الشرائط المعتبرة في القصاص (درس48)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 48 التاريخ : 2008/12/12 بسم الله الرحمن الرحيم لا يُقال: فما تقول في ضمان دية الخطأ على العاقلة؟ لإنّه يُقال: ما ذكرناه من الإشكال موجود فيه أيضاً، والحكم فيه أيضاً مخالف للكتاب والسنَّة والقواعد. نعم، فيما كانت العاقلة سبباً وموجباً لكون الدية عليه بحيث لا يعدّونه العقلاء والعرف ظلماً ومخالفاً للقواعد بل بناؤهم على ذلك أيضاً، فالدية فيه على العاقلة. وبالجملة، إطلاق الحكم بالدية على العاقلة في قتل الخطأ محلُّ إشكال ومنع، وتفصيل الكلام في محلّه. وعليك بالنظر والدّقة في رواية محمّد بن مسلم حتى تعلم بعدم التعبّد، وبعدم الحكم على خلاف القواعد في دية الخطأ فضلاً عن غيرها، ودونك الرواية: محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر ـ عليه السلام ـ: ((أيّما ظئر قوم قتلت صبيّاً لهم وهي نائمة فقتلته، فإنَّ عليها الدية من مالها خاصّة إنْ كانت إنّما ظايرت طلب العزّ والفخر، وإنْ كانت إنَّما ظايرت من الفقر فإنّ الدية على عاقلتها))[1]. وتوهُّم تخصيص الكتاب والسنة بأدلّة دية المجنون على العاقلة مدفوع بما مرَّ من عدم شرطيّة التّساوي في الدين والذكوريّة بما لا مزيد عليه، فراجعه. ثم من الواضح أنَّ كون الدية على العاقلة مطلقاً أو في الجملة منوط بوجودها للقاتل المجنون، وأمّا إنْ لم تكن فعن (النهاية)[2] و(الجامع)[3]: أنَّ الدية على بيت المال، وهو الحق; لئلاّ يبطل دم امرئ مسلم. وفي كشف اللثام: (ويوافقه خبر بريد العجلي[4] الآتي)[5]. وفي (الجواهر): (وفيه: مع أنَّه لاصراحة فيه بل ولا ظهور في كونه قاتلاً مجنوناً، يمكن أنْ يكون المراد بيت مال الإمام; لأنَّه الوارث له، ولذا كان المحكيّ عن (السرائر) أنَّها على الإمام دون بيت المال)[6]. ولا يخفى أنَّه لعلّ نظره ـ قدس سره ـ إلى عموم العلّة، وهو قوله ـ عليه السلام ـ: ((ولا يبطل دم امرئ مسلم))[7] لا إلى المورد، وإلاَّ فلابدّ من الإشكال عليه بظهوره في الخلاف، فإنَّ المورد مشكوك الجنون حين القتل، لا الإشكال بما أورده ـ رحمه الله ـ من عدم الصراحة، بل عدم الظهور، كما لا يخفى. وفي حكم عدم العاقلة إعسارها; لعموم العلّة،وهو عدم هدر الدّم. ثمَّ إنَّ إطلاق النّص والفتوى مقتض لكون الدية على بيت المال وإنْ كان للمجنون مال، وكان موسراً، لكن مقتضى الأصل في باب الضمان، وأنَّه على الجاني والمباشر وذي اليد والمتلِف الاختصاص بحال العسر، وأمَّا مع اليسر فعلى مال المجنون; لأنَّه الأصل، وعليه إشعار رواية بريد إنْ لم نقل بظهورها. هذا مع أنَّ المستفاد من الأخبار الواردة في ضمان العاقلة في أبواب مختلفة أنَّ الأصل في ضمان العاقلة عدمه أيضاً، وأنَّ ضمانها في بعض الموارد على خلاف الأصل. في خبر أبي بصير عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: ((لا تضمن العاقلة عمداً ولا إقراراً ولا صلحاً))[8]. وفي موثق السكوني، عن جعفر، عن أبيه ـ عليهما السلام ـ: ((إنَّ أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ قال: العاقلة لا تضمن عمداً ولا إقراراً ولا صلحاً))[9]. وفي خبر زيد بن علي، عن آبائه ـ عليهم السلام ـقال: ((لا تعقل العاقلة إلاّ ما قامت عليه البيّنة))، قال: وأتاه رجل فاعترف عنده، فجعله في ماله خاصّة ولم يجعل على العاقلة شيئاً[10]. وفي خبر عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: في مكاتب قتل رجلاً خطأ،قال: ((عليه ديته بقدر ما اُعتق، وعلى مولاه ما بقي من قيمة المملوك، فإنْ عجز المكاتب فلا عاقلة له إنَّما ذلك على إمام المسلمين))[11]. وفي مجموع هذه الأخبار دلالة على أنَّ الحكم بضمان العاقلة على خلاف الأصل، فتأمّل. نعم، على ما اخترناه في ضمان العاقلة في قتل المجنون، الظاهر أنَّ الضمان عليها ولو مع يسر المجنون; لكونها سبباً أقوى من المباشر، كما مرّ بيانه، فالضمان عليها ـ بناءً على المختار ـ موافق مع الأصل والقواعد في باب الضمان، فتدبّر جيّداً. هذا كلّه في شرطيّة العقل وهو الرابع من الشرائط على ترتيب المتن. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - وسائل الشيعة 29: 265، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 29، الحديث 1. [2] - النهاية: 760. [3] - الجامع للشرائع (ضمن الينابيع الفقهية) 2: 492، كتاب القصاص والديات، كتاب الجنايات. [4] - وسائل الشيعة 29: 72، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 29، الحديث 1. [5] - كشف اللّثام 2: 276. [6] - جواهر الكلام 42: 178. [7] - وسائل الشيعة 29: 72، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 29، الحديث 1. [8] - وسائل الشيعة 29: 394، كتاب الديات، أبواب العاقلة،الباب 3، الحديث 1. [9] - وسائل الشيعة 29: 394، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 3، الحديث 2. [10] - وسائل الشيعة 29: 399، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 9، الحديث 1. [11] - وسائل الشيعة 29: 402، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 12، الحديث 1.
|