قصاص النفس (درس23)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 23 التاريخ : 2008/12/17 بسم الله الرحمن الرحيم (مسألة 43: لو كان الجاني في الفرض المتقدِّم واحداً دخل دية الطرف في دية النفس, على تأمُّل في بعض الفروض). فرض المسألة السابقة ما إذا كان هناك جانيان، وأمَّا إذا كان جانٍ واحد, ففي (الشرائع)[1] و(القواعد)[2]: (دخلت دية الطرف في دية النفس إجماعاً)، وفي (اللثام)[3] و(الجواهر)[4] التقييد بالثابتة بالأصالة, مثل ما لو كان الجاني أباً للمجني عليه, أو كان مسلماً والمجني عليه كافراً, على القول بعدم القصاص في مثله. وأمَّا الثابتة بالصلح مع إطلاق الصلح عليها عوضاً عن القصاص, ففيها إشكال؛ من الخلاف الآتي في القصاص, وأيضاً من التردد في دخول ذلك في إطلاق القول بدخول الدية في الدية. (وهل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس مطلقاً أو لا مطلقاً, أو يدخل إذا كانت الجناية أو الجنايات بضربة واحدة، فلو ضربه ففُقئت عيناه وشُجَّ رأسه فمات دخل قصاص الطرف في قصاص النفس، وأمَّا إذا كانت الجنايات بضربات عديدة لم يدخل في قصاصها، أو يفرّق بين ما كانت الجنايات العديدة متوالية, كمن أخذ سيفاً وقطع الرجل إرَباً إرباً حتى مات، فيدخل قصاصها في قصاص النفس، وبين ما إذا كانت متفرقة, كمن قطع يده في يوم وقطع رجله في يوم آخر ـ وهكذا ـ إلى أنْ مات، فلم يدخل قصاصها في قصاصها؟ وجوه، لا يبعد أوجهية الأخير، والمسألة بعدُ مشكلة. نعم, لا إشكال في عدم التداخل لو كان التفريق بوجه اندمل بعض الجراحات، فمن قطع يد رجل فلم يمت واندملت جراحتها, ثمّ قطع رجله فاندملت, ثمّ قتله, يُقتص منه ثمّ يُقتل). هل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس أم لا ؟ فيه أقوال ثلاثة: أولها: في (الجامع)[5] وموضع آخر من (المبسوط)[6] و(الخلاف)[7] عدم الدخول مطلقاً, بل هو خيرة (السرائر)[8] و(نكت النهاية)[9] ، وعن (الغنية)[10] الميل إليه. ثانيها: في موضع من (المبسوط)[11] و(الخلاف)[12] القول بالدخول مطلقاً, وهكذا في (التبصرة)[13]. ثالثها: التفصيل بالدخول مع كونهما عن ضربة واحدة, وعدمه مع التعدّد والتفرّق، كما عن (النهاية)[14] و(التحرير)[15] و(الإرشاد)[16] و(التلخيص)[17] و(المسالك)[18] و(الروضة)[19], بل نسبه في الأخير إلى أكثر المتأخرين. فهذه في الأقوال الثلاثة. وأمّا ما في المتن لسيدنا الأُستاذ ـ رحمه الله ـ من نفي البعد من أوجهيّة الأخير, ففيه: أنّه خارج عن البحث، حيث إنّ الظّاهر كون الحكم بالتداخل مع التعدُّد والتوالي وعدم الفصل من جهة السراية, ومن جهة كون عدم الفصل أمارة عرفية على عدم الفرق بين الضربات في القتل والسراية, وأنّى يكون ذلك تفصيلاً في محل البحث وهو التداخل مع التعدُّد وعدم السراية؟. هذا، مع ما في (الجواهر) من أنَّه غير منضبط[20]. ولا يخفى عليك اضطراب فتوى الشيخ في المسألة, حتّى إنَّه اضطرب كلامه في كلِّ واحد من كتابيه (الخلاف) و(المبسوط )، مضافاً إلى اضطرابه في كتبه. كما لا يخفى عليك أيضاً أنَّ مقتضى الأصل في المسألة التداخل، حيث إنَّ ضمان النفس معلوم, وضمان الطرف غير معلوم فيكون مرفوعاً، والأصل البراءة منه. وما يتراءى في كلماتهم من التمسّك باستصحاب الضمان، وعدم التداخل مع التعدُّد, ففيه: أنَّ أصل ثبوت الضمان للطرف مع تعقّبه بضمان النفس مشكوك وغير معلوم من أوَّل الأمر; لعدم الدليل على ذلك كما هو المفروض، فإنّ الكلام في الأصل العملي في المسألة, فما المتيقَّن حتى يُتمسك لبقائه باستصحاب البقاء، واستصحاب عدم الرافع والمانع؟ وأنَّ موضع البحث ما كانت الجناية في الطرف غير مسرية، وأنّ القتل واقع بسببه, وإلاّ فالتداخل مع السراية واضحة، بل خارجه عن محلّ البحث موضوعاً كما هو واضح. ما استُدل به على التداخل مطلقاً وكيف كان, فقد استُدِلَّ للتداخل مطلقاً بصحيحة أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام, سأله عن رجل ضرب رجلاً بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة, فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله، قال: (إنْ كان المضروب لا يعقل منها الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له فإنَّه يُنتظر به سنة، فإنْ مات فيما بينه وبين السنة أُقيد به ضاربه، وإنْ لم يمت فيما بينه وبين السنة ولم يرجع إليه عقله اُغرم ضاربه الدية في ماله؛ لذهاب عقله). قلت: فما ترى عليه في الشجّة شيئاً؟ قال: (لا ; لأنَّه إنّما ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين, فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدية، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان, إلاَّ أنْ يكون فيهما الموت)[21]. ودلالتها في مواضعها الثلاثة تكون ظاهرة غنيّة عن البيان. وبما في (المبسوط): (فلأن أصحابنا رووا[22] أنّه إذا مثّل إنسان بغيره فقتله، فلم يكن له غير القتل، وليس له التمثيل بصاحبه)[23]. دلالتها على التداخل واضحة ولا إشكال فيها. وأمّا الإشكال على الصحيحة بما في (نكت النهاية)[24] من معارضتها برواية إبراهيم بن عمرو, بل صحيحته عن أبي عبد اللّه عليه السلام, قال: (قضى أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب: سمعه, وبصره, ولسانه, وعقله, وفرجه, وانقطع جُماعه وهو حيّ، بستِّ ديات)[25]. ففيه: أنَّ وجه المعارضة في مفروض المسألة غير واضح، بل خلافه ظاهر؛ للاختلاف بينهما في الموضوع, فالمعارضة منتفية. اللّهم إلاَّ أنْ يكون وجهه أنْ ليس ذلك إلاَّ لتعدد الجنايات وإنْ كانت الضربة واحدة، ولا فرق بين حال الحياة والموت. وفيه: ابتناء التعارض على ذلك باطل واضح; لاستلزامه الاجتهاد في مقابل النصّ والصحيحة, والفتوى قائمان على الفرق. وبالجملة، معارضة خبر إبراهيم موقوفة على دلالتها الالتزاميّة المبتنية على عدم الفرق، والصحيحة دالّة على الفرق, فكيف التعارض؟ وما في (الجواهر) من قوله: (نعم، يمكن حمل الصحيح المزبور على الموت بالسراية من الضربات المتعدِّدة، فإنَّه يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس حينئذ, ولعلّ قوله ـ عليه السلام ـ: (إلاَّ أنْ يكون فيهما الموت) أو (فيها) ظاهر في ذلك أو لا يأبى الحمل عليه, خصوصاً بعد الالتفات إلى ما في غيره)[26]. ففيه: أنَّ الحمل مخالف للإطلاق، وظهور (فيهما) أو (فيها) في الحمل كما ترى; لأنَّ المراد منهما تحقّق جناية الموت زائدة على الجناية الأخرى فيهما أو فيها، وهذا أعمّ من الحمل، و(في) للظرفية لا السببية كما لا يخفى. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - شرائع الإسلام 2: 363. [2] - قواعد الأحكام 2: 283. [3] - كشف اللثام 2: 265. [4] - جواهر الكلام 42: 62. [5] - الجامع للشرائع (ضمن الينابيع الفقهيّة) 3: 507, القصاص والديات. [6] - المبسوط 7: 22. [7] - الخلاف 5: 210. [8] - السرائر: 405. [9] - نكت النهاية (ضمن الجوامع الفقهيّة): 695، كتاب الديات. [10] - الغنية (ضمن الجوامع الفقهيّة): 558، كتاب الجنايات. [11] - المبسوط 7: 81. [12] - الخلاف 5: 163. [13] - تبصرة المتعلمين ( ضمن الينابيع الفقهيّة) 3: 411, القصاص والديات. [14] - النهاية: 734. [15] - تحرير الأحكام: 257. [16] - إرشاد الأذهان (ضمن الينابيع الفقهيّة) 3: 431، كتاب القصاص والديات، كتاب الجنايات. [17] - تلخيص المرام (ضمن الينابيع الفقهية) 3: 469، كتاب القصاص والديات، كتاب الجراح الديات. [18] - مسالك الأفهام 2: 363. [19] - الروضة البهيّة 2: 390. [20] - جواهر الكلام 42: 65. [21] - وسائل الشيعة 29: 366، أبواب ديات المنافع، ب7، ح 1. [22] - وسائل الشيعة 29: 126، أبواب القصاص في النفس، ب 62. [23] - المبسوط 7: 22. [24] - نكت النهاية (ضمن الجوامع الفقهية): 695، كتاب الديات. [25] - وسائل الشيعة 29: 365، أبواب ديات المنافع، ب 6، ح 1. [26] - جواهر الكلام 42: 65.
|