الشرائط المعتبرة في القصاص (درس41)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 41 التاريخ : 2008/12/14 بسم الله الرحمن الرحيم وكيف كان، ففي الاستدلال بالحديث مناقشة وإشكال من جهات: أحدها: الاختلاف في النقل زيادة ونقيصة من حيث الكلمات في بيان حكم ما لم يسلّم كما بيّنه المقدس الأردبيلي ـ قدس سره ـ في (المجمع) وسننقل عبارته، فهذا الاختلاف إنْ لم يكن كاشفاً جزماً عن عدم بيان الحكم في الحالة العاديّة فلا أقلّ من كونه موجباً لاحتماله، والاعتماد مع ذلك الاحتمال مشكل بل ممنوع. ثانيها: ما فيه من المخالفة للقواعد في باب القصاص وفي حرمة مال الغير، فتخصيص تلك القواعد الواضحة المطلقة والعامّة بصحيح واحد أو بصحيحين من المشكل عند العقلاء، بل الظاهر عدم حجيّة الصحيح أو الصحيحين في مثل هذه الأحكام المخالفة للقواعد المسلّمة الشرعيّة والعقلائية والعقليّة، ومنعهم تخصيصها به، وبعد ما كانت حجيّة الأخبار وتخصيص العمومات من باب بناء العقلاء، فكيف يجترىء الفقيه ترك القواعد والعمل بذلك الصحيح أو الصحيحين؟ ثالثها: عدم معلوميّة الجهة في السؤال فلعلّها إنْ كانت معلومة كانت قرينة على أنَّ القضيّة شخصية وواقعة في واقعة، فلم يكن في الحديث إطلاق ولا عموم أصلاً. رابعها: الحديث إمّا يكون مختصّاً بالنصراني قضاءً لظاهر العنوان أو الأعمّ منه ومن الذمّي لترك الاستفصال، فتخصيصهم الحكم بالذمّي بلا دليل إلاّ أنْ يكون المراد منه القابل للذمّة لا الفعلي منه، فالتأمّل في ما هو المشهور مع هذه المناقشات في محلّه، والعمل بالقواعد أحوط وأضبط. ثم مع التنزّل لابدّ من الاختصاص بالنصراني أخذاً بظاهر العنوان لا الذمّي بل ولا أهل الكتاب أيضاً، فتأمّل. ولننقل عبارة (المجمع) في المسألة بتمامها تفصيلاً للبحث وتبييناً لما في نقل (الكافي) مع نقل (الفقيه) و(التهذيب) من الاختلاف. (قوله: (ولو قتل الذمّي مسلماً) دفع الذمّي القاتل عمداً وماله إلى ورثة المسلم المقتول المسلم، وتخييرهم بين قتله واسترقاقه هو المشهور بين الأصحاب. لعلّ دليله حسنة ضريس الكناسي في (الكافي) عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ في نصراني قتل مسلماً فلمّا أُخذ أسلم، قال: ((اقتله به))، قيل: فأن لم يسلم؟ قال: ((يدفع إلى أولياء المقتول هو وماله))[1]. وهي صحيحة في (التهذيب) عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ وعبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في نصراني قتل مسلماً فلّما اُخذ أسلم قال: ((اقتله به)) قيل: فأن لم يسلم؟ قال: ((يدفع إلى أولياء المقتول فإنْ شاوؤا قتلوا وإنْ شاوؤا عفوا وإنْ شاوؤا استرقّوا))، وقيل: وإنْ كان معه عين (مال ـ خ ل ئل) قال: ((دفع إلى أولياء المقتول هو وماله))[2]. لعلّه سقط عن (الكافي) وهي مذكورة في (الفقيه) أيضاً مثل (التهذيب) بتغيير ما، مثل حذف (قال) بعد قوله: ((أسلم)) وزيادته مع (نعم) بعد قوله: ((به)) وزيادة (مال) أيضاً بعد (عين) و(له) وحذف (قال) أيضاً بعد قوله: (عين) وهو أولى؛ فإنَّه لايحتاج إلى تقدير (قيل) قبل قوله (وإن كان الخ). ثم اعلم أنَّ صريح هذه الرواية أنّ قتل الذمّي بالمسلم للقصاص، وأنَّه مع ماله عوض قتل المسلم، سواء كان المال زائداً عن دية المسلم أو ناقصاً أو مساوياً لها; لأنّه قال ـ عليه السلام ـ: ((يدفع الذمّي إلى أولياء الدم فإنْ شاؤوا)) الخ، وكذا قال: ((ويدفع ماله))، وكذا ظاهر كلامهم ، فلا بُعد في ذلك بعد وجود النصّ والفتوى. وأمّا دفع أولاده الصغار إليه ليكونوا أرقاء لهم فليس بظاهر (بذلك ـ خ) الدليل، سواء استرقّوا أباهم القاتل أو قتلوه، إذ لا يلزم من استرقاق مَن استحقّ ذلك بسبب قتله عمداً استرقاق أولاده، وهو ظاهر، ومن قتله بالطريق الأولى، ولا نصّ في ذلك على ما يظهر الآن، بل أنكر في (الشرح) كونه قولاً للشيخ، وقال: نقله المصنّف عنه، وكذا نقل عميد الدين شيخنا أنَّه قوله في (الفقيه)، وما رأيته، وهما أعرف بما قالا. ونقل الشارح أنّه قول للمفيد، وقال: يبعد أن يكون مراد المصنّف الشيخ المفيد، فإنَّه ليس عادته كذلك. وأيضاً يبعد قول ابن ادريس بمنع أخذ المال إنْ قتله أو عفا عنه وجوازاً أخذه لو استرقّه، إذ ما نظر إلى قول الأصحاب ودليلهم. دليله غير ظاهر وكذا مذهب التقي[3] وابن زهرة[4] والكيدري[5] أنّه يقتل بخرقه الذمّة ثمّ يؤخذ من ماله دية المسلم تامّة، إذ قتله لخرق الذمّة، ليس لأولياء الدمّ بل للإمام ومن يأذن له، وهو ظاهر. وفي الرواية: أنّه ((يدفع إلى أولياء المقتول إنْ شاؤوا قتلوا، وإنْ شاؤوا عفوا، وإنْ شاؤوا استرقوا، ويدفع إليهم هو وماله)) وليس مخصوصاً بمقدار الدية، فهم أيضاً تركوا هذه الرواية وما أعرف لهم دليلاً، وهم أعرف. وكذا قول الصدوق: يقتصّ للمسلم من الذمّي في النفس والأطراف ويؤخذ من ماله أو من مال أوليائه فضل ما بين ديّتي المسلم والذمّي. وفي هذا المذهب أيضاً الرواية المتروكة، وما نعرف له دليلاً مع أنَّه إنَّما ذكر وذكر الشارح هذه المذاهب، ثم قال: (ومبنى هذه الأقوال على أنّ قتله هل هو قوداً ولخرقه (بخرقه ـ خ) الذمّة، وعلى أنّ أخذ ماله هل هو لتكملة دية المسلم أو لاسترقاقه او بمجرد جنايته؟) وأنت تعلم أنَّ هذا كلّه خروج عن الأدلّة، وليست هذه الأُمور مبنى هذه الأقوال كلّها، مع أنّه لا يخرج عن الجهالة، ولم يرجح مبنى مذهب حتى يتحقق، فلا ثمرة لذلك، فتأملّ. ثم نقل في آخر القول ما يدلّ على أنَّ مضمون الرواية كأنّه مجمع عليه حيث قال: قال المحقق في (النكت): (وعلى ذلك عمل الأصحاب)[6] إشارة إلى ماتضمنه الرواية من جواز قتله والعفو والاسترقاق له وأخذ ماله. وأمَّا وجه سقوط الاسترقاق لو أسلم قبل القتل والاسترقاق فهو أنَّ المسلم لا يسترقُّ فيسقط الاسترقاق، وإنْ كان جائزاً قبل الإسلام فانحصر مايلزمه في القود خاصة. وكذا يمكن سقوط أخذ ماله على القول به، إذ لا يحلّ مال امرىء مسلم بغير وجه مقررّ عندهم. نعم، يجوز له العفو أيضاً وهو ظاهر)[7]. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - الموجود في الكافي ج7، ص 310، باب المسلم يقتل الذمي أو يجرحه، ح7 بعد قول: (يدفع إلى أولياء المقتول) (فإنْ شاؤوا قتلوا وإنْ شاؤوا عفوا وإنْ شاؤوا استرقوا وإنْ كان معه مال دفع إلى أولياء المقتول) وسقط ذلك عند نقله ـ رحمه الله ـ في (المجمع). [2] - تهذيب الأحكام : ج10، ص190، باب 4 كتاب الديات، باب القود بين الرجال والنساء والمسلمين والكفار، ح45. وليس (قيل) في (التهذيب) مثل (وإن كان معه عين مال). [3] - الكافي في الفقه: 385. [4] - غنية النزوع: 406. [5] - إصباح الشيعة (ضمن الينابيع الفقهية) 1: 298، كتاب القصاص والديات. في كتابه (الفقيه) رواية ضريس الكناسي، فتأمّل. [6] - كتاب نكت النهاية (ضمن الجوامع الفقهية): 688، كتاب الديات. [7] - مجمع الفائدة والبرهان 14: 30.
|