Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الحقيقة الشرعية (درس20)
الحقيقة الشرعية (درس20)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 20
التاريخ : 2008/12/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الحقيقة الشرعية
اختلف الاُصوليون في الحقيقة على أقوال:
الأوّل:
القول بالحقيقة الشرعية مطلقاً.
الثاني: القول بعدم الحقيقة الشرعية مطلقاً.
الثالث: القول بالتفصيل بين ألفاظ العبادات والمعاملات، ففي العبادات توجد حقيقة شرعية وفي المعاملات لا توجد.
الرابع: القول بالتفصيل بين ألفاظ العبادات المخترعة كالصلاة والصوم والزكاة ففيها حقيقة شرعية، وبين ألفاظ المعاملات والعبادات غير المخترعة كالوجوب والكراهة والاستحباب فليس فيها حقيقة شرعية.
ثمرة البحث
ذكروا أن ثمرة البحث تظهر في الألفاظ التي جاءت في لسان الشرع[1] مجردة عن القرائن. فبناءً على الرأي الأوّل القائل بالحقيقة الشرعية على الإطلاق، يُحمل اللفظ على معناه الشرعي، وبناءً على عدم الحقيقة الشرعية يُحمل اللفظ على معناه اللغوي.
إذا قال الشارع: (عليكم بالصلاة في أوّل الشهر) نحمل لفظ (الصلاة) على معناه الشرعي بناءً على الرأي الأوّل، ونحمل ذات اللفظ على معناه اللغوي ـ أي الدعاء ـ بناءً على الرأي النافي للحقيقة الشرعية (الرأي الثاني).
أمّا ألفاظ العبادات في لسان الأئمّة المعصومين ـ عليهم السلام ـ بخاصة في زمن الإمام الباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ فهي حقيقة في معانيها الشرعية بلا كلام ولا إشكال حتى لو لم تقترن بقرينة. هذه الثمرة التي ذكرت للبحث.
لكن الظاهر عدم ترتب ثمرة، نظراً لقول المتتبعين والمطّلعين بأنّه لا يوجد لفظ من ألفاظ العبادات والمعاملات في كلام النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ خالٍ من القرينة، فمعاني جميع الألفاظ وردت على لسان النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ معلومة، وعندها لا تكون ثمرة للبحث سواء كانت حقيقة شرعية أو لم تكن بأن كانت مجازاً.
والحق هو أنَّه لا حقيقة شرعية لا بمعنى أنَّها مجازات في لسان الشرع، بل بمعني أنّها حقائق في معانيها قبل البعثة. وكلامنا هنا نحو كلام السيّد البروجردي رحمه الله، والدليل على ما نقول هو وجهان:
أحدهما: هناك الكثير من الآيات القرآنية المكية ورد فيها ألفاظ أُريد منها المعنى الشرعي رغم أن الإسلام لم ينمُ ولم تتبلور كلّ مفاهيمه بعد. نأتي ببعض الآيات هنا:
(فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فلا يراد الدعاء من الصلاة هنا، (وآتوا الزكاة وَأقْرِضُوا اللهَ قَرْضَاً حَسَناً وَمَا تُقَدّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيرٍ تَجدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيراً وَأعْظَمَ أجْراً وَاسْتَغفِرُوا إنّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[2] إذن كانت الزكاة قبل الإسلام.
(يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ)[3] فالمراد من المصلين هنا ليس الداعين، بل القائمين بالعمل الذي يراد منه التقرّب إلى الله.
(قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)[4] والزكاة هنا زكاة الفطرة.
ونقرأ في سورة العلق: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ .... أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى*عَبْداً إِذَا صَلَّى)[5] فلا يراد الدعاء من الصلاة هنا.
وهناك آيات مكية اُخرى تدلّ على عدم الحقيقة الشرعية، وأنّ هذه المعاني كانت قبل مجيء الشارع المقدس.
كيفية الاستدلال: أنَّ استعمال هذه الألفاظ في هذه المعاني ممكن بواحد من الأنحاء الثلاثة:
1 ـ على نحو المجاز.
2 ـ على نحو الحقيقة الشرعية بالوضع التعيّني.
3 ـ على نحو الحقيقة الشرعية بالوضع التعييني، أي الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ نفسه قام بعملية الوضع.
الواقع لا يخلو من هذه الوجوه الثلاثة، وقد بحث ذلك كلّ من السيّد البروجردي وصاحب (الكفاية). والصحيح هو أن هذه الألفاظ حقيقة في معانيها قبل الشرع، وباقي الاحتمالات باطلة.
أمّا الاستعمال المجازي فباطل لأجل أنّه بحاجة إلى قرينة، مع أنّ من الواضح لا قرينة في الآيات السالفة الذكر، فلا نجد فيها قرينة لفظية أو حالية.
هذا، مضافاً إلى أنّه قيل بكون استعمال بعض هذه الألفاظ في المعاني الشرعية يُعدُّ خطأً لا مجازاً؛ لعدم وجود العلاقة المعتبرة، ولعدم المصحّح للادعاء، بناءً على ما اخترناه في باب المجاز، حيث قلنا بأنَّ المجاز، استعمال للفظ في ما وضع له مع ادعاء غير وضع له.
بيان ذلك: كلمة الصلاة موضوعة للدعاء المعروف، فإذا أُريد استعمالها في الصلاة المعروفة لا مسوّغ للاستعمال ولا علاقة إلاّ علاقة الجزء والكلّ، وفي هذه العلاقة يعتبر شيئان:
1 ـ أن يكون الجزء من الأجزاء الرئيسية بحيث إذا انتفى الجزء انتفى الكل، وهما بمثابة الرأس والبدن.
2 ـ أن يكون الكل مركباً حقيقة.
وكلا الأمرين منتفيان، فالدعاء ليس جزءاً رئيسياً من الصلاة، فلا تنتفي الصلاة بانتفاء الدعاء، فالقنوت مستحب دائماً حتى في صلاة الجمعة، ويمكن الإتيان بالصلاة دون أي دعاء.
ومن ناحية اُخرى فإنّ الصلاة عمل واحد وتركبه ليس تركّباً حقيقياً، بل اعتبارياً، وعندما يكون التركيب اعتبارياً يصبح استعمال اللفظ الموضوع في الكل أو الجزء استعمالاً خاطئاً.
وحتى بناءً على رأينا المختار في باب المجاز، أي القول بأن الصلاة دعاء ادعاءً، فذلك لا يؤثر في المسألة رغم أنّه يفيد في صياغة الشعر والنثر الذي يُتوخّى منه جمال الكلام، أمّا فيما يخصُّ شأن أوامر الله والرسول فالمسألة تختلف، والذي يكون في موقف إصدار الأمر الشرعي يختلف عن غيره.
وأمّا ما نراه في الحديث المنقول عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حيث قال: ((صلوا كما رأيتموني اُصلّي))[6] فنقول: إنّه رُعيت العلاقة هنا، وذلك قرينة، كما أنّه مورد خاص لا علاقة له بالآيات المبحوثة.
وبعبارة اُخرى: أوّلاً: هذا الحديث من السنّة وبحثنا في الكتاب.
ثانياً: لا دليل على وجود قرينة خاصة تدل على كون المراد المعنى المجازي، فالقرينة هنا قد تدلّ على الاختلاف في الخصوصيات، أي أنَّ الناس كانوا يصلّون قبل مجيء الرسول وبعده يصلّون كذلك، لكنه أراد بيان الاختلاف في خصوصيات الصلاة قبل وبعد الإسلام، فقال مقولته هذه.
وعلى هذا فنحن لا ننكر وجود خصوصيات اُضيفت على المعاني بعد الإسلام، لكن الماهية هي ذاتها.
أمّا الوضع التعييني بالجعل فبطلانه أظهر من الشمس وأبين من الأمس، فلو كان الرسول قد وضع هذه الألفاظ لمعانيها لنُقِل لنا ذلك.
لقد نقل الكثير عن سيرة الرسول وطريقة حياته وخصوصياتها وحتى الجزئيات مثل الأدعية التي كان يقرأها في مواضع خاصة والسواك وأوقات السواك والسور التي كان يقرأها في صلاة الليل. رغم ذلك لم نأثر عن الرسول أنّه وضع لفظاً أو دعى الناس للإصغاء بأنّه سيضع في خطبة الجمعة ـ مثلاً ـ هذه الألفاظ لهذه المعاني. وإذا لم يُنقل لنا ذلك فمن البعيد أن يكون واقعاً وحاصلاًَ.
أمّا الوضع على نحو التعيّن ، أي أن هذه الألفاظ أصبحت حقيقة في معانيها لكثرة الاستعمال، فنقول: إنَّ هذه الآيات نزلت في زمن كان الرسول في موقف ضعيف ولذلك كان يؤذّى كثيراً حتى وهو مصلٍّ، كما أنّ حجم كلام الرسول آنذاك لم يكن بدرجة توجب الوضع التعيّني.
الوضع التعيّني لا يتأتّى إلاّ بكثرة الاستعمال، مع أنَّ هذه الآيات مكية وجاءت في وقت كان الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ يعمل في الخفاء، فالآية الكريمة: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى*عَبْداً إِذَا صَلَّى)[7] نزلت في وقت كان الجاهليون يلقون على رأسه الرماد وهو يصلّي. فلم يكن رواج هذه المفردة في معناها لأجل كثرة الاستعمال لتوجب الحقيقة.
فلم يبقَ من الوجوه إلاّ الوضع التعييني بالاستعمال بداعي الوضع، أي أنَّ الرسول استعمل هذه الألفاظ بمعانيها الشرعية مستهدفاً بذلك الوضع.
وهذا غير صحيح كذلك لا من باب الإشكال العقلي الذي أورده صاحب (الكفاية) عليه واعتبره محالاً وفقاً لمبناه ، بل من باب آخر نذكره لاحقاً.
رأي صاحب (الكفاية) في باب الاستعمال هو كون استعمال اللفظ في معنى يعني إفناء اللفظ في ذلك المعنى[8]، والمتكلم عموماً لا يرى اللفظ، بل يرى معناه، لذلك يسري قبح المعنى وحسنه إلى اللفظ، فإذا تفوّهت بلفظ قبيح المعنى كان اللفظ نفسه قبيحاً كذلك، والعكس بالعكس.
ونحن نقول جواباً لصاحب (الكفاية): ما كان الوضع هكذا ولا يكون كذلك، وإشكاله العقلي مردود عندنا لجهتين:
أوّلها: نرفض مبناه في أنّ باب استعمال اللفظ باب إفناء اللفظ في معناه، وأن المتكلم لا يرى اللفظ، بل يرى معناه، وإذا لم يره كيف أمكنه تمييز الخطأ عن الصحيح؟ وسيأتي تحقيق ذلك في بحق الاستعمال المشترك.
ثانيهما: يمكن للواضع أن يستعمل اللفظ في المعنى بداعي الوضع، لكن على سبيل الكناية نحو: (زيد كثير الرماد)، فاللفظ استعمل في معناه لكن الداعي في ذلك هو المعنى المكنّى.
وعليه، نقول: لا مانع من الاستعمال على نحو الكناية، وتبعاً للسيدالبروجردي نقول بأنّ الوضع التعييني على قسمين:
1 ـ وضع تعييني بالقول.
2 ـ وضع تعييني بالفعل، وقد شبّهنا ذلك ببيع المعاطاة وإنشاء البيع تارة يكون باللفظ وتارة بالعمل وكذلك الوضع.
الوضع التعييني بالعمل باطل، لكن لا من حيث الإشكال المتقدم ، بل من حيثية اُخرى، وهي أنّ الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ لابدّ وأنّه كان قد وضع هذه الألفاظ على نحو الكناية، وإلاّ لابدَّ فيه من النقل، وإذا كان الواقع كذلك كان المفروض أن يعلم المسلمون بذلك وأن يخبر المسلمون أحدهم الآخر وإلاّ فلا نتيجة في عمله.
فتلخص من جميع ما ذكرناه: أنّ المجاز باطل والوضع التعيني باطل والوضع التعييني الجعلي باطل والوضع التعييني الاستعمالي باطل.
ولا يبقى عندئذٍ شيءٌ إلاّ القول بأنّ هذه الألفاظ كانت حقيقة في معانيها قبل الإسلام، ودليلنا على ذلك هو الآيات المتقدمة من قبيل: (وأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً)[9] و (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)[10].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - المراد من الشرع الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله.
[2] - المزمل: 20.
[3] - المدثر: 40 ـ 46.
[4] - الأعلى: 14 ـ 15.
[5] - العلق: 1 ـ 2 ، 10.
[6] - عوالي اللآلي1: 198 /8.
[7] - العلق: 9 ـ10.
[8] - كفاية الاُصول 1: 36.
[9] - مريم: 31.
[10] - البقرة: 183.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org