ، فقال له الملك : إنّ لك فيها شريكاً في عصيرها فأحسن مشاركته ، قال : نعم ، له السبع ، ولي منها ستّة أسباع ، قال له الملك : أحسن فأنت محسن ، قال نوح : له سدس ، ولي خمسة أسداس ، قال له الملك : أحسن فأنت محسن ، قال نوح : له الربع ، ولي ثلاثة أرباع ، قال الملك : أحسن ، فأنت محسن ، قال له نوح : فله النصف ولي النصف ، قال له الملك : أحسن فأنت محسن ، قال (عليه السلام) : لي الثلث ، وله الثلثان ، فرضي ، فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس ، وهو حظّه ، وما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح (عليه السلام) ، وهو حظّه ، وذلك الحلال الطيّب ليشرب منه »[6] .

وما رواه العيّاشي عن سعيد بن يسار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : « إنّ الله تعالى أمر نوحاً (عليه السلام) أن يحمل في السفينة من كلّ زوجين اثنين ، فحمل النخل والعجوة ، فكانا زوجاً ، فلمّـا نصب الماء أراد نوحاً أن يغرس الحبلة وهي الكرم ، فأتاه إبليس ومنعه عن غرسها ، وأبى نوح إلاّ أن يغرسها ، وأبى إبليس أن يدعه يغرسها ، وقال : ليست لك ولا لأصحابك ، إنّما هي لي ولأصحابي ، فتنازعا ما شاء الله ، ثمّ إنّهما اصطلحا على أن جعل نوح (عليه السلام)لإبليس ثلثيها ولنوح ثلثها »[7] .

وما رواه الكليني في الكافي ، والصدوق في العلل ، عن أبي الربيع الشامي ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أصل الخمر ، كيف كان بدء حلالها وحرامها ؟ ومتى اتّخذ الخمر ؟ فقال (عليه السلام) : « إنّ آدم (عليه السلام) لمّـا اُهبط من الجنّة اشتهى من ثمارها ، فأنزل الله تعالى قضيبين من عنب فغرسهما ، فلمّـا أورقا وأثمرا وبلغا جاء إبليس فحاط عليهما حايطاً ، فقال آدم (عليه السلام) : ما حالك يا ملعون ؟! فقال إبليس : إنّهما لي ، فقال له : كذبت ، فرضيا بينهما بروح القدس ، فلمّـا انتهيا إليه قصّ عليه آدم (عليه السلام) قصّته ، وأخذ روح القدس ضغثاً من نار ورمى به عليهما ، والعنب في أغصانهما حتّى ظنّ آدم (عليه السلام)أ نّه لم يبقَ منها شيء ، وظنّ إبليس مثل ذلك ، قال : فدخلت النار حيث دخلت ، وقد ذهب ثلثاه وبقي الثلث[8] ، فقال الروح : أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس ، وما بقي فلك يا آدم »[9] .

وفي الكافي ، عن إبراهيم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : « إنّ الله تعالى لمّـا أهبط آدم(عليه السلام)أمره بالحرث والزرع ، وطرح إليه غرساً من غروس الجنّة ، فأعطاه النخل والأعناب والزيتون والرمّان ، فغرسها ليكون لعقبه وذرّيته ، فأكل هو من ثمارها ، فقال له إبليس : يا آدم (عليه السلام) ، ما هذا الغرس الذي لم أكن أعرفه في الأرض ، وقد كنت فيها قبلك ؟ فقال : ائذَن لي آكل منها شيئاً ، فأبى آدم (عليه السلام) أن يدعه[10] ، فجاء إبليس عند آخر عمر آدم (عليه السلام)وقال لحوّاء : إنّه قد أجهدني الجوع والعَطَش ، فقالت له حوّاء : فما الذي تريد ؟ قال : اُريد أن تذيقيني من هذه الثمار ، فقالت حوّاء : إنّ آدم (عليه السلام) عهد إليَّ أن لا اُطعِمَك شيئاً من هذا الغرس ؛ لأ نّه من الجنّة ، ولا ينبغي لك أن تأكل منه شيئاً ، فقال لها : فاعصري في كفّي شيئاً منه ، فأبت عليه ، فقال : ذريني أمصّه ولا آكله ، فأخذت عنقوداً من عنب فأعطته فمصّه ولم يأكل منه لِمَا كانت حوّاء قد أكّدت عليه ، فلمّـا ذهب يعضّ عليه جذبته حوّاء من فيه ، فأوحى الله تعالى إلى آدم (عليه السلام) : إنّ العنب قد مصّه عدوّي وعدوُّك إبليس لعنه الله ، وقد حرّمت عليك من عصيرة الخمر ما خالطه نفس إبليس ، فحرّمت الخمر لأنّ عدوّ إنّه إبليس مكر بحوّاء حتّى مصّ العنب ، ولو أكلها لحرّمَتِ الكرمة من أوّلها إلى آخرها ، وجميع ثمرها ، وما يخرج منها »[11] ، الحديث .

ما روي عن الرضا (عليه السلام) في الفقه المنسوب إليه أ نّه قال : « اعلم أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار ، أو غلى من غير أن يصيبه النار ، فهو خمر ، ولا يحلّ شربه إلاّ أن يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه »[12] .

والاستدلال بهذه الأخبار يتوقّف على بيان اُمور :

الأوّل : إنّ ما تضمّنته تلك الروايات من اعتبار ذهاب الثلثين لا يختصّ بالعنب ، بل يتناول الزبيب ؛ فإنّ المذكور فيها هو الحبلة والكرم وما في معناهما ، وليس المراد من ذلك نفس الشجرة ، بل ما يحصل منها كما يقتضيه التثليث في الحاصل ، ولا ريب أنّ الحاصل من شجرة العنب أعمّ من العنب ، فيشمل الزبيب ، كما هو المطلوب .

ولا ينافي ذلك التفريع في قوله (عليه السلام) : « فمن هناك طاب الطلاء على الثلث »[13] ؛ لأنّ التفريع لا يقتضي الانحصار ، ولا ذكر العصير في بعضها ؛ لمنع اختصاصه بماء العنب ، وانتفاء التعارض الموجب للتخصيص.، وكذا لا ينافي ذلك ما تضمّنه خبر أبي الربيع الشامي من رمي روح القدس النار على العنب[14] ، فإنّها قضيّة جزئيّة لبيان أمر كلّي ، فلا يكون الحكم مقصوراً عليها .

ويؤيّد ما ذكرناه من إرادة الكلّية والعموم قوله (عليه السلام) في رواية إبراهيم : « فحرّمت الخمر لأنّ عدوّ اللّه إبليس مكر بحوّاء حتّى مصّ العنب ، ولو أكلها لحرّمت الكرمة من أوّلها إلى آخرها وجميع ثمرها وما يخرج منها » ؛ فإنّ العموم في هذا الكلام واضح جدّاً ، بل كاد أن يلحق بالتصريح .

الثاني : إنّ ذهاب الثلثين المعتبر في حاصل الكرم هو ذهابهما بعد حصول الغليان المحرّم لا مطلقاً ، فلا يرد أنّ الثلثين اللذين هما نصيب الشيطان قد ذهبا في الزبيب بالجفاف ، فلا يحرم بعده ، وذلك لأنّ النقص الحاصل بالجفاف إنّما حصل قبل الغليان ، فلا تأثير له فيما بعده[15] .

ويدلّ على ذلك قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : « إذا أخذت عصيراً فاطبخه حتّى يذهب الثلثان ، فكل واشرب حينئذ ، فذلك نصيب الشيطان »[16] .

وقوله (عليه السلام) في رواية ابن منبّه : « فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس ، وهو حظّه ، وما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح (عليه السلام) »[17] .

ويشهد له أيضاً قوله (عليه السلام) في صحيحة سعيد بن يسار : « فطرح جبرئيل (عليه السلام)ناراً فأحرقت الثلثين وبقي الثلث ، فقال : ما أحرقت النار فهو نصيبه ، وما بقي فهو لك يا نوح »[18] .

وفي رواية أبي الربيع : « وأخذ روح القدس ضغثاً من نار ورمى به عليهما ، والعنب في أغصانهما حتّى ظنّ آدم (عليه السلام) أ نّه لم يبقَ منها شيء ، وظنّ إبليس مثل ذلك ، قال : فدخلت النار حيث دخلت ، وقد ذهب ثلثاه وبقي الثلث ، فقال الروح : أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس ، وما بقي فلك يا آدم »[19] .

وأيضاً فإنّ المراد من ذهاب الثلثين في العنبي ما كان بعد الغليان قطعاً ، فيكون في غيره كذلك ؛ لأنّ التعبير عنهما في تلك الأخبار قد وقع بعبارة واحدة ، فالتقييد في أحدهما دون الآخر بعيد جدّاً .

الثالث : إنّ ذهاب الثلثين الذي تضمّنته تلك الروايات شرط في حلّية العصير المتّخذ من حاصل الكرم مطلقاً ، ويدلّ عليه وجوه :

أحدها : نظير ما سبق ذكره آنفاً[20] ، فإنّ نصاب الثلثين شرط في حلّية العنبي ، فكيون شرطاً في الزبيبي ؛ لأنّ العبارة الدالّة على اعتبار ذلك عبارة واحدة ، فإمّا أن يراد منها الشرطيّة واللزوم فيهما ، أو يراد منها الأولويّة والرجحان كذلك ، والثاني باطل بالإجماع على الاشتراط في العنبي فيه ، فتعيّن الأوّل .

وثانيها : إطلاق الخمر في تلك الأخبار على المتّخذ من الكرم ، وذلك يحتمل وجهين :

أحدهما : أنّ يراد منه الحقيقة بناءً على تحقّق الإسكار في العصير المتّخذ من العنب والزبيب ، بمعنى حصول أوّل مراتب السكر المسمّى بالنشوء والانتشاء فيه ، وإن لم يحسّ به الشارب ، أو حصول السكر الظاهر به بالنسبة إلى بعض الأشخاص في بعض الأحوال على سبيل الذرّة والقلّة ، بحيث لا يظهر للكلّ أو للأكثر في الأكثر ، فإنّ السكر على ما ذكره الأطبّاء هو تشويش الروح الذي هو في الدماغ ، وهذا أمر يكثر فيه الاختلاف بحسب الشدّة والضعف ، والظهور والخفاء ، باختلاف الأشربة والأمزجة ، والأحوال والأوقات ، والعادات[21] ، وبالإكثار والتقليل ، والبساطة والتركيب ، والجودة والرداءة ، وزيادة المكث وقلّته ، وغير ذلك من الأسباب الموجبة للاختلاف . فمن الجائز أن يكون العصير مسكراً في بعض الأمزجة في بعض الأحوال والأوقات ، أو يحدث للشاربين بسببه إسكار ضعيف لا يكاد يحسّ[22] به من أوّل درجات السكر والسرور ، والحاصل من المسكرات المسمّى بالانتشاء ، كما صرّح به أهل اللغة[23] ، ويكون عدم اطّلاع الناس على إسكار العصير وعدم ظهوره لديهم ظهور سائر المسكرات ؛ لضعف الإسكار أو ندرة حصوله ، فلا يكون عدم ظهوره عندهم دليلا على عدمه في نفس الأمر . وعلى هذا الوجه فالعصير فرد من أفراد الخمر وجزئيّ من جزئيّاته ، فتثبت له أحكامه التي من جملتها التحريم ، كما هو المطلوب .

وثانيهما : أن يكون إطلاق الخمر على العصير في تلك الأخبار من باب التشبيه البليغ ، نحو « النبيذ خمر » ، والمقصود إثبات جميع أحكام الخمر له ، على ما ذهب إليه جماعة[24] ، أو أحكامها الظاهرة المعروفة ، كما ذهب إليه آخرون[25] ، وعلى التقديرين يثبت التحريم ؛ لكونه أظهر أحكام الخمر أو أجلاها ، والقول بأنّ مثل هذا الكلام مجمل ـ (لفقد اللفظ الدالّ على العموم على ما زعمه بعض الاُصوليّين ، و)[26] لصحّة التشبيه بكلّ جامع مشترك ـ ليس بشيء ؛ لأنّ المتبادر من التشبيه البليغ هو العموم ، كلفظ «المنزلة » ، ولأنّ الكلام مسوق للبيان دون الإبهام ، ولا يتحقّق البيان إلاّ بإرادة العموم ، أو إرادة البعض المعيّن ، وليس إلاّ الحكم الشائع المعروف ، وأيّاً مّا كان يثبت المطلوب .

وأيضاً أحكام الخمر هي التحريم ، والنجاسة ، وعدم صحّة البيع ، وثبوت الحدّ لشاربه ، فإن اُريد في تشبيه العصير بالخمر التشبيه به لجامع التحريم ، يثبت المطلوب صريحاً ، وإلاّ لزم التحريم ؛ لأنّ الأحكام الباقية يستلزم التحريم شرعاً .

وثالثها : أنّ ما تضمّنته تلك الروايات من أنّ الثلثين الذاهبين نصيب الشيطان وحظّه ، يقتضي أن لا يكون لغيره فيهما حظّ ولا نصيب ، وليس ذلك إلاّ لتحريم ما زاد على الثلث ، وعدم جواز تناوله . ومعنى كون الثلثين نصيب إبليس أنّ الثلثين بعد الغليان حظّ الشيطان وشباكه الذي به يصطاد عقول الناس ، ويلقيهم في المحرّم الذي عاقبته العقوبة الاُخرويّة المسبّبة عن السكر أو غيره ؛ لا أ نّ الثلثين هما مأكول الشيطان ومشروبه المختصّ به ؛ إذ لا محصّل لذلك على ما لا يخفى .

ويؤيّد ما ذكرنا من أنّ ما هو حظّ الشيطان محرّم على غيره ، قوله (عليه السلام) : « فمن هناك طاب الطلاء على الثلث »[27] ، وقوله : « وذلك الحلال الطيّب فليشرب منه »[28] ، وقوله : « وقد حرّمت عليك من عصير الخمر ما خالطه نفس إبليس »[29] ، وقوله : « ولو أكلها لحرّمت الكرمة من أوّلها إلى آخرها »[30] .

فإن قيل : تهافت هذه الأخبار وتدافعها فيما تضمّنته من قصّة المنازعة باعتبار تعيين المنازع ، وزمان النزاع ، وطريق النقل ، يمنع من العمل بها والتعويل عليها .

قلنا : الجمع بينها ممكن ، بالحمل على منازعة إبليس في الحبلة تارةً مع آدم (عليه السلام) ، واُخرى مع نوح (عليه السلام) ، وأنّ منازعة نوح وقع قبل الغرس وبعده ، وأنّ طرح النار في العنب قد كان بعد الاصطلاح على الثلث لنصيب القسمة ، فلا تدافع .

وممّـا يدلّ على تحريم العصير المتّخذ من ثمرة الكرم مطلقاً ما روي عن الرضا (عليه السلام)في الفقه المنسوب إليه ، أ نّه قال : « اعلم أنّ أصل الخمر من الكرم ، إذا أصابته النار أو غلى من غير أن يصيبه النار فهو خمر ، ولا يحلّ شربه إلاّ أن يذهب ثلثاه على النار وبقي ثلثه »[31] .

وهذا الكتاب وإن لم يكن متواتر النسبة إلى الإمام (عليه السلام) ، إلاّ أنّ خالنا العلاّمة المجلسي ـ طاب ثراه ـ كان يعتمد عليه ، وقد أخرجه في كتاب بحار الأنوار في جملة ما أورده فيه ، وقبله والده المحدّث التقي المجلسي ، وبعده الفقيه الفاضل شارح القواعد ، وجماعة من مشايخنا رضوان الله عليهم .

وقد وجدت على ظهر نسخة من هذا الكتاب أنّ الرضا (عليه السلام) صنّفه لمحمّد بن المسكين ، وأنّ أصل النسخة وجدت بمكّة المشرّفة بخطّ الإمام (عليه السلام) ، وأنّ المولى المحدّث الآميرزا محمّد ـ وكأ نّه صاحب الرجال[32] ـ نقله من الكوفيّة إلى الخطّ المعروف .

ويظهر من الصدوق ووالده الثقة الفقيه (رحمه الله)الاعتماد عليه ؛ فإنّ أكثر فتاوى عليّ بن بابويه في رسالته إلى ابنه الصدوق مطابقة لما في هذا الكتاب لفظاً ومعنىً ، والصدوق يسلك رسالة أبيه في كتابي المقنع ومن لا يحضره الفقيه مسلك الأخبار ، وقد قال في الفقيه أ نّه إنّما يذكر فيه ما يفتي به ويعوّل عليه ، وما هو حجّة بينه وبين ربّه[33] .

وقال في المقنع : « إنّي صنّفت كتابي هذا وسمّيته كتاب المقنع لقنوع من يقرأه فيه بما فيه ، وحذفت الإسناد منه لئلاّ يثقل حمله ، ولا يصعب حفظه ، ولا يملّه قارئه ؛ إذ كان ما اُبيّنه فيه في الكتب الاُصوليّة موجوداً مبيّنا عن المشائخ العلماء الفقهاء الثقاة »[34] .

وقد ذكر الصدوق في الكتابين في باب حدّ شرب المسكر والغناء هذه العبارة بعينها[35] .

قال في الفقيه : « قال أبي(رضي الله عنه) في رسالته إليّ : أعلم أنّ أصل الخمر من الكرم » ، ثمّ ساق الكلام (رحمه الله)كما مرّ ، إلى أن قال : « فلا يحلّ شربه إلاّ أن يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه »[36] . وليس فيه قوله : « على النار » .

وفي المقنع : « قال والدي (رحمه الله)في وصيّته إليّ : اعلم يا بنيّ أنّ أصل الخمر من الكرم »[37] ، ثمّ ساق العبارة كما في الفقيه[38] .

والتقريب في هذه الرواية : أنّ الضمائر المتوالية فيها إمّا راجعة إلى الكرم بناءً على أنّ المراد منه حاصله مجازاً ، أو إلى الحاصل المقدّر في الكلام مضافاً إليه ، أو إلى أصل الخمر على أن يكون قوله : « من الكرم » صفةً والخبر مابعده ، وأيّاً مّا كان فمقتضى الكلام ثبوت الخمرية أو حكمها إلى حلّ الكرم بالغليان عنباً كان أو زبيباً ما لم يذهب منه الثلثان ، والحمل على خصوص العنب وإن كان ممكناً إلاّ أ نّه مجاز لا يرتكب إلاّ بدليل .

--------------------------------------------------------------------------------

[1]. الكافي 6 : 394 ، باب أصل تحريم الخمر ، الحديث 3 ، بتفاوت يسير ، وسائل الشيعة 25 : 284 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 4 .

[2]. الكافي 6 : 394 ، باب أصل تحريم الخمر ، الحديث 4 ، وسائل الشيعة 25 : 284 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 5 .

[3]. زاد في المصدر : فقال له نوح : كذبت .

[4]. علل الشرائع : 477 ، الحديث 2 ، وسائل الشيعة 25 : 286 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 10 .

[5]. «في السفينة» لم يرد في المصدر .

[6]. علل الشرائع : 477 ، الحديث 3 ، وسائل الشيعة 25 : 286 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 11 .

[7]. تفسير العيّاشي 2 : 262 ، ذيل الآية 16 من سورة النحل .

[8]. في المصدر : « وقد ذهب منهما ثلثاهما وبقي الثلث » .

[9]. الكافي 6 : 393 ، باب أصل تحريم الخمر ، الحديث ، علل الشرائع : 476 ، الحديث 1 ، بتفاوت يسير ، وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 2 .

[10]. كذا في المصدر ، وفي النسخ : أن يطعمه .

[11]. الكافي 6 : 393 ، باب أصل تحريم الخمر ، الحديث 2 ، وسائل الشيعة 25 : 283 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 3 .

[12]. فقه الإمام الرضا(عليه السلام) : 28 ، الباب 45 في شرب الخمر والغناء ... .

[13]. قوله (عليه السلام)في الصفحة 347 .

[14]. تقدّم في الصفحة 348 .

[15]. من هنا إلى قوله : «ثمّ ساق العبارة كما في الفقيه » ، في الصفحة 356 ، لم يرد في «ش» .

[16]. الكافي 6 : 394 ، باب أصل تحريم الخمر ، الحديث 3 ، بتفاوت يسير ، وسائل الشيعة 25 : 284 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 4 .

[17]. علل الشرائع : 477 ، الحديث 3 ، وسائل الشيعة 25 : 286 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 11 .

[18]. تقدّم في الصفحة 346 .

[19]. تقدّم في الصفحة 348 .

[20]. في « ر 2 » : نظير ما ذكر سابقاً .

[21]. «والعادات» لم يرد في «ر 2 » .

[22]. في «ر 2 » : لا يحسّ .

[23]. راجع : لسان العرب 14 : 153 ، «نشا» .

[24]. تحرير الأحكام (الطبعة الحجريّة) 2 : 226 ، فقه القرآن 2 : 476 ، ايضاح الفوائد 4 : 512 ، ذكرى الشيعة 1 : 100 .

[25]. انظر : معالم الدين (قسم الفقه) 1 : 184 ، حيث أشكل الحكم بدخول العصير العنبي بعد الاشتداد في حكم الخمر .

[26]. ما بين القوسين ورد في «ر 2 » بعد العبارة الآتية : « لصحّة التشبيه بكلّ جامع مشترك ».

[27]. تقدّم في الصفحة 347 .

[28]. تقدّم في الصفحة 347 .

[29]. تقدّم في الصفحة 349 .

[30]. تقدّم في الصفحة 349 .

[31]. فقه الإمام الرضا(عليه السلام) : 280 ، الباب 45 في شرب الخمر والغناء ... .

[32]. الميرزا محمّد بن علي الاسترآبادي ( م 1028) صاحب منهج المقال .

[33]. الفقيه 1 : 3 .

[34]. المقنع : 5 .

[35]. المراد من قوله «هذه العبارة» عبارة الفقه الرضوي المتقدّمة في الصفحة السابقة .

[36]. الفقيه 4 : 56 ـ 57 ، باب حد شرب الخمر .

[37]. المقنع : 453 .

[38]. من قوله : «ويدلّ على ذلك» في الصفحد 350 ، إلى هنا لم يرد في «ش» .

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org