Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: موضوع علم الاُصول (درس3)
موضوع علم الاُصول (درس3)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 3
التاريخ : 2008/12/26

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى عليكم أنّا اعتمدنا في بحثنا هذا نفس ترتيب (الكفاية) ومنهجها، فجعلناه في: مقدمة، ومقاصد، وخاتمة.
أمّا المقدّمة فنبحث فيها عن اُمور من قبيل: موضوع العلم، وتعريفه، ومسائله اللغوية وغير اللغوية، والحقيقة والمجاز، والوضع، والغرض من العلم، وما شابه ذلك. ونقوم حالياً ببيان المباحث بشكل مقتضب ومختزل.
بيَّن صاحب (الكفاية) في الأمر الأوّل ثماني مسائل:
أولها: موضوع كلّ علم، وهو الذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتية.
ثانيها: العرض الذاتي. وقال فيه: إنّه ما يعرض على الشيء حقيقة بواسطة أو دون واسطة، والذي يعرض مسامحة فهو غير ذاتي.
وقد اختلف صاحب (الكفاية) هنا مع المعروف عن الاُصوليين، حيث قالوا: كلّ ما عرض على شيء لذاته أو بواسطة أمر ذاتي أخص أو أعم قيل: عرض ذاتي، كعروض التعجّب على الإنسان بما هو إنسان ولديه عقل ونطق ويدرك الكليّات، والكليّات تعرض على الإنسان بواسطة أمر داخلي أخص أو أعم، مثل المشي الذي يعرض على الإنسان باعتباره حيواناً، وحيثيته الحيوانية هي التي سبَّبت المشي.
ثالثها: يقول صاحب (الكفاية): نسبة موضوع العلوم إلى موضوعات المسائل نسبة الكلي إلى الأفراد، والطبيعي إلى المصاديق. على سبيل المثال: موضوع علم الفقه فعل المكلّف، وموضوع علم الاُصول الأدلة الأربعة. ومن المعلوم أنّ الطبيعي يتحد مع الفرد في الوجود، أما من حيث المفهوم فهما إثنان، فكلٌّ منكم إنسان لا جزء إنسان، وتتحدون وجوداًُ مع طبيعي الإنسان، لكن في المفهوم تختلفون عن طبيعي الإنسان.
إذا قلنا بوجود خمس مليارات إنسان على وجه الأرض كان ذلك يعني خمس مليارات وجود للإنسان الطبيعي المتحد وجوداً والمختلف مفهوماً؛ لأنَّ مفهوم إنسان غير مفهوم زيد وعمرو.
رابعها: في بيان المسائل. ويقول عندها: إنَّ المسائل تتشكّل من قضايا متشتتة ومتنوّعة تجمع تحت غرض واحد، كالأمر الذي يدل على الوجوب، أو النهي الذي يدلّ على الحرمة. والجامع لهذه المسائل الاُصولية المتنوّعة أنّها تدخل في عملية الاستنباط، وهي من قبيل الفاعل مرفوع، والمفعول منصوب، والمجرور بحرف جار مكسور، وهكذا.
خامسها: لا يعتبر في موضوعية الموضوع اسم خاص وعنوان خاص، بل يكفي الإشارة إليه. مثلاً يُسأل : ما موضوع علم الاُصول؟ فيُجاب: موضوع علم الاُصول هو الذي يكون نسبته إلى مسائل علم الاُصول كنسبة الكلي إلى الفرد.
سادسها: موضوع علم الاُصول لا الأدلّة الأربعة بوصفها أدلّة، ولا الأدلّة الأربعة بذواتها، بل هو الذي له دخل في الغرض والقدرة على الاستنباط. الاختلاف بين الأمر الخامس والسادس في أنّ السادس تكفّل بتحديد موضوع علم الاُصول، مع أنّ الخامس طرح الموضوع كعنوان كلي.
سابعها: تمتاز العلوم بأغراضها لا باختلاف موضوعاتها ومحمولاتها.
ثامنها: تعريف الاُصول هو: العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعية أو ما ينتهي إليه الفقيه.
حاجة العلم إلى موضوع
ولنبحث حالياً في هذه الاُمور، وأوّلها موضوع علم الاُصول، وقبل البدء به نشير إلى بحثٍ متقدّم على تعريف موضوع العلم، وهو: هل تحتاج العلوم إلى موضوع بالمعنى المتقدّم أم لا؟
الحق ـ تبعاً وتقليداً للاُستاذ ـ أنّه لا حاجة إلى الموضوع بهذا المعنى، بل الموضوع بهذا المعنى أمر باطل؛ وذلك لأنَّه استُدلَّ على وحدة الموضوع باتحاد الغرض المفروض لكلِّ علم، والموضوعات جميعها تكون دخيلة في الغرض، وأنَّ الغرض واحد والواحد، لا يصدر إلاّ من الواحد، وأنَّ لكلَ معلول علّة.
وهذه القاعدة منقوضة؛ لأنَّه إذا أُريد القول بكون الموضوعات دخيلة في الغرض الواحد مع كثرتها لزم صدور الواحد من الآلاف، مع أنّا نقول: الواحد لا يصدر إلاّ من واحد. ولأجل أن لا تُنقض هذه القاعدة نقول: إنَّ موضوعات المسائل بما هي هي ليست دخيلة، بل باعتبار جامعها وهو أمر واحد.
وحينئذٍ تُطرح الأسئلة التالية: ما هو غرض الفقه وهدفه؟ الجواب: الغرض من الفقه هو القدرة والاستطاعة على الاستنباط.
ما هو غرض علم النحو؟
الغرض منه صون اللسان من الخطأ في الكلام.
لكنّا نقول: إنّ هذا المطلب غير تام من الأساس، وترد عليه الإشكالات التالية:
الإشكال الأوّل: الموضوعات غير دخيلة في الغرض، والذي يمكن أن يكون دخيلاً هو علم الإنسان بالمسائل.
الإشكال الثاني: قاعدة الوحدة ـ (الواحد لا يصدر إلاّ من واحد) ـ لا علاقة لها بموضوع بحثنا؛ لأنّها تخصُّ البسيط من جميع الجهات، أي الله تبارك وتعالى والعقل الأوّل. وقد بحث الفلاسفة هذه القاعدة، فليراجع من أحب مزيداً من المعلومات.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى أصل البحث ونقول: إنّ التعريف منقوض:
النقض الأوّل: بمثل علم الجغرافيا والطب والهيئة، ممّا تكون نسبة موضوعه إلى الموضوعات نسبة الكلّ إلى الجزء. ومن المعلوم أنّ عارض الجزء ليس عرضاً ذاتياً للكلّ؛ لعدّم عروضه له حقيقة أصلاً، فالعارض على اليد أو العارض على بلد إيران غير عارض لكلّ البدن أو لكلّ الأرض كما هو ظاهر. مع أنكم قلتم بأنَّ موضوع علم الاُصول ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية.
النقض الثاني: وأنَّه منقوض بعلم الفقه؛ لأجّل كون عوارض علم الفقه ومحمولاته ليست عوارض، بل أحكام تكليفية ووضعيّة مثل: (صلاة الجمعة واجبة)، و: (الكافر نجس)، و: (الميتة بيعها حرام) . فهي ليست من العوارض؛ لأنَّ المحمولات هنا اعتبارية ولا وجود لها في الخارج، فالطهارة والنجاسة والملكيّة والوجوب والحرمة كلّها قوانين وبناءات، والعرض يُطلق على الشيء الذي له وجود خارجي، وعلماء المنطق والفلاسفة يبحثون في الحقائق لا الاعتبارات. إلاّ أن يقال بكون المراد من العرض ما هو أعم من المعنى المصطلح في الفلسفة، أي يراد منه كلّ ما يعرض على شيء آخر أو يُحمل عليه، سواء كان له وجود خارجي أو لم يكن له وجود خارجي. وفي هذه الحالة ينتفي الإشكال الثاني.
وقد جاء في تقريرات سيدنا الاُستاذ الإمام أنّ الإشكال لا يرتفع بذلك، ويرتفع بتأويل آخر يشير إليه هنا: (واعطف نظرك إلى علم الفقه فتراه ذا مسائل ومبادٍ، مع أنَّ البحث عنها ليس بحثاً عن الأعراض فضلاً عن كونها أعراضاً ذاتية، إذ الأحكام الخمسة ليست من العوارض بالمعنى الفلسفي أولاً، اللّهمّ إلاّ أن تعمَّم الأعراض للمحمولات الاعتبارية بضربٍ من التأويل، ولو سلّم كونها أعراضاً في حدّ نفسها فليست أعراضاً ذاتية لموضوعات المسائل ثانياً، إذ الصلاة بوجودها الخارجي لا تكاد تتصف بالوجوب؛ لأنّ الخارج ـ أعني الإتيان بالمأمور به ـ ظرف السقوط بوجه لا العروض، ولا بوجودها الذهني؛ لظهور عدم كونه هو المأمور به، وعدم كون المكلّف قادراً على امتثال الصورة العلمية القائمة بنفس المولى.
والقول بكون الماهية معروضة لها مدفوع بأن الوجدان حاكم على عدم كونها مطلوبة، بل معنى وجوبها أنَّ الآمر نظر إلى الماهية وبعث المكلّف إلى إيجادها، فيقال: إنّ الصلاة واجبة من غير أن يحلَّ فيها شيءٌ ويعرضها عارض)[1].
لكنّا احتراماً للإمام ومن باب (هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا) نقول: لا نفهم كلام الإمام حيث قال: (الصلاة تجب من غير أن يحلَّ فيها شيء أو يعرضها شيء). هل المراد من عدم عروض الوجوب العروض الحقيقي، من قبيل عروض اللون على الثوب؟ نعم هذا صحيح؛ لأنَّ الصلاة بعد أمر المولى لا تتغير صبغتها ولا لونها في الخارج؛ لأنّها ليست أمراً خارجياً، أي ليست بمثابة لون الثوب. لكن هذا القول غير مضر بكلامنا؛ لأنّنا نقول بأنّ العروض أعم من العروض الحقيقي والاعتباري. وإذا كان مراد الإمام ـ رحمه الله ـ: ولو العروض الاعتباري وفي عالم الاعتبار، فذلك مَّما لا نقبله، أي لا نقبل أنَّ الوجوب لم يعرض على الماهية في عالم الاعتبار. والذي علّمناه الإمام وقاله الفلاسفة هو أنَّ الماهية لا مطلوبة ولا مبغوضة ولا محبوبة؛ فتلك الاُمور من شأن الحقائق، ويمكن اعتبار كلّ شيء في الماهية. النقض الثالث: ينقض موضوع العلم بواسطة علم العرفان؛ لأنَّ موضوع العلم الأخير هو الله سبحانه، والمسائل التي تُبحث هنا عبارة عن محمولات،.وهل يمكن عدّ هذه المحمولات عرضاً على الله؟ فإنَّه قال: (موضوع كلّ علم ما يُبحث فيه عن العوارض الذاتية). هذا مع أنَّ الله لا عرض ولا معروض عليه.النقض الرابع: يُنقض بغير واحدٍ من الأحكام الفقهية، مثل الطهارة والنجاسة والإرث والضمان، فإنّها أحكام وضعيّة، فهل هي عارضة على فعل المكلّف أم أنها عوارض خارجية؟ فالضمان خاص بالتلف، والنجاسة تخصّ الكلب والخنزير والكافر ولا علاقة لها بفعل المكلّف، والإرث للورثة ولا علاقة له بفعل المكلَّف. تقولون: إنّ موضوع علم الفقه هو فعل المكلّف، بينما نرى هذه الأحكام وضعية ولا علاقة لها بفعل المكلَّف.
إذن، التعريف الذي اقتبس من (المعالم) ودرسناه منذ دخولنا الحوزة ترد عليه أربعة إشكالات، وهو غير صحيح، إضافة إلى أنّ معناه وأساسه سقيم؛ لأنَّ العلوم لا تحتاج إلى موضوع بالكلية. وعلى فرض حاجتها للموضوع فترد على تعريفه الإشكالات الأربعة الماضية. إذن هو عندنا غير تام.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - تهذيب الاُصول 1: 7 ـ 8.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org