قصاص النفس (درس15)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 15 التاريخ : 2008/12/18 قصاص النفس (درس15) بسم الله الرحمن الرحيم (مسألة 34: لو أكرهه على القتل فالقَوَد على المباشر إذا كان بالغاً عاقلاً دون المكرِه وإنْ أوعده على القتل، ويُحبس الآمر به أبداً حتى يموت, ولو كان المكرَه مجنوناً أو طفلاً غير مميّز فالقصاص على المكرِه الآمر. ولو أمر شخصٌ طفلاً مميّزاً بالقتل فقتله ليس على واحد منهما القَوَد، والدية على عاقلة الطفل، ولو أكرهه على ذلك فهل على الرجل المكرِه القَوَد أو الحبس أبداً؟ الأحوط الثاني). صور المسألة أربع: الصورة الأولى: إكراه الكامل كاملاً آخر بالقتل. وحكمه على ما في المتن و(الخلاف)[1] و(المبسوط)[2] و(الشرائع)[3] و(القواعد)[4] ـ وغيرها من كتب الأصحاب ـ كون القَوَد والقصاص على المكرَه المباشر للقتل دون المكرِه المُلجئ السبب، خلافاً للعامّة فإنّ لهم أقوالاً أُخرى متفاوتة مع قول الإماميّة, فالمسألة من المسائل الخلافيّة بيننا وبينهم. ففي (الخلاف): (إذا أكره الأميرُ غيرَه على قتلِ مَن لا يجب قتله، فقال له: إنْ قتلته وإلاَّ قتلتك, لم يحلّ له قتله بلا خلاف، فإن خالف وقتل فإنَّ القَوَد على المباشر دون المُلجئ. وفرض الفقهاء ذلك في الإمام والمتغلّب مثل الخوارج وغيرهم, والخلاف في الإمام والأمير واحد. وللشافعي فيه قولان: أحدهما: يجب عليهما القَوَد كأنّهما باشرا قتله معاً، وبه قال زِفْر. قال: وإنْ عفا الأولياء فعلى كلواحد منهما نصف الدية والكفارة. والقول الثاني: على المُلجئ وحده القَوَد، وعلى المكرَه نصف الدية، فإنْ عفا عن الإمام فعليه نصف الدية، وعلى كل واحد منهما الكفارة. ولا يختلف مذهبه أنَّ الدية عليهما نصفان وعلى كل واحد منهما الكفارة، وأنّ على الإمام القَوَد. وهل على المكره القَوَد؟ على القولين. وقال أبو حنيفة ومحمد: القَوَد على المكره وحده، ولا ضمان على المكرَه من قَوَد ولا دية ولا كفارة. وقال أبو يوسف: لا قَوَد على الإمام ولا على المكرَه، أما المكرَه فلأنَّه مُلجَأ، وأما الإمام فلأَنَّه ما باشر القتل. دليلنا: قوله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَليِّهِ سُلْطَاناً)[5]. وهذا قُتل مظلوماً. وعليه إجماع الصحابة ـ إلى أنْ قال : ـ ومعولنا على الآية قوله تعالى: (الحُرُّ بالحُرِّ وَالعَبْدُ بالعَبْدِ وَالأُنْثَى بالأُنثَى)[6], وعلى إجماع الفرقة)[7]. وفي (القواعد): (الأُولى: الإكراه, فإنَّه يولّد في المكرهَ داعية القتل غالباً، والقصاص عندنا على المباشر خاصّة دون الآمر; لأنَّه قتل عمداً وظلماً لاستبقاء نفسه, فأشبه ما لو قتله في المخمصة ليأكله. ولو وجبت الدية كانت على المباشر أيضاً، فلا يتحقّق الإكراه في القتل عندنا)[8]. وفي (الجواهر): (إذا أكرهه على القتل بأنْ توعّده الظالم القادر بالقتل مثلاً إنْ لم يقتله، فالحكم فيه عندنا نصّاً وفتوىً, بل الإجماع بقسميه عليه, أنَّ القصاص على المباشر الكامل دون الآمر المكرِه، بل ولا دية، بل ولا كفارة)[9]. وفي (الشرائع)[10] إرسال الحكم والفتوى كذلك إرسال المسلّم. هذا من الإماميّة. وأمّا العامّة, فمنهم من نفى عنهما القَوَد والدية، ومنهم من أوجب القَوَد على المكرِه وحده. وللشافعي قولان، أحدهما: اشتراكهما في الجناية، فعليهما القصاص وعند العفو الدية نصفين. والآخر: القَوَد على المكرِه وعلى المباشر نصف الدية، وعند العفو على المكرِه أيضاً نصف الدية. هذه هي الأقوال في المسألة من الخاصّة والعامة، والأقوى منهما كون القَوَد على المكرِه والملجئ وحده دون المباشر والمكرَه؛ لأقوائيته عنه بالإلجاءِ والوعيد بالقتل والقَوَد على السبب الأقوى كما لا يخفى، ولرفع الإكراه، فالقتل الواقع من المباشر المضطرَّ إليه لإلجاءِ الغير وإكراهه مرفوع ادعاءً، فلا حرمة لذلك القتل ولا قَوَد ولا دية ولا غيرها من الآثار. ورفع الإكراه وانتفاءِ حكمه ليس لخصوص حديث الرّفع حتّى يشكل باختصاصه برفع المؤاخذة لا جميع الآثار ـ وإنْ كان الإشكال غير وارد ـ بل لذلك الحديث وللقاعدة المستفادة من الأخبار الكثيرة الواردة في أبواب مختلفة, الدالّة على عدم الحكم له, مثل الإكراه على الطلاق والعتق واليمين وغيرها. ومع عدم القَوَد والدية على المباشر، فلابدّ إلاّ من الحكم على المكرِه والمُلجئ بهما؛ قضاءً لأقوائية السبب, ولئلاّ يبطل دم امرئ مسلم. ما يُستدلُّ به على مذهب الإماميّة وكيف كان فما يستدلُّ به على مذهب الإماميّة وجوه: أحدها: الأخبار الدالة على عدم التقيّة مع بلوغها الدم، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام, قال: ((إنَّما جُعلت التقية ليُحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية))[11]. ومثله موثق أبي حمزة الثمالي, إلاّ أنَّ فيه: ((إذا بلغت التقية الدم))[12]. وفي مرسل الصدوق في (الهداية) عن الصادق ـ عليه السلام ـ أنَّه قال: ((لو قلت: إنَّ تارك التقية كتارك الصلاة, لكنت صادقاً، والتقية في كلّ شيء حتى يبلغ الدم، فإذا بلغ الدم فلا تقية))[13]. والتقية إمَّا عامّة ومحمولة على معناها اللغوي, أي التجنّب والتحفّظ من كلّ سوء, كما اختاره سيدنا الأُستاذ في (المكاسب المحرمة), ففيه: (فإنَّ التقية عبارة عن الاحتراز والتجنّب عن شرّ قوم مخالف للمذهب, بإتيان أعمال توافق مذهبهم من غير أنْ يُكرهوه على إتيانها, وأوعدوه على تركها)[14]. واستشهد عليه بما في الأخبار, مثل: أنّ التقية في كلّ ضرورة, أو ((التقية في كلّ ما اضطر إليه ابن آدم فقد احلّه اللّه)), ومثل ما ورد في شأن نزول آية: ( إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلَبُهُ مُطْمَئِنٌ بالإِيمَانِ)[15] في عمّار، ومثل غيرها من الواردة في أخبار التقية. فعليه, وجه الاستدلال واضح. وإمَّا خاصة بالتحفّظ من السوء الحاصل من المخالفين للمذهب كما هو المعروف في معناه، فعليه الاستدلال بالأولويّة، فإنَّ الدم إذا لم يكن إهراقه جائزاً مع التقية التي هي دين اللّه, وأنَّه لا دين لمن لا تقيَّة له، وأنَّه المجعول حفظاً للمذهب لئلاّ يذهب مذهب الحق، فعدم جوازه مع الإكراه بطريق أولى. وإلى هذا الوجه يرجع ما في كلامهم من الاستدلال للقصاص على المباشر بعدم استباحة الدم بالإكراه، فلا أقوائية للسبب ـ أي المكرِه المُلجئ ـ حتى يكون القصاص عليه. فعلى هذا، السبب والمباشر هنا متعادلان, وإنمّا القصاص على المباشر فقط في المورد؛ لجهات خاصة به كالإجماع والأخبار وآية النفس وأمثالها. وتوهُّم أنَّ التقيّة لمَّا كانت مجعولة لحقن الدم ـ على ما في تلك الأخبار المستدل بها ـ فعدمها مع عدم الحقن وإهراق الدم موافق للاعتبار، وهذا بخلاف الإكراه الذي لم يكن لذلك, بل كان رفعه للامتنان على الأُمَّة, فالفرق موجود والقياس ممنوع ولو على نحو الأولويّة; لأنّها مع الخصوصيّة غير مقطوعة. مدفوعٌ بأنَّ المذكور في تلك الأخبار إشارة إلى أصل الجعل ومبدئه لا إلى العلّة والحكمة, حيث إنَّ التقية مجعولة ديناً وحفظاً للمذهب, وسهولة على الملّة, وضرورة واضطراراً, كما يظهر من أخبارها ومن التأمّل في الواقع منها في زمن الأئمّة عليهم السلام. فالفرق غير فارق; لأنَّ الدم مبدأ له للجعل لا منشأ ومناط وعلّة منحصرة كما عرفت. ثانيها: أنَّ قتل الغير رفعاً لتوعيد المكرِه بالقتل دفعُ ضررٍ عن نفسه بإيقاعه على الغير، وهو قبيح عقلاً وغير جائز شرعاً. ثالثها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام, في رجل أمر رجلاً بقتل رجل، فقال: ((يُقتل به الذي قتله، ويُحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت))[16]. الاستدلال بها لابدّ وأنْ يكون بالشمول للمفروض بترك الاستفصال، فإنّه ـ عليه السلام ـ لم يستفصل من كون المأمور مكرَهاً أو غير مكرَه، وأنَّ المكرِه ـ الآمر ـ هل كان ممَّن توعَّد بالقتل أو بما دونه. رابعها: إطلاق مثل قوله تعالى: (النّفْسَ بالنَّفْسِ)[17]. خامسها: الإجماع. سادسها: أن المسلمين تتكافأ دماؤهم, فلا يجوز قتل الغير لحفظ النفس. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - كتاب الخلاف 5: 166، كتاب الجنايات، المسألة 28. [2] - المبسوط 7: 41. [3] - شرائع الإسلام: 363. [4] - قواعد الأحكام 2: 281. [5] - الإسراء: 33. [6] - البقرة: 178. [7] - الخلاف 5: 167، كتاب الجنايات، المسألة 29. [8] - قواعد الأحكام 2: 281، الأولى من الأوّل في الفصل الثالث من كتاب الجناية. [9] - جواهر الكلام 42: 47، كتاب القصاص. [10] - شرائع الإسلام: 363. [11] - وسائل الشيعة 16: 234، أبواب الأمر والنّهي وما يناسبهما، ب 31، ح 1. [12] - وسائل الشيعة 16: 234، أبواب الأمر والنّهي وما يناسبهما، ب 31، ح 2. [13] - مستدرك الوسائل 12: 272، أبواب الأمر والنّهي وما يناسبهما، ب 29، ح 1. [14] - المكاسب المحرمة 2: 223. [15] - النحل: 106. [16] - وسائل الشيعة 29: 45، أبواب القصاص في النفس، ب 13، ح 1. [17] - المائدة: 45.
|