Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: علائم الحقيقة والمجاز (درس19)
علائم الحقيقة والمجاز (درس19)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 19
التاريخ : 2008/12/25

بسم الله الرحمن الرحيم

طرق تشخيص الحقيقة
ذكروا لذلك طريقين:
أحدهما:
تنصيص أهل اللغة والخبراء بالاصطلاح بتعبير الاُصوليين.
ثانيهما: الاستعمال.
لقد ادّعي الإجماع تجاه الطريق الأوّل، أي تنصيص أهل اللغة أمّا الثاني فقائله الوحيد هو السيّد المرتضى علم الهدى، مع أنَّ المعروف هو كون الاستعمال أعم من أنْ يكون دليلاً على الحقيقة أو المجاز، والحق هو هذا.
إذا اجتمعت شرائط الشهادة من العدد والعدالة في التنصيص فلا إشكال في حجيته بناءً على حجية البينة، باعتبار حجية خبر العادلين في المحسوسات وبالحدس القريب من الحس.
وإنَّما الكلام فيما إذا لم تجتمع شرائط الشهادة، كأنْ لم يكن المخبر عادلاً، فهناك الأخبار حجة حسب الظاهر بناءً على حجية قول أهل الخبرة وقد جرى بناء العقلاء على ذلك، أي الأخذ بقول أهل الخبرة ليكتسبوا المعرفة منهم.
نعم، يشترط في أهل الخبرة أن يكونوا ثقاة، لكن لا يلزم أن يكونوا ثقة على الإطلاق، بل ثقة في مجال تخصّصهم.
كما أنَّ الظاهر اعتبار التعدّد، ولا حجة للشخص الواحد؛ وذلك لأجل بناء العقلاء كذلك.
لا يقال: إذا كان خبر أهل اللغة حجة في تشخيص المعنى الحقيقي وتمييزه عن المجازي فلماذا لم نجد ولو خبراً واحداً لأهل اللغة يُحتج به في المسائل الاُصولية؟
وبعبارة اُخرى: لا بحث في الاُصول من قبيل أن الأمر دليل على الوجوب، والنهي حقيقة في الحرمة، والعام المخصَّص مجاز أو حقيقة فيما بقي، نجد فيه استشهاداً بأهل اللغة. مثل كتاب (القوانين) فصَّل في أنَّ الأمر حقيقة في الوجوب أو لا؟ وقد استشهد بعدة شواهد على الآراء المطروحة، إلاّ أنّا لم نعثر على من اعتبر قول أهل اللغة دليلاً على المطلوب، ولو كان قولهم حجة لاستشهدوا به، فالتبادر والاطراد حجة؛ لأنّهم استشهدوا بهما، بينما قول اللغوي ليس بحجة لأنهم لم يستشهدوا به.
لأنّا نقول: عدم احتجاجنا بقول أهل اللغة لأجل التمكّن من تحصيل العلم، فالأمارة (قول اللغوي) غير حجة مع إمكانية تحصيل العلم، والبحث في الاُصول عن مجموعة من الألفاظ والمفاهيم الموجودة في جميع اللغات والألسن من العربية والفارسية والتركية وغيرها، والباحث في هذه المفاهيم يمكنه تحصيل اليقين مهما كانت لغته، وذلك بالرجوع إلى التبادر والاطراد وصحة الحمل دون الحاجة إلى الرجوع إلى اللغوي.
إذا أمر شخص آخر بالعمل المعين يفهم من ذلك أنَّ الأمر حقيقة في الوجوب سواء كانت لغته عربية أو تركية أو غير ذلك، واللغات جميعها مشتركة من هذه الحيثية.
العلم بالحقيقة والمجاز
إذا علمنا بالمعنى الحقيقي للفظ وبمعناه المجازي كذلك لكنا شككنا في استعماله في مورد معين بأنَّه استعمال مجازي أو حقيقي، ففي هذه الحالة نجري أصل الحمل على الحقيقة؛ وذلك لبناء العقلاء، فهو جارٍ في كلّ مورد نشك في إرادة المتكلّم للمعنى الحقيقي أو المجازي، فنقول بأنَّ المراد المعنى الحقيقي لا المجازي، لكون الوضع للتفهيم والتفهّم.
عندما يضع الواضع لفظاً لمعنى لأجل استخدامه من قبل الناس في مكالماتهم، فظاهر الحال أنّ كلّ متكلّم لا يتعدّى ولا يتجاوز عمّا وضعه الواضع، كما أنَّه إذا شككنا في إرادة المعنى المجازي أو الحقيقي من كلمة (أسد)، فإنَّ مقتضى الأصل هنا يدعونا إلى الحمل على الحقيقة وعدم النقل.
والعقل يدعونا لذلك كذلك، أي الحمل على الحقيقة في كلّ مورد شككنا في إرادة المتكلّم.
وعند الشك في إرادة المعنى الحقيقي بلا إضمار ولا تقدير أو إرادة المعنى الحقيقي مع الإضمار والتقدير، فالأصل هنا هو الحقيقة مع عدم الإضمار والتقدير.
عند الشك في تخصيص اللفظ العام، وأن المتكلّم أراد التخصيص أو لم يرده، فالأصل يكون عدم التخصيص، أو كون الأصل هنا هو إرادة العموم لا التخصيص.
إنّ الإضمار والتقدير والمجاز والاشتراك والنقل والتخصيص كلّها مخالفة للأصل ولا يُصار إليها بالدليل والحجة.
وهذا ممّا لا إشكال فيه، إنّما الكلام والإشكال في تعارض هذه الاُمور الخمسة، علٍى سبيل المثال: (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)[1] والكلام في مفردة (الرِّبا)، فهل المراد منها معناها اللغوي، أو أنَّ هناك معنى مقدَّر وهو (أخذ الربا)؟
مثال آخر: (لاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم)[2] دار الأمر هنا بين المجاز والاشتراك، أي لا نعلم أن المراد من كلمة (النكاح)، عقد النكاح، أو عمله، أو أنَّه حقيقة في العقد ومجاز في الوطء وعمل النكاح.
وللبحث ثمرة، فإذا قلنا: إنَّ المفردة مشتركة فلا يفهم من الآية شيءٌ، فلا نعلم أنَّ المراد العقد أو الوطء، فهو مشترك لفظي وخالٍ من القرينة فنتوقّف.
وقد يقال بأنَّ المفردة حقيقة في عقد النكاح ومجاز في الوطء، فعندئذٍ تكون معقودة الأب محرمة على الابن، أمّا مؤطوءته فغير محرّمة.
إذن الكلام في تعارض الاُمور الماضية والذي يسمّى بتعارض الأحوال.
وقد ذكروا في ترجيح كلٍّ منها على الآخر اُموراً، فعلى سبيل المثال برّروا تقديم المجاز على الاشتراك لأجل كونه أوسع وأنَّه خير من الاشتراك. وقد قدَّم البعض الآخر الاشتراك على المجاز؛ لأنَّه أقل خطأ، ففي الاشتراك نتوقّف إذا لم تكن هناك قرينة ولا يكون هناك خطر، أمّا في حالة المجاز فقد نحمل اللفظ على معنى لا يكون مراداً للمتكلّم، لذلك كان الاشتراك خيراً من المجاز.
وقد برّر البعض تقديم الاشتراك على النقل بأنَّه يحتمل أكثر من معنى، وفي (النهاية) بإمكاننا أن نستخدمه لإرادة عدّة معانٍ وهو أقرب للاكتفاء الذاتي.
والذي قدّم النقل على الأشتراك برَّر تقديمه بأن المعنى الأوّل في المنقول مهجور ولا نحتاج إلى قرينة لاستثنائه من الاحتمالات، لذلك يكون المعنى الثاني هو المراد الوحيد، بينما نحتاج إلى قرينة في المشترك.
لكن مضافاً إلى أنَّ غالب هذه الوجوه معارضة بوجوه اُخرى، فإنَّها اُمور اعتبارية وظنية ولا اعتبار بالظنون والاعتبار؛ لأنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً، وإنّما المتَّبع في باب الألفاظ الظهور، فإذا كان هناك ظهور للفظ في معنى كان ذلك الظهور معتبراً وحجة، وإذا لم يسبّب اللفظ ظهوراً، بل سبّب وهماً وخيالاً كان غير معتبر.
والظاهر أنَّ شيئاً من هذه الوجوه غير موجب للظهور، فإذا تعارضت ينبغي التوقف ولا نرجّحأحدهما على الآخر.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - البقرة: 275.
[2] - النساء: 22.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org