Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: المشتق (درس39)
المشتق (درس39)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 39
التاريخ : 2008/12/22

بسم الله الرحمن الرحيم
كثرة الاستعمال
وقد استدل على الأعم بدليل آخر وهو كون المشتقات تستعمل كثيراً في ما انقضى مثل: ضارب، وناصر، وسارق، وزاني. فإذا قيل بأنّ هذا الاستعمال على سبيل الحقيقة فهو المطلوب، وإذا قيل بأنّه على سبيل المجاز لزم منه كثرة المجاز، وهو بعيد.
وفيه ما يلي:
أوّلاً: استعمال المشتق في ما انقضى على سبيل الحقيقة كثير، رغم ذلك لا يتأتى المطلب؛ وذلك لأجل أن هذا الاستعمال باعتبار حال التلبّس لا باعتبار الحال، فالمثال: (هذا ضارب) يُراد منه ضارب في زمن الضرب لا الضرب حالياً رغم أنّه نائم حالياً، فهو استعمال في ما انقضى حال النطق، وهو متلبّس بالنسبة إلى حال الجري أو ظرف التحقق.
ثانياً: سلمنا أنّها مجاز، لكنّ المجاز تُستبعد كثرته فيما إذا كان حاصلاً زمن الوضع وقد كان الواضع ملتفتاً له، فذلك يكون بعيداً لكونه خلاف حكمة الوضع، وأنّى لكم بإثباته، لكوننا نحتمل حصول الكثرة بعد الوضع.
ثالثاً: على فرض قبولنا استعمال المشتق في ما انقضى على المجازية بكثرة، وأنّ الواضع كان ملتفتاً إلى هذه الكثرة، فإن هذا غير مخالف لحكمة الوضع؛ لأنّ الحكمة من الوضع هي تفهيم المقاصد بواسطة الألفاظ سواء كان ذلك مباشرة أو بشكل غير مباشر، والمجاز من شؤون الوضع.
إن قتلت: الحكمة من الوضع هي الاستفادة من الوضع بشكل مباشر لا أعم من ذلك؛ لأنّ في الأعم لزوم الاعتماد على القرينة، وفي الاعتماد عليها إطالة للكلام، لذلك قلنا بأن الحكمة من الوضع هو الاستفادة المباشرة منه وعلى سبيل الحقيقة.
قلت: نفس الشهرة والكثرة قرينة، ولا تحتاج إلى قرينة اُخرى، ولا مؤنة في الوضع للأعم، فإذا وضع للمتلبّس كان استعمال اللفظ في ما انقضى عنه في غنى عن القرينة، وذلك للشهرة والكثرة.
ورد في (المحاضرات) جواب على هذا الاستدلال يبدو أنّه غير تام، ومحصله: بعد ما يستدل بكثرة استعمال المشتق في ما انقضى وأنَّ الحاجة تقتضي الأعم يجيب كالتالي: لا مانع من كثرة المجاز، والمجاز كثيراً ما فيه استعارات وكنايات ومرسل نجده في كلمات الاُدباء والفصحاء، بل أنّ المجاز أبلغ، ويكفي فيه أدنى ملابسة.
الجواب غير تام، باعتبار أن الكثرة خاصة بالمجموع من حيث المجموع، ومحلّ بحثنا هو الكثرة في مورد واحد.
هذا، مع أنّ كلام الاُدباء والبلغاء والفصحاء خارج عن محيط التشريع والتقنين، فمحيط المكالمة مبني على التسهيل فيحسن فيه استخدام المجازات، أمّا محيط التقنين والتشريع عكس ذلك ولا يحسن فيه استخدام المجازات.
الآيتان الكريمتان
من وجوه الاستدلال على الأعم هو الآية الشريفة (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا)[1] والآية الشريفة: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)[2].
كيفية الاستدلال: إذا لم يكن المشتق موضوعاً للأعم كان إجراء الحد على السرّاق والزناة غير صحيح، ولا حجة عندنا لإجراء الحدّ. وبما أنّ الآيتين حجة فالمشتق ـ بناءً عليهما ـ حقيقة في الأعم، ولذلك تُقطع يد السارق وإن كان قد سرق قبل موعد القطع بسنة مثلاً.
الجواب بحاجة لبيان أمرين:
الأمر الأوّل: تؤخذ العناوين في الدليل، هذا وقد لا يكون للعنوان دخل في الحكم مثل الرواية 19 التي وردت في الباب 9 من أبواب صفات القاضي، حيث سأل فيض بن المختار الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ عمّن يسأله عن المسائل الشرعية، فأشار الإمام ـ عليه السلام ـ إلى زرارة وقال: ((عليك بهذا الجالس))[3] ، فعنوان الجالس هنا لا دخل في الحكم الشرعي.
الأمر الثاني: قد يكون العنوان مأخوذاً في الحكم الشرعي، أي يكون لاتصاف الذات بالمبدأ دخل في الحكم. وهو على قسمين:
أحدهما: أن يكون للعنوان دخل في الحكم حدوثاً، ويوجب الحكم بمجرد حدوثه ولو أنه يُعدم بعد الحدوث، من قبيل معاقبة المفسد، فإنه يعاقب بمجرد حدوث الفساد رغم انعدام الفساد عند إجراء العقوبة.
ثانيهما: أن يكون العنوان دخيلاً في الحكم حدوثاً وبقاءً، مثل حرمة دخول المسجد والمكث فيه بالنسبة إلى الحائض، فالحرمة هنا دائرة مدار الحيض حدوثاً وبقاءً.
أمّا الحالة الاُولى المعكوسة في الأمر الأوّل فهي خلاف ظاهر الأدلّة؛ لأنّ ظاهرها موضوعية العناوين المأخوذة، وأنّ لها دخلاً في الأحكام. أمّا اعتبار العناوين مشيرة فذلك خلاف الظاهر وبحاجة إلى قرينة.
أمّا الحالة الثانية والثالثة المعكوستان في الأمر الثاني فهما متفقان وظاهر الدليل، وتعيين أحدهما بحاجة إلى جهة، فكل عنوان أخذ في الدليل نحتمل دخالته حدوثاً فقط أو حدوثاً وبقاءً، فإذا استحال أخذ عنوان حدوثاً وبقاءً حكمنا بدخالته حدوثاً فقط، وذلك لوجهين: إمّا أن يكون الموضوع غير قارٍّ ولا ثبات فيه، وعادةً لا يمكن إجراء الحكم في زمن التحقّق، وذلك من قبيل القتل، ولو لم نقل بهذا لزم تعطيل الحكم في كثير من الموارد.
وقد تقتضي مناسبات الحكم والموضوع القول بأنَّ تلبّس الذات بالمبدأ حدوثاً علة حتى مع انعدام المبدأ، وذلك من قبيل عدم حكومة المشرك، فإن المشرك وإن كان من الاُمور القارّة وذات الثبات، لكن مناسبات الحكم والموضوع تقتضي ألاّ يكون المشرك حاكماً وإن انقضى عنه الشرك؛ لأنّ الذي لم يبلغ مستوى عقله درجة يدرك بها ضرورة عبادة الله وقد كان يظن مدة سنوات أن الجمادات والحيوانات والنباتات هي المدبر للاُمور كيف يمكنه أن يكون حاكماً ويدير قضايا المجتمع؟
إذا عرفت ما سبق نقول: في مثل آية الزنا والسرقة يكون التلبّس بالمبدأ موضوعاً للحكم، ودخالة التلبّس على نحوالحدوث؛ لأنّ هذه الاُمور من الاُمور المتصرّمة، والترتب والإجراء يحصل بعد الانقضاء عادة، وهذا قرينة على كون تلبّس الذات بالمبدأ له دخل في الحكم على نحو الحدوث فقط.
ولا يختلف في هذه المسألة قولنا بأن الاستعمال على نحو الحقيقة أو على نحو المجاز، أي سواء قلنا بأن السارق في زمن السرقة اقطعوا يديه الآن (على نحو الحقيقة)، أو السارق الآن اقطعوا يديه الآن (على نحو المجاز).
لكن الاستدلال بهذين الآيتين غير صحيح؛ لأنّه وإن كان استعمال المشتق في ما انقضى ليس استعمالاً حقيقياً، لكن الاستدلال لا علاقة له بالحقيقة والمجاز، مع أن الظاهر كون الاستعمال حقيقياً، ولذلك كان الكلام السابق غير تام.
ويظهر من (الفوائد) وإن كانت عباراته مختلفة كون استعمال المشتق في ما انقضى في مثل الآيتين محالاً.
وقد ذكر وجهاً للاستحالة، وهو أنّ المشتق إذا استعمل في ما انقضى عنه التلبّس لزم تخلف الحكم عن الموضوع؛ لأنّ تلبّس الذات بالمبدأ علة للحكم، وإذا كان البناء استعمال المشتق في ما انقضى لزم تأثير مضي الزمان ودخالته في الموضوع وفي الحكم، وهذا لا يتناسب مع كون المشتق علّةً وموضوعاً.
وهذا الكلام غير تام؛ لأجل أنا إذا اعتبرنا المشتق موضوعاً، فما المراد من المشتق؟ فإذا اُريد منه ما انقضى عنه التلبّس، فذلك يعني عدم إضافة شيء وأخذ شيء في الحكم غير الموضوع. نعم، في مقام ثبوت الحكم بحسب الواقع ومن باب المصلحة تكون السرقة علّة تامة للحكم، أمّا في مقام التبيين فقد قيل بأن يد السارق تُقطع باعتبار سرقته السابقة، وهو حالياً سارق بذلك الاعتبار.
اللهم إلاّ أن يقال: إن وجوب القطع في مثل الآية الكريمة: (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) لا يتعلق بزمان القطع، أي أن (فَاقْطَعُوا) تخصّ زمان السرقة ففي ذلك الوقت يجب القطع، لكنّ الحكم يُمتثل عند القاضي، وإلاّ فالحكم ثابت من قبل، وإذا اُريد هذا فهو صحيح.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - المائدة: 38.
[2] - النور: 2.
[3] - الوسائل 27: 143، أبواب صفات القاضي، ب11، ح19.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org