Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الشرائط المعتبرة في القصاص (درس37)
الشرائط المعتبرة في القصاص (درس37)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 37
التاريخ : 2008/12/14

بسم الله الرحمن الرحيم في الآيات كلّها دلالة على عدم شرطيّة التساوي في الدين وأنَّ المسلم يقتل بغير المسلم المحترم مطلقاً ذميّاً كان أو غيره من جميع فرق الكفر فهو الأصل وخلافه محتاج إلى الدليل والإثبات.
إذا عرفت ذلك فنقول: استدلوّا على الشرطية بالكتاب والسنّة والإجماع.
أمّا الكتاب فقوله تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى المُؤمِنِينَ سَبِيلاً)[1] ، والأصل في الاستدلال بالآية الشيخ في (الخلاف) ففيه : (لا يقتل مسلم بكافر، سواء كان معاهداً أو مستأمناً أو حربياً، وبه قال في الصحابة: الامام علي ـ عليه السلام ـ وعمر وعثمان وزيد بن ثابت، وفي التابعين: الحسن البصري وعطاء وعكرمة، وفي الفقهاء: مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق، وإليه ذهب أبو عبيد وأبو ثور.
وذهبت طائفة إلى أنَّه يقتل بالذمّي ولا يقتل بالمستأمن ولا بالحربيّ، ذهب إليه الشعبي والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه. والمستأمن عند أبي حنيفة كالحربيّ.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً قوله تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى المُؤمِنِينَ سَبِيلاً) ولم يفصّل. ومراد الآية: النهي لا الخبر; لأنَّه لو كان المراد الخبر لكان كذباً[2].
ويرد على الاستدلال بالآية: أنَّ الظاهر كون النفي إخباراً لا إنشاءً، وما استدلَّ به ـ قدس سره ـ على الإنشائيّة باستلزام الإِخبار كذباً لوجود السبيل والسلطة منهم في الخارج في الأيام الماضية والحاليّة بل والمستقبلية.
ففيه: أنَّ وزان الآية وزان قوله تعالى: (مَا أَصاَبَكَ مِنْ حَسَنَة فَمِن اللهِ وَمَا أصَابَكَ مِن سَيِّئَة فَمِن نَفْسِكَ)[3] فكما أنّ الإختلاف في النسبة في الآية ليس بكذب مع أنَّ الحسنة والسيئة كلاهما باعتبار العلّة الأُولى ومنشأ العلل من الله تعالى فإنَّه لا مؤثر في الوجود إلاّ الله، وباعتبار تحقّقهما بيد الإنسان واختياره وعمله فكلاهما من الإنسان; لأنَّ[4] النسبة في الحسنة باعتبار الأمر بها والتوفيق من اللّه تعالى فيها، وهذا بخلاف السيئة فلا أمر من الله تعالى بها ولا توفيق منه إليها بل منه تعالى النهي عنها فكذلك الأمر في الآية، فالإخبار بنفي السبيل على سبيل الإخبار عن التكوين.
وما هو الواقع في الخارج وعالم الحقيقة، لا شبهة في عدم كونه مراداً من الآية لاستلزامه الكذب لما ذكره رحمه الله.
أمّا إنْ كان الإخبار بقوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) باعتبار عدم الأمر بل والنهي منه تعالى عن سبيلهم على المؤمنين بالمكر والحيلة بقولهم مع تربّصهم بالمؤمنين: (فَإنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَعَكُمْ) وبقولهم مع الكافرين إنْ كان لهم نصيب: (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ المُؤمِنِينَ)[5] فالمنفيّ هو السبيل بمعنى المكر والحيلة والنفي باعتبار عدم الأمر، بل النهي منه مثل ما ذكرناه في اعتبار كون السيئة من أنفسهم حرفاً بحرف.
ولا يخفى أنّه على هذا لا دلالة للآية على الحكم التشريعي والإنشائي من رأس لا حكماً مربوطاً بالمسألة ولا بغير المسألة، فالآية ليست بأزيد من الإخبار.
وفي مناسبة صدر الآية مع ذيلها شهادة على ما ذكرناه من الظاهر، والمراد منها كما لا يخفى، فكما أنَّ باب الصدر باب الإخبار عن الواقع لا الإنشاء والتشريع فكذلك الذيل، هذا كلّه أوّلاً.
وثانياً: على تسليم الإنشائية والنهي عن سبيل الكفّار وضعاً وتكليفاً على المؤمنين، فالاستدلال بالآية على شرطية التساوي غير تام أيضاً، للاُمور التالية:
الف: بالنقض بمثل حدّ السرقة وغيره من الحدود والتعزيرات فيما لو كان السارق مسلماً والمسروق منه كافراً مثلاً، فإن كان ثبوت القصاص على المسلم بقتله الكافر سبيلاً عليه كان منهياً عنه ومنفيّاً، وكذلك حقّ حدّ السرقة ومطالبة الكافر المسلم من الحكومة سبيل أيضاً فلابدّ من عدمه.
وبباب الضمان فيما لو كان المضمون له كافراً والمضمون عليه مسلماً ضماناً قهريّاً أو جعليّاً فلا بدّ من عدم الضمان من حيث نفي السبيل ، وبغيره من الموارد الكثيرة في الفقه، فكما أنَّ تلك الأحكام غير مشروطة بالمساواة من جهة نفي السبيل فكذلك الكلام في محل البحث، وكيف كان الجواب فيها هو الجواب في المسألة.
باء: بالحلّ من حيث إنَّه ليست القوانين المجعولة في شرع الإسلام وغيره لوصول الناس إلى حقوقهم عند العرف والعقلاء سبيلاً وسلطةً لمن له الحق على من عليه الحق أصلاً وإنّما السبيل والسلطة يكونان في موارد الظلم وعدم الحقّ، فجعل الحقّ لأحدهما على الآخر في تلك الموارد ظلم وسبيل قطعاً كما هو واضح لمن يراجع الكتاب والسنة والعرف والعقلاء ، فتدبّر جيداً.
جيم: على تسليم الشمول وصدق السبيل على القانون والشرع الموجب لوصول صاحب الحق إلى حقّه وكون قصاص المسلم بالكافر، ففيه: أنّ الدليل أخصُّ من المدَّعى بوجهين:
أحدهما: أنّ الكافر ـ كما حققناه في مسائل متناثرة ـ أخصّ من غير المسلم، فإنّه الساتر للإيمان وذلك لا يكون إلاّ مع علمه بالحق من التوحيد والنبوّة والمعاد وتقصيره في ذهابه إلى الخلاف والباطل، وهذا ليس إلاّ في قليل من غير المسلمين.
ولتكن على ذكر من تلك الأخصيّة حتى تفرّق في ترتّب الأحكام بين ما تكون لغير المسلم وما تكون للكافر، والظاهر لمن يراجع الكتاب والسنة أنَّ الموضوع لغالب الأحكام المختصة بغير المسلمين كون الموضوع فيها الكفر، فتدبّر جيداً حتى تعلم أنَّ ما يكون موضوعاً في الإسلام للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها هو الإنسان بما هو إنسان لا بما هو أهل العقيدة الحقّة والملّة الإسلاميّة ولا بما هو أهل أُمور أُخرى خارجة عن حقيقة الإنسانيّة، وما ليس منها للكفّار بالمعنى المذكور فمن باب العقوبة والجزاء لشرّهم وعنادهم.
وهذا أمر صحيح عقلائي في كلّ الشرائع وواضح لكلِّ عالم بحقوق البشر والإنسان، ودونك عبارة (الفقيه) من الكتب الأربعة للمحدّث المتعبّد الخبير حتى تطمئن بأن الإسلام دين الوحدة الإنسانية: (وأنَّ الله ـ عزّ وجلّ ـ إنَّما حرّم على الكفّار الميراث عقوبة لهم بكفرهم كما حرّمه على القاتل عقوبة لقتله)[6].
ثانيهما: عدم جريان الآية فيما لو كان الوارث للكافر المقتول مسلماً، فإنَّ السبيل للمسلم على المسلم لا للكافر على الكافر، ودعوى تمامية الاستدلال بعدم القول بالفصل بين ما كان الوليّ كافراً وبين ما كان مسلماً بأنَّ القصاص ثابت في الكافر بالآية وفي المسلم بعدم القول بالفصل مدفوعة بعدم حجّية الإجماع البسيط في مثل المسألة التي هي مصبّ الاجتهاد من الكتاب والسنة فضلاً عن مركّبه.
دال: مع الغضّ عن جميع ما مرّ من المحاذير الثلاثة وتسليم الدلالة فالآية غير تامّة في الاستدلال أيضاً; لأنَّ الآية كحديث نفي الضرر وقاعدة (نفي الحرج) ناظرة إلى السبيل من الله تعالى أي ما كان ناشئاً من حكمه تعالى لا الأعمّ منه وممّا كان بسبب المكلّف وإقدامه، والقصاص من الكافر على المسلم إنَّما يكون بسبب قتله الكافر وإقدامه على القصاص.
وبالجملة، كما أنَّ قاعدة نفي الحرج والضرر منصرفان عن المقدَّمين (بفتح الدال) منهما فكذلك الآية منصرفة عن السبيل المقدَّم كالقصاص مثلاً.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - النساء: 141.
[2] - كتاب الخلاف 5: 145.
[3] - النساء 4: 79.
[4] - بيان لعدم الكذب مع الاختلاف.
[5] - النساء: 141.
[6] - من لا يحضره الفقيه 4: 247، كتاب الفرائض والمواريث، باب ميراث أهل الملل.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org