Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مدخل إلى علم الاُصول (درس1)
مدخل إلى علم الاُصول (درس1)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 1
التاريخ : 2008/12/26

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل الولوج في مباحث الاُصول ومسائله نرى المطالب الآتي ذكرها أهلاً للإشارة، فهي لا تخلو عن فائدة:

المطلب الأوّل: حاجة علم الفقه للاُصول
حاجة علم الفقه للاُصول تُعدُّ من البديهيات، ولا تحتاج إلى استدلال، وهذا أمر يعلمه كلّ من له معرفة بسيطة بالفقه. وفي الحقيقة علاقة علم الفقه بعلم الاُصول بدرجة من الوثاقة بحيث سمي الأخير: (اُصول الفقه)، وهو اسم يكشف عن مستوى الترابط بين العلمين.
رغم أنّ الفقيه يحتاج إلى علوم كثيرة، من قبيل: علم اللغة، والصرف، والمعاني، والبيان والمنطق، إلاّ أنَّ حاجته لعلم الاُصول أمر آخر، فهي حاجة أساسية، وعلى الفقيه أن يجتهد في علم الاُصول ولا يكتفي بتقليد آراء الآخرين كما يفعل ذلك في مجال العلوم الاُخرى التي يحتاجها في عملية الاستنباط؛ لأنّه بذلك يمكنه أن يكون معذوراً عند الله.
سرّ هذا الأمر هو أنّ العلوم الاُخرى التي يحتاجها المجتهد سماعية ولا يمكن الاجتهاد فيها، بينما اُصول الفقه من العلوم القياسية التي يمكن الاجتهاد فيها، وهي مؤهلة لاختلاف الآراء والرؤى، ولذلك كان على الفقيه الاجتهاد في الاُصول.
ونريد القول هنا بأنَّ على الفقيه أن يجتهد حتى في علم الرجال، ولا يكتفي بما قاله الآخرون في الرواة من حيث كونهم ثقات أو غير ثقات، لكن نذكّر أنّ موارد الاجتهاد في علم الرجال محدودة جداً، عكس ما عليه علم الاُصول؛ باعتبار أنَّ أكثر مباحثه اجتهادية.
على سبيل المثال: يُبحث في الخبر الواحد عن الملاك الذي ينبغي توفّره في الراوي وهو العدالة أو الوثاقة، وهل ينبغي إقامة البيّنة على عدالته أو يكفي شهادة عادل واحد؟ وهذه اُمور تحتاج إلى اجتهاد وإبداء رأي.
إذن الفرق بين علم الاُصول وباقي العلوم هو أنَّ باقي العلوم ـ باستثناء علم الرجال ـ لا تحتاج إلى اجتهاد؛ لأنّها سماعية غير قياسية.
المطلب الثاني: حاجة غير الفقيه للاُصول
لا يخفى أنَّ مسائل اُصول الفقه غير مختصة بالفقيه في الشريعة الإلهية، بل كلّ من أرد الاجتهاد في القوانين الاُخرى كان بحاجة إلى اُصول الفقه، دون فرق بين أحكام الشريعة الدينية أو الوضعية أو الأماكن والممالك.
إذا أراد شخص أن يفقه قوانين دولة ما فعليه أن يجتهد لمعرفة ما إذا كانت الأوامر الواردة في القوانين تدل على الوجوب أو لا. وكذا الحال بالنسبة إلى الشارع المقدس، فإذا أراد شخص معرفة الأمر الذي تضمّنه كلام الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ هل يدلّ على الوجوب أو لا، فعليه أن يجتهد لمعرفة ذلك. ويبدو أنّه لا فرق بين المدارس المختلفة والشرائع المتفاوتة في دلالة الأمر على الوجوب.
وفي مجال اُصول الفقه الإسلامي نقول: إنّ العام المخصَّص ليس حجة فيما بقي، فهذا شامل لجميع الشرائع والقوانين ، وقس على ذلك.
إنَّ مباحث من قبيل: المطلق والمقيد، والمجمل والمبيّن، والناسخ والمنسوخ، لا اختصاص لها بالشريعة الإسلامية المقدّسة، بل هي ذات شأن شامل لجميع الشرائع والقوانين، بل يمكن أن يقال: إنّها مجموعة من القوانين العرفية أو العقلية.
مقدمة الواجب واجبة عقلاً، أو الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه، أو النهي عن العبادة يوجب فسادها، فهذه جميعها قضايا تتسم بالعولمة والشمولية.
ومن تلك القوانين والقضايا يستثنى موردان يبدو أنهما خاصان بالشريعة الإسلامية:
المورد الأوّل: الاستصحاب، بناءً على كونه تعبدّياً، كما أنَّ مختار المحققين هو ذلك. فقد قالوا باختصاصه بالشريعة الإسلامية، وقد ذكروا أمثلة كثيرة له، نكتفي بواحد منها: كان الثوب طاهراً، وحالياً نشك في طرو النجاسة عليه، فالاستصحاب يرشدنا إلى الأخذ بعدم تنجّس الثوب. وسيأتي تفصيل البحث في محلّه.
المورد الثاني: التخيير في الخبرين المتعارضين وهذه المسألة تعبدية كذلك؛ لأنَّ منشأها بناء العقلاء. والقاعدة الأوّلية هنا هي: كلما تعارض دليلان ولم يكن مرجح لأيٍّ منهما سقطا.
ولا يخفى عليكم أنا قلنا في بحث التعادل والتراجيح: كون الترجيح على أساس الأصدق والأورع والأوثق ليس إلاّ ترجيحاً تعبدياً، شأنه شأن قولنا بلزوم مسح الرأس في الوضوء برطوبة اليد، ولا يجوز الأخذ من رطوبة الوجه لمسح الرأس. وسيأتي تحقيق الكلام في محلّه.
المطلب الثالث: تاريخ علم الاُصول إنّه سؤال قد يراود الأذهان، ويمكننا الإجابة عليه إجمالاً بالشكل التالي:
بناءً على ما ورد في الآية الشريفة (مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)[1] يبدو أنَّ الاُصول دخل حياة البشر منذ بداية الخلق، وقد استُخدمت مسائله آنداك، وكذلك كان هناك استفادات من علم الاُصول عهد الرسول صلّى الله عليه وآله فقد كان المسلمون يستفيدون الحرمة من نهي الرسول، والوجوب من أمره، وكذا من عموم كلامه وإطلاقاته.
ولا كلام ولا نقاش في ذلك، إنَّما الشك في تاريخ تصنيف الاُصول وتدوينها، وهذا هو مصب البحث هنا. والمستفاد مَّما كتبه علماء ومؤرخون وجهابذة ـ من قبيل: ابن خلّكان، وابن خلدون، والسيوطي، وصاحب (كشف الظنون)، والأوائل ـ هو أنّ تدوين هذا العلم بدأ في القرن الثاني من الهجرة، وقد صرّحوا هناك أنَّ أوّل من كتب في اُصول الفقه هو محمّد بن إدريس الشافعي. يُذكر أنَّ هناك عبارة في كتاب السيوطي من المحتمل قوياً أن تكشف عن كون أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم هو أوّل من كتب في الاُصول ولُقِّب آنذاك بـ (قاضي القضاة). وقد تقدَّم على الشافعي بزمن طويل قطعاً؛ لأنَّه توفي عام 182، بينما توفي الشافعي عام 204.
ويعتقد البعض أنَّ أوّل كتاب صدر في علم الاُصول كان لأبي يوسف،وكان يعتمد مذهب اُستاذه أبي حنيفة في هذا التدوين. ويمكن استنباط هذا ببساطة من خلال مراجعة تاريخ ابن خلّكان.
ويحتمل قوياً أنَّمحمّد بن الحسن الشيباني هو أوّل من كتب في هذا العلم، وكان يُدعى: (فقيه العراق)، ويتقدّم تاريخياً على الشافعي؛ لأنّه توفي عام 182 أو عام 189، مع أنَّالشافعي توفي عام 204 من الهجرة.
وقد أشار ابن النديم في كتابه (الفهرست) إلى تأليفات عديدة (للشيباني)، منها: كتاب (اُصول الفقه) وكتاب (الاستحسان) وكتاب (الاجتهاد في الرأي).
وقد أشار ابن النديم كذلك إلى أنَّالشافعي كان يستنسخ بعض المطالب التي سبق وأن دوّنها الشيباني وكان يُذعن لها.
في النهاية ينبغي الاعتراف بأنّا إذا لم نقطع بتقدّم القاضي والشيباني على الشافعي ينبغي أن نقطع بعدم تقدّم الشافعي على قاضي القضاة والشيباني من باب أولى؛ ولذلك لا يمكننا القطع بأنَّ الشافعي هو أوّل من كتب وصنّف في هذا العلم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - الأعراف: 12.
الدرس اللاحق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org