الشرائط المعتبرة في القصاص (درس44)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 44 التاريخ : 2008/12/13 الشرائط المعتبرة في القصاص (درس44) بسم الله الرحمن الرحيم ولو قتله مسلم فلا قود[1]، والظاهر عدم الدية عليه وللإمام ـ عليه السلام ـ تعزيره[2]. (1) بلا خلاف لأشتراطهم التساوي. (2) في (الشرائع): (وفي الدية تردُّد، والأقرب أنّه لا دية)(1) مع نفيه القود على القطع بقوله : (فلا قود قطعاً)(2). ومنشأ التردُّد التردُّد في احترامه الموجب للدية والضمان وعدمه، ولا يخفى عليك أنَّ ما هو الحقّ في الدية من الاحترام وعدمه هو الحقّ عندنا أيضاً في القصاص وعدمه; لعدم اعتبار شرطية التساوي على المختار كما مرّ. ولننقل ما في (الجواهر) في الدية ليظهر وجهها ووجه ترددّ المتن في قوله: ومنها: لو وجب ... الخ، ففيه: (والأقرب عند المصنّف والفاضل وغيرهما أنَّه لا دية؛ للأصل وعدم احترام نفسه وإنْ أثم غير الإمام بقتله، ولكن قد يناقش بأنَّ ذلك يقتضي عدم القود في الأوّل، فإنَّ دعوى اختصاص عدم الاحترام بالنسبة للمسلمين خاصّة لا دليل عليها، ومن هنا احتمل وجوب الدية; لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى غير الإمام. لكنَّ في (المسالك): (وهو ضعيف: بل غاية ما يجب بقتله بدون إذنه الإثم كغيره ممَّن يتوقف قتله على إذنه من الزاني واللائط وغيرهما)[3]. وفيه: ما عرفت من اقتضاء ذلك عدم القود على الذمّي كما سمعت. بل ينبغي عدم القود أيضاً بقتل المرتدّ مرتدّاً مع أنّه جزم به الفاضل في (القواعد)[4] وشارحه الأصفهاني في كشفه معلّلاً في الأخير بالتكافؤ مع تحرّمهما بالإسلام الموجب لعصمة الدم)[5]. نعم، جزماً فيهما بعدم قتل الحربيّ بالحربيّ; لأنّ المقتول غير معصوم الدم، وقد عرفت الإشكال فيه سابقاً. وبالجملة، فالمدار على احترام النفس على وجه يجب على المكلّف حفظها، ومرجع ذلك إلى الاستظهار من الأدلّة، وإلاّ فمجرد وجوب القتل حدّاً لا يقتضي ذلك، خصوصاً مع توبة المحدود وندمه وأسفه إذا كان بحيث لا يسقط عنه الحدّ، كما لو فرض توبته بعد إقامة البيّنة عليه، وحكم الحاكم عليه فإنّ دعوى عدم احترام نفسه مع هذا الحال بحيث يكون كبعض الحيوانات التي هي غير محترمة من جهة وجوب القتل عليه حدّاً لا يخفى عليك ما فيها. نعم، قد يستظهر من بعض الأدلّة في بعض الأفراد ـ وخصوصاً في بعض أفراد الارتداد ونحوه ممّا يوجب القتل ـ ذلك وإن لم يجز تولّي قتلهم أيضاً إلاّ للإمام ـ عليه السلام ـ باعتبار كون إقامة الحدّ له لا لإحترامهم. وهذا وإن اقتضى سقوط الدية في المسلم أيضاً لكنّه يقتضي سقوطها والقود أيضاً في غيره)[6]. ولا يخفى أنّه ما لم يقم الدليل على عدم الاحترام عموم أدلّة القصاص محكّم كما كان محكَّماً في قتل الذمّي المرتدَّ، وكيف لا يكون محكَّماً مع أنَّ المقتول مظلوم كما هو واضح؟ فالولاية مجعولة لوليّه وصدق القتل عدواناً، وكون المقتول مظلوماً ليس بدائر مدار الدين والمذهب، بل دائر مدار عدم ظلم المقتول وعدم تهجمه على الغير وإلاّ فإنّه مقتول معه ظلماً لا مظلوماً. وعدم كفاية محض احتمال عدم الاحترام للمسلم في التخصيص واضح، فلا يرفع اليد عن الحجّة بغير الحجّة. ومن ذلك كلّه يظهر عدم تماميّة ما في (الشرائع)[7] وغيره من عدم القود والدية في قتل من وجب قتله بالحدّ كالزنا واللواط وغيرهما من غير من له اجراء الحدّ كالإمام ـ عليه السلام ـ فانّ دمهما محترم وإن وجب قتلهما حدّاً بيد الإمام، ولا دلالة للحدّ ووجوب قتلهما بيد الإمام على هدر دمهما في غير الحدّ، بل المستفاد من قوله ـ عليه السلام ـ: ((إن الله قد جعل لكلّ شيءٍ حدّاً ولمن تعدّى ذلك الحدّ حدّاً))[8] المنع من القتل بغير الحدّ الذي هو القتل بيد الإمام، ومقتضى المنع والحدّ احترام الدم وعدم الهدر. ويشهد على ذلك ما في خبر عمرو بن قيس، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: ((وجعل لكلّ شيءٍ حدّاً، ولمن جاوز الحدّ حدّاً)) إلى أنْ قال : قلت: وكيف جعل لمن جاوز الحدّ حدّاً؟ قال: ((إنَّ الله حدَّ في الأموال أنْ لا تؤخذ إلاّ من حلّها، فمن أخذها من غير حلّها قطعت يده حدّاً لمجاوزة الحدّ، وإنَّ الله حدَّ أنْ لا ينكح النكاح إلاّ من حلّه ومن فعل غير ذلك إنْ كان عزباً حدّ، وإنْ كان محصناً رجم لمجاوزته الحدّ))[9]. حيث إنّه جعل الشرع والقانون حدّاً من اللّه، وجعل التحدّي عنه محرماً موجباً لقطع اليد، وحدّ الزنا بالجَلد أو الرّجم على اختلاف الموارد، واللازم القصاص في قتل اللائط بغير يد الإمام; لأنّه تعدٍّ عن الحدّ المقّرر، والتعدي بالقتل موجب للقصاص والقود، فتأمَّل ولا تغفل. والاستدلال على عدم القصاص بما عن سعيد بن المسيّب أن معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري أنّ ابن أبي الجسرين وجد رجلاً مع امرأته فقتله وقد أشكل عليَّ القضاء فسل لي علياً ـ عليه السلام ـ عن هذا الأمر، قال أبو موسى: فلقيت عليّاً ـ عليه السلام ـ قال: فقال الامام عليّ ـ عليه السلام ـ: ((والله ما هذا في هذه البلاد يعني الكوفة، ولا هذا بحضرتي، فمن أين جاءك هذا))؟ قلت: كتب إليّ معاوية ـ لعنه الله ـ أنَّ ابن أبي الجسرين وجد مع امرأته رجلاً فقتله وقد أشكل عليه القضاء فيه، فرأيك في هذا، فقال: ((أنا أبو الحسن إنْ جاء بأربعة يشهدون على ما شهد، وإلاّ دفع برمته))[10]. فيه نظرٌ; لاختصاصه بمن يقتله الزوج لكونه زنا بزوجته ولا وجه للتعدّي إلى غيره لا سيّما الأجانب حتى في الزنا فضلاً عن اللواط. وفي (القواعد): (وهذا حكم ينسحب على كلّ قريب للرجل أو ولد أو مملوك، وهل ينسحب على الأجانب؟ إشكال)[11] من عموم (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) واختصاص إقامة الحدود بالإمام ونوّابه، ومن أنّه إنَّما مباح الدم. ولا يخفى أنّ الانسحاب إلى الطوائف لا بدَّ وأنْ يكون من جهة الدفاع عن الحريم والناموس ولذلك يفترق مع الأجانب ، وجواز القتل من جهته غير مرتبط بالحديث فإنّه حكم خاصٌّ من جهة الزنا بزوجته لا من جهة الدفاع كما لا يخفى، والدفاع جائز لكلّ أحد، ودم المدفوع هدر نصّاً وعقلاً وإجماعاً. وبالجملة، ثبوت الحدّ غير ثبوت الهدر، ولا ملازمة بينهما من رأس، والمفيد لعدم القصاص الهدر لا الحدّ، فالأقوى في مثل الزنا أو اللواط الموجب لحدّ القتل قصاص القاتل إذا كان غير الإمام. وبما ذكرنا يظهر ضعف ما في (المسالك) من الاستدلال على عدم القصاص بقوله: (فإنَّ دمه (أي الزاني واللائط ونحوهما) هدر مطلقاً، غايته أنّ تولّي قتله متوقّف على أمر الحاكم، فإذا فعله غيره أثم ووقع موقعه)[12] ووجه الضعف: أنَّ الهدر كذلك أوّل الكلام، بل الاستدلال كذلك مصادرة بالمطلوب. وفي (الجواهر) بعد جعله العمدة الاستظهار من الأدلّة على عدم حرمة النفس مطلقاً أو في بعض الأحوال لمطلق الناس أو لخصوص المسلمين، قال ما هذا لفظه: (ولم يحضرني الآن من النصوص ما يشخّص ذلك بجميع أفراده)[13]. ولقد أجاد فيما ذكره قدّس الله نفسه ونوّر مضجعه. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - شرائع الإسلام 4: 988. [2] - شرائع الإسلام 4: 988. [3] - مسالك الإفهام 2: 369. [4] - قواعد الأحكام 2: 290. [5] - كشف اللثام 2: 274. [6] - جواهر الكلام 42: 166 ـ 167. [7] - شرائع الإسلام 4: 988. [8] - وسائل الشيعة 28: 14، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب مقدمات الحدود، الباب2، الحديث1. [9] - وسائل الشيعة 28: 15، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب مقدمات الحدود، الباب 2، الحديث3. [10] - تهذيب الأحكام 10: 314، كتاب الديات، باب من الزيادات ، الحديث 9. [11] - قواعد الأحكام 2: 290. [12] - مسالك الإفهام 2: 369. [13] - جواهر الكلام 42: 168.
|