الشرائط المعتبرة في القصاص (درس31)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 31 التاريخ : 2008/12/14 بسم الله الرحمن الرحيم وبعد ما عرفت الأصل، فالكلام يقع في مورد الاستثناء، وهما اثنان: أحدهما: دية المرأة ففي (الجواهر): (فلا خلاف ولا إشكال نصّاً وفتوىً في أنَّ دية المرأة الحرّة المسلمة صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة، سليمة الأعضاء أو غير سليمتها، على النصف من جميع الأجناس المذكورة في العمد وشبهه والخطأ، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص، بل هو كذلك من المسلمين كافّة إلاَّ من ابن علية والأصمّ، فقالا: هي كالرجل، وقد سبقهما الإجماع ولحقهما، بل لم يعتد بخلافهما من حكي إجماع الاُمّة غير مشير إليهما، ولا بأس به. وحينئذ فمن الإبلخمسون، ومن الدينار خمسمائة وهكذا كما هو واضح)[1]. وفي (الرياض): (وأمَّا دية قتل المرأة الحرّة المسلمة فعلى النصف من دية الجميع؛ أي جميع التقادير الستة المتقدمة، فمن الإبلخمسونومن الدنانير خمسمائة وهكذا إجماعاً محققاً ومحكياً في كلام جماعة حدّ الاستفاضة وهو الحجّة، مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة التي كادت تكون متواترة، فمنها زيادة على مامرَّ في بحث تساوي الرجل والمرأة في دية الجراحات ما يبلغ الثلث، وغيره الصحيح: ((دية المرأة نصف دية الرجل))، والصحيح: عن رجل قتل امرأة خطأً وهي على رأس الولد تمخض، قال: ((عليه الدية خمسة آلاف درهم الحديث))[2]. وصريح العبارتين من ذينك العلمين كغيرهما من العبائر في بقية الكتب الفقهية المماثلة لهما في الاستدلال والنقض والإبرام كون المسألة إجماعيّة وعليها النصوص، وفي الثانية منهما: أنَّها صحاحٌ مستفيضة وغير مستفيضة معتبرة كادت أنْ تكون متواترة، وفي الأُولى: إضافة المسلمين كافّة إلاَّ من ابن علية والأصمّ إلى إجماع الإمامية، لكنّه مع ذلك كلّه فيها ما ترى. في (مجمع الفائدة) ذكر في مقام الاستدلال على المسألة في موضع: (فكأنَّه إجماع أو نصٌّ ما اطلعت عليه)[3]. وفي موضع آخر: (قوله: ((ودية الأُنثى ... الخ)) كأنَّ دليله الإجماع والأخبار وقد مرّت، فتذكّر)[4]. فانظر إلى مافي عبارة (المجمع) وعبارتي مثل (الجواهر) و (الرياض) من الاختلاف الشديد في الاستدلال بالإجماع والأخبار، ففي عبارتيهما الجزم وفي عبارته الشك والظنّ; لمكان التعبير بكلمة كأنّ، وكذا الاختلاف في وجوههما، ففيهما الجزم بذلك أيضاً، بل الجزم بالمرتبة العالية من الإجماع في (الجواهر) وبالكثرة في الأخبار في الثاني كما مرَّ بيانه، وفيه الشك في أصل وجودهما من رأس، وكأنهما كانا وما اطلّع عليهما. وما في (المجمع) من الدقَّة مع ما فيه من الإشعار بل الظهور في عدم الجزم بالمعروف من حكم المسألة; لعدم جزمه بما استدلّوا به من الأخبار والإجماع جرأةً لأمثالنا من البحث في المسألة فإنَّه ـ قدس سره ـ مع كونه في الثقة والجلالة والفضل والنبالة والزهد والديانة والورع والأمانة أشهر من أن يحيط به قلم أو يحويه رقم، ومع ماله من مقامات وكرامات خاصّة به، إذا لم يكن جازماً بمثل حكم المدّعى عليه اتفاق المسلمين وتواتر أخبار الخاصّة، فلا خوف لنا في تحقيق المسألة وإثبات ما عليه من الدقة في الأخبار والآثار، وإثبات أنّ دية المرأة كدية الرجل دية كاملة قضاءً للأصل: أي إطلاق الأدلّة كما مرّ تحقيقه في أوّل البحث. ثمَّ إنَّ لمثله ولمثل سيدنا الاُستاذ من العلماء الكبار ـ رحمة الله عليهم أجمعين ـ بما لهم من الدقة والنقض والإبرام في المسائل والفحص والبحث عنها الموجبة لعدم الجمود على آراء الماضين ـ رحمهم الله ـ وللجرأة على نقض آرائهم ولانفتاح باب الاجتهاد على الدوام، وجذب الناس إلى الإسلام لما في اجتهاداتهم من السهولة في الأحكام وتساوي الناس في الحقوق ورعاية تأثير الزمان والمكان في استنباط الأحكام، كتأثيره في مصاديق الموضوعات، حق عظيم على الفقه والفقهاهة والإجتهاد والدراية وعلى الحوزات العلمية ـ صانها الله عن الحدثان ـ وإنْ كانت حقوقهم مختلفة حسب قدر تلك الأُمور: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)[5] (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمّا عَمِلُوا)[6]. وكيف كان، أخبار المسألة ونصوصها على طوائفثلاث: الطائفة الأُولى: المخصوصة بالباب وهي أربع: أحدها: صحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في حديث قال: ((دية المرأة نصف دية الرجل))[7]. ثانيها: صحيحة الحلبي وأبي عبيدة عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: سئل عن رجل قتل امرأة خطأً، وهي على رأس الولد تمخض قال: ((عليه الدية خمسة آلاف درهم، وعليه للّذي في بطنها غرة وصيف أو وصيفة أو أربعون ديناراً))[8]. ثالثها: ما في كتاب ظريف عنأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في دية الجنين: ((فإذا نشأ فيه خلق آخر وهو الروح فهو حينئذ نفسبألف دينار كاملة إنْ كان ذكراً، وإنْ كان اُنثى فخمسمائة دينار، وإنْ قتلت امرأة وهي حبلى متم فلم يسقط ولدها ولم يعلم أذكر هو أو أُنثى ولم يعلم أبعدها مات أم قبلها فديته نصفان نصف دية الذكر ونصف دية الأُنثى))[9] الحديث. رابعها: صحيحة أبي جرير القمي عن العبد الصالح ـ عليه السلام ـ في دية النطفة والجنين ففيها: ((قال الله ـ عزّ وجلّ ـ (ثُمَّ أنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ)[10] فإنْ كان ذكراً ففيه الدية، وإنْ كانت أُنثى ففيها ديتها))[11]. والاستدلال بكلِّ واحد من هذه الأخبار لا يخلو من مناقشة. أمَّا الأُولى: التي هي أظهر أخبار الطائفة، بل الطوائف كلّها كما سيظهر إنْ شاء اللّه تعالى، فدلالتها وإنْ كانت تامّة وتكون مطلقة وفي مقام بيان الضابطة، لكنَّ في سندها مع صحته محمد بن عيسى عن يونس، ولي فيما يرويه عنه تأمُّل; لاستثناء محمد بن الحسن الوليد بل وتلميذه الصدوق ـ رحمه الله ـ من أخباره مايكون كذلك. وما في (تنقيح المقال) من عدم مضريّة ذلك الاستثناء لأنه؛ (إنْ كان لتحمّله إيّاه في الصغر فقد حققّنا في محلّه كون المدار على وقت الأداء دون التحمّل، وإن كان لابتناء رواياته على الإجازة فقد حققنا كفايتها في جواز الرواية، ولذا ترى أنَّ أكثر أخبارنا من هذا القبيل، فتدبَّر جيّداً)[12]. ففيه: لم يعلم بعد وجه تركهما العمل، وما ذكره ـ رحمه الله ـ من الوجهين الذين ردّهما دراية وحدس غير ثابت فلعلّه كان نظرهما إلى غير الوجهين من المناقشة وعدم صحة المتن ومن غيره ممّا لا نعلمه، فرفع اليد عن استثناء مثل ابن الوليد محل تأمّل بل منع، حيث لم يعلم كون الوجه ما ذكره ـ رحمه الله ـ من الوجهين بل لعلّ الوجه غيره، وكيف كان رفع اليد عن الاستثناء من مثل ابن الوليد بل وتلميذه مشكل إن لم يكن ممنوعاً. وبالجملة، نظرهما رواية عنهما متبعة ونظر التنقيح دراية عن الغير وتوجيه لكلامهما فلا حجية فيه. وأمّا الثانية: ففيها أوّلاً: أنَّها مختصّة بمورد السؤال:وليس فيها إطلاق ولا قاعدة كليّة، وخصوصية المورد فيها غير قابل للإلغاء عرفاً، فإنَّ في قتل المرأة في حال المخاض وهي على رأس الولد خطأً إحتمال الخصوصية بنظر العرف موجود كما لا يخفى. وثانياً: ذيل الحديث غير معمول به:لأنَّ دية الجنين الكامل خلقته دية النفس، ودية مادون الخلقةمائة دينار فما دونها، فالتخيير بين الغرّة وأربعين ديناراً مخالف لفتوى الأصحاب، وخروج الذيل عن الحجية في مثل الحديث مما يكون متعرّضاً لحكم مسألة واحدة مضرٌّ بحجّية الصدر أيضاً لما بينهما من الارتباط وليسا حكمين مستقلّين في مسألتين. وبالجملة، حجية صدر مثل الحديث عند العقلاء غير محرزة أو محرزة العدم، وإحتمال التقية في مثل الحديث قريب جدَّاً، فتدبر جيّداً. وأمَّا الثالثة والرابعة: فهما وإنْ كانتا تامتين سنداً ودلالةً، بل الثالثةفيها الدلالة أيضاً من جهة بيان حكم ما لم يعلم ذكورية الجنين واُنوثيّته، وأنَّ ديته النصف من دية الذكر والنصف من دية الأُنثى كما لا يخفى. بل يشهد ويدلّ على الحكم أيضاً ما في دية الخنثى وهو خبر غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمّار، عن جعفر بن محمد، عن أبيه ـ عليهما السلام ـ: أنّ عليّاً ـ عليه السلام ـ كان يقول: ((الخنثى يورث من حيث يبول، فإنْ بال منهما جميعاً، فمن أيِّهما سبق البول ورث منه، فإنْ مات ولم يبل فنصف عقل الرجل ونصف عقل المرأة))[13] ، لكن فيهما مثل ما في أخبار ديات الأعضاء الدالّة على ردّ النصف من الدية في قتل الحرّ بالحرّة من محذور المخالفة مع الكتاب والسنّة كما سيأتي بيانه وتحقيقه. وأمَّا خبر غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمّار، فالظاهر أنَّ العقل فيه بمعنى سهم الأرث لا الدية كما لايخفى، والحمل على الدية مع عدم البحث عنه في الحديث بعيد جداً، بل لا وجه له إلاّ مسألة حمل اللّفظ على معناه الحقيقي الاصطلاحي، لكنَّ عدم تمامية الحمل مع القرينة الظاهرة على المجازية واضح ممّا لا ريب فيه. الطائفة الثانية: الأخبار الكثيرة المستدلّ بها على لزوم ردِّ نصف الدية في قتل الحرِّ بالحرَّة، فإنَّها دالة بالملازمة على أنَّ دية المرأة نصف دية الرجل، وإلاّ لم يكن وجه في ردِّ النصف كما لا يخفى. وفي الاستدلال بها للمسألة مع عدم حجيتها في موردها، وعدم صحّة الاستدلال بها في مضمونها المطابقي كما مرّ تحقيقه ما لا يخفى. إنَّ الدلالة الالتزامية كما أنَّها تابعة للمطابقة وجوداً فكذلك في الحجية، فإنَّ المطابقة بعدما لم تكن حجّة وكأنَّها لم تكن فكيف تكون التزاميّتها حجّة؟ فلا مطابقة حتى يكون لها لازم، فتدبر جيّداً. هذا، مع أنَّ من المحتمل كون ردّ النصف لما في اختيار وليّ المرأة من قتل الرجل، وهذا بخلاف ما لو قتلت المرأة خطأً فلا بأس في كون ديتها دية الرجل ودية كاملة. الطائفة الثالثة: الأخبار المستدلّ بها في أنَّ قطع أعضاء المرأة كالرجل حتى يبلغ الثلث،فإذا بلغ الثلث ترجع الدية إلى النصف، ففي هذه الأخبار دلالة على أنَّ دية المرأة فيما زاد عن الثلثعلى النصف ومن الزائد دية نفس المرأة، فديتها على النصف. وفيها: أوّلاً: أنَّ الظاهر من تلك الأخبار اختصاص الزائد عن الثلث بالأعضاء، بل كالنصِّ في الاختصاص كما لا يخفى على المراجع. وثانياً: أنَّه على تسليم الظهور فالإطلاق منصرف من النفس، فإنَّ العناية في تلك الأخبار إلى الأعضاء. وثالثاً: وهو العمدة، أنَّ تلك الأخبار في موردها وهو دية الأعضاء غير حجّة كما سنبيّنه فضلاً عن غير موردها وهو دية النفس. ________________________ [1] - جواهر الكلام 43: 32. [2] - رياض المسائل 2: 531. [3] - مجمع الفائدة والبرهان 14: 313. [4] - مجمع الفائدة والبرهان 14: 322. [5] - البقرة: 253. [6] - الأنعام: 132. [7] - وسائل الشيعة 29: 205، كتاب الديات، أبواب ديات النفس، الباب 5، الحديث 1. [8] - وسائل الشيعة 29: 206، كتاب الديات، أبواب ديات النفس، الباب 5، الحديث 3. [9] - وسائل الشيعة 29: 312، كتاب الديات، أبواب ديات الأعضاء، الباب 19، الحديث 1. [10] - المؤمنون: 14. [11] - وسائل الشيعة 29: 317، كتاب الديات، أبواب ديات الأعضاء، الباب 19، الحديث 9. [12] - تنقيح المقال 3: 169. [13] - وسائل الشيعة 29: 228، كتاب الديات، أبواب ديات النفس، الباب 20، الحديث 1.
|