Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: علائم الحقيقة والمجاز (درس18)
علائم الحقيقة والمجاز (درس18)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 18
التاريخ : 2008/12/25

بسم الله الرحمن الرحيم
لقد ذكر للحقيقة والمجاز علائم، وقبل ذكرها نشير إلى أنَّ الاُولى أن نعبّر عن هذه العلائم بعلائم الوضع، وهو أفضل تعبير لها، وذلك لأنّ السامع يفهم الموضوع له في علائم من قبيل التبادر وصحة السلب والاطِّراد ولو لم يكن استعمال للفظ في معنى ما، فيفكّر باللفظ ويتبادر إلى ذهنه عندئذٍ معناه، فإنَّ العلائم طرق لتشخيص الموضوع له، ولا تتوقف على الاستعمال اللفظي.
باب الحقيقة باب استعمال اللفظ فيما وضع له، وإذا قلنا بأنَّ هذه العلائم علائم للحقيقة، كان المفروض أن يكون هناك استعمال، وما لم يكن استعمال لم تكن علائم. هذا مع أنَّا نرى إمكانية تبادر المعنى وصحة الحمل دون أن يكون هناك استعمال لفظي، ولذلك قلنا من الأفضل وصف العلائم بأنّها علائم الوضع لا الحقيقة والمجاز.
أشكل صاحب (تهذيب الاُصول) على تسمية العلائم بعلائم الوضع، حيث قال: (كما أنَّ تعبيرهم بعلائم الوضع ليس بسديد، إذ الرابطة الاعتبارية كما تحصل بالوضع قد تحصل بكثرة الاستعمال حتى يصير حقيقة، وقد عرفت أنَّ الوضع التعيني ليس بوضع، وتوهم قيام جميع الاستعمالات مقام الوضع الواحد كما ترى).
وقد أشكل على نفسه وأجاب بعبارته التالية: (فإن قلت: إنَّ الوضع بمعناه المصدري وإن كان مفقوداً هنا إلاّ أنَّه بمعنى اسم المصدر ونتيجته موجود فيه.
قلت: المصدر واسمه واحدان بالحقيقة، مختلفان بالاعتبار بانتسابه إلى الفاعل وعدمه، فلا يُعقل وجود واحد منهما في نفس الأمر مع فقدان الآخر)[1].
إنَّ إشكاله وجيه بناءً على مبناه في الوضع، أمّا بناءً على مبنانا الذي هو نفس مبنى (الكفاية) حيث عرّف الوضع بأنَّه نحو اختصاص للفظ بالمعنى، فإشكاله غير صحيح، ونحن يمكننا استخدام هذا التعبير.
وفي (نهاية الاُصول) بعد ما عدّ التبادر من علائم الحقيقة شرحه بالشكل التالي: (علامة للحقيقة، كما أنَّ عدم التبادر أو تبادر الغير علامة المجاز)[2] أي أنَّ المعنى إذا ثبت في الذهن لهذا اللفظ عُدَّ حقيقة، وإذا انتقل إلى معنى آخر كان مجازاً. وهذا بناءً على مبناه وهو مبنى الحاج محمّد رضا صاحب (الوقاية) في الحقيقة، حيث اعتبر الحقيقة والمجاز استعمالاً للفظ في معناه الموضوع له، وعند ذلك لا يكون عدم تبادر أبداً؛ لأنّ اللفظ مستعمل في الموضوع له دائماً، فجعل في (نهاية الاُصول) العلامة الاُخرى، أي (تبادر الغير علامة المجاز). لكنَّ هذا المبنى لا ارتباط له بمحل البحث؛ لأنَّ الفرض كون هذه العلائم ليست علائم للحقيقة والمجاز، بل علائم للوضع والموضوع له.
علائم الحقيقة
وأمّا العلائم فمنها التبادر ومنها صحة السلب. تبادر المعنى وانسباقه إلى الذهن من اللفظ دليل على الوضع له، وعدم تبادره أو تبادر الغير دليل على وضع اللفظ لذلك المعنى.
وهناك اختلاف غير مهم وهو كون تبادر الغير علامة أو عدم التبادر هو العلامة.
كما أنَّ عدم صحة السلب بما له من معنى ارتكازي بالحمل الأولي الذاتي دليل على أنَّ اللفظ وضع لذلك المعنى، فإذا كان سلب المعنى المرتكز للفظ غير صحيح كان ذلك علامة على كون معناه هو الموضوع له، فالماء لا يمكن سلبه من ماهيته والقول بأنّه ليس بماء.
والإنسان حيوان ناطق صحيح بالحمل الأولي الذاتي وسلب الحيوانية والناطقية عن الإنسان غير صحيح فكان ذلك دليلاً على أنّ الإنسان موضوع للحيوان الناطق.
مشكلة لزوم الدور
وقد اُشكل على كلا العلامتين بلزوم الدور؛ وذلك لأجّل أنَّ التبادر يتوقف على العلم بالوضع. بعبارة اُخرى. إذا أردنا العلم بالوضع وبالحقيقة احتجنا إلى التبار. إذن يتوقف العلم بالوضع والحقيقة على التبادر ، مع أنَّ الفرض كون التبادر علامة على الوضع والحقيقة، والتبادر يعني انسباق المعنى إلى الذهن، وهو موقوف على العلم بالوضع، وما لم يكن عالماً بالوضع لا وجه لانسباق معنى اللفظ في الذهن؛ لأنَّ نسبة المعاني إلى الألفاظ بالسوية وكلّ المعاني بالنسبة إلى كلّ الألفاظ أجنبية.
أمّا صحة الحمل وعدم صحة السلب فيتوقف على العلم بالوضع كذلك، وإلاّ كيف يمكننا الحمل أو السلب مع عدم العلم بمعني اللفظ وبما وضع له.
الجواب: هنالك إجابتان على هذا الإشكال، فأكثر العلماء أجاب بأنَّ العلمين مختلفان، أي أنَّ العلم بالوضع المتوقف على التبادر وصحة الحمل يختلف عن العلم الذي يتوقف عليه التبادر إجمالاً وتفصيلاً، أو بالتفاوت بين المستعلم والعالم.
العلم بالوضع تفصيلاً موقوف على التبادر، أي إذا أردت معرفة المعنى الموضوع لهذا اللفظ كنت بحاجة إلى التبادر، لكن التبادر لا يتوقف على العلم التفصيلي، بل يكفي فيه العلم بالوضع على سبيل الارتكاز، أي كون هذا العلم في صقع النفس رغم كونه مغفولاً عنه، ولم يلتفت إليه الإنسان لكنه سبب للتبادر، والتبادر سبب للعلم التفصيلي.
على سبيل المثال أقول لكم: (لكلّ منكم اذنان) فهو أمر معلوم لديكم لكنكم غافلون عنه، وبعد الالتفات إلى القضية يصبح علمكم تفصيلياً وقد كان ارتكازياً وإجمالياً قبل سماع مقولتي.
في النتيجة يكون العلم المتوقف على التبادر علماً تفصيلياً، والتبادر لا يتوقف على ذلك العلم التفصيلي، بل على العلم الإجمالي والارتكازي الذي يكون لدى الإنسان ولو مع عدم الالتفات.
إشكال السيّد البروجردي أشكل السيّد البروجردي على اعتبار التبادر علامة بالإشكال التالي: (ويمكن أنْ يستشكل على جعل التبادر علامة للوضع هنا: هل إنَّ المراد بالوضع هنا خصوص التعييني منه أو الأعم منه ومن التعيّني؟ فإن أُريد خصوص التعييني لم يكن التبادر علامة له، إذ لا يحرز به خصوصه. وإن أُريد الأعم قلنا: إنَّه عين التبادر، إذ لا معنى للوضع الجامع لقسميه إلاّ كون اللفظ بحيث إذا سمع فهم منه المعنى. وهو بعينه التبادر والدلالة الشأنية).
وقد أجاب الشيخ المنتظري مقرر دروس السيّد المرحوم البروجردي على الإشكال وأحسن في إجابته بقوله: (يمكن أن يقال: إن التبادر عبارة عن انسباق المعنى من اللفظ، ولا يمكن هذا الانسباق إلاّ لسبق خصوصية بين اللفظ والمعنى تكون بمنزلة العلّة للإنسباق الفعلي، وهي اُنس اللفظ بالمعنى والعلقة الحاصلة بينهما المعبّر عنها بالدلالة الشأنية. وإن أبيت وجود الخصوصية بين اللفظ والمعنى اعتباراً وتحاشيت عنه، فلا أقل من وجود أُنس وحالة في ذهن المخاطب سابقاً على سماع هذا الاستعمال، وبسببه يتحقق الانسباق الفعلي، فالتبادر عبارة عن الانسباق الفعلي، والوضع أمر سابق عليه، يكون بمنزلة العلّة لهذا الانسباق)[3].
الاطراد وعدم الاطراد
من علائم الحقيقة هي الاطراد وعدم الاطراد، وعمدة كلامنا هنا يعتمد تقريرات الإمام في (تهذيب الاُصول)، وقد أرجع العلائم الثلاث هناك إلى علامة واحدة هي التبادر وغيره مسبوق به أو راجع إليه[4].
و لا يخفى أنَّ شرط كون التبادر علامة هو أنْ يكون الانسباق مستنداً إلى حاق اللفظ، أمّا إذا كان مستنداً إلى القرينة فلا يُعدُّ دليلاً على الحقيقة كما هو واضح، فهو عندئذٍ يرتبط بالقرينة والمجاز.
إذا شككنا في كون الانسباق مستنداً إلى القرينة أو حاق اللفظ، فهل هناك ضابطة نعتمدها في هذه الحالة؟
الحقّ أنَّه لا ضابطة في البين، وما يحتمل أن يكون ضابطة عبارة عن اُمور:
الأوّل: أن نقول بأنَّ للتبادر اطراداً وبذلك الاطراد يمكننا رفع الشك.
وفيه: إذا بغينا التبادر من خلال الاطراد كان الاطراد هو العلامة لا التبادر، إذا قلنا بالاطراد في التبادر فلا نعلم أنَّه مستند إلى اللفظ أو القرينة؟ إنَّ استباق المعنى شائع، إذن نفس الاطراد يعني الاستباق ودليل على كون ذلك ليس لأجّل القرينة، وذلك يرجع إلى علامية الاطراد، أي شيوع استعمال اللفظ في المعنى، وهذا لا ربط له بالتبادر، وبه لا يكون التبادر علامة الحقيقة.
الثاني: الأمر الآخر الذي يمكنه أن يكون ضابطة هو بناء العقلاء، فبناؤهم قام على أساس القول بكون التبادر للفظ عند شكهم في كونه للفظ أو للقرينة. وإثبات ذلك دونه خرط القتاد.
السؤال المطروح هنا هو: متى حصل وتبلور هذا البناء العقلائي؟
والصحيح أنّه لا وجود لهذا البناء.
الأمر الثالث: هو أصل عدم القرينة، أي إذا شككنا في أن هذا الانسباق من اللفظ أو من القرينة فالأصل عدم القرينة.
وهو كما ترى ، فإنَّ أصل عدم القرينة يأتي عند علمنا بالحقيقة والمجاز ونشك في المراد، فنحن نعلم بأنَّ الأمر حقيقة في الوجوب ومجاز في الندب، وعندنا الحكم التالي: (اغتسل للجمعة)، ولا نعلم أراد الوجوب هنا أم الندب؟ ولم تصلنا قرينة فيه، فالأصل هنا هو عدم القرينة. كما نعلم بأن الأسد هو حيوان مفترس، لكنا نشك فيما أراده المتكلم من عبارته: (رأيت أسداً) هل أراد المعنى الحقيقي أو المجازي؟ أي الرجل الشجاع، فنُجري هنا أصل عدم القرينة.
إشكالات
أوّلاً: يقول الإمام كون صحة الحمل ترجع إلى المستعلم لا عند أهل اللغة؛ لأنَّه لا طريق للعلم بصحة الحمل عند الغير إلاَّ بالتنصيص.
والإشكال الوارد هنا هو أنَّ التنصيص واحد من الطرق، وبالإمكان الحكم بصحة الحمل من خلال الشواهد والقرائن . فإذا نطق شخص بهذه الجمل أمام أهل اللسان واللغة: (زيد إنسان) و (عمر وإنسان) ولم يعترض أهل اللسان على هذا الحمل، نفهم أنَّ الحمل صحيح.
ثانياً: إذا كان الطريق منحصراً بأهل اللغة كان ذلك ليس تصريحاً بالمعنى الحقيقي، بل تصريحاً بالعلامة.
فقوله: (صحة الحمل والسلب عند المستعلم) غير صحيح، والمراد هو الصحة عند الغير أو ما هو الأعم من المستعلم والغير، وكيف يمكن القول بأنَّ المراد عند المستعمل فقط مع تصريحهم بالعموم.
لقد صرّح صاحب (القوانين) وغيره بهذه الأعمية، وأمّا ما قالوه في باب الاطراد، فنقول: إنّ الاطراد بذلك المعنى نعتبره علامة الحقيقة، وقد عرّفه الشيخ اُستاذكم في (دروس الاُصول) بحسن شيوع الاستعمال. فإذا حسن شيوع استعمال لفظ في معنى كان ذلك علامة على الحقيقة وإذا لم يحسن ذلك كان علامة على المجاز.
وبالجملة صحة الحمل والاطّراد عند الغير وعند أهل اللسان علامة للحقيقة لا صحة عند المستعلم، لكي ترد إشكالاتكم. إذن كلام القوم صحيح ولا إشكال فيه.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - تهذيب الاُصول 1: 56.
[2] - نهاية الاُصول: 47.
[3] - الإشكال وجوابه في نهاية الاُصول: 41.
[4] - تهذيب الاُصول: 57 ـ 60.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org