Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: تعريف علم الاُصول (درس8)
تعريف علم الاُصول (درس8)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 8
التاريخ : 2008/12/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الإشكالات على تعريف المشهور
ورد إشكالان على تعريف المشهور:
الأوّل:
ما المراد من (الممهّدة)؟ هل جيء بهذا القيد لأجل تخصيص القواعد بالذكر، التي فائدتها تنحصر بالاستنباط؟ أو أنّها تشمل التي يُعد دخلها في الاستنباط جزءاً من فوائدها؟
وعلى أي حال، الإشكال وارد؛ من حيث إنّه إذا كان المراد هو الأوّل فقّلما يتفّق أن تنحصر فائدة القاعدة في الاستنباط، فقاعدة (كون الأمر يفيد الوجوب) قاعدة تنفع في الاُصول وفي الكتاب والسنّة وفيما يتعلق بالتقنين والتشريع غير الديني الذي يحصل في البرلمانات ومجالس الشورى، وكذا الحال بالنسبة إلى قاعدة (مفهوم الجملة الشرطية)، ففائدتها لا تنحصر في الفقه والكتاب والسنّة، بل هي ذات فائدة شاملة لكلّ مجال تستخدم فيه. إذن قواعد الاُصول ليست ذات منفعة خاصّة ومنحصرة، بل منافعها شاملة لجميع البشر.
وإذا أُريد من (الممهدة) القواعد التي لها دخل ودور ولو جزئي في عملية الاستنباط، أصبح التعريف شاملاً للعلوم الأدبية والرجال والدراية؛ لأنّ في هذه العلوم قواعد لها دور ودخل في استنباط الأحكام الشرعية.
ولأجل رفع هذا الإشكال قالوا في تعريف الاُصول بأنّه: (العلم بالكبريات التي لو انضمت إليها صغرياتها يستنتج منها حكم فرعي كلي). وبهذا التعريف تخرج قواعد العلوم الأدبية؛ لأنّ نتيجة المباحث الأدبية لا يمكنها أن تكون كبرىً لقياس الاستنباط. فيقال في النحو: (الفاعل مرفوع)، وهذه القاعدة تخلو من الفائدة في مجال الاستنباط. ويقال مثلاً: (الصعيد مطلق وجه الأرض)، وهذه لا يمكنها أن تقع كبرىً للقياس؛ لأنّها تعالج ظهوراً لفظياً. والنتيجة تكون كالتالي: الصعيد ظاهر في مطلق وجه الأرض، وكل ظاهر حجة.
الثاني: أنَّ تعريف المشهور غير جامع، فإنّه غير شامل للظن على الحكومة والاُصول العملية في الشبهات الحكمية. والظن على الحكومة يعني حكم العقل بالعمل بالظن عند انسداد باب العلم. كما أنّه لا يستنبط حكم شرعي من البراءة العقلية أو التخيير العقلي أو الاحتياط، فيكون التعريف غير شامل لها.
وقد أضاف البعض لرفع الإشكال المتقدم عبارة: (يُنتهى إليها في مقام العمل أو الوظيفة العملية).
والإشكال رغم وروده على تعريفالنائيني إلاّ أنَّ النائيني لم يأتِ بالقيد المتقدم، ولذلك كان الإشكال وارداً على تعريفه في كونه غير شامل للظن على الحكومة والاُصول العملية في الشبهات الحكمية.
وجواب الإشكال هو أنَّ المراد من الحكم ما هو أعم من الواقعي أو الظاهري ـ كما يظهر ذلك من (أجود التقريرات) ـ وبهذا التعميم يرتفع الإشكال.
لكن كلام صاحب (أجود التقريرات) غير تام؛ لأنّه حتى على فرض التفسير بالأعم فإنّ الظن على الحكومة لا حكماً واقعياً ولا حكماً ظاهرياً؛ نظراً لكونه ليس أصلاً شرعياً ولا أمارة، بل هو حكم العقل وتكليف منه للإنسان من باب اللابديّة.
يُطرح هنا السؤال التالي: ما المستفاد من البراءة العقلية، الحكم الواقعي أم الظاهري أم لا أحد منهما؟
يمكن الإجابة بأنّه لا يمكن إدارك الحكم الواقعي بواسطة البراءة العقلية، أي قبح العقاب بلا بيان، والحكم الواقعي هنا يبقى مشكوكاً، كما أن البراءة هنا ليست شرعية فلا يمكن استفادة الحكم الظاهري منها، فهي غير أصالة الحل، حيث قال الإمام: ((كلّ شيء لك حلال)).
وبالإمكان استفادة الحكم الظاهري وفقاً لهذه الأصالة.
العقل في البراءة العقلية هو الذي يقول لنا: أقدم على هذا الفعل وأنا اُبرئك من أي مؤاخذة ممكن حصولها من جرّاء إقدامك على الفعل.
ولا يقال: قد يكون المراد أعم من الواقعي أو الظاهري.
فإنّه يقال: من المسلّم أنّ المراد هو أعم من الواقعي، لكن في الظن على الحكومة لا حكم واقعي ولا حكم ظاهري، وأقصى ما هنالك هو العقل الذي يحكم على سبيل اللابديّة بالإقدام على فعل ما، وإذا كانت فيه مؤاخذة فيرفعها هو عن المكلف، ولا علاقة للعقل بحرمة هذا الفعل أو حليته.
قد ترد شبهة على مقولة الإمام وصاحب (الكافية) حيث جيء بالقيد التالي: (التي يمكن أن تقع...). وبرّر الإمام ذكر هذا القيد: لكي يكون العلم شاملاً لمثل القياس والإجماع المنقول والشهرة التي هي ليست حجة.
لكن تبريره غير تام؛ لأن القياس إذا لم يكن حجة لم يكن من المسائل الاُصولية، وكذا حال الشهرة والإجماع المنقول، فإذا وقع شيء من القواعد في طريق الاستنباط كان من الاُصول قطعاً.
يبدو أنّ الأعاظم خلطوا بين كون المسألة اُصولية وبين كونها مبحوثة في علم الاُصول، المسألة الاُصولية هي التي تقع في طريق لاستنباط وتدخل في عملية الاستنباط، أمّا البحوث الاُصولية فهي أعم من أن تكون من المسائل الاُصولية، بل قد تُطرح بحوث وتُبحث مسائل ليست حجة أو قد تكون مضرّة للفقه.
إذنّ، من الخطأ إضافة كلمة (يمكن) على التعريف؛ لأنَّ بحثنا يدور حول المسائل الاُصولية، ولا وجه لهذه الكلمة المضافة في تعريف الإمام وصاحب (الكفاية).
ألاّ ترى أنَّ القياس عندنا مضرٌّ بالفقه، ولذلك كان غير حجة، وإذا كان غير حجة لم يكن قاعدة، وهو في النتيجة ليس من المسائل الاُصولية، لكنّه من المسائل الاُصولية بالنسبة إلى الذي يعتبره حجة؛ لكونه يقع في طريق الاستنباط قطعاً.
ما ورد من إشكال على تعريف النائيني لا يرد على كلام الإمام وتعريفه؛ لأنّ الإمام خصَّ بالذكر الوظيفة العملية. لكن يرد على تعريف صاحب (الكفاية): (صناعة يُعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام أو التي ينتهي إليها في مقام العمل)، بأنّه غير مانع عن الأغيار، فإنَّه يشمل القواعد الفقهية. وهذا الإشكال وارد على التعاريف الثلاثة كذلك، ورغم رفض الإمام لهذا الإشكال وذكره تبريراً، إلاّ أنّا قلنا بأنَّ تبريره غير تام. مع ذلك فإنّ تعريف الإمام أجود التعاريف وأحسنها.
هذا، مع كون التعاريف الثلاثة غير جامعة، من حيث إنّها لا تشمل مباحث الألفاظ من قبيل بحث الظهور في الأمر والنهي وعموم الألفاظ وإطلاقها، والموضوع له المفرد والمركب. وفقاً لهذه التعاريف ينبغي عدّ الجزء الأوّل من (الكفاية) كتاباً غير اُصولي.
سبب خروج هذه البحوث من التعريف هو كونها لم تدخل في عملية الاستنباط مباشرة، ففي بحث الأمر يثبت أنه ظاهر في الوجوب، وهذه النتيجة لا تفيد مباشرة إلاّ إذا وقعت صغرىً لكبرى قياس الاستنباط ، فيقال: الأمر ظاهر في الوجوب، وكل ظاهر حجة، إذن الأمر حجة في دلالته على الظهور.
خلاصة الكلام
إن مباحث الألفاظ لتشخيص الظهور، والظهور نفسه لا يقع في قياس الاستنباط، بل تقع حجيته، ولذلك كان الإشكال وارداً على التعاريف الثلاثة.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org