الشرائط المعتبرة في القصاص (درس26)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 26 التاريخ : 2008/12/17 بسم الله الرحمن الرحيم وهي أُمور: الأوَّل: التساوي في الحريّة والرقيّة، فيقتل الحُرُّ بالحرِّ وبالحرة لكن مع ردِّ فاضل الدية وهو نصف دية الرجل الحرِّ، وكذا تقتل الحُرّةُ بالحُرّة وبالحُرِّ لكن لا يؤخذ من وليِّها أو تركتها فاضل دية الرجل. الصور المذكورة الحاصلة من كون القاتل والمقتول حرّين او حرّتين أو بالاختلاف أربع: إحداها: كون القاتل والمقتول كليهما حرّين، والقصاص في هذه الصورة من بديهيات الفقة، بل من بديهيّات القصاص وضرورياته كضرورية أصل القصاص والردِّ بالمثل، فإنَّ الصورة هي المتيقنة من القصاص، وممّا لا يشك في جريانه فيها أحد من المسلمين، وفي (الجواهر): (فيُقتل الحُرُّ بالحرِّ كتاباً وسنةً وإجماعاً بقسميه عليه، بل وضرورة)[1]. ومثلها الصورة الثانية وهي: كونهما حرّتين، فهي كالاُولى حرفاً بحرف وحذو النعل بالنعل، وفي (الجواهر)[2] أيضاً الاستدلال لها بعين ما استدل به للأُولى، نعم، لم يذكر الضرورة هنا، لكنّه كان ممّا ينبغي أنْ يذكرها في الصورة كالسابقة فتأمّل. ثالثها: أنْ يكون القاتل حرّاً والمقتول حرّة فلوليِّها قصاص القاتل لكن مع ردِّ نصف الدية إلى أهله بلا خلاف بين الأصحاب، بل في (الجواهر): (بل الإجماع بقسميه عليه)[3] ، وفي (كشف اللثام) ادّعاء الإجماع عيله صريحاً[4]. وفي (الخلاف): (مسألة: يقتل الحرّ بالحرّة إذا ردَّ أولياؤها فاضل الدية، وهو خمسة آلاف درهم. وبه قال عطاء، إلاَّ أنَّه قال: ستة آلاف درهم. وروى ذلك عن الحسن البصري، ورواه عن عليّ عليه السلام، وقال جميع الفقهاء: إنّه يقتل بها، ولا يردّ أولياؤها شيئاً. ورووا ذلك عن عليّ ـ عليه السلام ـ وابن مسعود. دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً قوله تعالى: (والاُنْثَى بالأُنْثَى) فدلّ على أنَّ الذكر لا يقتل بالأُنْثَى)[5]. وفي (الانتصار): (مسألة: وممّا انفردت به الإماميّة أنَّ الرجل إذا قتل المرأة عمداً واختار اولياؤها الدية كان على القاتل أنْ يؤدّيها إليهم وهي نصف دية الرجل، فإنْ اختار الأولياء القود وقتل الرجل بها كان لهم ذلك على أنْ يؤدّوا إلى ورثة الرجل المقتول نصف الدية، ولا يجوز لهم أنْ يقتلوه إلاّ على هذا الشرط. وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يوجبوا على من قتل الرجل بالامرأة شيئاً من الدية. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردِّد; ولأنَّ نفس المرأة تساوي نفس الرجل، بل هي على النصف منها فيجب إذا أخذت النفس الكاملة بالناقصة أنْ يردّ فضل ما بينهما)[6]. والمستفاد منه ومن (الخلاف) إجماع فقهاء العامّة على عدم الردّ في مقابل إجماع الخاصّة على الردِّ، والمستفاد من (الخلاف) أيضاً نقل العامّة كلا القولين عن علي عليه السلام. إجمال القول في استدلال الأصحاب هذا واستدلّ الإماميّة (قدس الله أرواحهم) كما يظهر من (الخلاف) وغيره بوجوه أربعة وهي: الإجماع، وقوله تعالى: (وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى)[7] ، وأنَّ دية المرأة نصف دية الرجل، والأخبار والنصوص المستفيضة التي يبلغ الموجود منها في الكتب الأربعة المعتمدة إلى خمسة عشر حديثاً تقريباً وفيها الصحاح وغيرها، ولعلّ الصحيح منها يبلغ عشرة، وهي منقولة عن أعاظم المحدّثين من الأصحاب، مثل عبد الله بن سنان، وعبد الله بن مسكان، وعبيد الله بن علي الحلبي، وفضل بن عبد الملك أبي العباس البقباق، وليث بن البختري أبي بصير المرادي، وغيرهم من العدول الثقاة، وهي العمدة لهم في الاستدلال، ويليها في القوّة مسألة تفاضل الدية بينهما. النقاش في الاستدلال بالوجوه هذا مجمل ما استدل به الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ في المسألة، والعمدة كما مرَّ هي الأخبار المستفيضة، ثمّ الاستشهاد بتفاضل الدية. لكن الاعتماد على تلك النصوص والاستدلال بها في مثل المسألة مع ما لها من التمامية سنداً ودلالة مشكل، بل ممنوع، فضلاً عن غيرها من الوجوه المذكورة; وذلك لما في هذه الأخبار والنصوص من المخالفة للكتاب والسنّة والعقل والقواعد والأُصول المسلَّمة من الإسلام، وعدم حجية الخبر كذلك أظهر من الشمس وأبين من الأمس، فإنَّ من الشروط القطعية في حجيّة الخبر عدم مخالفته للكتاب والسنّة، وعليه الأخبار الكثيرة إنْ لم تكن متواترة، ففي صحيح هشام بن الحكم والصحيح عن غيره،عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ((خطب النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بمنى، فقال: أيُّها النّاس! ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله))[8]. ورواه البرقي، كما ذكره في (الوسائل)، وفي (المحاسن) عن أبي أيوب المديني، عن ابن أبي عمير، عن الهشامين جميعاً وغيرهما. وعن أبي جعفر الثاني ـ عليه السلام ـ في مناظرته مع يحيى بن أكثم أنَّه قال: ((قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في حجّة الوداع: قد كثرت عليَّ الكذّابة وستكثر، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النّار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به))[9]. ومثله ما عن عليّ ـ عليه السلام ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله[10]. وفي موثق السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه عن عليّ ـ عليه السلام ـ قال: ((إنَّ على كلِّ حق حقيقة، وعلى كلِّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه))[11]. وفي (الوسائل): (ورواه البرقي في (المحاسن) عن النوفلي، ورواه الصدوق في (الأمالي) عن أحمد بن علي بن إبراهيم، عن أبيه مثله). وفي رسائل الشيخ الأعظم في مسألة حجية خبر الواحد ما يظهر منه كون الخبر بهذا المضمون أكثر ممّا نقلناه من (الوسائل)، حيث قال عند بيانه أدلّة القائلين بعدم حجية الخبر: (مثل ما ورد في غير واحد من الأخبار أنَّ النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ قال: ((ما جاءكم عنّي ممّا لا يوافق القرآن فلم أقله))[12]. بل الظاهر أنَّ ما أشار إليه غير ما نقلناه من (الوسائل)، والأمر سهل بعد كثرة الأخبار الدالّة على عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنّة، بل وفيه أيضاً: (والأخبار الواردة في طرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنّة ولو مع عدم المعارض متواترة)[13]. ولا يخفى أنَّ بالرجوع إلى مثل (الوسائل) و(جامع أحاديث الشيعة) و(البحار) يظهر تواتر تلك الأخبار، وعليك بالدقّة فيها وفي اهتمام المعصومين ـ عليهم السلام ـ لا سيّما الرسول المكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ ببيان عدم حجيّة الأخبار كذلك للمسلمين، حتّى أنَّه بيّن لهم ونبَّههم على ذلك في خطبته بمنى المتضمّنة لمسائل مهمّة كما لا يخفى. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - جواهر الكلام 42: 81. [2] - جواهر الكلام 42: 83. [3] - جواهر الكلام 42: 82. [4] - كشف اللثام: 266. [5] - كتاب الخلاف 5: 145، كتاب الجنايات، المسألة 1. [6] - الانتصار: 539، مسألة 299. [7] - البقرة 2: 178. [8] - وسائل الشيعة 27: 111، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 15. [9] - بحار الأنوار 2: 225. [10] - بحار الأنوار 2: 229. [11] - بحار الأنوار 2: 165 و 227 و 243. [12] - بحار الأنوار 2: 244. [13] - فرائد الأصول 1: 160.
|