المشتق (درس43)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 43 التاريخ : 2008/12/22 بسم الله الرحمن الرحيم وقد استدل على بساطة المشتق بوجوه: أحدها: التبادر. ثانيها: عدم التكرّر في مثل (الذات باردة). فإذا قيل: بأن الذات هنا مأخوذ بالحمل الأولي. قلنا: التكرّر ليس هذا، والعرف لا يرى تكرراً، وإذا كان البناء أن مفهوم المشتق مركب كان على العرف أن يرى التكرّر في المثال بأن يرى ذاتاً بشكل مستقل، ثمّ يرى ذاتاً اُخرى عندما ينظر إلى (باردة). وإذا قيل: بأن الحمل هنا شائع صناعي لزم تكرّره في جميع أفراد الحمل مثل: (زيد كاتب)، بحيث يكون معناه: زيد ثبتت له الكتابة. ثالثها: نقل السيّد الشريف في حاشيته على (شرح المطالع) وكذا آخرون عن المنطقيين قولهم بأنّ الناطق فصل، وإذا كان البناء أنَّ المشتق مركب لزم بطلان أحد اللازمين لذلك؛ لأنّه عند القول بكون المشتق مركباً يلزم القول بأن مفهوم الشيء في الناطق أو مصداقه في الناطق، أي إمّا بالحمل الأولي الذاتي أو الحمل الشائع الصناعي. وبعبارة اُخرى إذا قلنا بتركبه فما نوعية التركّب؟ أمّا أن يكون مركباً من شيء بالحمل الأولي والمبدأ، وأمّا أن يكون بمعنى الإنسان شيء ثبت له النطق، فإذا قلنا بالأوّل لزم دخول أمرٍ عرضي في أمرٍ ذاتي. وإذا قلنا بالثاني لزم إشكالاً أكبر وهو صيرورة قضية ممكنةٍ خاصةٍ ضرورية؛ لأن ثبوت الشيء لشيء ضروري، فالإنسان ناطق يعني الإنسان إنسان ثبت له النطق. (الإنسان ناطق) قضية كانت ممكنة خاصة ثمّ أصبحت قضية بشرط الموضوع ضرورية. وهذا حاصل الدليل الذي جاء به السيّد الشريف. صاحب (الفصول) سعى في ردّ هذا الدليل، ونحن ندفع الدليل ذاته ورده الصادر من صاحب (الفصول) باعتبار أنه يقول كون المشتق مركباً بمعنى مفهوم الناطق مركب من شيء بالحمل الأولي، وهذا يلزم طروّ العرضي في الذاتي، ونحن نقول: بالحمل الشائع لا بالحمل الأولي لكي يلزم صيرورة القضية الممكنة قضية ضرورية. إذن، الأوجه الثلاثة التي استدل بها على بساطة المشتق غير تامة كما رأيتم. لكن لا يخفى أن الوجه الأوّل والثاني يثبتان البساطة بدواً وينفيان التركب البدوي؛ لأجلّ أنّ ذلك يُتبادر إلى الذهن، والدليل الثاني هو عدم التكرر فرغم نفيه للتركب الابتدائي إلاّ أنّه لا يثبت عدم التركب التحليلي والبساطة عند التحليل كما هو واضح. ففي (زيد كاتب) يتبادر إلى الذهن عدم التكرّر وهذا هو معنى عدم التركب أو البساطة، لكن هناك تركباً تفصيلياً في مقام تحليل المدلول. المعاني البسيطة على قسمين، فبعضها بسيطة بدواً ومركبة عند التحليل، وبعضها بسيطة بدواً وعند التحليل مثل الجوامد، فإنّ الجوامد ذات معانٍ بسيطة حتى عند التحليل، عكس ما عليه المعاني المشتقة حيث إنّها بسيطة بدواً ومركبة تحليلاً، وقد مرّ أن الوجدان العرفي هو الحاكم هنا. أما الوجه الثالث الذي ذكره السيّد الشريف ففيه ما يلي: أوّلاً: كلام المنطقيين ليس حجة، ولعلهم أخطأوا هنا. ثانياً: لعلّ (الناطق) ليس فصلاً حقيقياً، بل أمر عرضي، وعندها يكون دخول أمرٍ عرضي في عرضي آخر خالٍ من الإشكال، والمنطقيون اعتبره فصلاً مسامحة. هذا باعتبار أن حقيقة الاُمور لا يعلمها إلاّ الله. الفرق بين المبدأ والمشتق من الاُمور المبحوثة هنا هو الفرق بين المبدأ والمشتق، ومما لا يخفى على أحدٍ هنا أن للمادة معنى ومفهوماً غير قابل للحمل، أمّا المشتق فله مفهوم ومعنى قابل للحمل. لا فرق هنا بين أخذ المادة بمعنى المصدر كما يظهر ذلك من صاحب (الفصول)، أو أخذها بمعنى أمرٍ مبهم ومنغمر في الإبهام معنى ولفظاً كما هو الحقّ تبعاً لسيدنا الاُستاذ. سرّ المسألة هو أن المبدأ أو المادة إذا أخدناه بالمعنى الثاني، أي أن مادة ضارب ليس مصدراً ولا اسم مصدر، بل شيء فيه إبهام ولا تحّصل فيه إلاّ ضمن هيئة وحتى نفس المصدر يكون جزءاً من هيئة تلك المادة، وإذا اُريد تحقيقه وتحصيله ما أمكن إلاّ من خلال هيئة ولو كانت من قبيل هيئة مصدرية، فإذا كان الواقع هكذا كان عدم القابلية على الحمل واضحاً؛ لكون الأصل لا تحقّق ولا تعيّن فيه لكي يمكن الحمل في حقه. صاحب (الكفاية) استشهد على هذا الأمر المعلوم بكلام أهل المعقول، وأدخل في الموضوع بحثاً فلسفياً، وبعدما قال بأنَّ المادة غير قابلة للحمل والمشتق يقبل الحمل يذكر أن هذا هو نفس ما ذكره أهل المعقول في التفريق بين المشتق والمبدأ حيث قالوا بأن المشتق هو اللابشرط، والمبدأ هو بشرط لا، أي أن المادة حقيقة غير قابلة للحمل، والمشتق حقيقة قابلة للحمل. وهذا الكلام غير تام للاُمور التالية: أوّلاً: المراد من المادة عند أهل المعقول في مقولتهم: (المادة بشرط لا) إمّا الأمر المبهم أو المصدر، فإذا كان مرادهم الأوّل فذلك التعبير يُعدّ في غير محله؛ لأنَّ تقسيمات من قبيل بشرط لا ولا بشرط تعدُّ خاصة في الاُمور المحققة في الذهن على أقل تقدير، والأمر المبهم أو المادة المبهمة لا تحقق لها فكيف لها أن تكون بشرط لا. أمّا إذا كان مراد أهل المعقول من أن المادة بشرط لا هو كون مادة المشتقات مصدر كما قرأنا ذلك في بداية شرح (الأمثلة) حيث قيل هناك أن أصل (ضرب) هو (الضرب)، فهذا خطأ؛ لأنّه إذا قيل المادة من مشتقات المصدر والمصدر أمر حدثي مجرد من الموضوع، والأمر المجرد من الموضوع لا يقبل الحمل، يبقى الإشكال نفسه دون حل. لا يقال: الإشكال غير وارد سواء اعتبرنا المادة مصدراً أو غير مصدر، والذي تقدّم عبارة عن تناقض؛ لأجل أن مادة المشتقات إذا لم تدخل في المشتقات كانت مجردة عن الموضوع، وإذا دخلت في المشتقات انعدم التجرّد ولا يبقى عندئذٍ بشرط لا. فإنّه يقال: كون مادة المشتق بشرط لا أو مادة المشتق مصدر مجرد عن الموضوع صادق فيما إذا لحظناها كما هي ولم تدخل في المشتق، فإذا دخلت في المشتق لا تبقى على ما كانت عليه رغم قبولنا بأن المادة مجردة عن الموضوع. ثانياً: إذا كانت المادة في المشتقات بشرط لا، أصبح المشتق قابلاً للحمل، مع أن مادته لا تقبل الحمل، وإذا استحال حملها كيف أمكن حملها؟ ومن جانب آخر، إذا كانت المادة بشرط لا كانت أمراً محققاً، وإذا كان كذلك كيف أمكن حمل مشتقه؟ فهل هو مشتق لنفس المادة والهيئة؟ وإذا كانت المادة فإشكاله أن المادة لا يمكن حملها ولا تقبل الحمل. وهذا الإشكال للإمام ـ رحمه الله ـ وهو دقيق فدققوا فيه.
|