Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: القول فيما يثبت به القود (درس60)
القول فيما يثبت به القود (درس60)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 60
التاريخ : 2008/11/29

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة 4 ـ لو اتُّهم رجل بقتل وأقرّ المتَّهم بقتله عمداً فجاء آخر وأقرَّ أنَّه هو الذي قتله، ورجع المقرُّالأوّل عن إقراره درىء عنهما القصاص والدية، وتؤدَّى دية المقتول من بيت المال على رواية عمل بها الأصحاب، ولا بأس به لكن يقتصر على موردها والمتيقن من مورد فتوى الأصحاب، فلو لم يرجع الأوَّل عن إقراره عمل على القواعد، ولو لم يكن بيت مال للمسلمين فلا يبعد إلزامهما أو إلزامأحدهما بالدية، ولو لم يكن لهما مال ففي القود إشكال.
البحث في المسألة وفي الاقتصار على مورد الرواية وفي فرع انعدام بيت مال يتمّ في مقامات ثلاثة:
المقام الأوّل: ما في المتن من حكم المسألة، وهو المشهور بين الأصحاب، بل في (كشف الرموز): (والاصحاب ذاهبون إليها، وما أعرف لها مخالفاً)[1].
بل ظاهر (الانتصار): الإجماع عليه، بل ظاهره أيضاً أنَّه قال في المسألة: (ولأننّا نسند مانذهب إليه في هذه المسألة إلى نصٍّ، وتوقيف، ويرجع المخالف لنا إلى الظنّ والحسبان)[2].
والمخالف، الشهيد الثاني في (المسالك) و (الروضة) وأبو العبّاس في (المهذّب)[3].
ففي (المسالك) بعد الاشكال على مستندهم بكونه مرسلاً مخالفاً للأصل: (والأقوى تخيير الوليّ في تصديق أيّهما شاء، والاستيفاء منه)[4] ومثله (الرّوضة)[5] ، ويظهر من (اللثام) التردُّد حيث قال: (الخبر مرسل مرفوع مخالف للاُصول)[6].
والظاهر انحصار المخالف فيهم; لعدم نقله ممّن سواهم، بل في تعليقات صاحب ( مفتاح الكرامة) على قصاص (اللّثام) بعد نقل الخلاف والتردُّد منهم قال: (ولم نجد الخلاف إلاَّ ممَّن عرفت، وقد سبقهم الإجماع)[7].
وكيف كان، فدليل المشهور ومستندهم خبر عليّ بن إبراهيم، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: ((اُتي أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ برجل وجد في خربة وبيده سكين ملطَّخ بالدم، وإذا رجل مذبوح يتشحّط في دمه، فقال له أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: ما تقول؟ قال: أنا قتلته، قال: اذهبوا به فأقيدوه به، فلمّا ذهبوا به أقبل رجل مسرع)) إلى أنْ قال: ((فقال: أنا قتلته، فقال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ للأوّل: ما حملك على إقرارك على نفسك؟ فقال: وما كنت أستطيع أن أقول، وقد شهد عليّ أمثال هؤلاء الرجال وأخذوني، وبيدي سكيّن ملطَّخ بالدم، والرجل يتشحّط في دمه، وأنا قائم عليه، خفت الضرب فأقررت، وأنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة، وأخذني البول فدخلت الخربة فرأيت الرجل متشحّطاً في دمه، فقمت متعجّباً، فدخل عليّ هؤلاء فأخذوني، فقال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الامام الحسن عليه السلام، وقولوا له: ما الحكم فيهما؟)) قال: ((فذهبوا إلى الامام الحسن ـ عليه السلام ـ وقصّوا عليه قصّتهما، فقال الامام الحسن ـ عليه السلام ـ: قولوا لأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: إنْ كان هذا ذبح ذاك فقد أحيا هذا، وقد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)[8] يخلَّى عنهما، وتخرج دية المذبوح من بيت المال))[9].
وفي فتوى المشهور واستنادهم إلى الخبر محاذير، ومخالفة للقواعد.
منها: عدم اختصاص الحكم بالإقرارين، بل يكون للأعمّ منهما ومن ثبوتالأوّل بالبيّنة أو القسامة; لما في الخبر من عموميّة الكبرى،فإنَّها هي قول الامام الحسن ـ عليه السلام ـ: ((إنْ كان هذا ذبح ذاك فقد أحيا هذا، وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً))). وعليه، إنْ ثَبت كون المتَّهم قاتلاً بالبيّنة أو القسامة ثم جاء آخر وأقرّ بأنّه القاتل والمتّهم بريء من القتل، وأنكر المتّهم القتل وأنّه بريء، كما يقول المقرُّ، فالحكم فيه أيضاً درء القصاص والدية عنهما، وتأدية الدية من بيت المال، فتخصيصهم الحكم بالإقرارين مع عموميّة الدليل، كما ترى.
ومنها: أنَّ جواز أداء الدية من بيت المال فضلاً عن لزومه المفتى به مشكل بل ممنوع; لأنَّ المقرَّ الثاني إنْ كان بإحياء النفس مستحقاً للجزاء بالمثوبة فعلى الأوّل جزاءه بأداء الدية، لأنَّه المنتفع من إقرار الثاني، فمن له الغنم فعليه الغرم، وبيت المال وإنْ كان معدَّاً للصرف في مصالح المسلمين لكنّه مشروط قطعاً بعدم المكلَّف والملزَم (بالفتح) بالصرف، وإلاَّ فيجوز صرفه فيها على الأفراد من مؤونة الإصلاح، كدية المقتول في شبه العمد مع كون القاتل متمكناً من الأداء ومريداً للأداء، وهو كما ترى.
فمقتضى القاعدة في المسألة كون الدية على المقرِّ الأوّل دون بيت المال المخالف للقواعد.
ومنها: أنَّ اللاّزم من ذلك الحكم سقوط حق القصاص الموجب للحياة: (وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يا اُوْلِي الأَلْبَابِ)[10] ، وتضييع حقوق أولياء الدم، بل ولك أنْ تقول: إنَّ الحكم كذلك مخالف للكتاب والسنة القطعيّة; وذلك لكونه موجباً لجواز التواطؤ من المقرّين على قتله بالإقرارين كذلك من القاتل وغيره لإسقاط القود والدية، ولا لوم و لاذنب على ذلك التواطؤ; لكونه مسبَّباً ومستنداً إلى الشرع وقانونه، كما لا يخفى.
وإلى ذلك يشير ما عن (المهذب البارع) في (مفتاح الكرامة) من قوله: (إنَّه لا يجوز للفقيه أنْ يحكم بمثل هذا الحكم بجواز التواطىء من المقرِّين على قتل المسلم وإسقاط القصاص والدية)[11].
وفي (الجواهر) الإشكال عليه بقوله: (وهو كما ترى مجرّد اعتبار لايعارض ما سمعت من النصّ والفتوى المشتمل على الكرامة للحسن عليه السلام، باعتبار أنَّه لو كان غيره لأخذ بقاعدة الإقرار، إلاَّ أنَّه لمّا كان مؤيَّداً بروح القدس ومسدَّداً بتسديداته، والفرض أنْ الحكم عند اللّه تعالى شأنه على خلاف قاعدة الإقرار، للحكمة التي ذكرها أبو محمد ـ عليه السلام ـ قضى فيها بما سمعت، وأراد أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ إظهار أمرالامام لحسن ـ عليه السلام ـ وأنَّه من معادن أسرار الله تعالى)[12].
وفيه ما لا يخفى، حيث إنّ تضييع حقوق الناس وتجويز التوطئة لدفع القصاص الذي فيه الحياة كيف يكون كرامة؟ وكيف يكون ذلك الحكم المخالف للعقل والكتاب والسنّة مؤيَّداً بروح القدس ومسدّداً بتسديداته؟ وكيف يصحّ القول بحجيّة ما يدلّ على الحكم المخالف لتلك الحجج الباهرة والأنوار الساطعة؟
هذا، مع أنَّه على ما ذكره ـ رحمه الله ـ لا يوجد خبر مخالف للكتاب أصلاً، حيث إنَّ الخبر إنْ كان مخالفاً على نحو التباين يكون حجة وقابلاً للعمل وواصلاً من المؤيَّدين بروح القدس، فإنَّ المخالفة تكون بما عندنا من الفهم والظواهر، وإلاَّ فالحكم عند اللّه على خلاف القرآن بما يفهمه المعصومين صلوات عليهم أجمعين، وهو كما ترى، فإنَّه خلاف التحقيق، وخلاف مذهب (الجواهر) وغيره، بل خلاف سيرة الفقهاء، كما هو الظاهر الواضح.
ومنها: ما في استنادهم إلى الخبر، وأنّ إرساله ورفعه منجبر بعمل الأصحاب مالا يخفى; لما بين الخبر والفتوى من التغاير والتفاوت موضوعاً، فكيف يحرز الاستناد ؟ فإنَّ مورد الخبر ـ كما سنبيّنه ـ ما كان الإقراران بضميمة القرائن والشواهد موجباً للأطمئنان بصحّتهما، وذلك بخلاف مورد الفتوى من الإقرارين مطلقاً، اللَّهمَّ إلاّ أنْ يُقال بأنَّ الاستناد لمّا يكون معلوماً من استدلالاتهم ومن عدم ما يصحُّ استنادهم إليه، مع كون الحكم على خلاف القواعد، فالخطأ منهم في فقه الحديث، وما يكون جابراً نفس الاستناد والفتوى بالرواية، فتأمّل.
هذا تمام الكلام في محاذير فتوى المشهور، ومنه يعلم أنَّ الأقوى ـ وفاقاً (للمسالك) ـ تخيير الوليّ في الإقرارين ـ أي في مورد فتوى المشهور ـ في تصديق أيِّهما شاء والاستيفاء منه، كما سبق لما سبق.
المقام الثاني: كون مقتضى عموم العلّة في الرواية عدم اختصاص الحكم بموردها، وأنَّه ثابت في أمثال المورد من مصاديق العلّة، وهذا ممَّا لا ينبغي الإشكال والبحث فيه، وإنَّما الشأن في فقه الرواية، والظاهر بل المقطوع أنَّ موردها الإقراران الموجبان للاطمئنان بصحّتهما من جهة الشواهد والقرائن، وذلك في الأوّل واضح; لما فيه من الشواهد والقرائن التي بيّنها في جواب السؤال عنه بالإقرار بعد التبرئة، وكذاالثاني; لأنَّ من يرى المتّهم بالقتل المحكوم بالقصاص ومع ذلك يقرّ بتبرئته، وأنَّ القاتل نفسه لا داعي له قطعاً إلاّ بيان الحقيقة والواقع، وهذا بخلاف ما يكون مورداً لفتوى الأصحاب من كفاية الإقرار بما هو هو في الحكم. وقد عرفت عدم تماميته بما ذكرناه في فقه الرواية، والظاهر أنَّ عدم التخيير في الرواية مطابق للقواعد، فالمعتمد هو الرواية المعتضدة بالقواعد، ويُقال في إرسالها ورفعها: إنَّه منجبر بعمل الأصحاب، بل في (الجواهر): (ظهور الاتّفاق على النصّ المزبور، المشتمل على كرامة الامام الحسن عليه السلام)[13].
وفيه أيضاً: أنَّه لولاه أمكن حمل ما وقع من الامام الحسن ـ عليه السلام ـ على أنَّه قضية في واقعة أو غير ذلك، ولا يخفى عدم تماميّة الحمل كذلك مع ما فيها من الكبرى الكليّة والتعليل بها.
ثمّ إنَّ التعدّي عن مورد الرواية إنَّما يكون فيما كان إقرار الأوّل من باب اللابديّة، وأنَّه لا طريق لإنكاره من جهة الشواهد، بحيث كان في طريقه نحو القصاص، وكان إقرار الثاني لتبرئته وبداعي إجراء القصاص في حقّه; لأنَّه القاتل، ومن المعلوم أنَّ ذلك غير متحقّق إلاّ مع الجهل بحكم المسألة من عدم القصاص، ومن أداء الدية من بيت المال، وإلاّ فمع علمه بالحكم بل واحتمال كون الحكم كذلك لا يحصل القطع بانحصار داعي المقرّ الثاني في القصاص، فلعلّه يكون توطئة في براءتهما عن القصاص، وذهاب حقّ أولياء الدم فيه، وذلك غير مماثل لمورد الرواية، ولا ممّا ينطبق عليه التعليل والكبرى الكليّة، كما لا يخفى.
وما في المتن، تفريعاً على لزوم الاقتصار على مورد الرواية، وعلى المتيقن من فتوى الأصحاب منقوله: (فلو لم يرجعالأوّل عن إقراره عمل على القواعد) موافق مع قاعدة الاقتصار في ما خالف الاُصول على المتيقن، لكنّه مخالف لعموم التعليل، كما لا يخفى.
ومع العموم فيه الاقتصار على المتيقن مخالف للظهور في العموم، والظهور حجّة بالنسبة إلى تمام أفراد العامّ على السويّة، فالأقوى عدم القصاص في مثل مورد الرواية، ولو مع عدم رجوع الأوّل، ولا فرق في ذلك بين جعل المورد على المشهور الإقرارين بما هما هما أو الإقرارين على نحو ما بيّنَّاه حيث إنّ المناط عموم التعليل.
المقام الثالث: ظاهر التعليل المزبور عدم الفرق بين وجود بيت مال وعدمه، بل لعلّه ظاهر الفتاوى.
وفي (المسالك): (وعلى المشهور، لو لم يكن بيت مال أشكل درء القصاص عنهما وإذهاب حقّ المقرّ له)[14].
وفيه: أنَّ ذلك يتمُّ مع عدم القول بإلزامهما أو إلزام أحدهمابالدية، لئـلاّ يبطل دم امرئ مسلم. نعم، على القول بدرء القصاص والدية عنهما، الإشكال في محلّه.
فما في (الرياض) من قوله: (نعم، لو لم يكن بيت مال كهذا الزمان أشكل درء القصاص والدية عنهما وإذهاب حق المقرِّ له رأساً)[15] تامٌّ، ولعلّه كان إليه نظر (المسالك) أيضاً.
ولو لم يكن لهما مال، ولم يؤدِّ الدية شخص فالظاهر كون القصاص على الثاني; لأنَّه القاتل على ما بيّناه، كما لا يخفى، وعليهما على التخيير، وعلى كون مورد الحكم هو الإقراران بما هما هما; قضاءً للقاعدة.
وما في المتن من الإشكال في القود في هذه الصورة، ففيه ما لا يخفى، لما مرَّ من القصاص. وعموم العلِّة معارض بعدم بطلان دم امرئ مسلم، فعمومات القصاص محكّمة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - كشف الرموز 2: 614.
[2] - الانتصار: 543.
[3] - المهذّب البارع 5: 202.
[4] - مسالك الإفهام 2: 372.
[5] - الروضة البهيّة 2: 408.
[6] - كشف اللثام 2: 278.
[7] - مفتاح الكرامة 11: 40.
[8] - المائدة: 32.
[9] - وسائل الشيعة 29: 142، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب 4، الحديث 1.
[10] - البقرة: 179.
[11] - مفتاح الكرامة 11: 40.
[12] - جواهر الكلام 42: 208.
[13] - جواهر الكلام 42: 208.
[14] - مسالك الإفهام 15: 177.
[15] - رياض المسائل 2: 515.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org