قصاص النفس (درس20)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 20 التاريخ : 2008/12/18 بسم الله الرحمن الرحيم (مسألة 35: لو قال بالغ عاقل لآخر: اقتلني وإلاَّ قتلتك, لا يجوز له القتل، ولا تُرفع الحرمة. وهل عليه القَوَد؟ فيه إشكال وإن كان الأرجح عدمه). لعدم الإشكال وعدم الخلاف عندهم في عدم جواز القتل وحرمته له; لأنَّ الإذن غير رافع للحرمة الحاصلة من نهي المالك الحقيقي. (ولكن لو حمل عليه بعد عدم إطاعته ليقتله جاز قتله دفاعاًو بل وجب، ولا شيء عليه) ووجهه ظاهر, فإنّ دم المدفوع هدر. (ولو قتله بمجرد الإيعاد كان آثما). لما مرّ من حرمته. (كما لا يبعد عدم الدية أيضاً). ولكن لو أثم وباشر لم يجب القصاص, كما في (الشرائع)[1] وعن (المبسوط) في محكي (الجواهر)[2] و (التخليص)[3] و(الإرشاد)[4] ، بل في (المسالك) أنَّه الأشهر; لأنّه أسقط حقّه بالإذن, فلا سلطة للوارث الذي هو فرع على المقتول. ومنه ينقدح عدم الدية حينئذ التي تنتقل من الميّت ـ ولو في آخر جزء من حياته ـ إلى الوارث لا ابتداءً, بدليل نفوذ وصاياه وقضاء ديونه منها، وإذا كانت للوارث ابتداءً لم يكن كذلك. وفي (الجواهر): (نعم، قد يُناقَش في أصل سقوط القصاص بكون الأذن غير مبيح فلا يرتفع به العدوان، كما لو قال: اقتل زيداً وإلاَّ قتلتك، فيدخل في عموم أدلّة القصاص، نحو ما لو أُكره على قتل الغير. اللّهم إلاّ أنْ يُشكّ في شمول أدلّة القصاص ـ بل والدية ـ لمثله، والأصل البراءة، ولا أقلَّ من أن يكون ذلك شبهة يسقط بها قتله, بناءً على أنّه كالحدود في ذلك. لكن لا يخفى عليك ما في الجميع، إلاَّ أن يندرج في الدفاع، فيتَّجه حينئذ سقوط القصاص والدية والاثم)[5]. وفي كلماتهم مواضع من الإشكال: أحدها: أنَّ حق الحياة للإنسان ليس بيده بحيث يقبل الإسقاط، فإنَّ قتل النفس حرام: (وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)[6], فكيف يكون إذنه فيه موجباً لنفي القصاص؟ بل لك أنْ تقول بالملازمة العرفيّة بين حرمة الإذن وعدم تأثيره في سقوط القصاص وأنَّ بينهما المنافاة عرفاً, والشارع لا يحمي ناقض الشرع. ولعلّ ما في (الجواهر) من قوله: (نعم) إلى قوله: (على قتل الغير) ناظر إلى بعض ما ذكرناه. ثانيها: ما فيها من انقداح عدم الدية أيضاً للوارثو, بناءً على انتقالها من الميت إليهم لا ابتداءً من دون الانتقال إليه. وفيه: بعد سقوط القصاص لم يبقَ وجه للدية; لأنَّها فرع عدم القصاص والتراضي مع الجاني، وبعد السقوط لا محلّ لها في العمد كما هو واضح. فعلى هذا، لا فرق في الانقداح بين المبنيَين من الانتقال من الميت أو الانتقال ابتداءً كما لا يخفى. ثالثها: أنَّه على تسليم الابتناء فعدم الدية تابع للنفوذ من الثلث; لكون الباب باب الوصيّة بحسب الحقيقة، لعدم تنجّز الحقّ للميّت في حياته، بل مشروط بما بعد موته, فنفوذه للجاني منوط بكون الدية دون ثلث الميّت. وإنْ أبيت عن تسليم كونه وصية وكان عندك محلاًّ للإشكال, فلا أقلّ من الاحتياط فيما كانت الدية زائدة عن الثلث. هذا، والتحقيق: على المختار في الإكراه جواز القتل، ويكون المورد مثل ما لو قال: اقتل زيداً وإلاَّ قتلتك, فكما أنَّ قتل المقهور زيداً كان جائزاً ولا قصاص ولا دية عليه؛ لأجل رفع الإكراه, فكذلك المورد. نعم، إنْ كان التوعيد بما دون القتل ـ كالضرب وغيره ـ فعلى القاتل القصاص؛ لعدم كونه تقية في الدم. وفي (الجواهر): (ولو قال الكامل للناقص ذلك لم يكن قصاص؛ لنقصه لا لقوله. والدية على البحث السابق)[7]. لا يخفى عليك أنّ تعليله على مبناه, وإلاَّ فعلى المختار العلّة في الناقص كالكامل هو الإكراه. نعم، التعليل تام فيما كان المتوعَّد عليه دون القتل. وممّا ذكرناه في هذا الفرع يظهر حكم الفرعين التاليين في (الجواهر) على المبنيين من العكس ومن كونهما ناقصين. وفيه أيضاً: (ولو كان الآمر المكرِه هو الوارث للمقتول كان له القصاص؛ لعموم الأدلّة, ولا يسقط حقّه بإكراهه)[8]. وفيه: أمّا على المختار من القصاص على المكرِه فلا ولاية له فيه أصلاً, وإنّما الولاية لمن بعده من الورثة. وأمَّا على المشهور فالظاهر أيضاً عدم الولاية له؛ قضاءً للانصراف، فإنَّ الولاية كما أنَّها لما في القصاص من الحياة فكذلك للتشفّي أيضاً، ولا وجه للتشفّي في المكرَه كما هو واضح. هذا، مع مناسبة الحكم والموضوع، فجعل الولاية في القصاص لمن أمر وأكره غيره بالقتل كما ترى. هذا كلّه بالنسبة إلى ولاية القصاص. وأمّا الكفارة فليست عليه على المشهور؛ لعدم كونه قاتلاً, ولذلك لا قَوَد عليه. أمّا على المختار فإنَّه القاتل وعليه القصاص والكفارة. وأمّا مسألة المنع عن الإرث: فعلى المختار واضح وهو ممنوع منه; لأنَّه القاتل بحكم أقوائية السبب. وأمّا على المشهور ففي (اللثام) و(القواعد) مزجاً: (ويمنع من الميراث على إشكال؛ من التهمة وضعف المباشر في الجملة، ومن الأصل وعدم صدق القاتل عليه)[9]. وهذا عجيب من صاحب (اللثام), فهو مع مخالفته في الإرث لـ(القواعد) في كون السبب للقتل كالمباشر وأنَّه الوارث؛ قضاءً لأدلة الإرث, كيف جعل الأمر عليه مشكلاً مع أنّ المكرِه ليس سبباً أقوى على مبناهم؟ وتمام الكلام في محلّه. (مسألة 36: لو قال: اقتل نفسك, فإنْ كان المأمور عاقلاً مميِّزاً فلا شيء على الآمر، بل الظاهر أنَّه لو أكرهه على ذلك فكذلك. ويُحتمل الحبس أبداً؛ لإكراهه فيما صدق الإكراه، كما لو قال: اقتل نفسك وإلاَّ قتلتك شر قتلة). ما في المسألة من أمره بقتل نفسه بأن قال له: اقتل نفسك, قد يكون مع فرض كونهما كاملَين أو غير كاملَين, أو أحدهما كامل دون الآخر. والمراد من الكمال التمييز فما فوقه. فإنْ كانا كاملَين فلا قَوَد ولا دية على الآمر; لأنَّ المأمور هو المباشر لقتل نفسه, وليس السبب الآمر بأقوى مع فرض عدم الإكراه من رأس, أو الإكراه بما دون القتل. نعم، مع فرض الإكراه بالقتل, بأنْ يقول الآمر للمأمور: اقتل نفسك وإلاّ قتلتك, فالظاهر تحقّق الإكراه والاضطرار; لعدم الفرق بين الإكراه بقتله نفسه أو بقتله الغير مع التوعيد فيهما بقتله. نعم، على المشهور من عدم الإكراه في القتل ولو مع التوعيد به فلا إكراه هنا أيضاً; لعدم الفرق بينهما من تلك الجهة. وفي (الشرائع): (وفي تحقّق إكراه العاقل هنا إشكال)[10]. وفي (الجواهر) في شرحه: (باعتبار أنَّه لا معنى للاضطرار إلى قتل نفسه خوفاً من قتله، لكن في (المسالك)[11] و(كشف اللثام)[12]: نعم، لو كان التخويف بنوع من القتل أصعب من النوع الذي قتل به نفسه فدَفَعه به, اتَّجه حينئذ تحقق الإكراه، وترتّب القصاص حينئذ على المكرِه الذي هو أقوى من المباشر. وقد يناقش بأنَّ ذلك لا يقتضي جواز قتله لنفسه المنهي عنه، فلا حكم لإكراهه المزبور، وحينئذ يكون المباشر أقوى من السبب. واحتمال الجواز باعتبار شدَّة الأمر المتوعَّد به منافٍ لا طلاق دليل المنع، وإلاَّ لجاز للعالم بأنَّه يموت عطشاً مثلاً أنْ يقتل نفسه بالأسهل من ذلك، فتأمل جيداً)[13]. ولا يخفى أنّ إشكال (الشرائع) وجهه غير بيّن، وكيف يكون محلاً للإشكال مع عدم إشكاله تبعاً للمشهور في عدم الإكراه في القتل. وما في (الجواهر) وجهٌ لعدم جريانه أيضاً لا بيان المنشأ للإشكال. اللّهم إلاَّ أنْ يقال: إنَّه ناشئ من عدمه في القتل مطلقاً، لإطلاق الدليل كقوله: ((إذا بلغت التقيّة الدم فلا تقية))، ومن انصراف ذلك الدليل إلى قتل الغير. كما لا يخفى عليك أيضاً أنَّه على المختار يجوز له قتل نفسه وإنْ لم يكن بين القتلين تفاوت أصلاً, فضلاً عمّا كان, وكان التخويف بنوع أصعب من النوع الذي قتل به نفسه, كما في (المسالك) و(اللثام)، ولقد أجادا فيما ذكراه. وما في (الجواهر) من منافاة احتمال الجواز باعتبار شدة الأمر المتوعَّد به مع إطلاق دليل المنع، ففيه: منع الإطلاق، فإنَّ العمدة فيه قوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا أنْفُسَكُم إنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحَيماً * وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً)[14]. والتعليل في الأوّل تعليل للنهي، بمعنى أنَّ نهيه ـ تعالى ـ وتحريمه إنَّما هو لكونه رَحِيماً بِكُمْ. وقوله: (وَمَنْ يَفْعَل ذَلِك...) إلى آخره, تخصيص للحرمة بالعدوان والظُّلم، فالقاتل نفسه كان إقدامه دفعاً لقتله الأصعب وليس قتله ظلماً، مقتضاه عدم الحرمة والجواز في كلّ ما كان قتله نفسه أسهل من القتل والموت الحاصل من غير نفسه, فعليه يجوز للعالم المشرف على الموت عطشاً مثلاً أنْ يقتل نفسه بالأسهل من ذلك. ولعلّه أشار إلى ذلك بقوله: (فتأمل جيداً). ثمَّ إنَّ التوجّه إلى الآيتين يسهّل الأمر في قتله نفسه فيما كان في يد العدو ويريد قتله بنحو أصعب, أو يريد الضغط عليه بشدّة وبصورة غير قابلة للتحمل. وبالجملة، الحرمة مشروطة بتحقّق العدوان والظلم، فتأمل جيّداً وكن على ذكر من الآيتين في فروع المسألة. هذا كلّه في الكاملين، وأمّا إنْ كانا ناقصين بلا تخويف من الآمر فلا شيء على الآمر, لا على نفسه ولا على عاقلته, كما هو أوضح من أنْ يبيّن وأمّا مع تخويفه بحيث يكون المأمور مضطرّاً إلى ذلك بقدر إدراكه وتمييزه الناقص, فالدية على عاقلة الآمر؛ نظراً لأقوائية السبب. وممّا ذكرناه في الصورتين يظهر حكم الثالثة وهي صورة الاختلاف، ونترك البحث عنها ونحيله إلى ذلك الظهور. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - شرائع الإسلام: 363. [2] - جواهر الكلام 42: 53. [3] - تلخيص المرام(ضمن الينابيع الفقهية) 3: 468، كتاب القصاص والديات، كتاب الجراح والديات. [4] - إرشاد الأذهان(ضمن الينابيع الفقهية) 3: 430، كتاب القصاص والديات، كتاب الجنايات. [5] - جواهر الكلام 42: 53. [6] - النساء: 29. [7] - جواهر الكلام 42: 54. [8] - جواهر الكلام 42: 54. [9] - كشف اللثام 2: 444. [10] - شرائع الإسلام: 363. [11] - مسالك الأفهام 2: 363. [12] - كشف اللثام 2: 264. [13] - جواهر الكلام 42: 54. [14] - النساء: 29 ـ 30.
|