الشرائط المعتبرة في القصاص (درس53)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 53 التاريخ : 2008/12/06 بسم الله الرحمن الرحيم وإنْ كان الاحتياط أنْ لا يختار ولي المقتول قتله، بل يصالح عنه بالدية. ولا يقتل العاقل بالمجنون وإنْ كان أدواريّاً مع كون القتل حال جنونه، وجه الإحتياط ظاهر ممّا مرّ من احتمال العموميّة في الموصول. بلا خلاف أجده فيه، كما عن (الغنية)[1] وغيرها: الاعتراف به، بل في (كشف اللثام)[2]: نسبة قطع الأصحاب إليه، بل عن (كشف الرموز)[3]: الإجماع عليه، والحجّة قبل الإجماع صحيح أبي بصير: سألت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ عن رجل قتل رجلاً مجنوناً، فقال: ((إنْ كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه (فقتله) فلا شيء عليه من قود ولا دية، ويعطي ورثته ديته من بيت مال المسلمين))، قال: ((وإنْ كان قتله من غير أنْ يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه، وأرى أنَّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون، ويستغفر الله ويتوب إليه))[4]. وفي خبر أبي الورد: قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام، أو لأبي جعفر ـ عليه السلام ـ: أصلحك الله، رجل حمل عليه رجل مجنون فضربه المجنون ضربة فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه فقتله،فقال: ((أرى أنْ لا يُقتل به، ولا يُغرم ديته، وتكون ديته على الإمام، ولا يبطل دمه))[5]. وبالجملة، فالحكم مفروغ منه لو كان القاتل أدواريّاً فقتل حال عقله آخر، كذلك حال جنونه; عملاً بإطلاق النص والفتوى، وإنْ كان لا يخلو من إشكال احتمال انصراف المجنون المقتول في الصحيح وغيره إلى الدائم. هذا مع وجود الفرق بين الدائم والأدواري في النقص، لكنّ شمول إطلاق الكبرى الكليّة في الصحيح الأدواري لا يخلو من قوة; لعدم القود للمجنون الأدواري حال جنونه بقتله العاقل. وتثبت الدية على القاتل إنْ كان عمداً أو شبهه، وعلى العاقلة إنْ كان خطأً محضاً، ولو كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شيء عليه من قود ولا دية، ويعطي ورثته الدية من بيت مال المسلمين. كون الدية على القاتل في العمد وشبهه، للقاعدة ولصحيح أبي بصير في الأوّل ففيه: ((وأرى أنَّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون)) كما أنّ كونها في الخطأ على العاقلة، للقاعدة المعروفة فيه أيضاً. وأمّا كونها على بيت مال المسلمين، فلصحيح أبي بصير، فقال ـ عليه السلام ـ: ((إنْ كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه (فقتله) فلا شيء عليه من قود ولا دية، ويعطي ورثته ديته من بيت مال المسلمين))، بل ولخبر أبي الورد أيضاً، ففيه: ((وتكون ديته على الإمام)). فما في المتن من الأحكام للدية لا إشكال ولا كلام فيه، وهو على القاعدة والنصّ. نعم، يقع الكلام في المقام في أمرين: أحدهما: أنَّ دم المدفوع هدر، نصّاً وفتوى، فكيف ما في النصّ والفتوى من الدية في المقام؟ وفيه أوّلاً: أنَّ إطلاقه منصرف عن المدفوع المجنون، ومختصّ بغيره من المتعارف في الدفاع. وثانياً: على تسليم منع الانصراف، فعموم ذلك الهدر مخصّص في المقام بالخبرين، فلا إشكال في المسألة. ثانيهما: أنَّ في الخبرين تعارضاً واختلافاً في محل الدية، ففي الصحيح: (أنَّه على بيت مال المسلمين)، وفي خبر أبي الورد: (أنّه على الإمام)، ومن المعلوم أنَّ ما في بيت المال من الزكوات والخراجات لمصالح المسلمين، وما للإمام كالخمس فهو له، وعونه لدينه وعياله، فكيف الجمع بين الحديثين؟ أقول: يمكن الجمع بإرادة التأدية والتنفيذ على الإمام في خبر أبي الورد، وبكون محلّه من بيت المال في الصحيح، فكأنّ المعصوم ـ عليه السلام ـ قال: على عهدة الإمام التنفيذ ـ فانّه الحاكم والتنفيذ عليه ـ وتأدية ديته من بيت المال. كما يمكن الجمع بالعكس، بكون المراد أنَّ الدية على الإمام، أي في ماله، لكنّه مع ذلك على بيت المال باعتبار كونه محلاًّ لأمواله في الواقع. لكن الجمع الأوّل أولى بل متعيّن; قضاء لوظيفة الإمام الحاكم المنفِّذ للشرائع والقوانين، بل لا قائل بالثاني، والله العالم. ثم إنَّ للمقدّس الأردبيلي هنا نكتة ينبغي نقلها وبيانها: ففي (المجمع): (والمراد بدفعها إلى ورثة المجنون كونها من متروكات المجنون، يخرج منها الديون والوصايا إنْ كان، ثمَّ القسمة بين من يرث الدية)[6]. هذا لبيان أنَّ دفع الدية إلى الورثة ليس من جهة استحقاقهم لها بما هي هي، بل الدفع من باب دفع تركة الميّت إلى وارثه، فاللازم منه إخراج الديون والوصايا منها، كما أنّ استحقاقهم لها لمّا كان من باب الإرث، فالديون والوصايا قبله، فتدبّر جيّداً وانظر إلى الدقّة في الفقه، وكم له في (المجمع) من هذه الدقائق؟ فعليك بمراجعته في كلّ ما فيه من المباحث والكتب الفقهيّة. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - غنية النزوع: 403. [2] - كشف اللثام: 276. [3] - كشف الرموز 2: 611. [4] - وسائل الشيعة 29: 71، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 28، الحديث 1. [5] - وسائل الشيعة 29: 71، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 28، الحديث 2. [6] - مجمع الفائدة والبرهان 14: 11.
|