Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الشرائط المعتبرة في القصاص (درس50)
الشرائط المعتبرة في القصاص (درس50)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 50
التاريخ : 2008/12/10

بسم الله الرحمن الرحيم

وأمَّا أدلّة القائلين بعدم شرطيّة البلوغ بما هو هو، وكفاية الإدراك والتمييز ممَّا يمكن حصوله بالبلوغ عشراً أو كون طوله خمسة أشبار أو بغيرهما وإنْ لم يحصل البلوغ الشرعي فوجوه:
أحدها: عمومات القصاص وإطلاقاته.
ثانيها: موثق السكوني، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: في رجل وغلام اشتركا في (قتل) رجل فقتلاه، فقال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: ((إذا بلغ الغُلام خمسة أشبار اقتصَّ منه، وإذا لم يكن بلغ خمسة أشبار قضى بالدية))[1].
والموثّق منقول في الكتب الثلاثة للمشايخ الثلاثة[2].
وفي (اللثام) بعد نقله القول قال: (وعليه الشيخان والصدوق وجماعة)[3].
ثالثها: صحيح أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سُئل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلاً خطأً؟فقال: ((إنَّ خطأ المرأة والغلام عمد، فإنْ أحبّ أولياء المقتول أنْ يقتلوهما قتلوهما ـ ويردُّوا على ـ أولياء الغلامخمسة الآف درهم، وإنْ احبّوا أنْ يقتلوا الغلام قتلوه وتردّ المرأة على أولياء الغلام ربع الدية، وإنْ أحبّ أولياء المقتول أنْ يقتلوا المرأة قتلوها ويردّ الغلام على أولياء المرأة ربع الدية))، قال: ((وإنْ أحبَّ أولياء المقتول أنْ يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية، وعلى المرأة نصف الدية))[4].
والواقع أنَّ المراد من خطأ الغلام والمرأة ليس معناه الاصطلاحي الذي ليس فيه القصاص بالكتاب والسنّة والضرورة العقلية والعقلائية بل والفقه بل والدين، بل المراد منه الخطأ بنظر العرف وبالنسبة إلى الرجل الكامل البالغ، حيث إنَّ العرف لا سيّما في مثل زمان السؤال والرواية يرى الغفلة والجهالة في النساء والغلمان أكثر من الرجال، فالتعبير بالخطأ نسبيٌّ لا حقيقيٌّ.
هذا مع ما ذكره الشيخ ـ رحمه الله ـ من حمل الصحيح وكذا صحيح الكناسي على كون السؤال فيه عن العبد والمرأة، ففي (التهذيب) بعد نقلهما قال ما هذا لفظه: (قال محمّد بن الحسن: قد أوردتُ هاتين الروايتين لما تتضمنان من أحكام قتل العمد، فأمَّا قوله في الخبر الأوّل: ((إنَّ خطأ المرأة والعبد عمدٌ)) وفي الرواية الأُخرى: ((إنَّ خطأ المرأة والغلام عمد)) فهذا مخالف لقول الله تعالى; لأنَّ الله حكم في قتل الخطأ الدية دون القود، فلا يجوز أنْ يكون الخطأ عمداً، كما لا يجوز أنْ يكون العمد خطأً إلاّ فيمن ليس بمكلّف، مثل المجانين والذين ليسوا عقلاء، وأيضاً قدّمنا من الأخبار ما يدلّ على أنَّ العبد إذا قتل خطأ سُلّم إلى أولياء المقتول أو يفتديه مولاه، وليس لهم قتله، وكذلك قد بيّنا أنّ الصبيّ إذا لم يبلغ فإنَّ عمده خطأ، وتتحمّل الدية عاقلته، فكيف يجوز أن نقول في هذه الرواية أنَّ خطأه عمد؟ وإذا كان الخبران على ما قلناه من الاختلاط لم ينبغِ أنْ يكون العمل عليهما فيما يتعلّق بأنْ يجعل الخطأ عمداً، على أنّه يشبه أنْ يكون الوجه في أنّ خطأهما عمد، على ما يعتقده بعض مخالفينا أنّه خطأ; لأنَّ منهم منيقول: إنّ كلَّ من يقتل بغير حديدة فإنَّ قتله خطأ، وقد بيّنا نحن خلاف ذلك، وأنَّ القتل بأيّ شيء كان إذا قصد كان عمداً، ويكون القول في قوله ـ عليه السلام ـ: ((غلام لم يدرك)) المراد به لم يدرك حدّ الكمال; لأنّا قد بيّنا أنّه إذا بلغ خمسة أشبار اقتصّ منه)[5].
رابعها: المقطوعة المرسلة المنقولة في طائفة من الكتب على ما في (اللثام): (وروي أنَّه يُقتصُّ من الصبيّ إذا بلغ عشراً، كذا في طائفة من الكتب حكيت الرواية مرسلة مقطوعة، وأفتى بمضمونها الشيخ في (النهاية) و(المبسوط) و(الاستبصار)، ولم نظفر بها مستندة، نعم، رأينا الأخبار المسندة بجواز طلاقه ووصاياه وإقامة الحدود عليه)[6].
وفي (الجواهر) بعد ذكره وجود الروايات المسندة قال: (نعم في المروي عن سليمان بن حفص والحسن بن راشد عن العسكري ـ عليه السلام ـ: ((أنّه إذا بلغ ثمان سنين فجائز أمره في ماله، وقد وجبت عليه الفرائض والحدود))[7] ولم نجد به عاملاً)[8].
ثمّ لا يخفى أنّ المرسلة المقطوعة مع كونها منقولة في كتب الجماعة، ومع فتوى الشيخ بمضمونها في كتبه لا سيّما (النهاية) التي هي متون الأخبار إنْ لم تكن حجة فلا أقلّ من كونها مؤيِّدة.
هذا مع أنَّ في البقية كفاية، ومن المعلوم عدم منافاة ما ذكره الشيخ من المحمل لصحيح أبي بصير مع الاستدلال به لعدم شرطيّة البلوغ إنْ لم نقل بمناسبته مع عدمها، كما لا يخفى.
وما في (الجواهر)[9] من كون المبنى فيما تضمنته الروايات على البلوغ بالثمانية أو العشرة[10].
ففيه: أنَّه لا دليل عليه، بل الظاهر من تلك الأخبار كونها طريقاً للإدرك والتمييز الكافي في مواردها من الوصيّة والطلاق والقصاص وإقامة الحدود التامّة.
وبالجملة، الظاهر منها طريقيّة ذلك القدر من العمر للكشف عن الإِدرك والتمييز لا أماريته على البلوغ الشرعي، فتأمَّل جيّداً.
فتلخّص من جميع ما ذكرناه كفاية التمييز في القصاص، وعدم شرطية البلوغ فيه; قضاءً لإطلاقات القصاص وعموماته والأخبار الخاصّة من الصحيحة والموثّقة والمرسلة المقطوعة.
وبما أنَّ المسألة من المسائل المهمّة التي جرّت صاحب (الجواهر) الى نسبة الخرافة إلى ما في (مجمع الفائدة والبرهان)، والترديد في شرطيّة البلوغ بل ميله إلى عدمه مطلقاً، ومن احتمال الجمع بين النصوص بحمل ما دلّ على الاقتصاص منه في صورة القصد، وحمل ما دلّ على عدمه على صورة عدم القصد فينبغي، بل لابدّ من نقل ما في (الجواهر) في المقام وذكر ما فيه من النقض والإبرام،ففيه: (وعلى كلّ حال فالوجه أنَّ عمد الصبيّ خطأ محض يلزم أرشه العاقلة حتى يبلغ الصبيّ خمس عشرة سنة، وفاقاً لمن عرفت، لما سمعت، بل في (المسالك): (هذه الروايات مع ضعف سندها شاذة مخالفة للاُصول الممهّدة، بل لما أجمع عليه المسلمون إلاّ مَن شذَّ، فلا يلتفت إليها).
كلّ ذلك مضافاً إلى ما مرّ في الحجر من النّص[11] والفتوى على عدم حصول البلوغ إلاّ بأماراته المعلومة التي يمكن حمل خبر السكوني[12] على ما إذا وجد أحدهما مع الخمسة، بل وخبر العشر وإنْ كان نادراً، بل هي كافية في ردّه إنْ كان مراد القائل تحقّق البلوغ بالعشر وبالخمسة أشبار، ضرورة قصورها عن تخصيصها بها من وجوه، وإنْ كان المراد أنَّه صبي يُقتصُّ منه فقد عرفت قصورها عن تقييد ما دلّ على أنَّ عمده خطأٌ[13] من وجوه.
فمن الغريب وسوسة الأردبيلي[14] في الحكم المزبور من تخصيص القرآن الكريم والأخبار المتواترة بالإجماع وأخبار الآحاد، مع أنَّ بناء الفقه عليه، ومن احتمال اختصاص حديث رفع القلم بغير القصاص الذي قديقال: إنَّه من القلم الوضعي الذي لم يرفع عن الصبيان، ولذا يضمن لو أتلف مال الغير، ومن احتمال الجمع بين النصوص بحمل ما دلّ على الاقتصاص منه في صورة القصد، وحمل ما دلّ على عدمه على صورة عدم القصد، والكل كما ترى، كاد يكون خرافة بعد ما عرفت.
وأغرب من ذلك أنّه غير موافق لما هو المعلوم من احتياطه وتقدسه المانعين من التهجُّم على الدماء بمثل ذلك، خصوصاً بعد عدم الموافق له على ما ذكره من القصاص من الصبيّ مطلقاً.
نعم في (كشف اللثام): (أطلق ابن زهرة أنَّ ظاهر القرآن الاقتصاص من الصغير)[15]، والموجود في غنيته: (ومنها ـ أي شروط القصاص ـ أنْ يكون القاتل بالغاً كامل العقل، فإنَّ حكم العمد ممَّن ليست هذه حالة حكم الخطأ بدليل إجماع الطائفة، ومنها: أنْ لا يكون المقتول مجنوناً بلا خلاف، ومنها: أنْ لا يكون صغيراً على خلاف بينهم، وظاهر القرآن يقتضي الاستقادة به)[16]، ونحوها عن عبارة (السرائر)[17]، وهما صريحان في خلاف ذلك، وإنَّما استند إلى ظاهر القرآن فيما إذا قتله البالغ، لا فيما إذا قتل غيره.
وأمَّا صحيح أبي بصير[18] ـ المتقدِّم في مسألة اشتراك الرجل والمرأة في القتل المتضمِّن أنّ خطأ المرأة والغلام عمد جواب السؤال عن الغلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلاً ـ فهو محمول على قضية في واقعة يعلم الإمام ـ عليه السلام ـ حالها، وأنَّ الغلام فيها مدرك، وأنّهما تعمَّدا القتل، أو غير ذلك.
وبالجملة، فالمسألة خالية من الإشكال على وجه لايشكلها أمثال هذه النصوص المحتملة وجوهاً عديدة مع شذوذها والإعراض عنها)[5]. انتهى كلامه رفع في الخلد مقام من سبقه المقدس الأردبيلي ومقامه.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - وسائل الشيعة 29: 401، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 11، الحديث 4.
[2] - تهذيب الأحكام 10: 233، كتاب الديات، الباب 18، الحديث 55، من لا يحضره الفقيه 4: 90، أحكام الدماء والقود والقصاص، باب من خطأه عمد، الحديث 5226، الكافي 7: 302، كتاب الديات، باب نادر، الحديث 1.
[3] - كشف اللثام 2: 276.
[4] - وسائل الشيعة 29: 87، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 34، الحديث 1.
[5] - تهذيب الأحكام 10: 243، كتاب الديات، الباب 21، الحديث 3.
[6] - كشف اللثام 2: 276.
[7] - وسائل الشيعة 19: 212، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 15، الحديث 4، وسائل الشيعة 28: 297، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 28، الحديث 13.
[8] - جواهر الكلام 42: 180.
[9] - جواهر الكلام 42: 180.
[10] - النهاية: 761 والاستبصار 4: 287.
[11] - وسائل الشيعة 18: 410، كتاب الحجر، الباب 2.
[12] - وسائل الشيعة 29: 90، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 1.
[13] - وسائل الشيعة 29: 401، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 11.
[14] - مجمع الفائدة والبرهان 14: 5.
[15] - كشف اللثام 2: 276.
[16] - غنية النزوع: 403.
[17] - كتاب السرائر 3: 324.
[18] - تهذيب الاحكام 10: 242، كتاب الديات، الباب 21، الحديث 3.
[19] - جواهر الكلام 42: 181.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org