Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الصحيح والأعم (درس24)
الصحيح والأعم (درس24)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 24
التاريخ : 2008/12/25

بسم الله الرحمن الرحيم

ثمرات النزاع في الصحيح والأعم
ذكرت الاُمور الثلاثة التالية كثمرة للنزاع:
1 ـ التمسك بإطلاقات الكتاب غير صحيح مطلقاً.
2 ـ إذا قلنا بالأعم كان التمسك بإطلاقات الكتاب صحيحاً في الشرطية والجزئية.
3 ـ إذا قلنا بالصحيح كان التمسك بإطلاقات الكتاب غير صحيح في الشرطية والجزئية.
ولا يخفى أن مورد ثمرة النزاع هو الشك في شرطية شيء أو جزئيته مع كونه لا دخالة له في المسمّى، وإلاّ يكون التمسك بإطلاقات الكتاب غير جائز حتّى على القول بالأعم.
بيان ثمرة النزاع
إذا شككنا في جزئية السورة في الصلاة، أو شككنا في كون الطمأنينة شرطاً في الصلاة أم لا، فبناءً على القول بالأعم نقول: إنَّ إطلاق (أَقِيمُوا الصَّلاَةَ)[1] ينفي جزئية السورة وشرطية الطمأنينة؛ لأنَّ الصلاة بلا سورة وبلا طمأنينة صلاة. أمّا إذا قلنا بالصحيح فشكنا السابق يرجع في الحقيقة إلى الشك في صدق المطلق والشك في صدق الموضوع.
هذا، مع أن التمسك بالدليل وإطلاقه في الشبهة المصداقية غير جائز؛ لكون الفرض أن الصلاة موضوعة للصلاة الصحيحة، ونحن لا نعلم هنا أن الصلاة دون طمأنينة صلاة أم لا، فإذا كانت الطمأنينة شرطاً كانت الصلاة دونها ليست صلاة، وإلاّ كانت صلاة حقاً.
إشكال على الثمرة
اُشكل على الثمرة المزبورة بالإشكال التالي: هناك آيات في الكتاب وردت في العبادات دون أن يكون لها إطلاق؛ وذلك لأنَّها في مقام بيان أصل الوجوب مثلاً، وهي من قبيل:
(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ)[2] ، (وَإِنْ كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ)[3] ، (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ)[4] ، (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ)[5] ، (إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)(6).
وإذا كانت هذه الآيات غير مطلقة فلا يمكن التمسك بها للقائل بالأعم وللقائل بالصحيح، والأخير لا يمكنه ذلك باعتبار عدم إمكان التمسك بالإطلاق في الشبهة المصداقية، والقائل بالأعم لا يمكنه التمسك بهذه الآيات أيضاً؛ لأنّها غير مطلقة ومجرّدة عن الإطلاق.
جواب الإشكال
لقد اُجيب على هذا الإشكال في (أجود التقريرات) ـ تقرير السيّد الخوئي لبحوث الشيخ النائيني ـ بأنَّه رغم كون الآيات ليست في مقام البيان، إلاّ أنّه يكفينا هنا إمكان وقوعها في طريق الاستنباط.
يقول الاُستاذ في الإجابة على الإشكال: إذا لم يكن للآيات إطلاق كان الحق معكم، لكن هذا الكلام غير تام؛ لأنّه يبدو من البعيد أنْ يبحث علماء الاُصول في بحث لا يوجد فيه إمكان الوقوع، كيف يقال ذلك مع أنّهم صرّحوا بوقوع الثمرة الفعلية فيما نحن فيه.
والحق في الجواب هو: أن القول بعدم وجود آية مطلقة وفي مقام البيان وردت في العبادات يُعدُّ تحكّماً.
الآية الكريمة: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)[6] ليست في مقام بيان وجوب الحج في الجملة، بل وجوبه بشكل تفصيلي. والشاهد على ذلك القيود التي تضمّنتها الآية من قبيل (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ) و (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)، ولو كانت الآية في مقام بيان أصل الوجوب ما كانت هناك حاجة لذكر هذه القيود.
وهذا دليل على أن الآية في مقام بيان الوجوب مع جميع الخصوصيات.
الآية الكريمة: (أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)[7] بعد ما أشارت إلى أصل وجوب الصلاة أشارت إلى الأجزاء والشرائط، وما كانت غافلة عنها كما يُلاحظ ذلك.
الآية الشريفة: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)[8] لم تخصّ الحديث ببيان أصل الوجوب، بل تعرّضت إلى الخصوصيات كذلك.
وممّا يُلفت النظر أنّ المرحوم الشيخ الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ أشار في كتابه (الرسائل) إلى هذه القضية وقال: (إن هذه الآيات لا أنّها ليست في مقام البيان فحسب، بل في مقام الإهمال). لكن الشيخ نفسه في كتابه (مطارح الأنظار) ـ وهو تقريرات لمباحث الشيخ في الألفاظ ـ رفض ذلك بشدة.
ويمكن أن يُستنتج من هذا التضارب أن الشيخ قال بهذا (إهمال الآيات) في الاُصول ولم يأخذ بهذا القول في الفقه، ولم يفتِ بناءً على هذا الرأي.
إشكال ثانٍ على الثمرة
لدينا روايات تبيّن أجزاء العبادات وشرائطها وهي في الحقيقة في مقام بيان هذه الاُمور من قبيل صحيحة حمّاد: ((صلّو كما رأيتموني اُصلّي))[9] ، كما لدينا الإجماعات الكاشفة عن هذه الاُمور.
وعلى هذا، إذا شككنا في شيء أنّه جزء أو شرط رجعنا إلى الروايات والإجماعات لتشخيص ذلك وتعيينه، ولا يأتي الدور للتمسك بإطلاق الكتاب لكي يقال بأن القائل بالصحيح لا يمكنه التمسك بالإطلاق، أمّا القائل بالأعم فيمكنه ذلك.
جوابه: لا رواية لدينا تبيّن أجزاء العبادات وشرائطها إلاّ ما قلّ وندر من قبيل رواية حمّاد في الصلاة[10] ومرسلة اُخرى في باب الحج حيث قال الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيها: ((خذوا عني مناسككم))[11] ، ورواية اُخرى كذلك نقلت تفاصيل وضوء الرسول[12]، وما عندنا شيء آخر يُذكر في مجال العبادات الاُخرى، ولذلك تبقى الآيات على إطلاقها ونتمسك بها.
وأمّا ما قيل من الإجماع وأنّه مفيد، فهذا من العجائب؛ لأنّ اختلاف العلماء في الأجزاء والشرائط كبير جداً، وما عليك إلاّ مراجعة كتبهم لترى الاختلاف الحاصل بينهم.
إشكال ثالث على الثمرة
في هذا الإشكال قيل بعدم صحة التمسك بإطلاقات الكتاب لا بناءً على الرأي القائل بالصحيح ولا بناءً على الرأي القائل بالأعم، وذلك من حيث الإجمال والإبهام الذي يعتري موضوعات أدلّة وألفاظ العبادات.
بيان ذلك: أنّا نعلم كون مفردة الصلاة والحج وغيرهما من مفردات العبادات استعملت في غير معانيها اللغوية، بل في معانيها الشرعية، وهذه المعاني من مخترعات الشارع، ومخترعاته غير معلومة عند الناس، لذلك تتخذ صبغة الإبهام والإجمال، وعندما يكون الموضوع مبهماً أو مجملاً كان التمسك بالإطلاق غير صحيح ولا وجه له.
ولا يخفى أنَّ الإشكال هذا يرجع إلى القول بوجود ألفاظ ومعانٍ مجملة ومبهمة في كتاب الله، أي أنَّ الناس لا يفهمون مراد الشارع عندما قال : (أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)، وهذا بمثابة القول بأن في كتاب الله ألغازاً وحزّورات لا يفهمها الناس.
ولقد أجاد الشيخ ـ قدس سرّه ـ في نعت هذه الدعوى بالسخف؛ وذلك للوجوه التالية:
إنَّ هذا يخالف كتاب الله، فهو نور وبلسان عربي مبين ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يمكن أن يحتوي على ألفاظ مبهمة وألغاز باطلة؟
هذا، مضافاً إلى أنّه إذا كانت هذه الألفاظ مبهمة وغير واضحة في بداية بعثة الرسول اتضحت بعدما بيّنها الرسول وبعدما مارسها المسلمون عملياً.
وعلى أقل تقدير كون معانيها اتضحت في زمن المتشرعة أو زمن الصادقين عليهما السلام.
هذا، مع أنَّ لسان القرآن عربي ومخاطبوه عرب يفهمون ما كان ينطق به الرسول صلّى الله عليه وآله، ولم يكن لسان الكتاب فرنسياً لكي يُعدُّ مبهماً ومجهولاً.
والنتيجة: إذا انتفى إشكال الإبهام والإجمال في كلام الله يبقى التمسك بالإطلاق صحيحاً.
إن قلت: للقرآن بطون وهذا يكشف عن إبهام معانيه وعدم اتضاحها.
قلت: البطن غير المعنى، وتفسير القرآن وترجمته ليس صعباً، ولا يوجد في القرآن لفظ لا يمكن تفسيره، والصعوبة تكمن في العثور على مصاديق معانيه، وهذا أمر كان يمارسه الأئمّة عليهم السلام، وكانت هذه هي وظيفتهم حيال القرآن.
إن قلت: الحروف المقطّعة في القرآن شواهد اُخرى على الإجمال والإبهام.
قلت: لا تدل الحروف المقطّعة على هذا المعنى، بل معانيها واضحة، وهي بمنزلة الرموز التي كان يستخدمها الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ تبعاً لعلاقته بالوحي، وقد يُعدُّ بعضها سرياً للغاية ولا يدركه أحد غير الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ والأئمّة عليهم السلام.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - النساء: 77.
[2] - آل عمران: 96.
[3] - المائدة: 5.
[4] - المؤمنون: 2.
[5] - البقرة: 237.
[6] - آل عمران: 97.
[7] - البقرة: 43.
[8] - النساء: 43.
[9] - عوالي اللآلي 1: 198 / 8.
[10] - الوسائل 5: 459، أبواب أفعال الصلاة، ب1، ح1.
[11] - عوالي اللآلي 4: 34 / 118، مستدرك الوسائل 9: 420، أبواب الطواف، ب54، ح4.
[12] - الوسائل 1: 387 ـ 388، أبواب الوضوء، ب15، ح2.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org