القول فيما يثبت به القود (درس65)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 65 التاريخ : 2008/11/26 القول فيما يثبت به القود (درس65) بسم الله الرحمن الرحيم مسألة 6 ـ لو شهدا بأنّه قتل عمداً فأقرَّ آخر: أنَّه هو القاتل وأنَّ المشهود عليه بريء من قتله، ففي رواية صحيحة معمول بها: إنْ أراد أولياء المقتول أنْ يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوه، ولا سبيل لهم على الآخر، ثمَّ لا سبيل لورثة الذي أقرَّ على نفسه على ورثة الذي شهد عليه، وإنْ أرادوا أنْ يقتلوا الَّذي شهد عليه فليقتلوه، ولا سبيل لهم على الذي أقرَّ، ثمَّ ليؤدِّ الذي أقرَّ على نفسه إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية، وإنْ أرادوا أنْ يقتلوهما جميعاً ذاك لهم، وعليهم أنْ يدفعوا إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية خاصاً دون صاحبه ثم يقتلوهما، وإنْ أرادوا أنْ يأخذوا الدية فهي بينهما نصفان، والمسألة مشكلة جدّاً، يجب الاحتياط فيها وعدم التهجُّم على قتلهما. ما في مثل (الشرائع)[1] والمتن من الأحكام هو المحكيّ عن الشيخ في (النهاية)[2] وأبي علي[3] والحلبي[4] والقاضي[5] والكيدري[6] ويحيى بن سعيد[7] وابني حمزة[8] وزهرة[9] بل عن ظاهر الآبي[10] أيضاً، ومال إليه الشهيدان[11] وفي (الجواهر): (هو المشهور قطعاً)[12] بل في (الرياض): (قد صرّحوا بشهرة الرواية مشعرين ببلوغها درجة الإجماع، ولعلّه كذلك، فقد أفتى به الشيخ وأتباعه والاسكافي والحلبي وغيرهم، بل لم نرَ مخالفاً عدا مَن مرَّ، وعبائرهم غير صريحة في المخالفة عدا الحلّي[13] وفخر الدين[14]، وهي ـ أي المخالفة ـ مشكلة؛ لصحّة الرواية واعتضادها بعمل الطائفة) الخ[15]، لكن مختار ابن ادريس[16] و (التحرير)[17] و (الإيضاح)[18] و (المهذّب البارع)[19] و(التنقيح )[20] و(المقتصر) على المحكي عنه[21]: تخيير الولي في قتل أيِّهما شاء، وفي (المختلف)[22] نفى البأس عنه، وفي (الشرائع)[23] و(المفاتيح)[24]: فيه وجه قويٌّ. والعمدة في منشأ الخلاف صحيحة زرارة[25] وما فيها من المخالفة للقواعد ومقتضى القواعد، فإنَّ مقتضاها التخيير في العمل بالحجَّتين بعد عدم إمكان العمل بهما; لاستلزامه قتل الاثنين بقتل الواحد، وعدم الترجيح لأحدهما من البيّنة والإقرار فلابدّ من التخيير، كما أنَّ ظاهر الصحيحة بل صريحها ما هو المذكور في المتن، لكن فيه مخالفة للقواعد كما يأتي بيانها. وكيف كان فتحقيق الكلام في المسألة مقتض للبحث في مقامين: أحدهما: البحث في حكم المسألة من حيث القواعد مع قطع النظر عن النصّ والفتوى. ونقول: إنَّ مقتضاها الأخذ بإقرار المقرِّ وطرح البيّنة المعارضة له; وذلك لعدم الإطلاق في أدلِّة حجيّة البيّنة الشاملة لمورد تعارضها معه أوّلاً، حيث إنَّ عموم حجيّتها استقرائيّة، وانصرافها عن مثل المورد ممَّا يكون إقرار المقرّ موجباً لقتله، مع ما في إقراره من تبرئة الآخر المحكوم بالقصاص ثانياً، فإنَّ الإقرار كذلك يكون على قتل نفسه، ويكوم موجباً للظنّ القويّ بصحّة قوله، ولضعف الظنّ بصحّة البيّنة، وعدم بناء العقلاء على حجيّة البيّنة مع ذلك التعارض إنْ أبيت عن الانصرافثالثاً، حيث إنَّ حجيّة البيّنة إمضائية لا تأسيسيّة، ومع ذلك البناء الشكَّ في الانصراف أو الظهور والإطلاق، وحاصل المتّبع في موارد الشك في الأحكام الامضائيّة الرجوع إلى البناء. وبالجملة، مع وجود البناء على عدم حجيّة مثل البيّنة على القتل في مقابل الإقرار عليه، وحجيّة الإقرار كذلك لا محيص إلاَّ من الاعتماد على ذلك البناء؛ إمَّا لكونه سبباً للإنصراف أو للشكِّ فيه، فعلى الأوّل يكون قرينة على الانصراف، والأصل عدم الحجيّة، وعلىالثاني يكون بنفسه دليلاً على عدم حجيّتها، وحجيّة الإقرار على التقريبين بلا معارض، وهو المتَّبع. ولا يخفى أنَّ الإقرار كما كان حجّة بلا معارض في المسألة فكذلك فيما كان التعارض بينه وبين شهادة القوم الموجب للعلم بكون المشهود عليه هو القاتل، لكن لا لما مرَّ من الوجوه؛ لاختصاصها بالبيّنة، بل لما هو شبيه بها، وهو أنَّ إقرار المقرِّ بالقتل وتبرئة المشهود عليه بعد تماميّة الشهادة، وثبوت كونه قاتلاً عمداً موجب لانتفاء العلم والاطمئنان الحاصل من شهادة القوم، كما لا يخفى. كيف كان، فإنَّ المقرّ إقراره كذلك موجب للعلم بما أقرَّ به بلا كلام ولا إشكال، والعلم بكونه قاتلاً سبب لانتفاء العلم السابق الحاصل من شهادة القوم والشهود بالنسبة إلى المشهود عليه; قضاءً للتعارض، كما هو ظاهر، ولا ريب فيه. واحتمال كون إقراره توطئة لتبرئة القاتل، مع أنَّه ضعيف جدّاً، معارض مع إحتمال توطئة الشهود بالنسبة إلى المشهود عليه، بل الظاهر انحصار الاحتمال فيهم في ذلك، كما لا يخفى، وإلاَّ فاحتمال سهو الشهود من القوم الذين تكون شهادتهم لكثرتهم موجبة للعلم منتف قطعاً. ولكنّ الظاهر من ابن إدريس ومن تبعه، من القائلين بتخيير الوليّ في قتل أحدهما خاصّة كالإقرارين، كون التخيير مقتضى القواعد. ففي (السرائر) بعد بيان حكم الاشتراك في القتل، وهو فيما أقرَّ المقرُّ بالشركة وشهدت البيّنة كذلك، وأنَّ الحكم فيه ما هو الحكم في الاشتراك الثابت بغيرهما قال: (فأمّا إذا كانا متفرّقين، فالعمل على ما حرَّرناه في شهادة الشهود على الاثنين حرفاً فحرفاً)[26]. وما أختاره فيها هو تخيير الولي في تصديق إحدى البيّنتين ودونك عبارته فيها: (والذي يقتضيه اُصول المذهب، ويحكم بصحته الاستدلال أنَّ أولياء المقتول بالخيار في تصديق إحدى البيّنتين وتكذيب الاُخرى، فإذا صدقوا إحداهما قتلوا ذلك المشهود عليه، ولم يكن لهم على الآخر سبيل، ولا يبطل هاهنا القود; لأنَّه لا دليل عليه من كتاب ولا سنّة متواترة، بل الكتاب قاض بالقود مع البيّنة في قوله تعالى: (فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِّيهِ سُلْطَاناً)[27] فمن عمل بهذه الرواية أبطل حكم الآية رأساً. ولا وجه لأخذ الدية منهما جميعاً; لأنَّهما غير مشتركين في القتل، لأنَّ البيّنة عليهما بخلاف ذلك، لأنَّها تشهد بقتل كلّ واحد منهما على الانفراد دون الاجتماع والاشتراك. ويحقق ذلك ويزيده بياناً المسألة التي تأتي بعد ذلك)[28]. وهي ما ذكره ـ رحمه الله ـ من مسألة تعارض الإقرارين. عدم تماميّة كلامه غير محتاج إلى البيان، حيث إنَّ القاعدة المسلَّمة العقلائية الممضاة شرعاً بسيرة عمليّة للفقهاء في الفقه بل وبإجماعهم القولي في الاُصول على التساقط وعدم الحجيّة لشيء منهما في المدلول المطابقي ولا في الالتزامي منهما، نعم في الإلتزامي المشترك بينهما كنفي الثالث خلاف، وكيف لا تكون القاعدة كذلك مع أنَّ كلاً من الحجّتيّن والأمارتين المتعارضين يكذّب الاُخرى؟ -------------------------------------------------------------------------------- [1] - شرائع الإسلام 4: 995. [2] - النهاية: 743. [3] - فتاوى لبن الجنيد: 357. [4] - الكافي في الفقه: 387. [5] - المهذب (ضمن الينابيع الفقهيّه) 1: 201، القصاص والديات. [6] - إصباح الشيعة (ضمن الينابيع الفقهيّه) 1: 298، القصاص والديات. [7] - الجامع للشرائع (ضمن الينابيع الفقهيّه) 2: 494، القصاص والديات. [8] - الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 461. [9] - غنية النزوع: 407. [10] - كشف الرموز 2: 615. [11] - غاية المراد 4: 418. [12] - جواهر الكلام 42: 223. [13] - قواعد الأحكام 3: 615. [14] - ايضاح الفوائد 4: 608. [15] - رياض المسائل 2: 516. [16] - كتاب السرائر 3: 342. [17] - تحرير الأحكام 5: 474. [18] - ايضاح الفوائد 4: 608. [19] - المهذّب البارع 5: 205 ـ 207. [20] - التنقيح الرائع 4: 436. [21] - جواهر الكلام 42: 224. [22] - مختلف الشيعة 9: 316. [23] - شرائع الإسلام 4: 995. [24] - مفاتيح الشرائع 2: 121. [25] - وسائل الشيعة 29: 144، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب 5، الحديث 1. [26] - السرائر 3: 343. [27] - الإسراء 17: 33. [28] - السرائر 3: 341.
|