الشرائط المعتبرة في القصاص (درس47)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 47 التاريخ : 2008/12/12 بسم الله الرحمن الرحيم الشرط الرابع والخامس: العقل والبلوغ، فلا يقتل المجنون سواء قتل عاقلاً أو مجنوناً، نعم تثبت الدية على عاقلته، ولايقتل الصبيّ بصبيّ ولا ببالغ وإنْ بلغ عشراً أو بلغ خمسة أشبار، فعمده خطأ حتى يبلغ حدَّ الرِّجال في السنِّ أو سائر الأمارات، والدية على عاقلته. شرطيّة العقل ممّا لا كلام ولا إشكال فيه، فلا قصاص على المجنون; إجماعاً ونصوصاً، عموماً كحديث رفع القلم[1]، وخصوصاً كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ: قال: ((كان أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يجعل جناية المعتوه على عاقلته، خطأً كان أو عمداً))[2]. وموثق السكوني عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: ((أنّ محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يسأله عن رجل مجنون قتل رجلاً عمداً، فجعل الدية على قومه، وجعل خطأه وعمده سواء))[3]. وخبر بريد العجلي:قال: سئل أبو جعفر عليه السلام، عن رجل قتل رجلاً عمداً فلم يقم عليه الحدّ ولم تصحّ الشهادة عليه حتى خولط وذهب عقله، ثم إنّ قوماً آخرين شهدوا عليه بعد ما خولط أنّه قتله فقال: ((إنْ شهدوا عليه أنَّه قتله حين قتله وهو صحيح ليس به علّة فساد عقل قتل به، وإنْ لم يشهدوا عليه بذلك وكان له مال يعرف دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل، وإنْ يكن له مال أعطى الدية من بيت المال، ولا يبطل دم امرىء مسلم))[4]. وخبر أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن الامام عليّ ـ عليه السلام ـ أنّه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق والصبيّ الذي لم يبلغ: ((عمدهما خطأ تحمله العاقلة، وقد رفع عنهما القلم))[5]. وعن (دعائم الإسلام) عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ انّه قال: ((ما قتل المجنون المغلوب على عقله والصبيّ، فعمدهما خطأ على عاقلتهما))[6]. وقال أبو جعفر ـ عليه السلام ـ: ((إذا قتل رجل رجلاً عمداً، ثم خولط القاتل في عقله بعد أنْ قتله وهو صحيح العقل، قتل إذا شاء ذلك وليّ الدّم، وما جنى الصبيّ والمجنون فعلى عاقلتهما))[7]. وقال الصدوق في (المقنع): ((وكان أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يجعل جناية المعتوه على عاقلته، خطأً كانت جنايته أو عمداً))[8]. ولا يخفى أنَّ الظاهر كون الاستدلال برفع القلم يرفع القصاص بنفسه لكن مع توقّف الاستدلال على عموميّة القلم للوضع والتكليف، وعدم اختصاصهبالثاني فقط متوقّف على كون القصاص مجعولاً على القاتل، كجعله لوليّ الدّم، وهو محلّ تأمُّل وإشكال، حيث إنَّ القصاص للأولياء (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطاناً)[9] و(لَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يا أُولِي الألبَابِ)[10]. وما في بعض الأخبار من نسبة القود والقصاص إليه فالظاهر أنَّها بيان اللاّزم كما لا يخفى. فالأولى إنْ لم يكن متعيِّناً الاستدلال بالحديث بأنَّ الحرمة والتكليف مرفوعان قطعاً، فالقصاص مرفوع برفع الموضوع، والأمر في ذلك سهل بعد تمامية الاستدلال. على أيِّ حال، لا فرق في المجنون بين أنْ يكون مطبقاً أو إدواريّاً إذا قتل حين الجنون، كما هو واضح; للاطلاق وعدم الخصوصيّة للمطبق، فإنَّ المناط الجنون. وتثبت الدية على عاقلته عندنا، كما في (الجواهر)[11]، ويدلُّ عليه صحيح ابن مسلم[12] وموثق السكوني[13]، وخبر أبي البختري[14] من تلك الأخبار الخاصّة، ولا إشكال في حجيّتها وتمامية الاستدلال بها على المدّعى وكون الدية على العاقلة المخالف للقواعد; لما فيها من الصحيح والموثّق، لكن الكلام والإشكال بنظري القاصر في إطلاق تلك الأحاديث والفتاوى; وذلك لشمولهما المجنون الذي ليس بضارٍّ للنّاس، ولا خطر فيه عليهم، ولا يهجم عليهم، بحيث لابدّ من المحافظة عليه بالحبس والقيد لئلاّ يضرّ النّاس ويقتلهم، وهو الغالب في المجانين، وأمّا الخَطِر والمهاجم منهم فقليل جدّاً. والحكم بكون الدية في الغالب غير المضرّ على العاقلة موجب لكون ضمان المجنون وضرره على الغير، أي العاقلة، وجعل وزره عليه، وهل هذا إلاَّ ظلمٌ وضررٌ على العاقلة ووزر عليها، مع عدم دخالتها في الضّمان والوزر من رأس؟ وهل لا يكون إطلاق الخبر الدّال على ذلك مخالفاً للكتاب والسنة والقطعيّة وحكم العقل بقبحهما وبناء العقلاء على عدمهما في التشريع؟ وهل يصّح القول بحجيّة إطلاق تلك الأخبار مع ما ورد من ضرب الخبر المخالف للكتاب والسنّة على الجدار، وأنَّه زخرف[15]، وأنا لم أقله[16]، ومع أنَّ الإسلام دين العقل، وأنَّه رسولٌ من الباطن، كما أنالرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ عقل ظاهر؟ فليس فيه ما يخالف العقل، لاسيّما مثل مخالفة قبح الظلم، ومع أنَّ باب الضمان باب إمضائي عقلائي لا تأسيسي تعبّدي، فكيف يحصل الوثوق والاطمئنان بإعمال التعبّد من الشارع، والحكم على الخلاف رغم أنفهم، من دون جهة مقتضية لذلك بيّنة ولا مبيّنة؟ بل الظاهر الوثوق بخلافه. فعلى هذا، إطلاق الأخبار غير حجّة قطعاً، وتكون مخصوصة بالمجنون الخطر الذي لابدّ لعاقلته ـ بحكم العقل والعقلاء; حفظاً لأنفس المجتمع ـ من حبسه وقيده; لئلاّ يهلك النّاس ويقتلهم أو يضرّهم، فقتله وضرره ليس إلاّ بترك الحفظ والدفع من العاقلة، فالضمان والوزر عليه; لأقوائية السبب من المباشر، كما هو أوضح من أنْ يُبيَّن. ألا ترى أنَّ في أزمنتنا، أي أزمنة الحكومة مع بسط اليد، وجوب حفظ غالب المجانين من النّاس، ودفع خطرهم، وعلى الحكومة رعايتهم وتهيئة الأماكن الخاصة لهم، فالحكم بالدية على العاقلة في مثل هؤلاء المجانين عدل وموافق للقواعد، وتخصيص للضمان المباشر، بل خروج عنه تخصُّصاً، كما لا يخفى على المتأمِّل. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - وسائل الشيعة 29: 90، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 2. [2] - وسائل الشيعة 29: 400، كتاب الديات، أبواب العاقلة،الباب 11، الحديث 1. [3] - وسائل الشيعة 29: 401،كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 11، الحديث 5. [4] - وسائل الشيعة 29: 72، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 29، الحديث 1. [5] - وسائل الشيعة 29: 90، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 2. [6] - دعائم الاسلام 2: 417. [7] - مستدرك الوسائل 18: 236، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 26، الحديث 1. [8] - المقنع: 529. [9] - الاسراء: 33. [10] - البقرة: 179. [11] - جواهر الكلام 42: 177. [12] - وسائل الشيعة 29: 400، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 11، الحديث 1. [13] - وسائل الشيعة 29: 401، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 11، الحديث 5. [14] - وسائل الشيعة 29: 90، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 2. [15] - وسائل الشيعة 27: 110 و111، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي الباب 9، الحديث 12 و14. [16] - وسائل الشيعة 27: 111، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 15.
|