الأوامر (درس50)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 50 التاريخ : 2008/12/21 بسم الله الرحمن الرحيم ثمّ لا فرق في عدم القدرة على الامتثال بين كون داعي الأمر شرطاً للمأمور به أو جزءً من المأمور به. أمّا على الشرطية فواضح باعتبار أن فاقد الشرط وواجده متباينان، كالصلاة مع طهارة والصلاة دون طهارة، فهما متضادان أو متخالفان. وأمّا على الشرطيّة والجزئية بأن قال المولى: صلِّ واقصد القربة، والداعي هو الأمر كما لو قال: صلِّ وليكن ركوع في صلاتك كجزء لا كشرط. هنا لا قدرة لي على الامتثال كذلك؛ لأنّ الأمر بالمركب رغم أنَّه يدعو إلى أجزاء الأمر المركب دون كلام لكنَّ دعوته خاصة لا مطلقة، أي: أنَّه يدعو إلى الأجزاء بلا إشكال في ذلك إذا كانت الأجزاء مترتبة ومتلاحقة ومتقارنة من قبيل الأمر بالصلاة، فهو دعوة للركوع والسجود، أو أنك إذا أردت الإتيان بمقارنات الصلاة كلها من التكبير والقراءة والركوع والسجود فالأمر بالصلاة هو الداعي للإتيان بذلك أي: (وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ)[1] يُعدُّ داعياً للإتيان بها والشارع هو الذي فرض هذا داعياً. ثمّ أشكل صاحب (الكفاية) على نفسه بما حاصله: صحيح أنَّه لا يمكن أخذ داعي الأمر في المأمور به لا شرطاً ولا شطراً، لكنَّ المولى يمكنه أن يوظّف المكلّف بأمرٍ آخر بداعي الأمر لكن بقصد القربة بأن يأمر المكلّف بالنحو التالي: أوّلاً: يأمر بنفس الطبيعة (كفّنوا أمواتكم)، فقد أمر المولى هنا بنفس تكفين الميّت وداعي الأمر لا شرطاً ولا جزءً. ولو كنّا نحن وهذا الأمر لقلنا: التكفين دون قصد القربة يجزي؛ لأنّه قال: كفنوا فحسب. ثانياً: يأمر أمراً آخر وهو قصد القربة عند التكفين، أي: يأمر بالأمر الأوّل بداعي الأمر الثاني. وإذا كان الأمر هكذا فلا يحصل الإشكال بأنَّ الأمر لا يدعوا إلاّ إلى متعلّقه؛ لكون متعلّق الأمر الأوّل أصل الطبيعة ومتعلّق الأمر الثاني هو الإتيان بالطبيعة بقصد الأمر. إذن، كان بإمكان المولى أن يكلّفني بداعي الأمر لكن بواسطة أمرين أحدهما: أصل الطبيعة، وثانيهما: أن يقصد الأمر عند الإتيان بالطبيعة المأمور بها. يجيب صاحب (الكفاية) على هذا الإشكال ويقول ما مضمونه: ما تقدَّم يُعدُّ فرضاً محضاً غير مفيد في الفقه، مضافاً إلى أنّه لا يوجد أكثر من أمر واحدٍ في العبادات مثل التوصّليات. نعم، الفرق بين العبادات والتوصّليات في أنَّ الثاني يسقط بمجرد الإتيان بالأمر ولو لم تُقصد القربة، بينما الأوّل لا يسقط إلاّ بالإتيان به مع قصد القربة، وإلاّ فكلاهما ذات أمر واحد. نقول: إذا أتينا بالأمر الأوّل ـ الأمر بالطبيعة ـ دون قصد القربة يسقط أم لا؟ فإذا سقط الأمر بالطبيعة بمجرد الإتيان به دون قصد القربة لا تصل النوبة إلى الأمر الثاني؛ لأنّ المكلّف هنا جاء بصورة العمل والأمر الثاني لا يحصل على أرضية للتنفيذ، وذلك من قبيل أن يقال: على الحاضر أن يصوم، فيسافر لكي لا يصوم أي يُعدم الموضوع. ويقال مثلاً: اغسل الميت، فيحرقه لكي لا يجب غسله ولا تصل النوبة إلى الأمر الثاني. أمّا إذا لم يسقط العمل بالإتيان به فلابدّ وأنّ الغرض لم يؤمّن ولا حاجة للأمر الثاني كما لو يُعلن أنَّ الغرض لا يؤمّن بالإتيان بالمأمور به[2]. النتيجة: عندما يريد العبد أن يأتي بالمأمور به يأتي به بقصد القربة دون الحاجة إلى أمر بالقصد. الاستدلال على الاستحالة استدلَّ صاحب (الكفاية) على الاستحالة بوجوه، بعضها تثبت الامتناع الذاتي، وبعضها تثبت الامتناع بالغير، بعبارة اُخرى: بعض هذه الوجوه تثبت أن التكلّيف محال، وبعضها الآخر تثبت أن هذا تكليف بالمحال. من الوجوه التي استدل بها هي الدور، وتقدُّم الشيء على نفسه، ببيان أنّ الأمر تحققه موقوف على داعي الأمر، وداعي الأمر موقوف على الأمر. وهذا دور مع الواسطة من قبيل توقف ألف على باء وباء على جيم وجيم على ألف، بعبارة اُخرى: تحقّق الأمر فرع تحقّق موضوعه؛ لأنّ الأمر حكم، وإذا اُريد إيجاد الحكم فالأمر فرع تحقّق الموضوع[3]. لكن هذا الوجه غير تام؛ للفرق بين الموقوف والموقوف عليه سواء كان الدور في مقام الإنشاء، أو في مقام التصوّر قبل الإنشاء، أو في الخارج وفي عينية الحكم وفعليته. أمّا في مقام التصوّر فواضح؛ لأجل أن هناك تصورين ووجودين ذهنيين، وإذا كان اثنين كان بالإمكان أن يتصور شخص مرّتين في أحدهما يقول: آمر وفي الآخر يقول: لا آمر. معنى قصد القربة ماذا يعني قصد القربة فهل يعني داعي المصلحة، أو داعي الحسن، أو داعي المحبوبية؟ وما هو المأخوذ من هذه وما هو المأخوذ أو غير المأخوذ من هذه المعاني في المأمور به؟ وليُعلم أن صاحب (الجواهر) ـ قدّس سرّه ـ عدَّ قصد القربة المعتبر في العبادات بمعنى داعي الأمر، أمّا المعاني الاُخرى من الحسن والمحبوبية والمصلحة فاعتبرها في طول داعي الأمر، أي: أنّ دافع المكلّف ينبغي أن يكون امتثال أمر الله، لكنه قد يمتثله خوفاً من النار، وقد يمتثله طمعاً بالجنّة، وقد يمتثله لأنّه وجد الله مستحقاً للعبادة وأهلاً لها، أو أن محبوبية العمل هي التي دعته، وهذه جميعها دواعٍ في طول داعي امتثال الأمر[4]. يقول الإمام علي ـ عليه السلام ـ : ((بل وجدتك مستحقاً للعبودية فعبدتك))[5] أي: أنّي أمتثّل أمرك لا خوفاً من جنهم ولا طمعاً بالجنّة بل لكونك أهلاً للعبادة ولامتثال الأمر. لكن المعروف بين الفقهاء أن بقية الاُمور مثل المصلحة معدودة في عرض داعي الأمر، وتكفي في باب قصد القربة المصلحة ولا ربط في ذلك بالأمر، بأن يأتي شخص بالعمل بداعي المصلحة فقط. هذان نظريتان في باب قصد القربة أحدهما ذهبت إلى أن قصد القربة يعني داعي الأمر، والاُخرى ذهبت إلى أنّه بمعنى مطلق الدواعي. بعدما اتضح هذا نقول: ذهب صاحب (الكفاية) إلى التفصيل بين قصد القربة بمعنى داعي الأمر، وقصد القربة بمعنى الدواعي الاُخرى من قبيل الحسن والمصلحة وغيرهما. وقال: بأنّ أخذ القصد بمعنى الداعي في المأمور به محال؛ وفقاً للبرهان الذي تقدّم الاستدلال به، أمّا الداعي بمعنى الاُمور الثلاثة المتقدّمة فليس بمحال، بل ممكن ولا إشكال عقلياً فيه، لكنّ المولى لم يأخذه؛ لأنَّه لو أراد أخذه بالمعاني الثلاثة كان ذلك يعنى أنَّ قصد القربة في هذه الثلاثة كافياً وفي غيرها غير كافٍ، وهذا خلاف الضرورة والبداهة، مع أنّ جميع الفقهاء يقولون بكفاية داعي الأمر. و إذا اُريد اعتبار الاُمور الأربعة، فذلك محال أيضاً؛ لأنّه إذا استحال واحد من الأربعة استحالت الأربعة جميعها، لكون استحالة الجزء تستلزم استحالة الكل ّ[6]. بيان المطلب: الوجه الذي اعتمده الشيخ صاحب (الكفاية) هو عدم القدرة على الامتثال إذا اُخذ الداعي في المأمور به؛ لأنّ العبد إمّا أن يريد الإتيان بالأجزاء بداعي الأمر(الأمر لا يدعو إلى متعلّقه)، وإمّا أن يريد عدم الإتيان بالأمر بداعي الأمر، (الشيء لا يدعوا إلى نفسه) وكذا حال المصلحة كداعي. إشكال: بعد ما شرط المولى داعي المصلحة وقال: يشترط الإتيان بالعمل بداعي المصلحة، فالمكلّف يأتي بذات العمل بداعي المصلحة، أو أنّه يأتي بالعمل الذي هو بداعي المصلحة بداعي المصلحة؟ إذا جاء بذات العمل بداعي المصلحة فذات العمل خالٍ من المصلحة؛ لأنّه فاقد للشرط وفاقد الشرط لا مصلحة فيه، كما أنّه لا أمر فيه، فالإتيان بذات العمل الذي هو بداعي المصلحة بداعي المصلحة يلزم منه أن يكون الشيء داعياً إلى نفسه، وكذا الحال في الحسن والمحبوبية. يكتسب داعي المصلحة بعد الأمر بالمصحلة، أمّا قبل المصلحة فلا أمر فيه، وهذا هو إشكال الدور المتقدّم، فالأمر موقوف على داعي المصلحة، وإذا أرادت المصلحة أن تكون داعياً فلا تتأتى إلاّ بعد الأمر. ولا يقال: إنّها ذاتية؛ لأنّ الفرض كونها شرطاً، فالداعي شرط المأمور به وإذا كانت كذلك فلا تتأتّى إلاّ بعد حصول الأمر ولا تحصل دون حصول الأمر، والداعي لا يكون داعياً إلاّ إذا كان شرطاً. إشكال ثانٍ: عدم القدرة على الامتثال قبل الأمر، فالمكلّف لا يمكنه الامتثال بداعي المصلحة؛ لكون الفرض أنّ داعي المصلحة شرط ولا يحصل الداعي هذا ما لم يحصل الأمر، وما لم تحصل المصلحة لا قدرة للمكلّف على الامتثال. كلام الشيخ الآخوند في اعتبار قصد القربة بمعنى داعي المصلحة وداعي الحسن وداعي المحبوبية على نحو العرض وعدم استحالة أخذها في المأمور به، لكن المولى لم يأخذها وفصَّل[7]. كلامه غير مقبول عندنا وكذا تفصيله؛ لأنّه إذا استحال أخذ قصد القربة بمعنى داعي الأمر كذلك استحال أخذ قصد القربة بمعنى داعي المصلحة، وكان إشكاله الأساس هنا هو عدم القدرة على الامتثال،وهذا الإشكال يُتصوَّر هنا كذلك، فعندما يقال: (صلِّ بداعي المصلحة) هل يأتي بالصلاة بداعي المصلحة أو أنّه يأتي بالصلاة التي هي بداعي المصلحة بداعي المصلحة؟ الصلاة خالية من المصلحة وفاقدة للشرط، وفاقد الشرط لا مصلحة فيه. إذن تفصيل صاحب (الكفاية) غير تام. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - البقرة: 43. [2] - الكفاية: 74. [3] - الكفاية: 74. [4] - الجواهر 9: 157. [5] - بحار الأنوار 41: 14 / 4. [6] - الكفاية: 74. [7] - الكفاية: 74.
|