المشتق (درس40)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 40 التاريخ : 2008/12/22 بسم الله الرحمن الرحيم آية نيل العهد ومن الوجوه التي استدل بها على الأعم هو استدلال المعصوم ـ عليه السلام ـ بآية (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[1] اعتراضاً وإنكاراً لخلافة من عبد الأصنام قبل الإسلام. كيفية الاستدلال إذا كان البناء ألاّ يكون المشتق حقيقة في الأعم فاستدلال المعصوم يكون غير تام؛ وذلك لأنّ الفرض كون الخلفاء عندما تولوا الخلافة لم يكونوا ظلمة، ولم يكونوا عبدة للأصنام، ولم يكونوا مشركين. ولذلك قلنا بأنّ المشتق حقيقة في الأعم؛ لأجل أن الإمام يريد القول بأن الظلم شأن عظيم، وهؤلاء ظلمة حالياً كذلك؛ لكونهم في السابق كانوا يمارسون عملية عبادة الأصنام. الجواب يظهر من خلال ما ذكرناه في الوجه الثالث الذي كان عنوانه كثرة استعمال المشتق في الأعم، والحقيقة أن الاستدلال غير منوط بوضع المشتق للأعم، بل استدلال المعصوم بالآية من باب اقتضاء مناسبات الحكم والموضوع لكفاية حدوث التلبّس بالظلم لمنع الإنسان عن صيرورته حاكماً إلى الأبد، ولو أن التلبس قد انعدم، واستدلال الإمام ناظر إلى هذه القرينة. والمناسبة هذه واضحة من حيث إن الذي كان مشركاً قبل حكومته كان ذلك يعني النقص في عقله، وأنه ـ عقلياً ـ لم يكن في الطريق المستقيم، بل في طريق قهقرائي، كيف يمكن لشخص كان يرى للحجر دوراً وتأثيراً في حياة الإنسان أن يصبح حاكماً للمسلمين وزعيماً لهم ويأخذ بزمام اُمورهم ويديرها؟ هذه المسألة عقلائية ويعتمدها العقلاء ويقبلها. هذا، مع أن أكثر الذنوب غير قارّة، فلو كان الحكم منوطاً بالتلبّس حدوثاً وبقاءً لزم تعطيل الحكم أو تخصيص الأكثر؛ لأنَّ التهمة والافتراء والكذب وغير ذلك ذنوب وظلم. وإذا قيل بالفرق بين الشرك وغيره من الذنوب. قلنا: إذا كان حدوث باقي الذنوب علّة لا الحدوث والبقاء كان ذلك ـ أي الحدوث علّة ـ في الشرك بطريق أولى، ولو قلنا: الحدوث والبقاء علّة، لزم جواز حكومة غير واحد من المجرمين. إذن لعلَّ استناد المعصوم بالآية الشريفة من حيث إن الاستدلال غير متوقف على وضع المشتق للأعم. ويؤيّد الاحتمال الأوّل أمران: أوّلهما: نفس الآية، فقد جاء الفعل فيها مضارعاً (لاَ يَنَالُ) وذلك يعني عدم نيل عهد الله لمن ظلم ولو للحظة واحدة. وهذا يؤيّد ما قلناه بأن المشرك يحمل عقلاً معوجاً وغير مستقيم وأنّه غير صالح للحكومة، لكون الفعل جاء مضارعاً ولم يعين لذلك وقتاً خاصاً. ثانيهما: الروايات التي جاءت في الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة[2]، منها صحيحتان، وقد جاء فيهما: أن خمسة لا يصلحون للإمامة هم : المجذوم والأبرص وولد الزنا والمحدود والأعرابي المهاجر، ونريد بالإمامة إمامة الجماعة. تنبيه: اتضح ممّا سبق أن المشتق حقيقة في من تلبّس بالمبدأ في حال النسبة، كما اتضح أن استعمال المشتق فيما انقضى باعتبار التصرّف المعمول في مبدأه أو باعتبار أن اللفظ يطلق بلحاظ حال النسبة، لكن المستخدم تصوّر أن الإطلاق بلحاظ حال ما انقضى، وإلاّ فالمشتق ليس حقيقة في ما انقضى عنه، بل في من تلبّس، ودليلنا عبارة عن التبادر وصحة السلب عمّا انقضى عنه. كما أنّ المشتق ظاهر في الموضوعية، أما كونه عنواناً مشيراً فذلك خلاف الظاهر، لا يُصار إليه إلاّ بدليل. أمر يظهر ممّا ذكرنا أن الجامع أو القدر المشترك لا وجود له بناءً على الأعم، والجامع لا يخرج عن حالتين إمّا أن يكون حقيقياً أو انتزاعياً، ولا يمكن أن يكون جامع حقيقي يجمع بين المتلبّس والمنقضي عنه، فلا يمكن لشيء أن يكون في وقت واحدٍ متلبّساً ومنقضياً عنه؛ لأن ذلك يعني اجتماع الوجود والعدم. أمّا الجامع الانتزاعي فهو ـ كما تقدم ـ عبارة عن المتلبّس، فإذا اُريد منه المتلبّس على الإطلاق يلزم أن يكون المشتق حقيقة في المتلبّس مستقبلاً كذلك؛ لأنّه متلبّس على كلّ حال لكن لا في الحال الحاضر بل في المستقبل. وإذا قيل بأنّ المراد منه المتلبّس بالمبدأ المتحقق فيه التلبّس لكي يشمل المنقضي عنه كما يشمل المتلبس في الحال. قلنا: المتلبّس بالمبدأ في الجملة هو القدر الجامع بمفهومه أو بمصداقه. وفي الجملة هو متلبّس بالمبدأ بالحمل الأولي الذاتي أو بالحمل الشائع الصناعي. فإذا قلت: هو بالحمل الأولي فهو كما ترى، فإنّه لا يتبادر من عناوين المشتق مفهوم التلبّس في الذهن، فحاله حال غلام زيد، فلا يتبادر إلى الذهن مفهوم غلام على حدة ومفهوم زيد على حدة، وكذا الأمر بالنسبة إلى المشتقات. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - البقرة: 124. [2] - انظر الوسائل 8: 324 ـ 325، أبواب صلاة الجماعة، ب15، ح 3 ـ 5.
|