Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الزيارات
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: لقاء سماحته باحثة في العلوم الاسلامیة
لقاء سماحته باحثة في العلوم الاسلامیة لقاء سماحته باحثة في العلوم الاسلامیة


بسمه تعالى
مقدمة :
السيدة سارة العبياري بريطانية من أصل مصري تحضّر لرسالة الدكتوراه في احدى الجامعات في لندن، وموضوع رسالتها البغاة والوضع الموجود في العراق. وقد دوّنت مقداراً من رسالتها، وهمّت لأن تدرس الموضوع من وجهة نظر الفقه الشيعي كذلك، طلبت الحوار مع سماحة الشيخ لطرح بعض التساؤلات. فكان الحوار التالي:

الباحثة: انا بداية اود ان اشكر جزيل الشكر سماحتكم لهذا الوقت، واعرف ان وقتكم مزدحم جداً وفي غاية الامتنان انكم اتحتم لي هذه الفرصه .

سماحة الشيخ: بالصراحه أقول لست أهلاً لشكركم، وما أقوله يكون عملاً بالوظيفة ومن باب حسن ظنكم، ولست أهلاً للشكر ولا للتقدير أصلاً، ولابدّ لي من أن اعلن ماعلمت.

الباحثة: بارك اللّه فيكم يارب، انا بدأت بجواهر الكلام وبعد كتاب الجواهر أنا أركّز على العلامة الحلي والمحقق الحلي و بعد ذلك امامنا المتقدمون فقط أتناول الطوسي شيخ الطائفة لا أعلم إن كان لكم رأي آخر في هذا المجال؟
سؤالي الأول لسماحتكم هو: هناك إجماع فقهي مستنداً الی الأدلة الأربعة بوجوب الدفاع حينما يخشى المسلمون عدواً يخشى منه على بيضة الإسلام، وذهب بعض الفقهاء إلى تحريم الفرار من الزحف واعتباره من الكبائر وأنَّ القدرة والمكنى لاتؤخذ في الاعتبار في حالة الدفاع عن بيضة الإسلام؟ فهل في ضوء هذا الاجماع الفقهي يمكن لنا تبرئة ساحة من يحملون السلاح وبقصد درء المحتل في العراق؟ وهل مشروعية هذه الجماعات إن كانت تعتبر جماعات دفاعية مشروعة وتتبدل بعد انتخاب الحكومة العراقية عام 2006م ـ 1427هـ وتكوين الجيش والشرطة العراقية؟

سماحة الشيخ:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وجوب الدفاع ضروري في الإسلام، لا احتياج في إثبات وجوبه بالتمسك بالأدلة الأربعة، ويكون ضرورياً بحيث إن قلنا بان إنكار الضروري موجب للكفر فإنكار وجوب الدفاع موجب للكفر، وبعبارة اُخرى: وجوب الدفاع عن المسلمين كوجوب صلاة الظهر يكون ضرورياً، ولا إشكال فيه ويعلمه كل مسلم، وكل المسلمين يرون ذلك، كما أنَّ العقلاء يرون لزومه، (لزوم الدفاع) والدفاع على قسمين: الدفاع الفردي والدفاع الجماعي.
في الدفاع الفردي: الدفاع لازم وإن علم بأنّه لايفيد ويقتل الفرد جرّاءه ، ومن قتل دون ماله فهو شهيد. إذا أراد لصٌ أو سارقٌ أخذ المال أو التجاوز على العرض أو على النفس فيجب على المتجاوز عليه الدفاع وإن علم أنّه لافائدة فيه، وأنّه يقتل. والسرُّ في ذلك أنّه مع الدفاع تقلُ جرأة الظالمين على الضرب والشتم وسلب الأموال، فهذا موجب لتقليل جرأتهم على الظلم.
وأما بالنسبة إلى الدفاع الجماعي: فظاهر أنّه ليس كذلك، بمعنى أنّه إنْ علم المسلمون انعدام الفائدة في الدفاع الجماعي وانّهم يقتلون جميعاً وتصبح قدرة الأعداء أكثر من قدرتهم السابقة، فالظاهر عدم الوجوب بل عدم الجواز.
فبين الدفاع الفردي وبين الدفاع الجماعي فرق من هذه الجهة، وأما بالنسبة إلى مملكة إسلامية أو مملكة فيها مسلمون، ولها حكومة ولها قانون، فإني اقطع بعدم جواز ايجاد الفوضى بهدف الدفاع عن حزب أو جمعية خاصة، فإن الإسلام يمنع الفوضى والتفرّق، فإن التبعية للحكومة أمر لازم سواء أكان الحاكم كافراً أو مسلماً، الحكومة والأمن لازمان للمسلمين والإسلام يصرُّ عليهما، فإذا تفرّقت الأقوام وأخذ كلٌّ بعقيدته فلا يبقى دور للحكومة ولا يبقى أمن ولا وحدة، ولعل هذا من مصاديق (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) فإن الأمن من اللّه والحكومه وعدم الفوضى وعدم التفرّق من اللّه، وإجراء العدالة من اللّه، وفصل الخصومة من اللّه ومجازاة المجرم من اللّه، فإذا كان هذا كله من اللّه فلابدّ لنا من الاعتصام به، وهو الاعتصام بحبل اللّه.
ولعلّ في الآية اشارة إلى هذا، لكن أدلته واضحة، فمع الحكومة لايجوز التفرّق مطلقاً، ولابدّ من مراعاة شؤون الحكومة إلاّ ان يكون هناك تعاون بين الحكومة والأعداء كما في حكومة ونظام الشاه في ايران، فإن سلطة إسرائيل على إيران والحكومة سلطة واضحة، وقد ورد هذا المضمون عن سيدنا الاستاذ الإمام (سلام اللّه عليه ) في تحرير الوسيلة في بحث الدفاع، وعليك بمطالعة الدفاع من (تحرير الوسيلة).
وأما إذا لم يكن كذلك فإنيّ اقطع بعدم الجواز، لأنّه موجب لعدم الوحدة ولإنعدام الأمن ، لعدم فصل الخصومة ولعدم بلوغ الأشخاص حقوقهم مضافاً إلى أنهم مع التفرّق تذهب قدرتهم (وَلاَتَنَازَعُوافَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) فإن القدرة تذهب مع الإفتراق .

كل شخص حرٌ في قراءته واستنباطهِ وتكون استفادته من الأدلّة حجة له

الباحثة: هل في رأي سماحتكم يمكن الإستناد إلى العناوين الثانوية ـ حين لم نتطرق إلى حكم الدفاع في العراق ـ لطرح قراءة مختلفة وخاصة من باب مقدمة الحرام ومقدمة الواجب؟
سماحة الشيخ: مع الحكومة غير جائز. أما ان لم يكن للبلاد حكومة وكانت كل طائفة تعمل على مرامها، فيجور لهم الدفاع لكن هذا غير موجودة الآن، وكل المماليك لها حكومة.

الباحثة: ما كنت أقصده هو أنّه لو حاولنا طرح قراءة إسلامية مختلفة مستندة إلى القواعد، هل يمكن لنا لسد الذرائع كما تفضلتم الإستناد إلى العناوين الثانوية أم لا؟ هو سؤال نظري؟

سماحة الشيخ: كل شخص حرٌ في قراءته واستنباطهِ وتكون استفادته من الأدلّة حجة له، وأما لغيره فلا إلاّ أن يكون تابعاً له، فكل من يقرأ شيئاً وكان أهلاً للقراءة كان أهلاً للاستنباط، مثل الأطباء لابدّ لهم من القدرة على الطبابة، وصاحب الاستنباط والقراءة لابدَّ له من القدرة على القراءة، فإذا قدر على القراءة فكل قراءة تكون حجة له، لأنّه استنباط ويكون عذراً له. وهذا موجودٌ لدى العلماء كثيراً لاسيما في فقه الشيعة الذي يكون منفتحاً بابه، فإن فقهاء الشيعة في سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر (التسبيحات الأربع في الصلاة) لهم خمسة عشرة قولاً، وهي قراءات مختلفة، والقراءات المختلفة تكون حجة لقارئها إذا كان أهلاً لها ، وأما لغيره فعليه الاتباع.
وأما إذا بلغت قراءته إلى مستوى الفوضى وبلغت قراءته إلى نفي الأمن فليس له العمل بها، وليس معذوراً في ذلك، حذراً من اختلال النظام ومن الفوضى والهرج والمرج .
وفي المسائل الاجتماعية لابدّ من الرجوع إلى أهل المجتمع، لا إلى قراءة شخصية.
هل يفهم من القرآن أنّه يلزم على كل مسلم في العراق أن يشنَّ الحرب على الأمريكيين المتواجدين في العراق؟
لابدّ في هذه المسألة الإجتماعية من الرجوع إلى أهل المجتمع إلى أهل الحل والعقد، فهل يرون ذلك صحيحاً أو يرونه باطلاً؟ وفي الحقيقة، القارىء هنا قد يعلم الحكم ولا يعلم الموضوع، وفي تحديد الموضوع لابد من الرجوع إلى أهل الخبرة، فإن كان ذلك صحيحاً كان قتل عبدالرحمن ابن ملجم المرادي لعلي ابن ابي طالب جائزاً. لأنّه قرأ أنَّ قتله واجب، ومع غضّ النظر عن أنّه اتبع هوى نفسه، فلو سلمنا أنه قطع أنّ قتل علي بن أبي طالب واجبٌ لرفع الشر عن المسلمين، عندئذ هل يكون معذوراً؟
إذا أراد الإنسان أن يقتل شخصاً يعلم أن قتله واجب، فليس بمعذور، لأن في البلاد حكومة ونظاماً.
اني كتبت في تحرير الوسيلة وفي بقية الموارد لايجوز لأحد التصدي للقتل حتّى ساب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي في الروايات أنَّه يقتل ساب النبي من دون الرجوع إلى المحكمة; لأنّ هذا خاص في غير زماننا الحاضر، لما يلزم منه الفوضى والضرر على الاسلام، فإن الاعداء سيقولون: إن المسلمين يقتلون الأشخاص دون الرجوع إلى المحكمة، ولعل لديه مايدرء به عن نفسه الحدّ لو سمح له بالدفاع عن نفسه في المحكمة، وبرأيي على قاتل سابّ النبيّ القصاص; حفظاً للنظام وابتعاداً عن الفوضى .

الباحثة: سؤالي الآخر خاص بالتصنيف الفقهي للمدنيين في فقه الجهاد، يعني أنا حينما أقرأ أجد أن ليس هناك تصنيف بين المدنيين (محاربين أو غير المحاربين) والاشخاص يقيّمون بمدى قدرتهم على القتال يعنى مثلاً الرهبان وأصحاب الصوامع ان كان لهم كلمة أو إن كان عندهم قوّة، فيقتلون، وكذا الشاب والمرأة إن كان بامكانهم حمل السلاح، فهل هناك تصنيف جديد أو تعريف جديد لمن هو الشخص المدني ومن هم المدنيون (محاربون أو غير المحاربين) ؟

سماحة الشيخ: هذا الكلام ورد في الأمس عن شخص وأدخلنا في معمعة. عندما تحصّن السيد الصدر في حرم الإمام، قال أحد الحقوقيين الدوليين التابعين للحكومة الأمريكية إنَّ المسجد حصن دون أن يذكر أن هذه العبارة للإمام الخميني، المسجد ليس محلّ حرب بل محل عبادة. وإذا ورد في مواثيق جنيف لزوم عدم التعرض لأماكن العبادة فإن هذا ناظر إلى الفقه المسيحي لا الشيعي...
لا إشكال في هذه التقسيمات والاستفتاءات في الجهاد الابتدائي المنعدم حالياً بسبب غياب الإمام المعصوم وكذلك في الجهاد الدفاعي، الذي يمكن حصوله لأي بلد من البلدان، ولذلك لايؤخذ النساء والعجزة للحرب .
للدفاع آداب، بحيث لايمكن تسميم مياه الاعداء ولا قطع الأشجار ولا مهاجمة الذين لم يشتركوا في الهجوم، فلا يهاجم العزّل في بيوتهم، ولا أسرهم بعد التسلط عليهم، فالذين اشتركوا في الحرب تؤخذ أموالهم كغنيمة، اما الذين لم يشتركوا فلا تؤخذ أموالهم كغنيمة. وأنا لم اطالع في هذا الموضوع بالنحو التفصيلي، ولو أمكن مطالعة هذا الموضوع بالتفصيل لتبيَّن جمالية الإسلام في الدفاع عن حقوق الإنسان إلى مستوى لم يبلغه البشر بعد مئات السنين.
وفي هذا المجال أذكر النموذج التالي: حارب المسلمون عدداً من الكفار وأخذوا نساءهم سبايا; لأنّ نساءهم كانت في الحرب فأخذوهم سبايا، وعندما أرادوا أن يرجعوا إلى المدينة ضاقت عليهم المعيشة ونفدت نقودهم فباعوا امرأةً أسيرةً وأخذوا ثمنها وصرفوه في معيشة العسكر حتّى وصلوا إلى المدينة. فالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) رأى أنّ جاريةً لها عشرة سنوات أو احدى عشرة سنة... ، تنادي اُمها وتبكي، فقال لهم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): ماتقول هذه؟ قالوا إنّ لها أُماً بعناها وأخذنا ثمنها لصرفه في العسكر، وهكذا فارقت اُمها فهی تذكر اُمها وتبكي، مايفعل البشر في مثل هذه القضیة؟ فإنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): أمر أمراً قطعياً بأنّه لابدّ من إرجاعها إلى اُمها والقول لمشتري الأُم إمّا تشتريهما جميعاً اُو تردَّ الأُم وتأخذ ثمنها لئـلاّ يحصل الافتراق بين الأُم وبنتها، وفقهاء الشيعة استفادوا من ذلك أنّه لايجوز التفريق بين من يحب مع من يحبه من الأرحام بل من غير الأرحام إذا كان ولداً ربيباً في بيت ليس لهم ولد، يعني إذا كان بالتبني، فليس للمحاربين الفصل بين هذا الإبن وأبيه، لأن بينهما محبةً ومودة، وبالجملة كل من لم يكن أهلاً للحرب وفي ميدان الحرب، فماله وعرضه ونفسه مأمون .

الباحثة: اسأل عن تعريف البغاة في زمن الغيبة، يعني في القراءة النظرية لايوجد الآن البغاة؟

سماحة الشيخ : لايوجد الآن البغاة الذين ورد ذكرهم في القرآن ، أما الظلم، إذا أراد البعض إيراد الظلم إلى جمع من المسلمين، فعلينا وعلى المسلمين الإصلاح بينهم ونصرة المظلوم، أما الباغي بمعناه الخاص فهو البغي على الإمام المعصوم، وأما بمعناه العام، قضاءً لما يستفاد من العقل ومن الآية الشريفة، فكل باغ لابدّ من نصيحته، وإن لم تؤثِّر النصيحة فلابدّ من نصرة المظلوم.

الباحثة: هل يمكن لنا أن نقول: إنَّ من يخرج على الاجماع الفقهي (اجماع العلماء) يكون باغياً؟

سماحة الشيخ : ليس باغياً بإصطلاح القرآن، بل يكون محارباً ومفسداً، محارباً يعمل على خلاف الأمن، وممّا يشهد على كل ماذكرته، ويكون دليلاً عملياً، ماورد عن فقيه عجزت النساء عن أن تلدن مثله، أي الإمام الخميني، في مجال ما أمر به في مظاهراته ضد السلطة، فإنّ سيدنا الاستاذ الإمام الخميني(سلام اللّه عليه) لم يأذن لأحد أخذ السلاح باليد للمظاهرة، بل كلما كان يُرجع إليه يقول علينا بالمنطق: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)علينا باليقظة، فهو لم يأذن لأحد قتل رئيس الوزراء عهد الشاه، حسن علي منصور، فقد طلبوا منه الرخصة لقتل هذا الرجل وما سمح لهم، لذلك أخذوا إذناً من آخر لقتله.
الإمام لا يؤمن بالعمل المسلح أصلاً بل يؤمن بالمنطق.
الباحثة: سؤال لسماحتكم خاص بالانتخابات ومدى مشروعيتها في ظل وجود المحتل، يعني هل هناك ثمة ترابط أو شرط مسبق مابين مشروعية الحكومات والانتخابات؟ وهناك من يطعنون مثلاً في الانتخابات التي تقام في ظل الاحتلال، يعني حينما يكون هناك محتل في الدولة، هناك من يطعن في عملية الانتخابات في ظل وجود المحتل؟

سماحة الشيخ: آراء الناس والجمهور (وهي الانتخابات) شرط شرعي وقانوني لقيادة المجتمع والدولة والسلطة المقننة والتنفيذية والقضائيّة مع واسطة أو بلا واسطة، وبلا آراء الجمهور والانتخابات يكون التصدي للرئاسة والسلطة غير جائز شرعاً; لأنّه يرجع إلى الحكومة على الناس بغير رضاهم، والناس مسلَّطون على أنفسهم، ليس لأحد الحكومة عليهم بلا رضاً منهم لابدّ من الرضا بالحكومة، كلٌّ حتّى الفقيه (ولي الفقيه) كلهم لابدّ ان يكونوا بآراء الجمهور، لا بآراء البعض بل بآراء الأكثرية الساحقة، وإذا لم يكن كذلك لم يكن التصدي مشروعاً ويكون حراماً، لأنّه تصرفٌ في حقوق الناس بلا رضا منهم، والناس مسلَّطون على أموالهم وعلى حقوقهم، لا يحل مال امرىء إلاّ بطيب نفس منه .
لايقال ان الأقلية لا ترضى، فإنّه لابدّ عليهم اتباع الأكثرية; قضاءً للأمن، فإن العقلاء يرون رأي الأكثرية كافياً.
هذا شرط في أصل مشروعية الحكومة، واُشير إليه في الدستور الايراني، فإنَّ الحاكمية للّه، واللّه تعالى جعل حاكمية كل نفس إليه.
وسيدنا الاُستاذ (سلام اللّه عليه) يقول: الميزان والمعيار هو الانتخابات أي رأي الناس، وليس المعيار في الانتخابات القرآن أو المعصوم أو السنة، المعيار في الانتخابات رأي الناس استناداً إلى الكتاب والسنة، استناداً إلى الفقه، هذا أولاً .
وثانياً: إن لم يكن للناس آراءٌ ولم يبدوا رضاهم بل خالفوا الحكومة، خالفوها مدنياً، مثلاً لايدفعون الضرائب; لأنّ الحكومة غير مشروعة بلا رضاً منهم إذا لم تكن برضا منهم فليس لها سلطة على التنفيذ; لأن الشعب لايعملون بالضوابط، لابد من إرغامهم بالسيف والإرغام بالسيف في الاسلام حرام وممنوع، لا إكراه في الدين لا إكره في الحكومة .
وثالثاً: صحة الانتخابات، فان الشعب إذا لم ير الانتخابات صحيحة سوف لايتفاعل مع الحكومة ولايتعاون معها بل يقدم على العصيان المدني، وهذا ما أشرت إليه في بياني الذي أصدرته حول تطورات البلاد الأخيرة.
يوجد في الاسلام مفهوم «البيعة» بايع المسلمون رسول اللّه، بايعوا عليّاً، وبعد مضي عشرين عاماً من رحلة النبيّ قال الإمام علي(عليه السلام): «لولا حجة الحاضر وقيام الناصر لجعلت حبلها على عاتقها»، أي لولا الناس ما أخذت الخلافة، مع أنّه كانت الحكومة له واجبة، فإن عليّاً بعد مضي عشرين سنة اجتمع مع الناس لأن ينصَّب حاكماً، قال: لولا اجتماعكم لجعلت حبلها على عاتقها. هذا دليل من الإمام المعصوم على أنَّ الحكومة بلا رأي الناس غير واجبة، بل غير جائزة. ولو كانت واجبة عليه مطلقاً لما احتاج إلى رأي الناس والاجتماع بهم .
لا يحسب عصیانهم المدني خروجاً بل يكون دفاعاً عن حقهم وعن سلطتهم إني مسلَّط على مالي وعلى حدودي وعلى حقوقي فإذا ذهب حقي وضاع رأيي أو صارت الحكومة لاتعتني برأيي فإني أخالفها دفاعاً عن حقي.
ليس هذا خروجاً عن الإمام، بل هو مقتضى طبيعة الحرية في الإسلام وطبيعة أنَّ الحاكم ليس له قدرةٌ مطلقة، ان الحاكم تابعٌ للقانون.
ننقل قضية في فقه الشيعة، ففي رواية معتبرة، أي رواية افتي وفقها حسب الضوابط، انه لو جاء سلطانٌ من اللّه تعالى لأن يصلي على ميت ولم يرض أولياء الميت بصلاته ومع ذلك صلى، فهل صلاته ستكون باطلة «صلاة الميت»؟ والإمام المعصوم سلطانٌ من اللّه، إنّه غاصب. انظروا إلى الحرية وحقوق البشر في الإسلام فقد بلغ مستوى صلاة الميت، فالصلاة هنا شأن اجتماعي، ولو قام بها الإمام علي(عليه السلام)بناءً على رأي الشيعة أو أبو بكر على رأي أهل السنة فإنّ القائم بالصلاة هنا يكون غاصباً، وفقاً لهذه الرواية.
حقوق البشر في الإسلام بلغت أعلى درجتها لكن لا نقدر على بيانها ولا نملك وسيلة لبيانها، ووضعنا في إيران اليوم كما ترى وإلاّ فقلت مراراً إن كان لنا مجال لجمع علماء العالم ودعاة حقوق البشر وبيّنا الإسلام بهذا النحو لصار كل الناس مسلمين.
نبين لكم قضية اُخرى، قيل للصادق(عليه السلام) السادس من أئمة الشيعة، والفقه ينسب إليه، قيل له: أنتم نهيتم عن النفخ على محل السجدة، وهو عبارة عن قرطاس أو تربة أوغير ذلك مثل ورق الشجر قال: نعم، نهيت عن ذلك. قيل له لماذا ؟ قال: لأن لايؤذي النافخ من في جنبه، فبرغم أنَّ محل السجود يسجد عليه الإنسان عشرات المرات يومياً لكن الصادق(عليه السلام)لكن الإسلام لكن اللّه تعالى ينهى عن ذلك إذا كان إلى جنبه شخصٌ، قد يتأذى بذلك، هل في حقوق البشر الرعاية إلى هذا الحد؟

الباحثة: الاستعانة بالكفار لمقاتلة أهل البغي أو لقتال الخارجين أو لقتال حكام الجور أو لما ذلك، هل الآراء الفقهية دائماً تستعرض إجازة الإستعانه بأهل الذمة؟ الآن ليس هناك أهل الذمة؟

سماحة الشيخ: هناك خمسة مليار غير مسلم لكن ليسوا بكفار، إلاّ قليلاً منهم، فإن الكفر بمعنى الستر، والكافر عبارة عمَّن يعلم أنَّ التوحيد حق وينكره جحداً، وأنّ الرسول حق وينكره جحداً، وأنَّ المعاد حق وينكره جحداً، أمَّا من لم يصل فهمه إلى حقانية الإسلام بل يرى حقانية المسيحیة، كما أنّا نرى حقانية التشيع، وأنتم ترون حقانية أهل السنة، إني أقطع أنَّ التشيع صحيح وأقطع أنَّ بقية المذاهب باطلة، مع أنَّي لم اراجع بقية المذاهب لكن قطعي بصحة التشيع موجب للقطع ببطلان البقية، وهذا شأن كل بني آدم كذلك، المسيحي كذلك اليهودي كذلك، الدهري الماركسي الذي ليس له مذهب قاصر، والقاصر ليس عليه عذاب، وأنتم إذا نظرتم إلى كتاب اللّه وإلى السنة ترون أنَّ كلما ذكر الكافر ذكر في جنبه العذاب، إذا ذكر إلى جنبه العذاب لابدّ من أن يكون حجة تامة، وإلاّ فالعقاب بلا حجة قبيح (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).

ماورد في أنّ الكافر يقتل بالمسلم ولا يقتل المسلم بالكافر، المراد غير المسلم، كما ورد في الإرث لايرث الكافر من المسلم، لايرث غير المسلم.. إنّي اعتقد يرث المسيحي من أبيه المسلم; لأنه غير مسلم، وما في الكتاب والسنة من استثناء الحقوق بالنسبة إلى الكفار، وهو باب واسعٌ في الفقه خاص بالكافر الذي يعلم حقانية الإسلام وينكره ويعانده. الجميع من المسيحي واليهودي والدهري والشيوعي متساوون في الحقوق .

ويشير إلى ذلك، بل يدلُّ عليه الآية الشريفة: (قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الاَْرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فُيهَا)
إلى أن قال: (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) عليكم بمراجعة الآية(إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) العلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان يقول: ليس (السبيل ) منحصراً بالسبل الخارجية والمكانية بل السبل المعنوية.. إذاً السبيل حجة، فالذين لايهتدون سبيلاً هم القصَّر الذين لايعلمون الإسلام لايعلمون التوحيد يرون ان عقيدتهم حقة، لايعذبون في الآخرة، بل ويثابون أيضاً، اني اعتقد ان كل غير مسلم إذا عمل عملاً صالحاً يثاب عليه وإذا عمل عملاً ينهى العقل عنه او دينه ينهى عنه أو عقيدته أو حكومته تنهى عنه فيعذب جرّاءه (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) ليس من جاء بالحسنة من الشيعة الاثني عشرية فقط بل غير الاثني عشرية فله عشر أمثالها، وليس للّه عذابهم; لأنّ عذابه عندئذ عذابٌ بلا حجة.

الباحثة: قضية الإستعانة بالكفار وبغير المسلمين؟

سماحة الشيخ: في الدفاع لابأس به، إذا توقف الدفاع حتّى على قتل المسلم يجوز، فكيف بالاستعانة بغير المسلم ؟

الباحثة: كان عندي سؤال خاص بتعريف الكفار، تطرقت لهذا الحوار مع كثيرين خلال وجودي هنا في قم، هناك آيات كثيرة مثل: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)؟

سماحة الشيخ: كلّ یعرّفه حسب علمه.

الباحثة: هناك أُناس لديهم قناعة يلتزمون بالدين المسيحي ويقرون بان المسيح ابن اللّه فهل يعتبر هذا كفرا؟

سماحة الشيخ: لايعتبر كفراً ، فهو يعتقد ذلك، قصوراً.
إني اعتقد بصحة التشيع واعتقد ببطلان بقية المذاهب أنتِ تعتقدين بصحة أهل السنة وببطلان بقية المذاهب والملل، هل نظرت إلى أدلة بقية المذاهب نظرت أم لا؟ مانظرت، لكن قطعك بصحة مذهبك موجب للقطع ببطلان البقية، فإذا قطعت فكيف تعذَّبين ؟ لا سبيل للعذاب، أو من قبيل أن يقول أبٌ لإبنه لاتذهب إلى الشارع خوفاً من الاصطدام بعربة أو دراجة، لكنّه يذهب إلى الشارع هل ذهابه عن معرفة وفهم ؟ هل يشعر ويفهم أو لايشعر..؟ في أوائل صباي كان أبي رحمه اللّه يدعوني إلى الدراسة ويقول: في الدراسة فائدة، وكنت أقول: لا أرى فيها الفائدة ولا أريد الدراسة، لا أذهب إلى المدرسة لا أذهب إلى الكِتّاب وإني أُريد أن أعمل مع الاسكافي وأكون تلميذاً له، لكن أبي رحمه اللّه ماكان يقبل ذلك ويهدّدني، لا بالضرب بل بطريق آخر، وكان لا يتصور ماكنت أحمل من شعور، غير المسلمين كذلك، كان في السابق في قرى إيران الاطفال إذا بلغوا خمسة سنين أو ستة سنين يعلقون كيساً في أعناقهم ويذهبون إلى الشوارع ويأخذون روث الحيوانات ليستخدمونه كوقود، فكان الوالد يهددني بارغامي على هذا العمل إن لم أذهب إلى المدرسة، فما كنت أفهم العزة في الدراسة والذلة في هذا العمل، لكني فهمت هذا بعد ذلك وعرفت أنَّ أبي كان على حق.

المدار في الاستمداد من غير مسلم و من الكفار هو: إن كانت الحكومة ظالمة وغاصبةً واستمدت العون للغصب والظلم، فهذا عمل حرام، سواء أكان الاستمداد من المسلم أو غير المسلم، وإن كانت الحكومة مشروعة فالاستمداد جائزٌ حتّى من الكفار.
المدار والمعيار هو أنَّ الحكومة التي تتصدى للحكم إن كانت مشروعة جاز لها الاستمداد وإن لم تكن مشروعة لايجوز لها الاستمداد من المسلم أو الكافر .

التاريخ : 2009/07/05
تصفّح: 19044





جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org