قصاص النفس (درس19)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 19 التاريخ : 2008/12/18 بسم الله الرحمن الرحيم الصورة الثانية: ما إذا كان المباشر المقهور على القتل غير مميِّز كالطفل غير المميّز أو المجنون. فالقصاص على المكرِه المُلجئ بلا خلاف ولا إشكال; لأنَّهما بالنسبة إليه كالآلة في نسبة القتل، والسبب أقوى من المباشر قطعاً, لا لخصوص ما اخترناه في أصل المسألة حتى يقال: مبنائي, بل له ولعدم الإدراك والتمييز فيهما، ولذلك يكون القصاص على الآمر بذلك. هذا، مع أنَّ غير المميِّز ليس بمكرَه, بل يكون مأموراً على المفروض. وفي (اللثام): (قال في (المبسوط): قالوا: ليس لو أمره بسرقة فسرق لا قطع على السيد, هلاّ قلتم مثله هاهنا؟ قلنا: الفصل بينهما من وجهين: أحدهما: أنَّ القَوَد يجب بالقتل بالمباشرة وبالسبب, فجاز أن يجب القَوَد بالأمر; لأنَّه من الأسباب. وليس كذلك القطع في السرقة، فإنَّه لا يجب إلاَّ مباشرة ولا يجب بالسبب، فلهذا لم يكن هذا السبب ممّا يجب به القطع عليه. والثاني: أنَّ القَوَد لمّا دخلت النيابة في استيفائه جاز أنْ يجب القَوَد بالاستنابة فيه)[6]. وفي (الجواهر): (ولا يرد عدم القطع على السيد لو أمرهما بالسرقة; لوضوح الفرق بعدم صدق السرقة عليه بالأمر, بخلاف صدق القتل الذي يحصل بالمباشرة والتسبيب)[2]. ولا يخفى عليك ما في هذه الأجوبة: أمَّا الأوّل من الوجهين فليس بأزيد من الإدعاء والمصادرة أوّلاً، وعموميّة قاعدة الأقوائية ثانياً، فإنَّها قاعدة عقلائيَّة ممضاة شرعاً, وليست بأزيد من النسبة الموجبة لترتّب الحكم على الفاعل, ولذلك نقول: الحقُّ أنَّ في السرقة القطع أيضاً كما سيأتي نقله من (المبسوط). وأمَّا الثاني منهما فضعفه أظهر من أنْ يُبيَّن، فإنَّ حاصله كون جواز النيابة في القصاص من جانب الولي للدم موجباً لجوازها في النيابة في قصاص القاتل بقتل غير القاتل وهو السبب، وتلك النيابة للمسروق منه غير جائزة, فكذلك في السارق. وأنت ترى المباينة بين النيابتين والملازمة، فإنَّ إحدى النيابتين في استيفاء الحقّ, والأُخرى في التجاوز عن الحقّ, فكيف الملازمة؟! وبالجملة، هذا الاعتبار ممَّا لا أصل له أوّلاً، وليس بأزيد من الاعتبار على الصحّة ثانياً. وأمَّا ما في (الجواهر) فليس بأزيد من الوجه الأوّل، وفيه ما فيه فلا نعيده. هذا، ولكنَّ الذي يسهل الأمر أنَّ الإيراد والجواب كلّه منقول في (المبسوط) عن العامّة؛ لما جاء في آخر كلامه: (هذا فصل الفقهاء, والذي رواه أصحابنا أنَّ العبد آلته كالسيّف والسكّين مطلقاً، فلا يحتاج إلى ما ذكروه)[3]. ثمّ إنَّه لا فرق في غير المميِّز المقهور بين أن يكون حرّاً وعبداً للآمر أو لغيره؛ لأنَّه كالآلة على أيّ حال. الصورة الثالثة: ما كان المقهور عارفاً مميِّزاً غير بالغ وهو حرّ. فعلى شرطيّة البلوغ في القصاص ـ كما هو المعروف ـ وعلى المشهور في الإكراه فلا قَوَد على واحد منهما, كما في (الشرائع)[4] و(القواعد)[5] وغيرهما؛ أمَّا على المقهور لعدم البلوغ, وأمَّا على القاهر فلعدم الآليّة. وفيهما أيضاً أنَّ الدية على عاقلة المباشر، ووجهه أنّ عمد الصبيّ خطأ تتحمّله العاقلة. وأمَّا على المختار فالقَوَد على القاهر؛ للإكراه، فلا فرق بين المقهور المميِّز غير البالغ مع البالغ في تحقّق الإِكراه وأقوائية السبب، بل وعلى المشهور الظاهر تحقّق الإكراه بالنسبة إلى المقهور في المورد، فإنَّه لا يقاد منه إنْ قتل. ووجه عدم الإكراه في القتل عندهم كون المتوعَّد عليه مثل الفعل المكرَه عليه وهو القتل، ولا بدَّ في الإكراه من كون المتوعدَّ عليه دون المكرَه الفعل عليه، فالإكراه في الفرع محقّق لعدم قصاص المميِّز، وقاعدة أقوائيّة السبب محكمة، فعلى القاهر القَوَد، وليس على عاقلة المباشر الدية; لكون القصاص على المكرِه القاهر. بل لا يخفى عليك منافاة ما في (الشرائع) و(القواعد) لقوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَياةٌ يا أُولِي الألْبَابِ)[1], فالقصاص مجعول للحياة ومنعاً من القتل، ومع عدم القصاص لا من القاهر ولا المقهور المميّز, والاكتفاء بأخذ الدية من العاقلة, يكثر القتل للمريدين له، فإنَّهم يقهرون غير المميِّز على ذلك، وذلك منافٍ لعلّة القصاص كما هو واضح. وأمّا على عدم شرطيّة البلوغ والاكتفاء بالبلوغ عشراً, أو بلوغه خمسة أشبار, أو كونه مراهقاً، فحكمه حكم البالغ ولا فرق بينهما أصلاً كما هو واضح. وما وقع من البحث في ذلك في (الشرائع) و(القواعد) ففي غير محلّه كما لا يخفى, حيث إنَّ البحث كذلك بحث صغروي، محلّه كتاب الحجر وعلائم البلوغ. الصورة الرابعة: ما كان المقهور مميِّزاً غير بالغ وهو عبد. فالذي تقتضيه أُصول المذهب وقواعده أنّ حكمه نحو ما ذكرناه في الحرّ، فإنْ كان مكرَهاً كان القصاص على المكرِه الذي هو أقوى من المباشر، وإلاّ فتتعلَّق الجناية برقبته، ولا قَوَد عليه، لأنَّ الفرض عدم بلوغه، ولا على الآمر; لعدم مباشرته ولا إكراهه، وليست هي حينئذ إلاّ كغيرها من جناية الخطأ الصادرة منه بالغاً. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - كشف اللثام 2: 443. المبسوط 7: 42. [2] - جواهر الكلام 42: 48. [3] - المبسوط 7: 43. [4] - شرائع الإسلام 2: 363. [5] - قواعد الأحكام 2: 282. [6] - البقرة: 178.
|