الشرائط المعتبرة في القصاص (درس55)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 55 التاريخ : 2008/12/04 بسم الله الرحمن الرحيم نعم، لو شك في زوال العمد والاختيار منه يلحق بالعامد[1]، وكذا الحال في كل ما يسلب العمد والاختيار، فلو فرض أنَّ في البنج وشرب المرقد حصول ذلك يلحق بالسكران[2]، ومع الشك يعمل معه معاملة العمد[3]. (1) الإلحاق لابدّ وأنْ يكون للأصل، وهو مثبت; لأنّه مقتض لبقاء عمده واختياره، وموضوع القود القتل عن عمد، وتقارن القتل مع العمد من المثبتات العقليّة، كما لا يخفى. هذا على عدم إلحاق السكران بالعامد، كما قرّبه الماتن، وأمَّا على المختار في إلحاق السكران بالعامد فالمشكوكأولى.(2) إلحاق كل مايسلب العمد والاختيار بالسكران في القود ـ كما هو المختار ـ تابع لكون السبب السكر إثماً، وأمّا مع عدم الإثم فيه، كالمُكْرَه على شرب الخمر وما يوجب سلب الاختيار والقصد والعمد فلا قود ولا قصاص عليه; لعدم العمد، وكون الامتناع بلا اختيار، وهو ينافي الاختيار. ولا يخفى أنّ الدية على السبب إنْ كان أقوى كالمُكرِه بالكسر مثلاً، بل عليه القود مع علمه بالإنجرار وقصده القتل بالسكران. (3) حاله ظاهر ممَّا ذكرناه قبل ذلك. ولو كان السكر ونحوه من غير إثم فلا شبهة في عدم القود، ولا قود على النائم والمغمى عليه، وفي الأعمى تردُّد. عدم القود فيهما لا إشكال ولا كلام فيه، بل الإجماع بقسميه عليه في النائم; لانتفاء التعمّد فيهما بعدم القصد الذي يدرجهما في اسم العمد، وكونهما معذورين من حيث التسبيب. هذا مع حديث رفع القلم عن النائم، وقوله ـ عليه السلام ـ: (كلّما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر في المغمى عليه)(1). نعم الكلام والخلاف واقع في ضامن الدية فهل هو النائم أو عاقلته؟ فعن الشيخين(2) ويحيى بن السعيد(3) والفاضل[4]: أنَّ الدية في ماله، بل عن (السرائر)[5]: نسبته إلى أصحابنا، وفي (السرائر) في أوّل كلامه و(القواعد)[6] و(كشف الرموز)[7] و(الإيضاح)[8] و(اللمعة)[9] و(التنقيح)[10] و(الروضة)[11] و(المسالك)[12] على ما حكي عن بعضها أنَّ الدية على العاقلة، بل نسبه بعض إلى عامَّة المتأخرين. وأستُدلَّ للأوّل ـ وهو الأقوى ـ بأصالة ضمان المتلف دون غيره، وبمرسل (السرائر): (وروي أنّ من نام، فأنقلب على غيره فقتله، كان ذلك شبيه العمد، يلزمه الدية في ماله خاصّة، وليس عليه القود)[13]. وللثاني: بأنّه خطأٌ محض والدية فيه على العاقلة، نصّاً وإجماعاً. وفيه: على تسليم كون الدية على العاقلة في الخطأ المحض لمّا أنّ الحكم على خلاف القاعدة الشرعيّة والعقليّة من ضمان المتلف، وأنّه (ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرى)[14] فلابدّ من الاقتصار على مورد النصّ، وهو في غير النائم، فإنَّه لا نصَّ فيه. هذا كلّه في النّائم غير الظئر، وأمّا هي ففيها أقوال ثلاثة، ثالثها: التفصيل بين الأظآر للفخر والعزّة وبينه للحاجة، فالأوّل: في مالها،والثاني: على العاقلة، وهو الأقوى عندي; للرواية ومناسبة الاعتبار، وتمام الكلام في ذلك كلّه في كتاب الديات، إنْ شاء الله تعالى. وممَّا ذكر في النائم يظهر حال المغمى عليه، فالأقوى فيه أيضاً كون الدية عليه لا على العاقلة. ثمّ إنّ للعلامة في (المختلف) في ضمان العاقلة واستقراره عليها أو على القاتل كلام جيّد جدّاً لابدّ من نقله في المقام، وإن كان محلاًّ للبحث، كما أنّ ما ذكرناه من مسألة الدية في النائم كان خارجاً عن المقام، ومقام البحث عنها كتاب الديات، لكننا تبعنا (الجواهر) واقتدينا به في الاستطراد. وكيف كان ففي (المختلف): (مسألة: المشهور بين علمائنا أنَّ دية الخطأ تجب على العاقلة ابتداءً، ولا يرجع بها على القاتل، سواء كان موسراً أو معسراً، اختاره الشيخ في كتبه وابن البرّاج وأبو الصّلاح. قال الشيخ في (الخلاف) و(المبسوط): الدية في قتل الخطأ تجب ابتداءً على العاقلة. وفي أصحابنا مَنقال: ترجع العاقلة على القاتل بها، ولا أعرف به نصّاً. وقال ابن الجنيد: ولا أعلم خلافاً في أنّ دية المقتول خطأً ـ إذا قامت بالقتل البيّنة ـ على عاقلة القاتل، سواء كان القاتل ذا مال أو معدماً. ثمقال: ولا يدخل الجاني في ضمان دية مَن قتله خطأً مع عاقلته. وقال ابن إدريس: دية الخطأ على العاقلة، ولا ترجع العاقلة بها على القاتل، سواء كان في حال الأداء موسراً او معسراً. وذهب شيخنا المفيد إلى أنَّ العاقلة ترجع بها على القاتل، قال: وهذا خلاف إجماع الاُمّة، وهذا جهل من ابن إدريس، وتخطئة لشيخنا الأعظم، مع أنَّه الأصل في إنشاء المذهب وتقريره، والعارف بمذاهب النّاس، والمجمع عليه والمختلف فيه، القيم بالاُصولين، المهذّب لهما، الباحث مع الخصوم، العالم بما يجوز له فيه المخالفة والموافقة. مع أنَّ هذا القائل الجاهل إنّما يعتدُّ بإجماع الطائفة، ويعتقد رئاسة شيخنا المفيد، وأنَّه رأس هذه الطائفة، وأوّل من أظهر علم الإماميّة وفقه آل محمّد ـ عليهم السلام ـ بعد السلف. وسلاّر ـ رحمه الله ـ ذهب إلى ما ذهب إليه شيخنا المفيد. ولا بُعد فيه، بل فيه أيضاً الجمع بين المعقول والمنقول، فإنَّ الإجماع لما دلّ على تضمين العاقلة، والعقل لمّا دلّ على أنَّ العقوبة إنّما تجب على الجاني، جمع شيخنا المفيد بذهنه الثاقب وفكره الصائب بين الدليلين، وألزم العاقلة ضمان الدية، لدلالة الإجماع عليه، وجعل لها الرجوع على الجاني، تعويلاً على دليل العقل. وشيخنا أبو جعفر الطوسي ـ رحمه الله ـ أصاب حيث قال: لا أعرف به نصّاً فإنَّه لا يقتضي نسبة شيخنا إلى تخطئة وتغليط ومخالفة للإجماع، فإنَّ عدم معرفته لا يستلزم عدم النصّ، فلعلَّ شيخنا المفيد وقف عليه، أو عوّل على دليل قاده العقل اليه)[15]. هذا كلّه في النائم والمغمى عليه. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - وسائل الشيعة 8: 259، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلاة، الباب 3، الحديث 3، وايضاً الحديث 8 و9 ما هذا لفظه: وفي (العلل) و(الخصال): عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن موسى بن بكر، قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ الرجل يُغمى عليه يوماً أو يومين أو الثلاثة أو الأربعة أو أكثر من ذلك كم يقضي من صلاته؟ قال: ((ألا اُخبرك بما يجمع لك هذه الأشياء؟ كلّما غلب الله عليه من أمر فالله أعذر لعبده))، قال: وزاد فيه غيره أنّ أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: ((هذا من الأبواب التي يفتح كلّ باب منها ألف باب)). [2] - المقنعة: 747، النهاية: 758. [3] - الجامع للشرائع (ضمن الينابيع الفقهية) 2: 498، كتاب الجنايات. [4] - كشف اللثام 2: 303. [5] - كتاب السرائر 3: 365. [6] - قواعد الأحكام 3: 651. [7] - كشف الرموز 2: 638. [8] - ايضاح الفوائد 4: 656. [9] - اللمعة: [10] - التنقيح الرائع 4: 471. [11] - الروضة البهيّة 2: 422. [12] - مسالك الإفهام 15: 330. [13] - كتاب السرائر 3: 365. [14] - الزمر: 7. [15] - مختلف الشيعة 9: 289.
|