Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الأوامر (درس49)
الأوامر (درس49)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 49
التاريخ : 2008/12/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الجمل الخبرية
المبحث الثالث هو في الجمل الخبرية، فهل للجملة الخبرية ظهور في الوجوب أو أنّه لا ظهور لها، وعلى فرض عدم الظهور هل لها ظهور إطلاقي بواسطة مقدمات الحكمة أم لا؟ هذا مع أنّه على فرض عدم الظهور الإطلاقي وعدم القرينة تكون الجملة مردّدة بين الوجوب والاستحباب.
صاحب (الكفاية) اختار للجملة الخبرية في مقام الإنشاء الظهور في الوجوب، وظهورها حجة من باب مقدمات الحكمة إذا لم نقبل حجية ظهور اللفظ.
وقد أضاف بأن ظهور الجملة الخبرية في الوجوب في مقام الإنشاء آكد من ظهور الجملة الإنشائية وصيغة الأمر. فإذا قال المولى: (مَن تكلّم في الصلاة يعيد صلاته) كان ظهور (يعيد) في الوجوب أكثر من ظهور (أعد الصلاة) في الوجوب، رغم أنّ المستعمل فيه واحد في كليهما وهو وقوع النسبة، لكنه في مقام الإخبار بداعي الحكاية والإخبار وفي مقام الإنشاء بداعي البعث والتحريك، وبما أنّ مدلول الجملة الخبرية وقوع الفعل، إذن تدلّ على عدم رضاء المولى عن الترك، فهو يريد الفعل بدرجة بحيث يفرضه منجزاً وهو حكاه.
ثم أورد على نفسه بأنّ استعمال الجملة الخبرية في مقام الإنشاء في وقوع النسبة يلزم منه الكذب، فعلى سبيل المثال: (من تكلّم في صلاته يعيدها) قد يتكلم شخص في صلاته ولا يعيدها، فيلزم على ذلك كذب هذه الجملة.
وأجاب عنه بأنّ المعيار في الصدق والكذب هو المراد الأصلي والرئيسي لا مدلول الاستعمال، ألا ترى قولك: (زيد كثير الرماد) كناية عن السخاء، فإذا كان السخاء كان الرماد كثيراً، وإذا لم يكن سخاء فمهما جمعنا من رماد يكون كاذباً.
ليس المعيار في الجملة الخبرية في مقام الإنشاء المستعملة بداعي البعث هو مدلول اللفظ، بل المراد الأساسي والأصلي هو التحريك والبعث، ولا مجال للصدق والكذب في ذلك المراد، والموجود هنا هو الامتثال والعصيان، فإذا جاء بالأمر كان ممتثلاً وإلاّ كان عاصياً.
ثم قال: ولو تنزّلنا عن ذلك فنقول: إنّ عدم الرضا بترك الفعل المستفاد من الجملة الخبرية بواسطة مقدمات الحكمة في حالة ما إذا كنّا نجهل إرادته للوجوب أو الندب، فيُفرض حملها عندئذٍ على الوجوب. وهذا ملخّص كلامه قدس سرّه.
يبدو لنا كون بعض كلماته صحيحة والأخرى غير صحيحة، فقوله بأنّ الجملة الخبرية في مقام الإنشاء ظاهرة في الوجوب وظهورها آكد وإنّها مستعملة لحكاية وقوع النسبة، مطلب صحيح ومطابق لماحققناه في باب المجازات تبعاً لسيدنا الاُستاذ وأن الألفاظ لا تستعمل في غير ما وضع لها بل تستعمل في معناها الحقيقي، لكن يُدّعى في باب المجاز ادعاءات تضفي على الكلام جمالاً خاصاً.
أما الجزء الثاني من كلامه بأنه لو تنزلنا عن ذلك، فالجملة الخبرية حجة في الوجوب من باب مقدمات الحكمة لأجل هذه النكتة وهي أنه لا يرضى بتركه، فغير تام؛ لأجل أن الأخذ بهذه النكتة لا يكون أخذاً بالإطلاق، ولا يُصطلح على هذا الأخذ بالإطلاق، بل اعتماد على القرينة الحالية، وباب الإطلاق هو غير باب الاعتماد على القرينة، ومحله ما إذا لم تكن هناك قرينة، والأمر سهل.
المبحث الرابع: في التعبدي والتوصلي
قبل الخوض في المسألة لابدّ من تقديم أمور
الأمر الأوّل
: المراد من التعبدي محل البحث هو العمل المعتبر في امتثاله قصد القربة، والمراد من التوصلي هو العمل غير المعتبر في امتثاله قصد القربة.
هناك معانٍ للتعبدي والتوصلي ليست موضع بحثنا من قبيل: التعبدي يعني العمل المشترط فيه لزوم المباشرة، والتوصلي هو العمل غير المشترط فيه المباشرة، أو التعبدي بمعنى العمل الذي يلزم فيه الإرادة وقصد العنوان، والتوصلي هو الذي لا يلزم فيه الإرادة وقصد عنوان العمل، أو التعبدي بمعنى العمل الذي لا يسقط إذا امتثل بالفرد المحرّم، والتوصلي هو الذي يسقط ولو بالفرد المحرّم، فهذه المعاني جميعها ليست موضع بحث علم الاُصول.
وقد فُسّر التعبدي في (فرائد الأصول) بما يكون مأموراً للعبودية، وهذا التفسير أخصّ من محل النزاع؛ لأنّ محل النزاع هو الواجب المعتبر فيه قصد القربة سواء كانت هناك عبودية أو لم تكن، ولقائل أن يقول بأن التعبدي ليس بمعنى العبودية بل بمعنى الطاعة.
الأمر الثاني: ظاهر عبارة (الكفاية)، بل صريحها وصريح غيرها هو اختصاص محل النزاع بصيغة الأمر، لكن محل النزاع أعم منها كما سيظهر ذلك.
إجمال المسألة هو أنّ ثمة بحثين في التعبدي والتوصلي:
أحدهما:
إذا شككنا في الواجب كونه تعبدياً أو توصلياً، أي شككنا في اشتراط قصد القربة وعدم اشتراطها من قبيل الشك في تكفين الميت، فما نعمل؟ اشترط البعض قصد القربة بمقتضى قاعدة الاشتغال، ولم يعتبر قصد القربة بعض آخر وفقاً لأصالة البراءة ورفع ما لا يعلمون.
ثانيهما: هل إطلاق الدليل حجة على اعتبار قصد القربة أم لا؟
بعبارة أخرى: قال الدليل: (فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ)[1] ولم يشترط قصد القربة فهل يكون حجة على اعتبار القصد أم لا؟
مبنى الاختلاف هو إمكانية أو عدم إمكانية أخذ قصد القربة في المأمور به، فالذي يقول بعدم إمكان أخذه في المأمور به يقول: إنّ التمسك بالإطلاق فرع القدرة على التقييد، والذي يقول بإمكان أخذه في المأمور به فدليله القدرة على التقييد.
الأمر الثالث: التعبُّد واجب؛ لأجل أنّ قصد القربة تدخل في الغرض والمصلحة الموجبة للأمر جزماً، وليعلم أن لقصد القربة دخلاً في الغرض أينما اعتبر، كما أنه لا دخل له في الغرض أينما لم يعتبر أي كان الواجب توصلياً، ولو لم يكن للقصد دخل في الغرض (عندما يكون الواجب تعبدياً) لزم سقوط التكليف بمجرد الإتيان به ولو لم يكن عن قصد قربة، وإذا كان الأمر كذلك فمن غير المعقول أنّ يكون قصد القربة معتبراً في صحة التكليف وإسقاطه عن ذمة المكلّف، إلاّ أن نقول بعدم دخل القصد في الغرض المولوي، وإلاّ كيف ينبغي الإتيان بالعمل ليكون صحيحاً؟
إنما الكلام الذي سبّب البحث في التعبدي والتوصلي هو إمكانية أو عدم إمكانية أخذ قصد القربة في المأمور به كجزء أو كشرط، فهل يمكن هذا أم لا؟
قال البعض باستحالة ذلك، وقال البعض الآخر بإمكانية ذلك.
من هنا يتّضح معنى البحث عن الشك بناءً على القول بامتناع أخذ قصد القربة في المأمور به، وبيانه أنه بناءً على القول بامتناع أخذ القصد في المأمور به يكون الشك في أنّ القصد معتبر في صحة العمل أم لا، وعلى هذا يكون الشك صحيحاً وذات معنى حتى بناءً على القول بالامتناع.
القائل بالامتناع يذهب إلى استحالة أخذ قصد القربة في المأمور به، رغم ذلك يعقل الشك بناءً على هذا؛ لأن الشك في الشرطية يرجع إلى الشك في دخل الشرط في الغرض والمصلحة، وهو شك بالنهاية في صحة العمل أو عدم صحته. إذن يعقل الشك بناءً على القول بالامتناع.
هذا، مع أن اعتبار قصد القربة بواسطة الأدلة أمر لا بأس فيه، فللدليل أن يقول: (العمل الفلاني مع قصد القربة صحيح). وهذا هو شأن الواجبات العبادية فاشتراط قصد القربة في الوضوء حكم مجمع عليه بالإجماع المحصل والمنقول، ولروايات وردت في هذا المجال، وقد جاء في بعضها أن الله أوجب الوضوء ليعلم أياً من العباد مطيعين وأيّاً منهم عاصين. إذن، لا مانع من قيام الدليل على اعتبار قصد القربة.
بعبارة أخرى: إنّ القائل بالامتناع لا يقول بعدم اعتبار قصد القربة، بل يقول بامتناع أخذها في الدليل وأمر المولى بالإتيان بالوضوء مثلاً مع قصد القربة، وهذا لا ينفي أرضية الشك والبحث في هذا المجال.
الأمر الرابع: بعض الذين ذهبوا إلى امتناع أخذ قصد القربة قالوا: هذا إذا كان قصد القربة بمعنى الداعي إلى الأمر، أما إذا كان القصد بدواعي أخرى مثل المحبوبية وحسن الفعل فلا مانع من أخذه في المأمور به.
وقال البعض الآخر بعدم المانع من أخذ قصد القربة بداعي الأمر، وصاحب (الكفاية) من الذين قالوا باستحالة أخذ قصد القربة بداعي الأمر، أي من المحال أن يأمر الله بتكفين الموتى ويشترط أن يكون بداعي الأمر.
الإمام ـ رحمه الله ـ من الذين قالوا بإمكانية أخذ قصد القربة في المأمور به، ونحن نتابعه في رأيه هذا.
الثمرة
تظهر الثمرة في انه إذا ذهبنا إلى إمكانية أخذ قصد القربة في المأمور به، نتمسك بإطلاق دليل الواجب لرفع الشك، وتمسكُّنا بالإطلاق هنا صحيح، أما إذا ذهبنا إلى امتناع أخذ قصد القربة في المأمور به لا نتمكّن عندئذٍ من التمسك بإطلاق الدليل؛ لأنّ إطلاق الدليل حجة فيما إذا كان بالإمكان تقييده، وبعبارة أخرى: التمسك بالإطلاق فرع إمكان التقييد.
كمثال على ذلك لو قال المولى: (كفنوا موتاكم بالقطن بثلاثة أثواب) إذا قلنا بإمكان أخذ قصد القربة في الدليل أمكننا القول هنا بعدم اشتراط المولى لقصد القربة ولو كان أراد التقييد لأتى به، فعدم الإتيان به دليل على عدم اعتباره.
أما إذا قلنا بالامتناع، فلا يمكننا القول بعدم اعتبار قصد القربة هنا، وذلك لعدم إمكان تقييد الدليل بقصد القربة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - المائدة: 6.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org