قصاص النفس (درس11)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 11 التاريخ : 2008/12/19 قصاص النفس (درس11) بسم الله الرحمن الرحيم أقسام الجناية بالتسبيب ثانيها: القتل بالسمّ والمشاركة لكن لا بنحو المناولة والتقديم, بل مثل جعله في طعام صاحب المنزل وأكله من غير شعور واطّلاع. وفيه احتمالات ثلاثة. الأول: القَوَد على السبب والجاعل كما اختاره الشيخ في (الخلاف)[1] و(المبسوط)[2], بل في (المسالك)[3] على أنَّه الأشهر؛ لضعف المباشرة بالغرور وأقوائية السبب, ولصدق القتل عامداً لغةً وعرفاً، بل لعلّه نحو التقديم الذي ليس إلجاءً وإنَّما هو داع للأكل، والطريق المتعارف في القتل بالسمّ الذي هو كالآلة. الثاني: الدية عليه دون القَوَد، حيث إنّه لم يلجئه إلى الأكل ولم يكن مقدِّماً فيلزمه القصاص، ووجوب الدية عليه لنسبة القتل إليه وكونه غارّاً. الثالث: عدم الضمان من رأس, وهو قول للعامّة. والمتعين من الاحتمالات ـ بل الأقوى منها ـ الأوّل؛ لما عرفت من الوجه، والقَوَد ليس دائراً مدار الإلجاء أو التقديم حتى ينتفي بانتفائه، بل هو دائر مدار صدق القتل مظلوما، وأقوائيّة السبب عن المباشر الموجب لصدق النسبة كما عرفت. وبالجملة، الظاهر عدم الفرق من حيث العمد والنسبة بين التقديم والجعل في منزله وأكله مع جهله، فكما يلزم القَوَد في الأوّل فكذا الثاني. نعم، مع علم الآكل فلا ضمان على المقدِّم فضلاً عن الجاعل. ولـ(مجمع الفائدة)هنا كلام لا يخلو نقله من فائدة وزيادة توضيح للمسألة: (لو جعل شخص سمّاً في طعام صاحب المنزل فأكله، قال الشيخ: عليه القصاص؛ فإنّه قتل نفساً بالتسبيب وهو موجب للقصاص. وقيل بالدية; لأنّه أكل بنفسه طعام نفسه فلا يلزم على الغير، إذ صدق القاتل عمداً عليه غير ظاهر، ولكن لمّا صار سبباً للقتل في الجملة, ولابدّ لدم امرئ مسلم من شيء، ولمّا لم يلزم القَوَد للشّك في كونه قاتلاً, لزم الدية. ويحتمل عدم شيء أصلاً; لأنّه ما فعل إلاّ إلقاء السمّ وهو غير قاتل ولا سبب موجب، لعدم الإلجاء. وهذا ضعيف. وينبغي التفصيل, وهو أنَّه إنْ كان الملقي عالماً بأنَّه سمّ قاتل وأكل الآكل جاهلاً بذلك فعليه القصاص، لأنّه تعمد القتل أو ما يؤول إليه غالباً; لأنَّ إلقاءه مع عدم المانع عن أكله بمنزلة فعل السبب، ولأنّه لو لم يكن مثل هذا موجباً للزم منه وجود قتل كثير مع عدم القصاص، يلزم عدم القَوَد في مقدِّم الطعام المسموم أيضاً، إذ لا إلجاء هنا أيضاً كذلك، وكذا في أمثال ذلك وهو ظاهر، وفتح للفساد والقتل الكثير وهو مناف لحكمة شرع القصاص، فتأمل)[4]. ولا يخفى عليك أنّ ما ذكره من عدم الفرق في محلّه; لأنَّ مناط المسألة الجعل وأكل المقتول عن جهل في مقابل التقديم. ثالثها: إنْ حصل الاختلاف بين الجاعل أو المقدِّم مع وليّ الدم في الجنس أو المقدار فالقول قوله، وعلى الولي البيّنة; لأنَّه المدَّعي ويكون قوله مخالفاً لأصالة البراءة عن القصاص والدية، فإنْ قامت وثبت أنَّه ممّا يقتل به غالباً فادَّعى الجهل بأنَّه كذلك؛ فعن (التحرير): (احتُمل القَوَد; لأنَّ السمَّ من جنس ما يقتل غالباً, فأشبه ما لو جرحه وقال: لم أعلم أنَّه يموت منه. وعدمه؛ لجواز خفائه، وكان شبهة في سقوط القَوَد، فيجب الدية)[5]. وأقواهما الثاني إذا حصلت الشبهة في حقّه، فإنَّ محض احتمال الخفاء له غير موجب للشبهة دائماً, كما فيما لو كان الاحتمال ضعيفاً في حقِّه جدّاً من جهة الشخص أو الزمان أو المكان أو غير ذلك من الجهات, فلابدّ من كون الاحتمال على قوة موجبة للشبهة. ولقد أجاد صاحب (اللثام) حيث قال: (والأقوى الثاني إذا حصلت الشبهة)[6]. وما في (الجواهر)من الاعتراض عليه بقوله: (قلت: قد يقال: إنَّ الأقوى الأوّل بعد فرض ثبوت العمد إلى القتل منه؛ لعموم (النَّفْسَ بِالنَّفسِ), وصدق القتل عمداً وغير ذلك)[7]. ففيه: إنْ كان مراده أنَّ ذلك الفرض محلُّ البحث فهو كما ترى; لأنَّه غيره, وإنْ كان مراده كون محل البحث مثله، ففيه: أنَّه أوّل الكلام. رابعها: الخطأ في التقديم, كما لو قصد بالتقديم قتل غير الآكل، بأنْ قدَّم إليه بظنّ أنَّه الغير لكونه في ظلمة أو من وراء حجاب أو نحو ذلك. ففي (القواعد) وغيره أنَّه خطأ وعليه الدية[8]. لكن الظاهر القصاص؛ وفقاً لقوله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومَاً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَـلاَ يُسْرِفْ فِي القَتْلِ)[9]. وقصد القتل ظلماً وإنْ لم يكن متعلقاً بالأكل, إلاّ أنّ انجراره إلى قتله كافٍ في الصدق عرفاً، فإنّه ظالم في قتله وهو مظلوم فيه. هذا, مع أنَّ إلغاء الخصوصيّة غير بعيدة, حيث إنَّ الخاطئ والعامد مشتركان في قصد المعصية والقتل المحرّم وفي تحقُّق المعصية والقتل منهما، وإنَّما الاختلاف في تطابق القصد وعدمه الخارج عن الاختيار. فمناط القصاص عرفاً وهو سوء النية ونية القتل, وتحققّه أيضاً حاصل في مثل هذا الخطأ كالعمد. ولك أنْ تقول: الفرق بينهما راجع إلى دخالة الأمر غير الاختياري في القصاص وعدمه, وهو كما ترى مع تحقق العصيان، وهذا بخلاف ما يقال في الجواب عن حرمة التجري من عدم المنع في إناطة عدم العقوبة بعدم الاختيار; وذلك لتحقق القتل في المقام وهو الموضوع للقصاص مع كونه ظلماً، فتأمل. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - الخلاف 5: 170/ المسألة 31. [2] - المبسوط 7: 45، كتاب الجراح. [3] - مسالك الأفهام 2: 362، كتاب القصاص. [4] - مجمع الفائدة والبرهان 13: 385. [5] - تحرير الأحكام 2: 242. [6] - كشف اللثام 2: 262. [7] - جواهر الكلام 42: 37. [8] - قواعد الأحكام 2: 280. [9] - الإسراء:33.
|