القول فيما يثبت به القود(درس 71)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 71 التاريخ : 1999/02/20 القول فيما يثبت به القود (درس71) بسم الله الرحمن الرحيم كالشاهد الواحد أو الشاهدين مع عدم استجماع شرائط القبول، وكذا لو وجد متشحِّطاً بدمه وعنده ذو سلاح عليه الدم أو وجد كذلك في دار قوم أو في محلّة منفردة عن البلد لا يدخل فيها غير أهلها أو في صف قتال مقابل الخصم بعد المراماة، وبالجملة، كلُّ أمارة ظنّية عند الحاكم توجب اللّوث، من غير فرق بين الأسباب المفيدة للظنّ، فيحصل اللوث بإخبار الصبي المميَّز المعتمد عليه، والفاسق الموثوق به في إخباره، والكافر كذلك، والمرأة ونحوهم. مسألة 1ـ لو وجد في قرية مطروقة فيها الإياب والذهاب أو محلّة منفردة كانت مطروقة فلا لوث إلاّ إذا كانت هناك عداوة فيثبت اللّوث. مسألة 2ـ لو وجد قتيل بين القريتين فاللوث لأقربهما إليه، ومع التساوي فهما سواء في اللوث، نعم لو كان في إحداهما عداوة فاللوث فيها وإنْ كانت أبعد. الموارد المذكورة في المتن في هذه المسألة والمسألة الأولى وما قبلها وفي غيره من كتب الأصحاب بيان لأسباب اللوث وموجباته، ويكون النظر فيها نظراً موضوعياً وبنائيّاً لا نظراً فقهيّاً وبياناً حكميّاً، وعليه فلا حجّة فيها للحاكم، ولا يلزمه اتِّباع هذه الآراء والفتاوى، بل عليه اتِّباع رأيه وإنْ كان مخالفاً رأي مرجعه، حيث إنَّ المتَّبع في مثل الموضوع رأي المقلِّد ـ بالكسر ـ لا المقلَّد ـ بالفتح ـ; لعدم دخالة الفقاهة والاجتهاد في تشخيص الموضوع الخارجي من رأس. نعم، لابدَّ له من مراجعة من يقلِّده في أنّ المعيار في اللوث والمراد منه مطلق الظنّ، كما هو المعروف أو الظنّ الخاصّ الاطمئناني المتآخم للعلم، كما هو المختار. ثمّ إنَّه على أيِّ حال، ليس على الحاكم مع شكّه في كون الأمارة موجبة للّوث وعدمها ترتيب أثر اللوث والحكم بالقسامة، بل عليه الرجوع إلى القواعد، كما لا يخفى. وقد ظهر ممَّا ذكرناه أنَّه لابدَّ على المختار من تقييد الأمارة في المتن في قوله: (وبالجملة كلّ أمارة ظنيّة بالظنّ الغالب المتآخم للعلم ولا يخفى أنَّ جعله الشاهدَين مع عدم استجماع شرائط القبول على الإطلاق لوثاً غير تامٍّ حتى على مبناه من كفاية مطلق الظنّ; لأنَّ منه ما لو لم يكن لهما الحفظ المتعارف بان نسياً، ومن المعلوم عدم إفادة شهادتهما الظنّ أصلاً. لكنّ الأمر في أمثال المناقشات سهل; لأنَّها مثاليّة، فتدبّر جيّداً. مسألة 3 ـ لو لم يحصل اللوث فالحكم فيه كغيره من الدعاوى، فلا قسامة ولا تغليظ، والبيِّنة على المدَّعي، واليمين على المدَّعى عليه، فللولي مع عدم البيِّنة إحلاف المنكر يميناً واحداً. وجه كون الحكم في الدم مع عدم اللوث حكم بقيّة الدعاوى هو إطلاق أدلَّة القضاء والدعاوى. وما في المتن من نفي التغليظ؛ وأنَّ للولي إحلاف المنكر يميناً واحدة يكون ردّاً للشافعي القائل بالتغليظ بخمسين يميناً في أحد قوليه. في (الخلاف ): (إذا لم يكن لوث ولا شاهد، ويكون دعوى محضة، فاليمين في جنبة المدَّعى عليه بلا خلاف، وهل تغلّظ أم لا؟ عندنا أنّه لا يلزمه أكثر من يمين واحدة. وللشافعي فيه قولان. أحدهما: مثل ماقلناه. والثاني: أنَّها تغلّظ خمسين يميناً)[1]. مسألة 4 ـ لو قتل شخص في زحام الناس ليوم جمعة أو عيد، أو وجد في فلاة أو سوق أو على جسر، ولم يُعلم من قتله، فديته من بيت مال المسلمين. إجماعاً، ويدلُّ عليه الأخبار المستفيضة أو المتواترة: منها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ازدحم الناس يوم الجمعة في إمرة عليّ (عليه السلام) بالكوفة فقتلوا رجلاً، فودى ديته إلى أهله من بيت المسلمين»[2]. ومنها : خبر مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: «أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: من مات في زحام الناس يوم الجمعة، أو يوم عرفة، أو على جسر لا يعلمون من قتله، فديته من بيت المال»[3]. ومنها: خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن الامام عليّ (عليه السلام) قال: « من مات في زحام جمعة أو عرفة أو على جسر لا يعلمون من قتله، فديته على بيت المال»[4]. وأشار إليه (الوسائل) بعد نقل خبر مسمع بقوله: «محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن بنان بن محمد، عن أبيه، عن ابن المغيرة عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليه السلام) مثله»[5]. ورواه الصدوق بإسناده عن السكوني وزاد: «عيداً أو على بئر»[6]. ومنها: خبر ابني سنان وبكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل وجد مقتولاً لا يدري من قتله، قال: إنْ كان عرف له أولياء يطلبون ديته أعطوا ديته من بيت مال المسلمين، ولا يبطل دم امرئ مسلم; لأنَّ ميراثه للإمام، فكذلك تكون ديته على الإمام، ويصلّون عليه ويدفنونه»، قال: «وقضى (عليه السلام) في رجل زحمه الناس يوم الجمعة في زحام الناس فمات، أنّ ديته من بيت مال المسلمين»[7]. ومنها : خبر سوار، عن الحسن قال: «إنّ عليّاً (عليه السلام) لما هزم طلحة والزبير أقبل الناس منهزمين، فمرّوا بامرأة حامل على الطريق، ففزعت منهم، فطرحت ما في بطنها حيّاً فاضطرب حتى مات، ثمَّ ماتت اُمّه من بعده، فمرَّ بها الامام عليٌّ (عليه السلام) وأصحابه، ـ وهي مطروحة على الطريق، وولدها على الطريق ـ فسألهم عن أمرها، فقالوا: إنَّها كانت حبلى، ففزعت حين رأت القتال والهزيمة، قال: فسألهم: «أيُّهما مات قبل صاحبه؟» فقيل: إنّ ابنها مات قبلها، قال: فدعا بزوجها أبي الغلام الميّت، فوَّرثه ثلثي الدية، وورَّث أُمّه ثلث الدية، ثمَّ ورَّث الزوج من المرأة الميّتة نصف ثلث الديه ـ التي ورثتها ـ من ابنها، وورَّث قرابة المرأة الميتة الباقي، ثمَّ ورَّث الزوج أيضاً من دية امرأته الميتة نصف الدية، وهو ألفان وخمسمائة درهم، وورَّث قرابة المرأة الميتة نصف الدية، وهو ألفان وخمسمائة درهم؛ وذلك إنَّه لم يكن لها ولد غير الذي رمت به حين فزعت، قال: وأدّى ذلك كلّه من بيت مال البصرة»[8]. ومن ذلك يعلم أنَّ المراد من قوله ـ عليه السلام ـ في خبر السكوني: «ليس في الهايشات عقل ولا قصاص»، «والهايشات: الفزعة تقع بالليل والنّهار فيشجّ الرجل فيها، أو يقع قتيل لا يدري من قتله وشجَّه»[9]، أيّ على غير بيت المال، بل يشهد له ما عن (الكافي) متصلاً بالخبر المزبور وقال أبو عبد الله (عليه السلام) في حديث آخر يرفعه إلى أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: «فوداه من بيت المال»[10]. إلى غير ذلك من النصوص المعلوم كون المراد منها ذلك، مع عدم اللوث على معين، وادّعاه الوليّ وإلاّ ترتَّب حكمه، وكأنَّ الإطلاق فيها مبني على الغالب، كإطلاق الدية في الأخبار في قتيل القرية ونحوها; ضرورة عدمها مع عدم التهمة أيضاً، ولكن يترتَّب اللوث لو ادَّعاه عليها أو على غيرها مع فرض تحقُّقه، وذلك كلُّه واضح بحمد الله. ومنها : غير ذلك من الموارد والعناوين التي نقلها (الوسائل) في الباب 6 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به. هذا، مضافاً إلى أنَّه «لا يبطل دم امرئ مسلم»، ففي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنْ وجد قتيل بأرض فلاة، أدّيت ديته من بيت المال، فإنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم»[11]، وكأنَّه لا فرق بين الفلاة وغيرها من المذكورات. أمَّا ما في صحيح عبد الله بن سنان وموثّق ابن بكير من تعليل لزوم إعطاء دية من لا يدري من قتله من بيت مال المسلمين بقوله ـ عليه السلام ـ: «ولا يبطل دم امرئ مسلم; لأنَّ ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام»[12]، ففيه ما لا يخفى من الصعوبة، فيردُّ علمه إلى أهله. وفي (مجمع الفائدة والبرهان) أضاف إلى استدلاله بأخبار المسألة احتمال كون فعل النبي (صلى الله عليه وآله) في قضية الأنصاري وكونه مقتولاً في الأخبار التي كانت أصلاً في القسامة ومضى نقلها، دليلاً على المسألة أيضاً، وهو غير بعيد. ففيه: «ولعلّ دليله أيضاً ما تقدَّم من فعله (صلى الله عليه وآله) بعد عدم إمكان القسامة فوداه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عنده، مع أنّه كان هناك مدَّع على أنَّ اليهود قتلوه، ووجد اللوث، إلاَّ أنَّه لابدَّ من العلم على القتل حتى يحلف، وادّعوا عدم ذلك وقابلية المدَّعى عليه للحلف أيضاً، بأنْ يقبل منه ولم يقبلوها من اليهود; لكفرهم، فسقط القسامة فوداه رسول الله صلى الله عليه وآله، كأنَّه من بيت مال المسلمين، لئلاَّ يبطل دم امرئ مسلم، فهنا بالطريق الأُولى، فتأمّل»[13]. ولعلّ أمره ـ رحمه الله ـ بالتأمُّل إشارة إلى أنَّ أدائه الدية من ماله (صلى الله عليه وآله) لرفع الاختلاف. -------------------------------------------------------- [1] - كتاب الخلاف 5: 314، مسألة 14. [2] - وسائل الشيعة 29: 146 كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب 6، الحديث 2. [3] - وسائل الشيعة 29: 146 كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب 6، الحديث 5. [4] - تهذيب الأحكام 10: 202، كتاب الحدود، الباب 15، الحديث 2 ( 797). [5] - وسائل الشيعة 29: 147 كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب 6، الحديث 5. [6] - من لا يحضره الفقيه 4: 122، باب من مات في زحام الأعياد أو عرفة أو على بئر أو جسر لا يعلم من قتله، الحديث 427. [7] - وسائل الشيعة 29: 145 كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب 6، الحديث 1. [8] - وسائل الشيعة 26: 36 كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 10، الحديث 3. [9] - وسائل الشيعة 29: 146 كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب 6، الحديث 3. [10] - الكافي 7: 355، باب المقتول لا يدري من قتله، ذيل الحديث 6. [11] - وسائل الشيعة 29: 149 كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب 8، الحديث 3. [12] - وسائل الشيعة 29: 145 كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب 6، الحديث 1. [13] - مجمع الفائدة والبرهان 14: 188.
|