الصحيح والأعم (درس25)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 25 التاريخ : 2008/12/25 بسم الله الرحمن الرحيم إشكال آخر على الثمرة بناءً على القائل بالأعم تؤخذ الصحة في المأمور به:لأنّ الشارع لا يأمر بالفاسد، بل يأمر بالصحيح، وكما أنَّ القائل بالصحيح لا يمكنه التمسك بالإطلاق لكونه تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية، كذلك القائل بالأعم. الفرق الوحيد بين المذهبين هو أنَّ الصحة ـ بناءً على القول بالصحيح ـ مأخوذة في الموضوع بنحو الحمل الشائع الصناعي، وبناءً على القول بالأعم تكون قيداً للمأمور به بنحو الحمل الأولي الذاتي. الجواب أجاب صاحب (أجود التقريرات) بما يلي: لا يمكن أخذ الصحة في المأمور به؛ لأنّ الصحة عبارة عن تطابق المأتي به مع المأمور به، لذلك كان المفروض أوّلاً أن يكون هناك أمر لكي تصدق الصحة، فهي في المرحلة اللاحقة وتأتي بعد الأمر نفسه. وبعبارة اُخرى: الصحة بمثابة المعلول وفي رتبة متأخرة عن العلّة، وإذا كانت في رتبة متأخرة لا يمكن تقديمه. رأي الاُستاذ في جواب (أجود التقريرات) يبدو لنا أن الإشكال غير صحيح؛ لكونه مبنياً على المبنى القائل بأنّه لا يمكن أخذ الاُمور المتأخرة مثل قصد الوجه في المأمور به. أمّا بناءً على الرأي القائل بإمكانية أخذ هذه الاُمور في المأمور به ـ كما هو مذهب اُستاذنا الإمام قدس سرّه ـ فلا إشكال في البين. ويمكن الإجابة بشكل آخر كالتالي: صحيح أن الصحة مأخوذة في المأمور به بناءً على القول بالأعم، لكنّ هذا القيد قيد لبُيّ، والتمسك بالعام في الشبهة المصداقية لمخصص لبيّ لا مانع له. المثال المعروف للشبهة المصداقية هو: (أكرم العلماء) و (لا تكرم الفُساق). نحن نعلم بأن الفاسق هو الذي ارتكب ذنباً صغيراً أو كبيراً، لكنّا لا نعلم بـ (زيد) العالم هل ارتكب ذنباً ليصبح فاسقاً، أو لم يرتكب لكي لا يكون فاسقاً، أي أن عالمية زيد متيقّن بها وفاسقيته مشكوك بها لاُمور خارجية . وهذا الجواب مبنائي كذلك، ويصح بناءً على الرأي القائل بأنّ التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لمخصص لبيّ جائز، وإلاّ فلا يصح هذا الجواب. والحق في الجواب أن تقول: أوّلاً: بالنقض بجميع إطلاقات الكتاب وعمومات السنّة، فإن لازم الكلام السابق عدم جواز التمسك بالإطلاق في جميع الموارد ، فلا يمكن التمسك بإطلاق (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)[1] ، ولا بإطلاق (تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)[2] ، وما شابه من الموارد المسلّم بصحة التمسك بها. ثانياً: بالحل، وأنّ الشارع من المستحيل أن يأمر بعمل بقيد الصحة؛ وذلك لأنَّ الأمر من المولى يكون لإيجاد الداعي عند الإنسان وكذلك النهي، وإذا علم المولى أنّ المأمور به لا يبعث ولا يزجر في مكان ما فمن المحال أن يأمر به أو ينهى عنه؛ لكون الأمر بالتصديق بالفائدة يُعدُّ من مقدمات الإرادة، والصحة من الاُمور التي لا يؤثر فيها الأمر بها، ولذلك يكون الأمر بها لغوياً. ويمكن القول بأن الجواب موقوف على أمرين: الأوّل: الصحة عبارة عن مطابقة المأتي به مع المأمور به، وأنَّ الصحة أعم من كونها التمامية أو الملاءمة مع الطبيعة النوعية، بل هي: كون الشيء بحيث يترتّب عليه الأثر المقصود. الثاني: ما وضعت التكاليف الواقعية والحقيقية إلاّ لغرض التحريك، فالأوامر جعلت بداعي البعث، والنواهي جعلت بداعي الزجر. ولذلك إذا أيقن المولى بعدم انزجار المكلف وعدم انبعاثه فمن غير المعقول أن يصدر منه أمر حقيقي أو نهي حقيقي؛ وذلك لأنّ التصديق بالفائدة من مبادئ الإرادة . وعلى هذا الأساس ابتنى كلام الاُصوليين في باب الابتلاء وعدم الابتلاء بأطراف العلم الإجمالي، فإذا كانت بعض أطراف العلم الإجمالي خارجة عن محلِّ الابتلاء أصبحت الأطراف الداخلة محل الابتلاء غير منجزة واُجرجت البراءة؛ لعدم بعث المكلف وعدم زجره. وعلى هذا الأساس كذلك ابتنى كلام الاُصوليين في أنَّ تكليف الغافل غير معقول، ولا يمكن تكليف الغافل؛ لأنّ الغافل بمجرّد أن يلتفت إلى غفلته يخرج عن مصبّ التكليف، وإذا لم يلتفت يبقى دون محرّكٍ من بعث أو انزجار. هذا مع أنَّ التكليف جُعل بداعي التحريك. إيرادات على المبنى ترد على هذا المبنى إيرادات ومحاذير مطروحة في محلّها: الأوّل: إذا كان التكليف الحقيقي منوطاً بالتحريك، فمع العلم بعدم التحريك لا يكون تكليفاً، وينبغي أن يكون العصاة غير مكلّفين ولا معاقبين؛ لأنّ الله يعلم بأنه إذا كلّف العاصي فسوف لا ينجز العاصي تكليفه، لذلك سوف لا يكلّفه بناءً على هذا الرأي الدائر مدار الاحتمال. الثاني: إذا كان التكليف صحيحاً مع العلم بالتأثير كانت التكاليف الاختيارية خطأً؛ لأنَّا نعلم بأنّ الإنسان لا ينبغي له الإتيان بها، هذا مع أنّها تكاليف وشأنها شأن باقي التكاليف. هذه إيرادات هذا المبنى وعليها ردود تأتي في محلّها. وبعد بيان هذه المقدمة نقول: لا يُعقل أخذ الصحة في المأمور به؛ لأنَّ أمر المولى لا يخرج عن حالتين، فالأمر إمّا أن يكون محركاً، أو لا يكون محركاً، فإذا كان محركاً يأتي بالصلاة صحيحة بحكم العقل، وإذا لم يكن محرّكاً لا تأثير له، ويكون أخذ قيد الصحة في الأمر لغواً. نظير هذا نجده في وجوب إعادة الصلاة، فإنَّ إعادتها من الاُمور العقلية لا الشرعية، أي أنَّ الشارع لا يمكنه أن يكون له أمر مولوي في الإعادة؛ وذلك لأجل أنَّ المكلَّف إذا انبعث بالأمر المولوي بإقامة الصلاة وصلّى صلاته ثمّ علم ببطلانها أعادها، وإذا لم ينبعث بالأمر المولوي فلا يكون أثر للأمر بالإعادة بالنسبة لهكذا شخص، فهو لم ينبعث بأصل الوجوب فضلاً عن إعادته. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - البقرة: 275. [2] - النساء: 29.
|