موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: حوار مع مراسل التلفزيون الايطالي
سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي (دام ظله العالي)حوار مع مراسل التلفزيون الايطالي
مغزى حقوق البشر يستبطنه مبدأ اسلامي، وهو الانصاف، وينبغي السعي حثيثاً لتقنين هذا المبدأ. وكلما بدا تأثير هذا المبدأ أكثر وأظهر كلما عكس وجود الديمقراطية، وكلما بدا تأثيره أقل كان يعني انعدام الديمقراطية بل وجود الظلم.
إن الظروف الاقليمية والثقافة الإسلامية وعلاقة الإسلام بالأديان الاُخرى ووجهة نظر الإسلام تجاه حقوق البشر والديمقراطية وظروف المرجعية وموقعها في حاضر إيران، هذه كلها قضايا مهمة ومصيرية ربطت إيران حالياً بالنقاشات العالمية الجارية. وفي هذا المجال تحظى نظريات كبار العلماء وقراءاتهم بأهمية بالغة، إذ يمكنهم من خلال مناهجهم الاجتماعية الخاصة ان يحرّكوا الجدار الضخم والصعب للنظريات الرسمية للإسلام، وأن يكشفوا عمَّا تغافله أو غفل عنه السلف من الثقافة الاسلامية.
حوار آية اللّه العظمى الشيخ الصانعي في التلفزيون الايطالي تضمَّن المواضيع السالفة، فقدَّ أكَّد سماحته على ماتقدَّم وعلى مبدأ الانصاف في الاسلام ضمن فيلم وثائقي حول دور السياسة والدين والفن والاقتصاد في خمس دول آسيوية هي الصين واليابان وإيران وروسية والهند، كما تناول البرنامج العلاقة الدائرة بين الثقافة الايطالية والثقافة الآسيوية.
في إجابته عن السؤال الأول للتلفزيون الايطالي حول الشروط العلمية والأخلاقية لمقام المرجعية، أشار إلى أن المرجعية تحصل بعد اجتياز أربع مراحل، هي مرحلة تعلم اللغة الفارسية وآدابها ثم المرحلة الابتدائية لتعلُّم اللغة العربية وآدابها ثم مرحلة تعلُّم اصول ومناهج الاجتهاد، ومن خلال هذه المناهج والأساليب تستنبط القوانين والقواعد الشرعية من القرآن وكلمات الرسول(صلى الله عليه وآله) وخلفاءه الحقيقيين، وبعد هذه المرحلة يأتي دور التحقيق، وهذه المراحل تستدعي عشرين إلى خمسة وعشرين عاماً.
في قسم آخر من هذا اللقاء أكد سماحته على أن قراءة العنف عن الإسلام غير صحيحة قطعاً، وهي من نسج ذهنيات الطالبان والإرهابيين من قبيل بن لادن، وقال: يعدُّ هؤلاء خونة فاقدي البصيرة بسبب قتلهم الناس، وممَّا يؤسف له أنَّ الامكانيات الاعلامية للمصلحين والمتنوّرين من مفكري الإسلام لاتفي بما يمكّنهم ابلاغ خطابهم للعالم من أن هؤلاء لا علاقة لهم بالإسلام.
ومن جانب آخر فإن العنف الذي يمارس ضد المسلمين من قبل الحكّام واعتقالهم وتعذيبهم والاستبداد الفكري والسياسي يمهّد الأرضية للتعبير عن السأم بالأساليب العنيفة.
الإسلام يمنع الانسان حتى من إيذاء الحيوان بل يطالبه بملاطفته والاهتمام به وبطعامه وعدم تحميله حملاً ثقيلاً.
وضع الإسلام هذه التعاليم منذ قرون بعيدة وقبل وضعها من قبل البشر، وهي أكمل وأعمق ممَّا وضعه البشر في هذا المجال، ومع هذا الشاهد ماهي التعاليم التي تضمّنها الاسلام والتي يمكنها أن تروّج للعنف من وجهة نظر انسانية ومنطقية وعقلانية؟
ثم أكَّد فضيلته على أن مبدأ الانصاف هو الأوضح والأعمق في السلوك الاخلاقي الاسلامي والثقافة الديمقراطية، بل لامعنى للاخلاق الاسلامية والديمقراطية دون الانصاف، وهي دونه تفقد المفهوم العيني، كما أضاف: وله معنى بسيط، وهو: أن يحب الانسان للآخرين مايحب لنفسه وأن يكره للآخرين مايكره لنفسه.
مغزى حقوق البشر يستبطنه مبدأ اسلامي، وهو الانصاف، وينبغي السعي حثيثاً لتقنين هذا المبدأ. وكلّما بدا تأثير هذا المبدأ أكثر وأظهر كلما عكس وجود الديمقراطية، وكلما بدا تأثيره أقل كان يعني انعدام الديمقراطية بل وجود الظلم.
يؤكد مبدأ الإنصاف على لزوم السماح للناس لتقرير مصيرهم بأيديهم، وأن لايتعرضوا للظلم والأذى، علماً أن الاسلام دين العطوفة والرحمة والعدالة والإنصاف.
وينبغي الالتفات إلى أن الانسان كلما اكتسب قدرة أكبر كلما أسّرته القدرة أكثر وكلما أفل الإسلام عن سلوكه أكثر إلاَّ أن تكون هناك آلية للتحكم بالقدرة.
وفي قسم آخر من هذا اللقاء حصل حوار حول اعتبار الموت والمرض شراً في الثقافة الاسلامية قال فيه سماحة الشيخ:
الموت جزء من قاموس الخلق، وهو نوع نعمة للانسان، على أن الموت الذي يحصل عن جناية يعد ذنباً وخطأً ويثقل على الجاني، وأؤكّد هنا أن الإسلام سمح للعلماء بل أوصاهم باستخدام علومهم للحد من الموت والأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية مثل السيول والزلازل، ويعتبر القصور في هذا المجال ذنباً، والاسلام امر بالاجراءات التي تتخذ في دول مختلفة للحد من أضرار هذه الكوارث واعتبر السعي في هذا المجال لازماً.
وعلى العموم فإن اللّه الرؤوف لايريد للانسان حياة مفعمة بالشدائد، رغم أن الشدائد اختبارات للانسان لإعداد نفسه وشخصيته.
وفي سؤال وجِّه لسماحته حول رأي الاسلام عن ثقافة التصوير، أكَّد على تنوع وجهات النظر وأنه لايمكن القول بسلبية ثقافة وفن التصوير، وأضاف:
رأيي الديني الشخصي هو جواز كل أنواع التصوير كباقي الفنون بشرط أن تسخَّر في سبيل إعداد الشخصية البشرية وثقافة التحرر والعدالة والمساواة، لا أن تسخَّر لاستغلال الانسان وترويج ثقافة الابتذال.
وعندما طرح على سماحته سؤال حول علاقته بباقي المراجع مع الأخذ بنظر الاعتبار كونه فقيهاً مصلحاً، أجاب:
إذا اُريد من الاصلاح مايخصُّ المجال الفكري فذلك صحيح; لأني اخالف الاستبداد والسلطة المطلقة للفرد، واوافق الديمقرطية، أمَّا إذا اُريد من الاصلاح الانسجام مع بعض الأحزاب والأجنحة السياسية الخاصة فذلك خطأ. لي صداقة مع كبار علماء الإسلام ،والبحوث الفكرية ترتبط بالرؤى الشخصية.
وكباقي لقاءاته لم ينسَ سماحته قضية ترويج افكار الامام الخميني، ففي جوابه عن سؤال ورد عن المرحوم الإمام قال:
كان الإمام مسلماً كاملاً، فقد كان يحب الاُمة، وضحَّى بكل شيء لأجل إحقاق حقوق الشعب. كانت ثورته للبشرية ولإحياء الإنسانية، وما كان يستهدف أغراضاً شخصية. والشاهد على ذلك أن الشعب كان ولايزال يحبه. المشاكل الدينية والفكرية والسياسية التي نعاني منها حالياً ما كانت عهد الإمام، وكنا نتمتع بوحدة وحرية خاصة في المجتمع، لكن من المؤسف لم يستمر السير في نهجه بعد وفاته بل أقدم البعض للسير في عكس اتجاه نهجه.
وفي آخر قسم من هذا اللقاء تعرض لرؤية الإسلام في مجال الاقتصاد والإجتماع قائلاً:
الإسلام يدعو إلى اقتصاد متطور ورفاه المجتمع ويدافع عن حقوق الناس، وهو يدعو كذلك لتوظيف العلم في جميع مجالات الحياة. لكنه يرفض حكومة الاقتصاد والنظرة الاقتصادية على المجتمع، بمعنى أنه يخالف تعيين وتنصيب الحكام بواسطة أصحاب رؤوس الأموال والأثرياء، فمن الواضح أن مثل هؤلاء لاينظرون إلاَّ إلى مصالحهم، الإسلام يدعو إلى الاقتصاد المتزامن مع المعنوية والاخلاق والعدالة والحرية والاحترام، وهو يعتقد بذلك. التاريخ : 2005/05/11 تصفّح: 8979