Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الأوامر (درس53)
الأوامر (درس53)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 53
التاريخ : 2008/12/21


بسم الله الرحمن الرحيم

الأصل في نوعية الوجوب
إذا شككنا في أنّ الوجوب تعييني أو تخييري، وعيني أو كفائي، ونفسي أو غيري فما هو مقتضى القاعدة؟
بُحثت هذه المسألة في المبحث الخامس من (الكفاية)[1] ،وفي المبحث الرابع من (تهذيب الاُصول)[2].
الحقّ هو أنّ الوجوب يُحمل على العيني والتعييني والكفائي والنفسي.
ولا يخفى أن تقسيمات الوجوب من جهة الداعي، فإذا كان الوجوب مطلوبية المأمور به ذاته كان الواجب نفسياً، وإذا كان الداعي وجوب الغير كان الواجب غيرياً. والواجب التخييري يقابله الواجب التعييني وهو أنّ المكلّف مكلّف بأحد الأفراد، والمكلّف به في التعييني معيّن، فالتقسيم هنا باعتبار المكلّف به، وقد يكون التقسيم باعتبار الغرض وقد يكون باعتبار المكان.
وإذا شككنا في أنّ الواجب عيني أو كفائي فما هو مقتضى القاعدة والأصل هنا؟
ذكرت هنا عدة وجوه نعرض لها.
الوجه الأول: وهو الذي قال به سيدنا الأستاذ حيث قال: (الأمر المطلق يُحمل على النفسي العيني التعييني ما لم يقم دليل على مقابلاتها، وليس ذلك لأجل دلالة اللفظ أو انصرافه أو كشفه عنها لدى العقلاء بل لما مرّ في حمله على الوجوب والندب من أن بعث المولى تمام الموضوع لاحتجاجه على العبد في باب الإطاعة ولا يجوز التقاعد باحتمال الإرادة الندب، ويجري ذلك في مطلق بعثه واغرائه سواء صدر باللفظ أم بالإشارة، وما ذكر من أنّ صدور الأمر عن المولى تمام الموضوع للطاعة جارٍ في المقام بعينه، فإذا تعلّق أمر بشيء يصير حجة عليه لا يسوغ له العدول إلى غيره باحتمال التخيير في متعلّق الأمر كما لا يجوز له الترك مع إتيان الغير باحتمال الكفائية، ولا التقاعد عن إتيانه باحتمال الغيرية مع سقوط الوجوب عن غيره الذي يحتمل كون الأمر المفروض مقدمة له.
كل ذلك لا لأجل دلالة، بل لبناء منهم على ذلك وإن لم نعثر على علة البناء وملاكه لكنّا نشاهده مع فقدان الدلالة اللفظية كإفادة البعث بنحو الإشارة)[3].
نعم، إذا علمنا أنّ المولى لم يكن في مقام بيان تمام المراد فلا تكون هنا حجة عقلائية؛ لأنّ المولى أراد بيان الوجوب في الجملة وإفهامه دون قصد بيان خصوصياته، فإذا شككنا في التعيين والتخيير لا يمكننا القول بأن العقلاء لا يحملون الوجوب على التعيين.
الوجه الثاني: يحمل الواجب على العيني والتعييني والنفسي لكون كلّ من الواجبات المقابلة تحتاج إلى قيود وجودية، فوجوب أحد الأمور الثلاثة في الكفارة بحاجة إلى قيدٍ وجودي فأنّه يعني إما أن تأتي بهذا الواجب أو بالآخر، والواجب الغيري بحاجة إلى قيدٍ وجودي كذلك فأنّه يعني توضأ إذا أردت الإتيان بالصلاة.
أما قيود الواجبات العينية والتعيينية والنفسية فعدمية، فالوجوب النفسي هو ما وجب لا لغيره، والوجوب التعييني هو أنّ شيئاً واحداً وجب لا أشياء، والوجوب العيني هو وجوب شيءٍ على فرد واحدٍ لا على أحد الأفراد، وبهذا يتضح أن القيود في هذه الواجبات عدمية لا وجودية.
يكفي في بيان القيد العدمي عدم ذكره عرفاً وبيانه وعدم بيانه عند العقلاء واحد. وعلى هذا، إذا جاء الدليل وأوجب شيئاً ولم يبيّن أنّه لغيره قلنا: إنّه واجب نفسي، وإذا أوجب شيئاً ولم يتعرّض لأشياء اُخرى وجوداً أو عدماً قلنا: إنّه واجب تعييني، وإذا أوجب شيئاً ولم يتعرّض للمكلّفين الآخرين لا وجوداً ولا عدماً قلنا: إنّه واجب عيني.
إذن، الطائفتان ذات قيود لكنّ أحديهما ذات قيود وجودية والاُخرى ذات قيود عدمية.
الوجه الثالث: كون الواجب النفسي واجباً سواء كان الغير أو لم يكن، فصلاة الصبح واجبة سواء وجب الصيام أو لم يجب ولا علاقة لصلاة الصبح بالصيام، ومقتضى الإطلاق هو هذا سواء أدّى هذا الواجب الآخرون أو لم يؤدّه. والعبارة الاُخرى لهذا الوجه هو الإطلاق الشمولي.
الوجه الرابع: ما احتمل في بعض الكلمات وهو عبارة عن القول: بما أنّ المولى في مقام البيان ولم يذكر قرينة ولم يقيد الأمر فلا بدّ وأن يكون مراده مطلق الطلب أي طلب الجامع والوجوب للجامع عندئذٍ يُحمل على الواجب النفسي والعيني والتعييني.
لكن هذا الوجه غير تام ويرد عليه ما يلي:
أولاً: أنّ وجوب الجامع، بل كل جامع بين الأحكام يُعدُّ غير شرعي وحكماً غير قانوني؛ لأنّ الأحكام القانونية عبارة عن أنواع الوجوب والحرمة والكراهة والوجوب النفسي والوجوب الغيري والوجوب العيني والوجوب التعييني، فهذه الأنواع والأصناف أحكام شرعية، ووجوب الجامع بين النفسي والغيري ليس حكماً شرعياً مجعولاً، والجامع بين التعييني والتخييري لا مجعولاً ولا حكماً شرعياً بل لا يقبل الجعل؛ لأنّه يلزم الإهمال في مقام الجعل.
نفرض أنّ المقنّن أراد جعل الجامع بحيث لا يعلم ما يعمل ويقول: على الذين بلغوا الثامنة عشر أن يتجندوا، لكي يخدموا العلم فنقول: هذا الوجوب نفسي أم غيري، فيقول: جعلت جامعة، فنقول: الغرض إمّا في نفسه أو التوصّل به إلى غيره، فيقول: جعلت جامعه ولا أعلم بأن الغرض في ذاته أو في غيره. وبهذا يلزم الإهمال بالنسبة إلى المكلّفين في مقام التقنين والجعل هذا، مضافاً إلى أنّ الإنشائيات من المعاني الحرفية ولا جامع في المعاني الحرفية.
ثانياً: سلّمنا أن المطلوب هو الجامع لكن كيف يكون المقسم حجة على القسم، إذا اُريد أن يكون المقسم حجة على القسم كان المفروض أن يكون قسم الشيء قسيماً له، ولا فرق بين النفسي والغيري، فالمقسم يكون حجة على الغيري كما يكون حجة على النفسي.
إذن، لا يمكن أن يكون المقسم حجة على القسم؛ لأنّ المقسم يقابل القسم ولا ترجيح بين الأقسام، بعبارة اُخرى: المقسم كلي والقسم خاص وكيف يمكن للفظ الدال على الكلي أن يكون دالاً على الخاص والجزئي؟
ثم أنّ الظاهر من (الكفاية) هو الوجه الثالث أي التمسك بالإطلاق الشمولي، وهذه نص عبارته.
(المبحث السادس: قضية إطلاق الصيغة، كون الوجوب نفسياً تعيينياً عينياً، لكون كلّ واحدٍ ممّا يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب وتضيق دائرته)[4].
ويشهد على ذلك عبارة الشيخ الآخوند في آخر بحث المطلق والمقيد أيضاً: (تبصرة لا تخلو من تذكرة وهي أنّ قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات، فأنّها تارةً يكون حملها على العموم البدلي، واُخرى على العموم الاستيعابي، وثالثة على نوع خاص ممّا ينطبق عليه حسب اقتضاء خصوص المقام واختلاف الآثار والأحكام كما هو الحال في سائر القرائن بلا كلام، فالحكمة في إطلاق صيغة الأمر تقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب التعييني العيني النفسي فإن أراد غيره يحتاج إلى مزيد بيان)[5].
الظاهر من كلمات المرحوم الشيخ محمد حسين ـ رضوان الله عليه ـ هو الوجه الثاني، كما هو الظاهر كذلك من عبارات المحقّقين وبعض تلامذة الشيخ الآخوند.
يقول صاحب (نهاية الدراية): (والتحقيق أن النفسية ليست إلاّ عدم كون الوجوب للغير، وكذا البواقي، وعدم القرينة على القيود الوجودية دليل على عدمها، وإلاّ لزم نقض الغرض، لا أن النفسية والغيرية قيدان وجوديان، وأحدهما ـ وهو الإطلاق من حيث وجوب شيء آخر مثلاً ـ كأنّه ليس بقيد)[6].
من المحتمل أن يريد بكلامه الوجه الرابع ومن المحتمل إرادته الوجه الثالث فعبارته: (من حيث وجوب شيء آخر) تنسجم مع الوجه الثالث، وعبارته: (وكأنّه ليس بقيدٍ) تنسجم مع الوجه الرابع، رغم ذلك فهو أراد القول بالوجه الثاني.
إذا عرفت ذلك تعلم ضعف ما في (التهذيب) حيث أشكل على صاحب (الكفاية) وعلى تلميذه بعد ما حمل كلام صاحب (الكفاية) على الوجه الرابع ثم أورد عليه إشكالين[7].
ما أراد القول بأنّه لفظ مطلق لكي يُحمل على طلب الجامع، وهو ليس حجة على الوجوب النفسي ولكي يُشكل بأنّ الجامع لا يقبل الجعل، أو يُشكل بأنّ الجامع لا يقبل أن يؤتى به، أو يُشكل كذلك بأنّ الجامع إذا كان حجة على جميع الأفراد لزم أن يكون المقسم حجة على القسم، نقرأ عبارة صاحب (تهذيب الاُصول):
(غريب من ذلك المحقّق؛ لأنّ القول بأنّ النفسية ليست إلاّ عدم الوجوب للغير، بيّن البطلان، إذ عدم كون الوجوب للغير إن كان بنحو السلب التحصيلي كما هو ظاهر كلامه فلازمه كون الوجوب النفسي نفس العدم الصادق مع عدم الوجوب رأساً، وهو كما ترى. وإن كان بنحو الإيجاب العدولي أو الموجبة السالبة المحمول فيستلزم كونهما مقيّدين بقيد فيحتاج الوجوب لا لغيره إلى بيان زائد على أصل الوجوب كما يحتاج إليه الوجوب لغيره)[8].
فتلخّص من جميع ما ذكرنا أن الوجوب حجة على النفسية والعينية والتعيينية، إمّا بالوجه الأول كما هو الأقوى، وإمّا بالوجه الثالث وهو ما ذهب إليه صاحب (الكفاية)[9] ، وشموله يعم كل مكان، وإذا رفضتم ذلك يأتي الدور إلى الوجه الثاني.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - كفاية الاُصول: 76.
[2] - تهذيب الاُصول 1: 127.
[3] - تهذيب الاُصول 1: 166 ـ 167.
[4] - الكفاية: 76.
[5] - الكفاية: 252.
[6] - نهاية الدراية 1: 214.
[7] - تهذيب الاُصول 1: 167 ـ 168.
[8] - تهذيب الاُصول 1: 168.
[9] - الكفاية: 77.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org