القول فيما يثبت به القود (درس64)
الدرس دروس خارج الفقه _AyatollahSanei القصاص الدرس 64 التاريخ : 2008/11/27 بسم الله الرحمن الرحيم ومنها: سقوط القصاص عنهما، ووجوب الدية، نصف على كلٍّ منهما، وهو للشيخين[1] والقاضي[2] والصهرشتي[3] وأبي منصور الطبرسي[4] والمحقق في (الشرائع)[5] و(النّافع)[6] والعـلاّمة في (المختلف)[7] و(الإرشاد)[8] وولده في (الإيضاح )[9] وأبي العباس في (المقتصر) على المحكيّ عنه في (الجواهر)[10] ، لكن في (الشرائع) و (النافع): لعلّه احتياط. دليل الأوّل: أنَّهما بيّنتان تصادمتا، وليس قبول أحدهما في نظر الشارع أولى من قبول الاُخرى، ولا يمكن العمل بهما; لاستلزامه وجوب قتل الشخصين معاً، وهو باطل إجماعاً، فضلاً عن القول: (قطعاً)، عن غير واحد أيضاً، ولا العمل بأحديها دون الاُخرى; لعدم الأولويّة، فلم يبق إلاّ سقوطهما معاً بالنسبة إلى القود; لأنَّه تهجُّم على الدماء المحقونة في نظر الشارع بغير سبب معلوم ولا مظنون، إذ كلّ واحد من الشهادتين يكذِّب الاُخرى، ولما قد يقال بأنَّ القصاص كالحدِّ في السقوط بالشبهة. وأمَّا الثاني: وهو ثبوت الدية عليهما، فلعدم بطلان دم امرىء مسلم، وتساويهما في قيام البيّنة على كلٍّ منهما، وفحوى التنصيف في المشهود به عند تعارضهما، كما إذا كان التعارض بين البيّنتين على الشيء الواحد الذي في يديهما أو يد ثالث من مورد الدعوى. وفيه: أنَّ عدم بطلان الدم أعمّ من ذلك; لاحتمال كونه على بيت المال المعدِّ لمثل ذلك أو القرعة التي هي لكلِّ أمر مشكل، كما أنَّ التساوي في البيّنة غير مقتض للتوزيع المزبور الخارج عن البيّنتين، بل ولا غيره، بل هما بالتعارض متساقطتان بالنسبة إلى الدية أيضاً، كالقود، بل لك أنْ تقول: إنَّ الدية ليست حكماً مستقلاً في العمد بل هي ثابتة بعد ثبوت القصاص تخييراً أو صلحاً ورضايةً أو بدلاً، على إختلاف المباني والموارد، فمع عدم القصاص لا محلَّ لها في ا لعمد من رأس مطلقاً. وبذلك يظهر عدم تماميّة الاستدلال بالفحوى أيضاً; لأنَّها إنَّما تتمّ في مورد البيّنة المتعارضة، والدية في المقام ليست كذلك لا مطابقةً، ـ كما هو واضح ـ و لا التزاماً، لتوقُّفه على ثبوت القصاص أوّلاً، ومن المعلوم عدم ثبوته كما مرَّ، فليس الحمل على التنصيف في المشهود به إلاَّ قياساً لا نقول به. وإلى بعض تلك الوجوه الثلاثة يرجع ما عن (الإيضاح)[11] و(المهذّب البارعّ)[12] من حساب الدية عليهما، بأنَّه إنْ لم نقل بذلك يلزم أحد محالاتثلاثة، إمّا طلّ دم المسلم أو إيجاب شيء بغير سبب أو الترجيح بلا مرجِّح; لأَنَّا إنْ لم نوجب الدم عوضاً لزمالأوَّل وإنْ أوجبناه على غيرهما لزم الأمر الثاني وإنْ وجب على أحدهما بعينه لزم الأمر الثالث، فبقى إمَّا على أحدهما لا بعينه أو عليهما، والثاني هو المطلوب، والأوّل إنْ لم يرد به الثاني فهو المحال الأوّل، لعدم الحقيقة في الخارج لأحدهما غير المعيّن، كما لا يخفى. وفيه: مع ما يظهر ممَّا مرَّ أنّ ذلك لا يرجع إلى دليل شرعي معتبر: ضرورة إمكان أنَّ له حكماً شرعاً لا نصل إليه، أنَّه يمكن التخيير في الرجوع على كلٍّ منهما، كما عن المحقِّق الثاني[13] الجزم به، بل لعلّه محتمل ما تسمعه من عبارة المصنف في (النكت)[14] ، أو على بيت المال المعدّ لمثل ذلك، أو القرعة التي هي لكلِّ أمر مشكل، وعدم بطلان دم المسلم أعم من ذلك كلّه ومن غيره ممَّا هو عند الشارع ممَّا لا نعرفه. ومنها: سقوط القود; لما مرَّ والتخيير في الرجوع إلى كلٍّ منهما في أخذ الدية منه; لعدم الترجيح. وفيه: ما لا يخفى، حيث إنَّ التخيير إنّما يكون بعد ثبوت الدية، وقد مرَّ عدمه. ومنها: سقوط القود وتعيين المكلَّف بأداء الدية منهما بالقرعة، فإنَّها لكلِّ أمر مشكل. وضعفه ظاهر ممّا مرَّ. ومنها: التفصيل بين ما كان الأولياء مدَّعين لكون القاتل أحدهما المعيّن وبين ما لم يكن كذلك، وادّعوا عدم العلم بالقود في الأوّل; لقيام البيّنة على الدعوى، وتهدر البيّنة الاُخرى فلا يكون له سبيل، وبسقوط القود ووجوب الدية في الثاني; لما يأتي. وهذا التفصيل للمحقق في (نكت النهاية) وتبعه عليه تلميذه في (كشف الرّموز)[15] وأبو العباس في (المهذّب)[16] والمقداد في (التنقيح)[17] ، وكأنَّه مال إليه الشهيدان في (غاية المراد)[18] و(المسالك)[19]. وفي (نكت النهاية)، بعد أنْ أورد كلام السائل عن عبارة (النهاية) مورداً عليها بأنّه: (لم يعمل بشيء من الشهادتين فإيجاب الدية عليهما حكم بغير بيّنة ولا إقرار، ثم الشهادة ليست بأنّهما اشتركا) قال: (الجواب: الوجه أنّ الأولياء إمّا أنْ يدّعوا القتل على أحدهما أو يقولوا: لانعلم، فإنْ ادّعوه على أحدهما قتلوه; لقيام البيّنة بالدعوى، ويهدر البيّنة الاُخرى، فلا يكون لهم على الآخر سبيل، وإنْ قالوا: لا نعلم فالبيّنتان متعارضتان على الإنفراد لا على مجرد القتل، فيثبت القتل من أحدهما، ولا يتعين، والقصاص يتوقف على تعيين القاتل فيسقط ويجب الدية; لأنَّه ليس نسبة القتل إلى أحدهما أولى من نسبته إلى الآخر)[20]. وفيه: أنَّه تخصيص لكلام الشيخين والجماعة بالصورة الثانية، وهو مناف لاطلاقهم المبنيّ ظاهراً على اعتبار البيّنة الثانية وإنْ كانت على التبرُّع، وعليه يتَّجه التعارض حينئذ وإنْ صدّق الولي أحدهما، بل لو لم نقل باعتبارها أمكن تصوير المسألة في الوكيلين، وأمَّا احتمال عدم اعتبارها في خصوص المقام وإنْ قلنا باعتبارها في غيره فلا أعرف له وجهاً وإن حكي في (كشف اللثام)[21] القطع به عن المحقق في (النكت). ثم إنَّه احتمل غير واحد من أتباع المحقق في ما عرفت ثبوت اللوث لو ادعى الولي عليهما، وهي صورة لم يذكرها المحقق في ما سمعت من عبارته المشتملة على صورة دعوى الولي على أحدهما أو يقول: لا علم لي. أمَّا إذا ادَّعى عليهما معاً فيتَّجه ثبوت اللوث باعتبار اتفاق الأربعة على القتل والقاتل وإنْ اختلفوا في التعيين، فيحلف حينئذ الولي ويثبت له القصاص مع ردِّ فاضل الدية عليهما. وفيه: أنّ مقتضاه الثبوت أيضاً في تكاذب الشاهدين في المكان أو الزمان أو الآلة; ضرورة الاتفّاق منهما أيضاً على القتل والقاتل، ولكن اختلفا في الزمان أو المكان أو الآلة، بل لعلَّه أولى من المقام الذي فيه التكاذب في تعيين القاتل دونهما، وقد عرفت عدم اللوث فيه; للتكاذب، فهنا أولى. وبذلك كلِّه ظهر لك أنّ المسألة لم يستقر على شيء منها إجماع محقِّق كي يقال: إنَّ ما ذكره خرق له; ضرورة بقائها في قالب الإشكال عندهم، حتى أنَّ الفاضل في (الرياض)[22] لم يخرج منها على حاصل معتدٍّ به، كما لا يخفى على من تأمَّله، فلاحظ وتأمل. والموافق للضوابط ما سمعت، ولكن الاحتياط مهما أمكن لا ينبغي تركه. ومنها: سقوط القود والدية جميعاً، وهو المتَّجه كما في (الجواهر) والمتن. والوجه في ذلك عدم تماميّة الوجوه السابقة لاسيّما التنصيف في الدية وإلاَّ التخيير في القصاص ممّا كان أوجه من غيره، ولا غيرهما من البقيّة. وفي (الجواهر) بعد النقض والإبرام في وجه التنصيف: (فتحقق من ذلك كلّه أنّ المتَّجه ـ بحسب القواعد ـ سقوط القود والدية حتى يتبيَّن الحال، ودعوى أنَّ ذلك خرق للإجماع المركب واضحة الفساد لمن أحاط بأطراف المسألة، وخصوصاً بعد ذكر الشيخ في ما حكي عنه ذلك احتمالاً، بل هو الذي اختاره في (المسالك))[23]. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - المقنعة: 737، النهاية: 742. [2] - المهذّب ضمن (الينابيع الفقهية) 1: 200، القصاص والديات. [3] - على المحكّي عنه في الجواهر 42: 219، ولكن لم أجده في إصباح الشيعة. [4] - على المحكّي عنه في الجواهر 42: 219. [5] - شرائع الإسلام 4: 995. [6] - المختصر النافع: 298. [7] - مختلف الشيعة 9: 313. [8] - إرشاد الأذهان 2: 216. [9] - إيضاح الفوائد 4: 608. [10] - جواهر الكلام 4: 219. [11] - إيضاح الفوائد 84: 608. [12] - المهذّب البارع 5: 223. [13] - جامع المقاصد 2: 259. [14] - كتاب نكت النهاية (ضمن الجوامع الفقهيّه): 687، كتاب الديّات. [15] - كشف الرموز 2: 614. [16] - المهذّب البارع 5: 204. [17] - التنقيح الرائع 4: 435. [18] - غاية المراد 4: 421. [19] - مسالك الإفهام 15: 192. [20] - كتاب نكت النهاية ضمن (الجوامع الفقهيّة): 687، كتاب الديات. [21] - كشف اللثام 2: 280. [22] - رياض المسائل 2: 515. [23] - جواهر الكلام 42: 220.
|