Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الدليل الرابع: التمييز في الدية

الدليل الرابع: التمييز في الدية الدليل الرابع: التمييز في الدية بين الرجل والمرأة
ومن أدلّة القائلين بالتمييز في القصاص بين الرجل والمرأة تفاوتهما في الديات، ولازم هذا التفاوت لزوم دفع نصف الدية لأولياء الرجل القاتل على تقدير الاقتصاص منه.

إلاّ أن هذا الدليل ناقص من جهات عدّة هي:
أولاً: إذا صحّ ذلك، لزم على المرأة القاتلة دفع نصف دية الإنسان لأولياء الرجل المقتول، على تقدير أخذ القصاص منها، والحال أن مشهور الفقهاء لا يذهبون إلى ذلك.

ثانياً: ورد في بعض روايات القصاص التعليل التالي: «لا يجني الجاني على أكثر من نفسه»(48)، فهذا الكلام اجتهاد في مقابل النص.

ثالثاً: إننا نرفض أصل المبنى، وهو وجود تفاوت في الدية بين الرجل والمرأة، فالأقوى تساوي الرجل والمرأة فيها، وقد بحثنا ذلك في رسالة اُخرى بشكل مفصل(49).

تكملة: قصاص الأعضاء
ما قلناه حتى الآن مختص بقصاص النفس، وقد استنتجنا عدم وجود أي اختلاف في قصاص النفس بين الرجل والمرأة، وأن القاتل بالقتل العمدي يؤخذ منه القصاص، كائناً من كان، دون حاجة إلى دفع نصف الدية.

وهذا ما نراه تماماً في دية الأعضاء، أي أنه لا اختلاف في قصاصها بين الرجل والمرأة، فلا حاجة لإتمام القصاص إلى دفع الدية، إلاّ أن مشهور الفقهاء يذهبون إلى أنه لو تجاوزت الجراحات ثلث الدية فإن دية المرأة ستكون نصف دية الرجل، فإذا ما أرادوا الاقتصاص من الرجل فإن عليهم أن يدفعوا نصف دية ذلك العضو إلى أسرته،

والمدرك الذي اعتمده المشهور لذلك أمران:

أحدهما :مجموعة من الروايات الواردة في الموضوع،
وثانيهما :اختلاف الدية بين الرجل والمرأة، ونحاول هنا رصد هذين الدليلين، وتحليلهما على نحو الإجمال.

الدليل الأول: الروايات

لا تتعدى الروايات المنقولة في هذا المضمار العشرة، وهذه بعضها:
1 ـ صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن المرأة بينها وبين الرجل قصاص، قال: «نعم، في الجراحات حتى تبلغ الثلث سواء، فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل وسفلت المرأة»(50).

2 ـ صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: «جراحات الرجال والنساء سواء، سنّ المرأة بسنّ الرجل، وموضحة المرأة بموضحة الرجل، وإصبع المرأة بإصبع الرجل حتى تبلغ الجراحة ثلث الدية، فإذا بلغت ثلث الدية ضعفت دية الرجل على دية المرأة»(51).

3 ـ عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الجراحات، فقال: «جراحة المرأة مثل جراحة الرجل حتى ثلث الدية، فإذا بلغت ثلث الدية سواء، أضعفت جراحة الرجل ضعفين على جراحة المرأة، وسنّ الرجل وسن المرأة سواء...»(52).

إلاّ أن الاستدلال بهذه الروايات يواجه مشكلات جادّة، حتى أنها تمنعها من أن تتحوّل إلى مستند فقهي، فتلغي فيها اعتبار المدركية، وهذه المشكلات والإيرادات هي:

الإشكال الأوّل: تعارض هذه الأحاديث الكثير من الآيات والروايات التي تصف التشريع الإلهي بالحق والعدل، وتنزّه ساحة المولى سبحانه وتعالى عن الظلم والجور والإجحاف، فكيف يمكن الحكم بلزوم أن تدفع المرأة التي قطعت أصابعها ـ ظلماً وعدواناً ـ تفاوت الدية عندما تطالب بقصاص الرجل الجاني؟!

إن هذا الكلام يغاير ـ كما تقدّم معنا في قصاص النفس ـ تمام تلك الآيات والروايات، ولا يمكن جعل هذه الروايات مخصّصةً للآيات والأخبار الدالّة على تشريع العدل والحق، ذلك أن الفئة الأخيرة آبية عن التخصيص، كما أوضحناه في المباحث السابقة.

الإشكال الثاني: تخالف هذه الروايات الآيات الخاصّة بالقصاص، قال تعالى: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)المائدة: 45، وقال: (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ)البقرة: 194.

ومقتضى القصاص في نظر اللغة والعرف التساوي، فإذا عنى القصاص في مورد أذية الرجل للرجل أو المرأة للمرأة خصوص إيراد نفس الأذية والجراحات على الجاني، لزم أن يعني في مورد قصاص الرجل والمرأة ذلك أيضاً، فيما يكون دفع المبلغ الإضافي مخالفاً للمعنى اللغوي والعرفي، وعليه فهذه الروايات تخالف مقتضى الآيات المذكورة.

كما أن احتمال التخصيص منتف هنا نظراً لإباء الآيات عنه.

ولا يمكن القول أيضاً بحكومة(53) هذه الروايات على تلك الآيات، فمعنى القصاص وإن كان التساوي في حدّ نفسه إلاّ أن هذه الروايات تقوم بتوسعته، وتمارس بسطاً فيه، ذلك أن لسانها ليس لسان التفسير وبيان الموضوع، بل لسان التشريع وبيان الحكم، ولا تصدق الحكومة إلاّ عندما تكون العلاقة بين دليل وآخر علاقة المفسِّر بالمفسَّر، أي علاقة التفسير وبيان الموضوع.

الإشكال الثالث: يلزم من هذه الروايات تساوي الرجل والمرأة في الدية في قصاص العضو ما لم يبلغ الثلث، فإذا بلغه تتحوّل دية المرأة إلى نصف دية الرجل، ومعنى ذلك أنه سواء كان الجارح رجلاً أو أمرأةً يلزم عند إجراء القصاص دفع نصف دية ذلك العضو للرجل، فإذا جنى الرجل على المرأة جناية جروح يؤخذ بالقصاص، ويدفع ما زاد على الدية، وإذا ما جنت المرأة على الرجل جناية جروح أخذت هي الاُخرى بالقصاص وعليها أن تدفع الزائد من الدية، والحال أن رأي المشهور في هذه الأخبار اختصاص دفع الزائد عن الدية بصورة كون الجارح رجلاً لا غير.

الإشكال الرابع: تخالف هذه الروايات بعضَ الروايات الاُخرى الواصلة إلينا في هذا الموضوع ذات مضمون مختلف.

وتوضيح ذلك: إن هناك ثلاثة مضامين اُخرى في الروايات غير الروايات التي أشرنا إلى بعضها، جاء فيها الحديث عن قصاص الأعضاء في الرجل والمرأة، وكلّها متنافية مع بعضها، وهذه الطوائف الثلاث هي:

أ ـ الطائفة الدالّة على تساوي الرجل والمرأة حتى الثلث، أما ما زاد عنه فتكون دية الرجل فيه ثلثين فيما دية المرأة الثلث.

ففي صحيحة الحلبي، قال: سئل أبو عبدالله(عليه السلام)عن جراحات الرجال والنساء في الديات والقصاص سواء؟ فقال: «الرجال والنساء في القصاص السنّ بالسن، والشجّة بالشجة، والإصبع بالإصبع سواء، حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية، فإذا جازت الثلث صيرت دية الرجل في الجراحات ثلثي الدية، ودية النساء ثلث الدية»(54).

ب ـ الطائفة الدالّة على أن دية الجراحات في النساء نصف دية جراحات الرجال دائماً، ففي موثقة أبي مريم، عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: «جراحات النساء على النصف من جراحات الرجل في كلّ شي»(55).

ج ـ الطائفة الدالة على تساوي دية الرجل والمرأة إلى ثلث دية المرأة، لا ثلث دية الإنسان كاملة، وبعد ذلك تغدو دية الرجل ضعفي دية المرأة، فعن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل قطع إصبع امرأة، قال: «تقطع إصبعه حتى تنتهي إلى ثلث المرأة، فإذا جازت الثلث أضعف الرجل»(56).

وبناءً عليه، هناك أربعة تصوّرات في باب قصاص الأعضاء بين الرجل والمرأة، وهي تصوّرات مختلفة قدّمتها لنا الروايات نفسها، ولا يمكن إقرار جمع عرفي بين هذه الطوائف الأربع من الأخبار الدالّة على هذه المضامين الأربعة، كأن نفترض بعضها عاماً كالطائفة الثانية من الطوائف الثلاث الأخيرة، فيما تكون الاُخرى مقيدةً، ذلك أن لسان جميعها لسان بيان الحكم الشرعي والقاعدة الكلية والضابطة العامة، فعلى سبيل المثال، يلاحظ الطائفة الثانية المذكورة في تعبيرها: «في كلّ شي»، كيف تبيّن قاعدة عامّةً، دون أن تفسح في المجال لتخصيصها.

مضافاً إلى ذلك، فقد جاءت الروايات العامة عصر الإمام الباقر(عليه السلام)، فيما الروايات المقيدة عصر الامام الصادق(عليه السلام)، وذلك فيما نقل إلينا، ومن الواضح هنا أنه لو كان هناك تقييد للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

وعليه، وبعد استقرار التعارض بين هذه الروايات، وعدم إمكان الجمع بينها، تصل نوبتها إلى التساقط، لتعود الآيات القرآنية المعيار الأساس في الحكم هنا، ولا يمكن القول هنا بالتخيير، إذ إن روايات التخيير منصرفة عن الموارد التي يكون فيها بين الطوائف المتعارضة اختلاف فاحش.

وقد يقال بترجيح الطائفة التي استند إليها المشهور على الطوائف الثلاث الاُخرى، وذلك باعتبار دعمها من جانب الشهرة نفسها، فتكون الشهرة موجبةً لتقديمها على نظيراتها.

إلاّ أنه يمكن الجواب عن ذلك:
أولاً: لا نحرز في المسألة شهرةً فتوائيةً قوية، كما لا يوجد ادعاء للإجماع سوى في كتابي: الخلاف، والغنية، كما أن صاحب الجواهر إنما نقل الإجماع عن كتاب الخلاف.

ثانياً: لا تحكي هذه الشهرة عن انعقاد شهرة عملية لهذه الطائفة في أوساط رجال الحديث والروايات عصر الإمامين: الباقر والصادق(عليهما السلام)، ذلك أنه نقلت روايات مختلفة في هذا الإطار، ومن ثم لا مرجع نستند إليه يكشف لنا انعقاد الشهرة العملية في أوساط أهل الحديث، وهي الشهرة التي تصنّف مرجّحاً من مرجحات باب التعارض(57).
--------------------------------------------------------------------------------
(48) وسائل الشيعة 29: 83، ب33، ح10.
(49) راجع: سلسلة الفقه والحياة، الكتاب الثالث: تساوي دية الرجل والمرأة.
(50) وسائل الشيعة 29: 164، ح3.
(51) المصدر نفسه: 163، ح1.
(52) المصدر نفسه، ح2.
(53) الحكومة: اصطلاح في علم أصول الفقه، يستعمل عندما يوسّع دليلٌ ما أو يضيق موضوع دليل آخر على نحو التعبد.
(54) وسائل الشيعة 29: 165، ح6.
(55) المصدر نفسه: 384، ح2.
(56) المصدر نفسه: 164، ح4.
(57) لمزيد من الاطلاع، راجع: صانعي، فقه الثقلين (كتاب القصاص): 205 ـ 208، 583 ـ 588.
العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org