قصاص النفس (درس13)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 13 التاريخ : 2008/12/19 قصاص النفس (درس13) بسم الله الرحمن الرحيم (مسألة 24: لو ألقاه في مسبعة كزبية الأسد ونحوه فقتله السباع فهو قتل عمد, عليه القَوَد). ما عليه من القَوَد وجهه واضح ومطابق للقواعد والأُصول، لكن في (الشرائع) و(القواعد) نفي القَوَد وإثبات الدية، ففي (الشرائع)[1]: (لو كتَّفه وألقاه في أرض مسبعة فافترسه الأسد اتفاقاً فلا قَوَد، وفيه الديه). ومثله (القواعد)[2]. وفي (المسالك)التعليل لذلك بقوله: (إنَّما لم يكن عليه القَوَد لأنَّ فعل السبع يقع باختياره، وطبعه يختلف في ذلك اختلافاً كثيراً، فليس الإلقاء في أرضه ممَّا يقتل غالباً. نعم, يجب الدية؛ لكونه سبباً في القتل)[3]. وفي (اللثام)التعليل بقوله: (فإنَّ الإلقاءَ المذكور ليس مما يغلب أداؤه إلى الافتراس, وعليه الدية؛ للتسبيب)[4]. ولعلّ نظره في عدم الغلبة على ما في (المسالك) من الاختيار واختلاف الطبع. وكيف كان, فيهما ما ترى، فإنّ الإلقاء متكتفّا في الأرض المسبعة ـ وهي التي فيها سباع كثير ـ مما يُقتل به غالباً كما لا يخفى، وعدم وجود السبع في زمان الإلقاء مع الكثرة في حواليّ المحلّ وترددهم في الأرض وما حولها ممّا لا يضرّ بالغلبة، بل الظاهر القَوَد في الإلقاء متكتّفاً على الأرض المحتمل فيها مجيء السباع، لعدم انفكاك الاحتمال من الرجاء، بل لعلّ في محض الاحتمال كفاية للقصاص; لقوله تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً) و (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ). هذا مع النقض على (المسالك) بما لو ألقاه إلى السبع فافترسه ففيه القصاص, مع أنَّ الـلازم من تعليله عدمه. وعَليكَ بعبارة (المجمع) في المقام ففيها زيادة توضيح لما ذكرناه وإنْ كانت لا تخلو من تشويش في الجملة، قال: (لو ألقى شخص إنساناً مربوط اليدين في محلِّ السبع ولم يكن السبع حاضراً, فأكله السبع اتفاقاً, لزمه الدية لا القَوَد; لأنَّه ما قصد القتل ولا فعلاً قاتلا غالباً، فلا عمد وقد تلف نفس بسببه. ويحتمل القَوَد أيضاً، فإنُّه قتل نفساً بالتسبيب فيدلّ (النَّفْسَ بِالنّفْسِ) عليه. وهو بعيد إذا لم يكن قاصداً للقتل وإلقائه[5] في فم السبع, وإلاَّ فليس ببعيد، فإنَّ إلقاء المربوط في محلّ السبع ـ ولو كان مجيئه إليه نادراًـ لا يخلو عن قصد قتله، بل ولو ثبت عدم قصده فإنَّ فعله موجب لذلك. وينبغي التأمّل في ذلك، وهو فرع التأمُّل في معنى العمد، وقد مرّ ، فتذكّر[6]. (وكذا لو ألقاه إلى أسد ضارٍ فافترسه إذا لم يمكنه الاعتصام منه بنحو ولو بالفرار). وجه القصاص فيه ظاهر ممّا مرّ. (ولو أمكنه ذلك وترك تخاذلاً وتعمّداً لا قَوَد ولا دية). وجه عدم القَوَد والدية كون المقتول هو المباشر في قتل نفسه. (ولو لم يكن الأسد ضارياً, فألقاه لا بقصد القتل فاتفق أنّه قتله, لم يكن من العمد). كما هو واضح. نعم, عليه الدية؛ لئلاّ يبطل دم امرئ مسلم, فإنَّه شبيه العمد. (ولو ألقاه برجاء قتله فقتله فهو عمد, عليه القَوَد. ولو جهل حال الأسد فألقاه عنده فقتله فهو عمد إنْ قصد قتله، بل الظاهر ذلك لو لم يقصده). فإنَّ في الرجاء قصد القتل كالجزم، والفرق بينهما في الجزم والتردد, فيشمله أدلة القصاص وقتل العمد. ومن ذلك يُعلم حكم ما ذكره أخيراً وهو ما لو جهل حال الأسد فألقاه عنده فقتله, فهو عمد مع قصد القتل، بل الظاهر ذلك لو لم يقصده, حيث إنَّ الإلقاء إلى السبع ممّا يُقتل به غالباً عرفاً وهو عمد، إلاّ أنْ يحرز عدم عضّه وعدم كونه ضارياً كالأرنب مثلاً فليس كذلك عرفاً، فلا قَوَد لكن عليه الدية؛ للضمان والسببية. (مسألة 25: لو ألقاه في أرض مسبعة متكتفاً؛ فمع علمه بتردّد السباع عنده فهو عمد بلا إشكال). حيث إنَّ الإلقاء في الأرض كذلك ممّا يُقتل به غالباً عرفاً. (بل هو من العمد مع احتمال ذلك وإلقائه بقصد الافتراس ولو رجاءً). لما مرّ من كفاية رجاء القتل في العمد والقصاص. (نعم, مع علمه أو اطمئنانه بأنّه لا يتردد السباع فاتفق ذلك, لا يكون من العمد). لعدم العمد وما في معناه ممّا يوجب القَوَد كما لا يخفى . (والظاهر ثبوت الدية). الدية فيه للسببيّة والضمان. (مسألة 26: لو ألقاه عند السبع فعضّه بما لا يقتل به لكن سرى فمات فهو عمد, عليه القَوَد). لكون الإلقاء عنده مما يُقتل به غالباً عرفاً. (مسألة 27: لو أنهشه حيّة لها سم قاتل, بأنْ أخذها وألقمها شيئاً من بدنه, فهو قتل عمد عليه القَوَد، وكذا لو طرح عليه حيّة قاتلة فنهشه فهلك، وكذا لو جمع بينه وبينها في مضيق لا يمكنه الفرار, أو جمع بينها وبين من لا يقدر عليه لضعف كمرض أو صغر أو كبر، فإنّ في جميعها وكذا في نظائرها قَوَداً). لكون الفعل في جميعها ونظائرها مما يُقتل به غالباً، خلافاً لما عن العامة من الفرق بين الجمع مع الحيّة والجمع مع السبع, بعدم القَوَد في الأوّل; لأنَّها تهرب من الإنسان دون السبع, وهو ظاهر (المبسوط)[7]. وقد أشار في (التحرير)إلى احتماله بقوله : (فالأشبه ذلك)[8] يعني القَوَد. وفيه: أنّه على تسليم هرب الحيّة فنفس الجمع في المضيق معها ممّا يُقتل به غالباً؛ للخوف من الحيّة، بل محض رؤية الحيّة ولو في البرّ والمكان الوسيع موجب للخوف غالباً, فكيف في المضيق ومع عدم إمكان الفرار؟!. (مسألة 28: لو أغرى به كلباً عقوراً قاتلاً غالباً فقتله فعليه القَوَد، وكذا لو قصد القتل به ولو لم يكن قاتلاً غالباً, أو لم يعلم حاله وقصد ولو رجاء القتل, فهو عمد. مسألة 29: لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القَوَد، ولو ألقاه في البحر ليقتله فالتقمه الحوت بعد الوصول إلى البحر فعليه القَوَد وإنْ لم يكن من قصده القتل بالتقام الحوت, بل كان قصده الغرق. ولو ألقاه في البحر وقبل وصوله إليه وقع على حجر ونحوه فقُتل فعليه الدية، ولو التقمه الحوت قبل وصوله إليه فالظاهر أنّ عليه القَوَد). للمسألة صور وفروع غالبها مذكور في المتن, ولنشرح المسألة ببيان جميع الصور؛ استقصاءً للبحث وتبياناً لما في المتن. فنقول : لو ألقاه إلى البحر حيث يغرق غالباً فالتقمه الحوت بعد وصوله فعليه القَوَد؛ لوصوله قبله إلى المهلك وهو البحر. ولك أنْ تقول: إنَّ الإلقاء في البحر المغرق غالباً من الأفعال المهلكة، فالقتل به بعد تحقق الفعل عمد وإنْ كان القتل بسبب آخر كالتقام الحوت مثلاً؛ قضاءً لإطلاق (النَّفْسَ بالنَّفْسِ), ولإطلاق ما دلَّ على كفاية الآلة القتّالة في القَوَد والعمد. وأمَّا إنْ التقمه الحوت قبل وصوله إليه فعليه القَوَد أيضاً, كما في المتن و(الخلاف)[9] و(المبسوط)[10] و(النافع)[11]; لأنَّه أهلكه بالإلقاء، والإلقاء في البحر إتلاف عادة، فلو لم يأخذه الحوت يهلك بالغرق، فكأنَّه ابتلعه بعد الغرق، فهو كنصل منصوب في عمق البئر. وفي (اللثام) بعد الاستدلال بما ذكر قال: (على إشكالٍ ينشأ من تلفه بسبب غير مقصود للملقي, كما لو رمى به من شاهق فاستقبله غيره بالسيف فقدّه. وهو خيرة (الشرائع)..)[12]. لكن الإشكال مذبوب بأنَّ القصد إلى السبب المعيَّن يستلزم القصد إلى مطلق القتل؛ ضرورة وجود المطلق في المقيَّد, ومطلق القتل صادق على غير المعيَّن. هذا, مع أنَّ الملقي ظالم في قتله عرفاً، فإنَّه إنْ لم يجرأ ولم يفعل الإلقاء فلم يقتل، فيكون المقتول مظلوماً وتشمله الآية: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِولِيِّه سُلْطَاناً)[13]. ولا اعتبار معه بالقصد والعمد كما اخترناه. وكم من فرق بين المورد وبين ما شبّهه به من الرمي من شاهق، فإنَّ القادّ في الرمي مباشر وظالم فعليه القَوَد، والرامي وإنْ كان ظالماً أيضاً لكنّه غير قاتل عرفاً, غاية الأمر أنَّه سبب مقصّر عليه التعزير. نعم، مع التباني معه يكون شريكاً في القتل، وأنَّى ذلك بما نحن فيه ممّا لا يصحّ الحكم على المباشر الحيوان, وممّا ينسب العرف القتل عن ظلم إلى الملقي فقط؟!. نعم، لو ألقاه في ماء قليل لا يغرق, فأكله سبع لوقوعه فيه, أو التقمه حوت أو تمساح, فعليه الدية ـ للتسبيب ـ لا القَوَد; لعدم العمد إلى القتل، وعدم كون الفعل مما يُقتل به غالباً، وعدم كونه مقتولاً ظلماً عرفاً، بل غاية الأمر حكمهم بأنّه ملقىً في الماء ظلماً. هذا كلّه في التقام الحوت. والصورة الثالثة: ما لو ألقاه في البحر وقبل الوصول إليه وقع على حجر ونحوه فقُتل فعليه القَوَد؛ لما مرّ في نظيره من التقام الحوت قبل الوصول إلى البحر, حيث إنَّ الإلقاء في البحر ممّا يُقتل به غالباً, ويكون نفس الإلقاء فيه اتلافاً عادة، فلو لم يقع على الحجر يهلك بالغرق. وبذلك يظهر عدم تماميّة ما في المتن من الفرق بين هذه الصورة بالحكم بالدية, وبين الصورة الأخيرة من الإلقاء في البحر والتقامه الحوت قبل الوصول إلى البحر بالحكم بالقصاص، فإنّه لا فرق بين الحجر والحوت أصلاً كما لا يخفى, فكيف فرّق بينهما؟!. وممّا ذكرناه يظهر حكم الصورة الرابعة وهو الإلقاء إلى الحوت والتقامه فعليه القصاص؛ لكون الفعل ممّا يُقتل به غالباً، ولكون القتل ظلماً على المقتول فهو مظلوم. كما يظهر منه حكم غيرها من الصور ، فتدبّر جيداً. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - شرائع الإسلام 2: 362. [2] - قواعد الأحكام 2: 280. [3] - مسالك الأفهام 2: 363. [4] - كشف اللثام 2: 441. [5] - كلمة (وإلقائِهِ) ـ بالكسر ـ معطوف على كلمة (القتل). [6] - مجمع الفائدة والبرهان 13: 389. [7] - المبسوط 7: 46. [8] - تحرير الأحكام 2: 242، القسم الثاني من الفصل الثاني من كتاب الجنايات. [9] - الخلاف 5: 163، كتاب الجنايات، المسألة 22. [10] - المبسوط 7: 19. [11] - المختصر النافع : 284. [12] - كشف اللثام 2: 442. [13] - الإسراء: 33.
|