الصحيح والأعم (درس26)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 26 التاريخ : 2008/12/25 بسم الله الرحمن الرحيم الثمرة الثانية وهي عبارة عمّا يلي بناءً على القول بالوضع للأعم إذا شككنا في جزئية شيء أو شرطيته نجري أصالة البراءة إذا كنا قائلين بها: ونجري أصالة الاحتياط إذا كنا قائلين بها. أمّا بناءً على القول بالوضع للصحيح فلا خيار لنا غير الاحتياط حتى عند الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين؛ وذلك لأنّا إذا قلنا بالوضع الصحيح كان ذلك يعني أنَّ الألفاظ وضعت لجامع بسيط اعتباري، ولا يمكن لهذا الجامع أن يكون مركباً؛ لأنَّ نسبة أجزاء المركب إلى الأفراد لا تكون صحيحة دائماً، بل بعضها صحيحة وبعضها فاسدة. كما أنَّ الجامع لا يمكنه أن يكون ذاتياً مثل الإنسان الذي هو جامع ذاتي لزيد وعمرو؛ وذلك لأجّل أنَّ الصلاة تتشكّل من مقولات وأعراض مختلفة، ولا يمكن العثور على جامع حقيقي للصلاة. إذن، لا خيار لنا هنا غير القول بأنَّ الجامع ينبغي أن يكون بسيطاً واعتبارياً مثل عنوان الناهي عن الفحشاء، فإذا شككنا في جزئية شيء ما ولم يكن الشك في الأقل والأكثر، بل في المحصَّل والمحصَّل كان علينا الاحتياط؛ لأنّا لا نشك هنا في الجامع الاعتباري المأمور به بل نشك في أنّ الجامع الاعتباري يتحقق بتسعة أجزاء أي دون ذلك الجزء المفروض أو لا يتحقق إلاّ به، فالمقام يكون مقام احتياط. رأي صاحب (الكفاية) يظهر من صاحب (الكفاية) عدم كون هذه الثمرة ثمرة حتى بناءً على القول بالوضع للصحيح، وتدخل المسألة في الأقل والأكثر ببيان أنّ المأمور به قد يكون مسببياً وقد يكون انتزاعياً، فإذا كان مسببياً وشككنا في السبب، كان الشك في المحصَّل والمحصِّل، ويكون المقام مقام الاحتياط. مثله، كوننا مأمورين بالطهارة وشككنا في الوضوء، فالمقام مقام احتياط؛ لأنّ الوضوء سبب للطهارة المأمورين بها. أمّا إذا كان المأمور به أمراً انتزاعياً، فلا محلّ عندئذٍ لقاعدة الاحتياط، بل تجري أصالة البراءة هنا، وتدخل المسألة في باب الأقل والأكثر؛ لأنّ هناك اتحاداً بين المنتزع والمنتزع منه، ووجود المنتزع بوجود المنتزع منه. وشكنا في المنتزع منه شك في المنتزع، لذلك تجري البراءة[1]. لا يخفى أنَّ كلام الآخوند بحدّ ذاته لا يُتمُّ المطلب، ولذلك أشكل عليه المرحوم الحائري في درره بأنَّ الشيء إذا كان ذا عناوين بعضها تعلق بأمرٍ فجريان البراءة والاشتغال بذلك البعض لا علاقة له بالبعض الآخر، كما لو أُمرنا بإكرام زيد العالم لعلمه، فجريان البراءة أو الاشتغال من حيث العدالة لا ربط له بعالمية زيد[2]. أمّا صاحب (نهاية الاُصول) فقد برَّر كلامالآخوند الخراساني بحيث يبدو خالياً من الإشكال وقال : بأنّا نُسلّم بكون المنتزع والمنتزع منه مفهومين وعنوانين، لكن وجود المنتزع عين وجود المنتزع منه، ورغم تعلق الأمر بالعنوان، إلاّ أنّ غرض الشارع الوجود، وهو مردَّد بين الأقل والأكثر ولا نعلم تحققه بتسعة أجزاء أم بعشرة[3]. وفيه ما يلي: أوّلاً: لا نقبل كون المنتزع عين وجود المنتزع منه، بل وجود المنتزع متحد في المنتزع منه وليس عينه؛ لأنّ وجود المنتزع بسيط، ووجود المنتزع منه مركب. ثانياً: إذا جاء دور تلبية غرض المولى ومطلوبه، فإنَّ الآخوند يذهب إلى القول بالاحتياط في باب الأقل والأكثر الارتباطيين ويرى لزوم الإتيان بالأكثر[4] وبذلك يبقى الإشكال على وضعه دون حلٍّ. لكنَّ الحقّ أنَّ هذه الثمرة ليست بثمرة؛ لأنَّ الألفاظ التي وضعت للمركبات وتحضى بوحدة اعتبارية على قسمين: القسم الأوّل: هي الألفاظ التي وضعت لمركب بمعنى بسيط اعتباري ويذهب معناها البسيط بمجرد ذهاب بعض أجزاء المركب مثل عشرة أو خمسة فالعشرة إذا أصبحت تسعة سوف لا تبقى عشرة والخمسة إذا صارت أربعة سوف لا تبقى خمسة. القسم الثاني: هي الموضوعة للمركب بمعنى بسيط اعتباري، بحيث إذا ذهب بعض أجزائه لا يذهب المركب بالكليّة ومصاديقه كثيرة ولا يفرق في صدقه اختلاف الكيفيات والقلّة والكثرة، وهي من قبيل البيت والمدينة والسيارة والمسجد والميزان والكتاب فهذه كلّها ذات معنى بسيط اعتباري ولا يفرق في صدق المدينة والبيت اختلاف الهندسة وصغر الحجم وكبره وغير ذلك ، وكذا بالنسبة إلى السيارة فهي تصدق على أحدث موديل وأرقى نوع كما تصدق على أسوء نوع وأقدم موديل. ولا يخفى أنّ في نظر العرف كون المعنى الاعتباري البسيط هو عين الحقيقة، فبرأي العرف البيت هو نفسه الذي يتكون من غرف وأبواب و... لا أنَّ البيت حقيقة والغرف والأبواب حقيقة اُخرى بلأحدهما عين الآخر. لا يقال: كيف يمكن لمعنى بسيط اعتباري أن يكون عين المركب الحقيقي، مع أن ذلك بسيط وهذا مركب وذلك اعتباري وهذا حقيقي؟ فإنَّه يقال: الوحدة اعتبارية أيضاً لا حقيقية، أي أنَّ العقلاء اعتبروا هذين متّحدين وكون أحدهما عين الآخر، ولا مانع من ذلك لكونه اعتباراً وفرضاً وفرض المحال ليس محالاً. وعلى هذا تجري البراءة هنا بناءً على القول بالوضع للصحيح؛ لكون الشك هنا يكون من باب الشك في الأقل والأكثر، إذا كان من قبيل الشك في أنَّ مراد الشرع البيت ذات ثلاث غرف أو أربعة. تصوير الجامع من الأمور المبحوثة هنا هي تصوير الجامع على كلا القولين؛ وذلك لأنّا قلنا بأنَّ الموضوع له في ألفاظ العبادات عام، إضافة إلى أنَّ ثمرة الأخذ بالإطلاق وعدم الأخذ به موقوف على تصوير الجامع، ولو كانت الألفاظ موضوعة للأفراد ما كان وجه للأخذ بالإطلاق. رأي الشيخالنائيني يعتبر الشيخ النائيني أربعة شروط في الجامع: الأوّل: أن يكون قابلاً لتعلّق التكليف؛ لأنَّ الجامع هو المسمّى والتكليف يكون بالمسمّى. الثاني: أن لا يتصف الجامع على القول بالوضع للصحيح ـ بالصحّة تارةً والفساد اُخرى، بل ينبغي أن يتصف بالصحة دائماً؛ لأنّه جامع بين الأفراد الصحيحة لا الصحيحة والفاسدة. الثالث: أن لا يكون الجامع ناشئاً وآتياً من قبل الأمر بنفسه أو بقيده؛ وذلك لأنَّ الأمر متأخِّر عن المسمّى والجامع كتأخّر الحكم عن الموضوع، فكيف يؤخذ هذا الأمر المتأخر في الأمر المتقدّم. الرابع: لابدّ من تحقق الجامع في الخارج، ولا يصح أن يكون من الاُمور التي لا موطن لها غير الذهن والعقل مثل عنوان (المطلوب)[5]. لكن في اعتبار بعض الشروط كلاماً، فاشتراط أن لا يكون ناشئاً من قبل الأمر ليس صحيحاً؛ لأنَّ ما يكون أمراً بالحمل الشائع الصناعي من المسمّى يُعدُّ متأخراً، والمأخوذ في المسمّى هو تصوّر الأمر، والتصوّر يكون قبل نفس الأمر كما نرى ذلك بالوجدان. وهناك كلام كذلك في الشرط الرابع؛ لأنّه لا دليل لنا على كون المسمّى ينبغي تحققه في الخارج، غاية الأمر يُشترط في التكليف القدرة على الامتثال وذلك أعم من كون موطن المسمّى العقل أو الخارج. نعم، الذي يكون موطنه العقل فحسب لا يقبل الامتثال في الخارج مثل الكلّي العقلي بقيد الكلّية فإنّه لا وجود له إلاّ في الذهن. أمّا إذا كان موطنه في العقل ويقبل الامتثال فلا مانع من ذلك. ويبدو أنَّ المرحوم النائيني خلط بين الأمرين. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - كفاية الاُصول: 25 ـ 28. [2] - درُر الفوائد: 49. [3] - نهاية الاُصول: 63. [4] - كفاية الاُصول 1: 25. [5] - فوائد الاُصول: 64.
|