الشرائط المعتبرة في القصاص (درس57)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 57 التاريخ : 2008/12/02 بسم الله الرحمن الرحيم الشرط السادس: أنْ يكون المقتول محقون الدم، فلو قتل من كان مهدور الدم كالسابّللنبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ فليس عليه القود. عدم القود في قتل مهدور الدم ضروريّ ولا كلام ولا إشكال فيه من رأس، بل يكون شبيهاً بالقضايا التي قياساتها معها، حيث إنَّ الضمان والقصاص لحقن الدم واحترامه، فمع هدره لا ضمان ولا قصاص قطعاً، فقتل مهدور الدم كقتل الحيّة والسّبع من عدم القصاص وعدم المؤاخذة عليه. وعلى ذلك لا بدّ في عدم القصاص على قاتله من كونه مهدوراً لكلِّ أحد أو للقاتل على الأقلِّ، وإلاّ فعلى القاتل القصاص لمحقونيّة المقتول بالنسبة إليه فيشمله أدلّة القصاص وعمومه، فالكلام والبحث لابدّ وأنْ يكون في الصغريات، كما يظهر من التأمُّل في المتن وإشكاله فيها، نعم على القول بكفاية الهدر في الجملة، كما يظهر من بعض العبائر والفتاوى فالأمر بالعكس، بمعنى أنَّه لابدَّ من البحث في الكبرى دون الصغرى، وقد مرَّ البحث والكلام فيها بالنقض والإبرام، وعدم تمامية الكبرى في الفرع الأخير من لواحق الشرطالأوَّل والثاني، وهو قوله: (ومنها: لو وجب على مسلم قصاص الخ) فلا نعيده، ولنمحّض الكلام في الصغريات على ما في المتن فنقول: منها: سابّ النبيّ صلى الله عليه وآله، ففي (الشرائع): (من سبَّ النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ جاز لسامعه قتله ما لم يخف الضرر على نفسه أو ماله أو غيره من أهل الإيمان)[1]. وعن (الغنية): الإجماع عليه[2]. وفي (المسالك) في ذيله: (هذا الحكم موضع وفاق، وبه نصوص)[3]. وفي (الرياض) في ذيل عبارة (النافع)، وهو قوله: (يحلُّ دمه ـ أي دم سابّ النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ أو أحد الائمة ـ عليهم السلام ـ لكلّ سامع)،قال: (من غير توقّف على إذن الإمام، كما هو المشهور، بل عليه في (الغنية) الإجماع، خلافاً للمحكي عن المفيد و(المختلف) فلم يجوّز قتله بغير إذنه)[4]. وفي (المختلف): (مسألة 141: قال المفيد في (المقنعة): ومن سبَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أو واحداً من الأئمة ـ عليهم السلام ـ فهو مرتدٌّ عن الإسلام، ودمه هدر، يتولّى ذلك منه الإمام عليه السلام، فإنْ سمعه منه غير الإمام فبدر إلى قتله عصى الله، ولم يكن عليه قود ولا دية; لاستحقاقه القتل على ما ذكرناه، لكنّه يكون مخطئاً بتقدّمه على السلطان. وقال الشيخ في (النهاية): ومَن سبَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أو واحداً من الأئمّة ـ عليهم السلام ـ كان دمه هدراً، وحلَّ لمن سمع ذلك منه قتله ما لم يخف في قتله على نفسه أو على غيره، والوجه ما قاله المفيد; لأنَّه حدٌّ والمستوفي للحدود هو الإمام، ورواية أبي عاصم السجستاني دالة عليه)[5]. انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه. والحقّ عدم جواز قتله للسّامع من دون إذن الإمام، وأنّ عليه القصاص; لعدم هدر دمه على الإطلاق. وما استُدِلَّ به على الجواز والهدر من الإجماع وإطلاق النصوص وخصوصها غير تام: أمّا الأوّل: فلوجود الخلاف لاسيّما مع أنَّ المخالف مثلالشيخ المفيد[6] والسيّد المرتضى والشيخ الطوسي[7] والعلاّمة وغيرهم من أئمّة الفقه والحديث، وإنكار المؤلّف لغير واحد الكتب الفقهيّة المعتمدة كـ(القواعد) و(التذكرة) وغيرهما ممّا يبلغ أزيد من خمسة[8] عشر كتاباً. هذا مع أنَّ الاتّفاق على تحقّقه غير حجَّة في مثل المسألة; باعتبارها من المسائل الاجتهاديّة والمسائل المنصوصة، كما لا يخفى. أمّا الثاني: الذي استدلَّ به (الجواهر)[9]، ففيه ما لا يخفى; لأنَّ الإطلاق في مقام بيان سببيّة السبّ للقتل، كالرّجم والارتداد وأمثالهما دون كيفيّة الإجراء وشرائطه. وأمّا الثالث: أي النصوص الخاصّة الثلاثة من صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنّه سُئِل عمّن شتم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال ـ عليه السلام ـ: ((يقتله الأدنى فالأدنى قبل أنْ يرفع إلى الإمام))[10]. وموثّق عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، ففيه: فقال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ: ((أخبرني أبي أنّ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قال: الناس فيَّ اُسوة سواء، من سمع أحد يذكرني فالواجب عليه أنْ يقتل من شتمني ولا يرفع إلى السلطان، والواجب على السلطان إذا رفع إليه أنْ يقتل من نال منّي))[11]. وصحيحة محمّد بن مسلم، ففيها: قال محمد بن مسلم: فقلت لأبي جعفر ـ عليه السلام ـ: أرأيت لو أنّ رجلاً الآن سبَّ النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ أيقتل؟ قال: ((إنْ لم تخف على نفسك فاقتله))[12]. ففيه: أمَّا صحيح هشام، ففيه احتمال كون القضيّة شخصيّة وكون السؤال عن واقعة خارجيّة لا عن أمر كلّي فقهيّ، ولا يتمُّ الاستدلال به، كما لا يخفى. وعدم كون الرّاوي سائلاً بنفسه. ومن المعلوم عدم تماميّة الاستدلال مع الاحتمال، فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. وأمّا موثق علي بن جعفر فمعارض مع خبرابن مسلم، حيث إنَّ المتفاهم من سؤاله عنه ـ عليه السلام ـ بعد نقله ـ عليه السلام ـ قضيّة رجل من هذيل من جواز قتل سابّالنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ الآن على الكليّة، وجوابه ـ عليه السلام ـ متوجِّهٌ لشخص ابن مسلم، بجواز قتله مع عدم خوفه على نفسه، وإلاّ فلا يجوز القتل في ذلك الزّمان وما بعده بالخصوص أو الأعم منه، وأنّ جواز القتل منوط بالإذن; لظهور التفريع بالفاء، والأمر بقتله معارض مع موثّق عليّ بن جعفر، الظاهر في جواز القتل لكلّ سامع للشتم في كلّ الأزمنة من دون احتياج إلى المراجعة إلى الحكومة، والترجيح مع صحيح ابن مسلم; لأظهريته وصحّة سنده. وبما ذكرناه يظهر عدم الدّليل على ما هو المشهور من جواز قتل السّامع لسابّالنبيّ صلى الله عليه وآله، وهدر دمه على الاطلاق. وعليه، فعلى قاتله من دون إذن الحكومة والحاكم القصاص، كما مرّ بيانه. وما عن المفيد من عدم القود والدية عليه، لاستحقاقه القتل فضعفه ظاهر ممّا مرّ. ثمّ إنَّ الجواز ـ على القول به، كما هو المشهور ـ مقيَّد بعدم خوف الضرر على القاتل نفسه وماله وعرضه، وكذا سائر المسلمين; لصحيح ابن مسلم السابق، ولفحوى ما ورد في قتل السابّ لأمير المؤمنين أو أحد الأئمّة، ولقاعدة (نفي الضرر والحرج)، بل لا ينبغي الإشكال في تقيّده بعدم الخوف على الضرر على الإسلام وعزّته أيضاً، بتضييع حرمته وصيرورته متهماً بالفوضى وعدم الأمن والأمان فيه، وبأنَّه مع كون المقتول غير قادر على الدفاع فكيف يحكم عليه بارتكابه السبّ واستحقاقه التعزير أو الحدّ وبغير ذلك ممّا يوجب الضرر بعزّته فضلاً عمّا يوجب الوهن فيه، كما لا يخفى؟ وعلى أيّ حال، فعلى المشهور لا ينبغي الشكّ في القصاص في بعض تلك الصور ممّا يكون المنع من جهة الضرر على الإسلام أو من جهة الضرر العظيم على الغير، كما يظهر بالمراجعة والدقّة في القواعد والضوابط التي بيّناها، فتدبّر جيّداً. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - شرائع الإسلام 4: 948. [2] - غنية النزوع: 428. [3] - مسالك الإفهام 14: 452. [4] - رياض المسائل 2: 481. [5] - مختلف الشيعة 9: 460. [6] - المقنعة: 743. [7] - النهاية: 730. [8] - المذكورة في مقدمة كتاب مختلف الشيعة 1: 25. [9] - جواهر الكلام 42: 191. [10] - وسائل الشيعة 28: 337، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 7، الحديث 1. [11] - وسائل الشيعة 28: 212، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ القذف، الباب 25، الحديث 2. [12] - وسائل الشيعة 28: 213، كتاب الحدود والتعزيرات، وأبواب حدّ القذف، الباب 25، الحديث 3.
|