قصاص النفس (درس17)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 17 التاريخ : 2008/12/18 قصاص النفس (درس17) بسم الله الرحمن الرحيم مناقشة الاستدلال على كون القصاص على المكرَه المباشر للقتل دون المكرِه وبالجملة، ظهور الإجماع في اتفاق الكلّ وإنْ كان أقوى من كلمة (عندنا) فإنَّها ظاهرة في المذهب ومثله، إلاَّ أنَّ تأخر (المبسوط) عن (الخلاف) موجب للتصرّف في عبارة (الخلاف) أو لإجمالها، فنقل الشيخ الاتفاق غير ثابت علي أيّ حال أوّلاً، وأنّ المظنون كون الإجماع حدسيّاً ثانياً. وذلك لا لما ذكره الشيخ الأعظم في الإجماع في المقصد الثاني من كتابه المسمّى بـ(الرسائل) من كون الأصل في الإجماعات المنقولة كونها حدسيّة, لمّا قال: (والحاصل، أنَّ المتتبّع في الإجماعات المنقولة يحصل له القطع من تراكم أمارات كثيرة باستناد دعوى الناقلين للإجماع ـ خصوصاً إذا أرادوا به اتّفاق علماء جميع الأعصار، كما هو الغالب في إجماعات المتأخرين ـ إلى الحدس الحاصل من حسن الظنِّ بجماعة ممَّن تقدَّم على الناقل، أو من الانتقال من الملزوم إلى لازمه مع ثبوت الملازمة باجتهاد الناقل واعتقاده)[1]. لما حققناه من عدم التمامية، بل في مثل هذا الإجماع من خصوصيّة مسبوقيّة الإجماع وملحوقيته بالآية المتّفق دلالتها على القصاص، ومن استدلاله على ذلك الإدعاء في (المبسوط) أيضاً بقاعدة اتّفاقيّة وهي (أنَّ قتل المؤمن لا يستباح بالإكراه على قتله), ومن عدم تمسّكه في (الخلاف) بأخبار عدم التقية في الدم, مع أنّها أولى بالاستدلال عمّا استدلّ به من الكتاب والسنّة؛ لعدم الاتّفاق في كون التقية أعمّ, أو لعدم الاتّفاق على الأولويّة؛ إمّا لما ذكرناه, وإمَّا لعدم كون القدماء أهلٌ لمثل تلك الاجتهادات الدقيقة. وهذه الوجوه إنْ لم تكن موجبة للاطمئنان بالحدس فلا أقلّ من الاحتمال, لاسيّما مع عدم الأثر لتلك الفتوى ولا ذلك الإجماع مثل (الخلاف) فيما بأيدينا من الكتب والفتاوى، وكون الإجماع دون الأدّلة الاجتهادية لا فوقها ولو احتمالاً ثالثاً، فإنَّ الإجماع حجيته موقوفة على إحراز عدم الاستناد إلى الأدلّة الموجودة التي بأيدينا كما هو واضح. ومع كون المسألة مصبّ الآية والرواية، الإحراز مشكل بل ممنوع. هذا كلّه في الإجماع، وفي كلامه في (الخلاف) موارد للنقض والإيراد: أحدها: الإشكال على الشافعي وردّه عليه بعدم الدلالة وأنَّه قياس. ففيه: أنّ الدلالة بالأولوية وتنقيح المناط, حيث استدلّ بأنَّ المكرِه أغلظ حالاً من المكرَه؛ لما له من القدرة على الامتناع بعدوله عن النظر، دون المكرَه فإنّه مُلجأ على وجه لا يمكنه إلاَّ قتله خوفاً على نفسه، فإذا لم يكن القصاص على الحاكم فعلى المُلْجَأ والمكرَه بطريق أولى. ولك أن تقول: إنَّ الاستدلال بإلغاء الخصوصيّة المعتبرة في الفقه، وأنَّى ذلك بالقياس المطرود عند الشيعة؟ نعم، لعلّه هو قياس اسماً, لكنّه غير مضرّ قطعاً. ثانيها : تعويله واعتماده على قوله تعالى: (... الحُرُّ بالحُرِّ...). ففيه: أنَّ الآية ليست في مقام بيان أصل القصاص، بل في مقام بيان الكيفيّة باعتبار الاتحاد في النوع وأنَّ الحرَّ بالحرِّ، فلا يُقتل الحرُّ بقتل العبد مثلاً، أو في مقام بيان عدم قتل غير القاتل بدلاً عنه كما استظهرناه من الآية، فالتعويل والتمسك بإطلاقها على ما رامه ـ رحمه الله ـ كما ترى. وكان الأولى بل المتيقن التعويل على مثل: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ..ٌ) [2] ومثل: (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ...)[3]. ثالثها: استدلاله بالنبوّي وأنَّ المكرَه المباشر للقتل هو القاتل للنفس, فيجب أنْ يحلَّ دمه. ففيه: أنَّ القاتل هو المكرِه المُلجئ، لأنَّه السبّب الأقوى, فالمورد كغيره من موارد الأقوائية, فالقتل منتسب عرفاً إلى السبّب الأقوى. الاستدلال بكون المسلمين تتكافأ دماؤهم وأما السادس: ففيه: أنَّ المراد منه تساوي المسلمين من حيث الدم، ويُقتل القاتل كائناً من كان، ودمه ليس بأحمر من الآخر حتى لا يُقتل به، وقتل السبب ـ أي المكرِه ـ دون المباشر غير مخالف له بل يكون موافقاً له بالكامل، فإنَّه القاتل عرفاً لا المباشر كما مرّ مراراً. هذا تمام الكلام في الأدلة، وقد عرفت أنَّ الحقّ عدم الفرق في الإكراه على القتل مع التوعيد به ـ أي بقتل المكرَه ـ في كونه رافعاً للقَوَد والدية, وفي الإكراه على غيره من الأمور الموجبة للضمان والجزاء، وفقاً لقاعدة الإكراه وحديث الرفع، فلا قَوَد على المباشر المكرَه ، بل القَوَد والدية على السبب المكرِه المُلجئ؛ قضاءً لقاعدة أقوائية السبب على المباشر كما هو ظاهر. وتوهُّم أنَّ حديث الرفع حديث امتنان, فرفع الإكراه عن المباشر مخالف للامتنان على الثالث وهو المقتول؛ لاستلزامه جواز قتله للمكرَه أي المباشر. مدفوعٌ: بالنقض بالإكراه بما دون القتل مع التوعيد به أو بما دونه، بل والإكراه بجميع حقوق الناس. أولا ً: وبالحلّ، بأنَّ الامتنان لعلّه من جهة التسعة ومجموعها لا كلّ واحدٍ واحد منها مستقلاً، فإنَّ رفع الجميع من مختصّات الأُُمّة, وإلاَّ فبعضها كان مرفوعاً من الأُمم السابقة أيضاً. ثانيا : وأنّ الامتنان على تسليم كونه لكلّ واحد منها بالخصوص لمّا كان عن الأمّة لا عن الشخص، فلا بدّ من رعايته لا رعاية الشخص. ثالثاً : والرعاية على الأُمّة موجودة; لأنَّ الثالث مشمول للرفع مع فرض صيرورته مباشراً مكرَهاً. وبالجملة، الحديث كما أنّه جارٍ في حقوق اللّه فكذلك في حقوق الناس، ولا منافاة بين الامتنان والرفع فيالثاني ; لما عرفت من الوجوه، وإلاّ فعلى المنافاة لا بدّ من الاختصاص بحقوق اللّه, وهو كما ترى, حيث إنَّ قضيّة عمار[4] ـ التي هي المورد في نزول الآية (... إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ...َ)[5] ـ كانت في حقّ الناس والرسول صلى الله عليه وآله. وكذلك استدلال أبي الحسن ـ عليه السلام ـ بالحديث في الإكراه على الحلف بالطلاق[6] والعتاق وصدقة ما يملك كان من ذلك القبيل أيضاً. وكيف كان، لا إشكال في عموميّة الحديث كما يظهر من مراجعة الموارد. هذا كلّه في الإكراه على القتل بالتوعيد بالقتل, وأمَّا الإكراه عليه مع التوعيد بغيره من الضرر والحرج بالمال أو النفس أو العِرض ممّا هو دون القتل، فلا بدّ فيه من التفصيل بين ما كان المتوعَّد عليه موجباً لضعف المباشرة عقلاً وأنَّ المباشر غير قاتل؛ لما فيه من العِظَم والشدّة, وبين ما لم يكن المتوعَّد عليه كذلك، فكان المباشر والسبب متعادلين، بالقَوَد على السبب دون المباشر في الأوّل، وعلى المباشر دون السبب في الثاني، ومع الشكِّ في ذلك فلا بدّ من الدية والتعزير, كصورة العلم الإجمالي في القاتل؛ احتياطاً في الدماء. هذا في شكِّ الأولياء والحكومة, وأمّا مسألة ادّعاء كلٍّ منهما ما ينفعه ويضرُّ الآخر فعلى مدعيه الإثبات. -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ فرائد الأصول 1: 138. [2] ـ سورة البقرة 179. [3] ـ سورة الشورى: 40. [4] ـ عن مسعدة بن صدقة قال: قلت لأبي عبد اللّه ـ عليه السلام ـ: إنَّ الناس يروون أنّ علياً ـ عليه السلام ـ قال على منبر الكوفة: (أيُّها الناس…) الحديث, إلى أن قال: فقال له السائل: أرأيت إن اختار القتل دون البراءة؟ فقال: (واللّه ما ذلك عليه، وما له إلاّ ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكّة وقلبه مطمئن بالإيمان, فأنزل اللّه ـ عزّ وجلّ ـ فيه: (إلاّ مَنْ أُكرِهَ وقَلْبُهُ مُطمئِنٌّ بالإيمَانِ), فقال له النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ عندها: يا عمار, إنْ عادوا فَعُد، فقد أنزل اللّه عذرك وأمرك أن تعود إنْ عادوا). وسائل الشيعة 16: 225، أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، ب 29، ح 2. [5] ـ سورة النحل: 106. [6] ـ عن أبي الحسن عليه السلام, في الرجل يُستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أيلزمه ذلك؟ فقال: (لا، قال رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله ـ: وُضع عن أُمتي ما أُكرهوا عليه). وسائل الشيعة 23: 226، باب جواز الحلف باليمين الكاذبة، ب 12، ح12.
|